|
هيَ أشياءٌ عاديّة ، ليس إلاّ !
يحيى علوان
الحوار المتمدن-العدد: 5000 - 2015 / 11 / 29 - 10:57
المحور:
الادب والفن
هيَ أشياءٌ عاديّةٌ ، ليس إلاّ !
( 1 )
برميل
لما إنتقلنا إلى شقّةٍ جديدة ، كان ثمة برميل خشبيٌّ حائل اللون ينتصبُ في ركنٍ مما يسمى مجازاً حديقة ، على صغر مساحتها ، يستقبلُ ماء المطر المنسرب من المزريب . كان المستأجرون قبلنا يستخدمون ماءه لسقي الزهر والآعشاب . جارتنا الجديدة ، التي تسكن فوقنا ، قالت من شُرفتها المُطلّة علينا مُنبهةً :"أتمنى عليكم ألاّ تُبدّلوا البرميلَ ، وإنْ بدا قديماً متهالكاً ... فأنه من الخشب الطبيعي ، وهو أمرٌ نادرٌ في عالمٍ يمتليءُ بمواد مصنعة تضرُّ بالطبيعة !"
البرميلُ كان فيه ماء ، يزداد منسوبه كلما هطلَ مطرٌ ، ويقلُّ في الصيف ، يغدو مرتعاً لتفقيس بيوض البعوض ، الذي تُصرُّ جارتنا على أنه (البعوض) جزءٌ من توازن الطبيعة ! هرمَ البرميل ، فقد أكلَ الدهرُ عليه وشرِبَ – على ما يُقال ! – ولم يعد يقوى على حِفظِ ما به من ماء ، فراحَ يُسرِّبُ ما لا يقوى على حِفظه ، عبرَ شقوقٍ في ألواح الخشب ، مما أحال التربة حوله إلى بُركةٍ من الطين ، ما كانت تزعجُ أحداً ... ذاتَ يومٍ لم يصمد أحد الألواح امامَ ثقل الماء وضغطه ، فأنكسرَ وإندلقَ ماءٌ كثيرٌ في الطريق . كانت بي رغبةٌ أن أستبدلَ البرميل المتهالكَ بحاويةٍ معدنيةٍ أو من البلاستيك المتين ، لكن "تحذيرَ" جارتنا إنتصبَ أمامي ... أصلحتُ اللوحَ ورتقته بقطعة خشب ، غير أنَّ المساميرَ لم تجد ما تتشبَّثُ به بقوّة .. فحزّمتُ بطنَ البرميلِ بسلكٍ ، كي أُحكِمَ سَدادًً الفتحة . بعدَ فترةٍ غيرِ طويلةٍ ، تداعى لوحٌ آخر .. أصلحته وحزمته برباطٍ جديدٍ من السلكِ أيضاً . تباعاً تداعت بقيةُ الألواح ، وتسرّبَ ماءٌ كثيرٌ في الممررِّ الجانبي من الطريق .. فيما كانَ المارةُ يرموننا بنظراتٍ خاصة تشي بـ " لماذا لا تستبدلون البرميلَ العجوز ؟!"
مع مرور الوقت و"عمليات الترقيع " فقدَ البرميلُ شكله الدائري ، وظلَّ الماءُ ينسرب . ذاتَ يومٍ إنهارَ ، تداعت ألواحه على الأرض مثلَ خَرِبَةٍ هَدَّها زلزالٌ عنيف ...! شيّعناه إلى حاوية النفايات الطبيعية ! على مدى سنوات عمره ، كان يحتضنُ ملايينَ من قطرات المطر ... يحفظها للصيفِ ، نسقي بها الزرعَ والزهرَ .. حتى صارَ كئيباً يستدعي الشفقة ، مُفرَقَ الألواح ..! إستبدلناه بآخرَ معافىً .. لكنه بقيَ مستوحداً هناك في الزاوية ، فاغِرَ الفاه يحلمُ بقطرٍ يبُلُّ به جوفه اليابس ...!!
( 2 )
" كائنٌ صوتي "
هلْ مرَرتم بحالةٍ من " القَرَف " لا تستطيعون فيها فِعلَ شيءٍ أو قولَ شيء ؟! سأحكي لكم عن " كائنِ صوتيٍّ " بأمتياز ! لا هو صينيٌّ ولا فيتناميٌّ * إنه " بَلَدياتنا " على ما يقولُ إخوتنا الفلسطينيون !
تجلسُ معه لتناولِ وجبةٍ .. يأكلُ بنَهَمٍ حيوانيٍّ ، ملءَ فمه ... يُصدِرُ أصواتاً مُقرِفة لمّا يمضغ ، فتضيعُ شهيَّتك ، يُقرقِرُ لمّا يشرب أو يبتلع شيئاً ، يتمطَّقُ ، حتى بالحساء .. وحينَ ينتهي من الوجبةِ ، يمسحُ فمَه بظاهرِ كفِّه ، يتنفَّسُ بقوة ، ينفخُ ويضربه بكفٍّ مضمومةٍ فيتجشّأُ عالياً ، ثم يُتبعها بـ " الحمدُ لله "، يُرسِلُ بعدها بزفيرٍ حادٍّ ... كأنه إنتهى من مهمة شاقّة !
