|
حكايات صغيرة للشيطان
سعيد نوح
الحوار المتمدن-العدد: 4993 - 2015 / 11 / 22 - 14:12
المحور:
الادب والفن
اللحن الذي شنف آذان الرب حتى غدا الغيم سحابا حين غدا الغيم سحابا حكايات صغيرة للشيطان
يحكى أن عصفورا شابا،له قدرة مذهلة على الطيران قرر ذات صباح أن يغرد للرب ذاته. بالطبع سأل كثيرا هل يمكن له الوصول إلى الرب بجناحيه الضعيفين؟،وكان الرد واحدا لم يتغير أبدا،وأبدا أيضا لم يثنه شئ عن عزمه، ومن أجل ذلك ضرب بجناحية الهواء لأعلى،بعد فسحة من الوقت كانت الغيوم تعيق الرؤية وهو يصعد،ساعة إثر ساعة والغيوم مازالت هناك . كم من الغيوم عليّ أن أصارع حتى أرى الرب؟بمجرد ظهور السؤال في رأسه الصغير عرف أن التعب قد بدأ.تقدم فلهذه الغيوم نهاية ستأتي علي حين غرة، قال لنفسه وهو يدفع جناحيه بقوة تتجمع في روحه. كان ما يظهر من الدخان يضيف ضبابا إلى الضباب.راحت الغيوم السحرية التي تومض دون توقف تشغل تفكيره، لكن القوة التي استجمعها ظلت تدفعه للأعلى، حتى قرر الوقوف قليلا بعد مضي ساعات لا يعلمها إلا الرب.راح يرفرف بجناحيه في وسط غيمة من رحيق لا يعرف كونه. راحت أنفه تعمل بكد حتى تكشف سره .كانت هناك أكثر من رائحة لرحيق.حاول الإمساك بالعدد، فشل بعد الرقم سبعة.لعن عقله الصغير الذي لا يستطيع تجميع دستة من الروائح .وكأن الأمر سهل المنال. يبدو أن هذا الرحيق هو مجموعة مختلطة من أنواع الروائح الطيبة ، هكذا قال؛ ليخرج مما يشغله عما يستحق النظر، فنظر، لعل هناك بعد الغيوم يظهر شئ ما، فلم يجد جديد. كان يتأمل تنقل الغيوم وتبدل أشكالها، حين استمع إلى ترنيمة تلك الغيوم وهي تدخل ما بين ريشه لتستقر في إذنه وجسده الصغير. يالله الطيب!هذه إذن موسيقى الغيوم .عند ذلك جرب أن يطلق على تلك الترنيمات اسما،لكنه حين قرر ذلك انسحب اللحن. آه!! قالها من داخل قلبه الكبير:عليك ياصغيري أن تُصفّي نفسك؛ لتسمع صوت الأشياء وموسيقي السحاب. كان آخر ما قاله حكيم القرية بعد عجزه عن تغيير ما انتوى فعله. في تلك اللحظة عرف أنه يجرب كلمات لوصف ما لا يُسمّى،حين تأكد له ذلك أغمض عيونه الصغيرة، فرأى دوائر ضوء تنسحب تاركة أخرى، ثم تبدأ، لتتوحد في المركزوتتسع وراء جفنيه. تراه كان الله ؟!. خطر ذلك في باله، ففتح عينيه بسرعة. لم ير شيئا هنا أو هناك بقدر ما وسعته الرؤية. لحظة ذاك فكر أن الطرق أمامه طويلة لاشك، ولا بد متعبة، لكنه درب نفسه جيدا لهذا، ولهذا بدأ من جديد. كانت الغيوم تخترق ريشه وتعيق النظر، ومع ذلك لا يستطيع لمسها، وهكذا الرب! على كل حال كان لا يمتلك يدين، ولا يعرف وظيفة لجناحيه غير الطيران. هناك في ذلك المكان حيث من المحال لأن تميز غيمة عن غيمة، لابد أن يكون الرب، قال وهو يستمر في الطيران مازال.الغريب في الأمر أنه لم يسمع له أية أنة طوال الساعات. أبدا لم يسمع!. وعلى طول الزمان يا سادة،لم يكن سهلا انتزاع الألعاب من أيدى الأطفال، وهذا أيضا بالنسبة لأحلام الشاب والعصافير، لكن الواقع أبدا يفرض نفسه في النهاية .لما تأكدت له قدرته علي عدم اختراق الغيمة، التي لا تنتهي إلا لتبدأ، قال في نفسه:لن أبلغ أبدا سماء الرب كما قال أبي وأعمامي وكل أقراني. يبدو أني أحمل رأس غراب كما قال حكيم العصافير،عند ذلك كاد أن يترك نفسه، ليسقط كعادة العصافير عندما تذهب للأعلى،لكنه أبقى جناحيه يرفرفان بهدوء وقال بصوت عال: إذا كنت لا أستطيع بلوغ السماء، فعلى الأقل لأغرد بالقرب من تلك الغيمة، فلعلها توصل غنائي للرب، ثم بدأ في إلقاء سيمفونية الحب. غرّد لحنه وبرع فيه. وما لم يعلمه العصفور الحالم المحب آن ذاك أن الرب كان يمضي في تلك الأنحاء، ليرعى الغيوم،وشنف مسامعه ذلك اللحن حتى غدت الغيوم في تلك اللحظة كالسحاب. بعد أن أنهى لحنه سمع ما يشبه الهمهمة،كانت واضحة بحيث خيل له ، وربما شُبِّه له على وجه الدقة أن الهمهمة كان يتبعها تغير لون الغيوم وتحولها إلى ما يشبه النور في المشكاة .هل هذا ما حدث أم شُبِّه له. لم يتأكد له في حينه. وفي لحظة قرر الرجوع إلى الأرض. كان يكفيه وأكثر ما شُبِّه له، ولما لا وهو حكاء قدير؟!. علم العصفور بحقيقة ما حدث من ذلك الملاك الوردي الذي اصطدم به وهو يهبط. لم يصدقه، حتى نفسه كذبته،ولعبت به وساوسه، وقال لنفسه: هذا الملاك الوردي يتقول على الرب الإله!.وحين قابله ملاك آخر ، وأكد له ما قاله الملاك الأول قال له وقد حسبه الشيطان: إذا كنت مما يسخرون من القيم ،فتجنب علي الأقل الأنحراف. لكن حين أخبره ملاك ثالث لم يتمالك وتيقن أنه غنى للرب ذاته، وراح يحكي قصته بكل تفاصيلها ، يرددها على أشجار العشاق، وعربات ترام الفقراء، وسط الميادين قال : فهتفت فرحا للحرية، فوق المأذن والأجراس واقباب. غنى الملحمة، فركع الزرع والورد فوق اأارصفة وعلى المقاهي. ترددت الحكاية، ووصلت حتى أضرحة الموتى . عرفت بحكاية اللحن الذي شنف آذان الله، حتى غدا الغيم سحابا،رغم أن أحدا لم يعرف على وجه الدقة كيف لا يغدو الغيم سحابا ،وحين نتأكد من ذلك فلا معجزة هناك. ورغم ذلك لم يترك العصفور المجنون مكانا لم تمسه الحكاية. الغريب يا سادة في الأمر أن الرب لم يكذب ذلك.
#سعيد_نوح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خيوط الزمن التي صاغت عالم بيتر بروك الجمالي
-
قراءة في -الكاتب والمهرج والملاك الذي هناك -.. الروائي المصر
...
-
فصل من رواية الكاتب والمهرج والملاك الذي هناك ..سعيد نوح
-
شهادة روائية لسعيد نوح ..روائي مصري
-
إشكالية الدين والسياسة في تونس
-
غياب العقل النقدي والتمسك بالنقل والمتن على حساب النص من أهم
...
-
خدني المظاهرة يا حبيبي معاك / شهادة أدبية
-
سعيد نوح رئيس لمصر .. كتب عليك يا ابن نوح أنك مخلوع مخلوع
-
علاقة اللغة والمجاز ورؤية الإنسان للكون في كتاب المجاز واللغ
...
-
الفصل الأول من رواية ملاك الفرصة الأخيرة
-
الفصل الثاني من رواية ثلاثية الشماس
-
قصة قصيرة:الشيخ قاسم
-
قصة :عريف أول
-
قصة :في انتظار اللقاء الثاني
-
قصة: ثلاثية الشماس
-
قصة : كما يجب عليك قبل أن تحتل المقعد الأخير
-
مقال
-
قصة حذاء عمي اللميع
-
جزء من رواية :الكاتب والمهرج والملاك الذي هناك
-
جزء من رواية كلما رأيت بنتاً حلوة أقول يا سعاد
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|