عندما تتَطلَّعُ إليه مستغرباً ، يتضايقُ فيقولُ لكَ :" مالَكَ تنظرُ إليَّ شَزراً ؟! يا أخي ، دعني أستمتعُ بحريتي ، فنحنُ ندفع فلوساً ، وليس هناك مُتفَضِّلٌ علينا !"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * الصينيون واليابانيون وكذلك الفيتناميون يتمطقون عندما يستذوقون طعاماً أو شراباً ، فالتمطُّقُ عندهم عِرفانٌ بمهارةِ الطبخ ...إلخ
(3)
هكذا هو أنا
* لا أُحبُّ المشي مسافاتٍ طويلة.. فما عُدتُ أقوى على ذلك ، لأنني مشيتُ ما يكفي لعُمرينِ أو يزيد ، حتى أُصيبت ركبتايَ بعطَبٍ لا يمكنُ إصلاحه .. ، * أُحبُّ الجلوسَ فوقَ عشبٍ يانعٍ في حقلٍ فسيحٍ .. على ضفَّةِ نهرٍ أو بحيرة .. ، * لا أُحبُّ المَطَرَ .. يُذكرني بطفولةٍ كانَ المطرُ يحوِّلُ الأزقّةَ والدرابينَ إلى أوحالٍ تمنعنا من اللعبِ ، فنلبثُُ في البيوتِ يأكلنا الضجر .. ، * تُسحرني زهرةٌ فوّاحة العطرِ ، تتَشبَّثُ بصخرةٍ ، عاريََةَ الجذور .. ، * أُفكِّرُ بالعبور إلى " الضفة " الأُخرى ، وأتركُ خلفي " النقَّ " والفقرَ وكلَّ النَكَد ، الذي يُكدِّرُ العيش .. ، * أُحبُّ الغناءَ في شوارعَ خاويةٍ ليلاً أو في الغابة ، وأضحكُ من قاعِ قلبي ، كطفلً ، متناسياً الناسَ في القطار لمّا أقرأُ كورت توخولسكي وقفشاته الحلوة ، القاطعة كالسيف .. ، * لا أُحبُّ أقنعةً مطليَّة بالضحكِ ، تستبطنُ الشرَّ ، تَتَمترسُ خلفها وجوهٌ مُتجهّمة ! * أُحبُّ الرقصَ ، لاسيما الفالص والتانغو ، حتى إنْ لمْ أجد مَنْ تُراقصني ، فأحتضنُ نفسي وأَضمُّ يدايَ حولَ وسطي ، كي لا أقعَ أو أطيرَ بعيداً ، بعيداً في المدى .. ، * أمقُتُ الخنوعَ والخيانةَ ، وأحبُّ الحريةَ للآخرينَ ولنفسي .. ، * أُحبُّ رائحةَ سريري ، تذكرني بعطورِ أسرَّةٍ مرَّتْ بي فأسكرتني .. أدفُنُ وجهي في وسادةٍ تنِزُّ برائحةِ الحُب .. فتحضرُ طيوفٌ لم تَتعبْ من النقرِ على باب الذكرى ، * أكره تبريرَ الإستقواءِ بالأجنبي ، فالأوطانُ ليست مِلكـاً للحُكّام ، * أُحبُّ أنْ أُريحَ رأسي على صدرها ، يحكي لي قصصاً ، تُنسيني نشرةَ الأخبار، التي أُتابعها في التاسعة مساءاً .. ، * أَتَلذّذُ بما يُصيبني من إنهاكٍ ، بعدَ كلِّ إنتصارٍ... على نفسي ..! ............................. هكذا هو أنا .. بكلِّ عِلاّتي !
أَلمْ أَقُلْ لكم ، هي أشياءٌ عادية ، تشبه المألوفَ ، لا تحتمل التأويل ولا طَلَب "الفتوى" ؟!
يحيى علوان
#يحيى_علوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ضِدَّ التيّار (8)
-
مقاصيرُ نصوص (2)
-
ضِدّ التيّار (7)
-
لِنَكُن أكثر جرأةً على التنوير !
-
ضِدَّ التيّار (6)
-
ضِدَّ التيّار (5)
-
في برلين ...
-
ضِدَّ التيار ! (4)
-
ضِدَّ التيّار !
-
ضدَّ التيّار !
-
ضِدَّ التيّار !!
-
دلفينُ بُنيَّتي
-
محنةُ شهرزاد
-
- أَشتري الفَرَحَ .. فَمَنْ يبيع ؟-
-
حتى الآلهة لا تُحبُّ الإجماعَ ..!
-
خُطىً تاهَتْ ...
-
نَورَس
-
-المارد - العظيم
-
شَبيهيَ في المرآة ..
-
- حِسنِيّة -
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|