|
عن العشق والعشاق... ثرثرة من الداخل
منير ابراهيم تايه
الحوار المتمدن-العدد: 4988 - 2015 / 11 / 17 - 16:36
المحور:
الادب والفن
عن العشق والعشاق... ثرثرة من الداخل يتساءل البعض هل العشق مرض؟ وهل يدخل الحب في دائرة الأمراض حتى نبحث له عن علاج؟ هكذا اعتبره أجدادنا الأطباء العرب المسلمون كالرازي وابن سينا وغيرهم... الإمام ابن القيم في كتابه الرائع "روضة المحبين" يعتبر ان الحب العنيف نوعا من (المناخوليا) و(المناخوليا) تحت الجنون بدرجة واحدة.. وقد جن كثيرون من العشق على مر التاريخ العربي، بل إن بعضهم مات عشقا؟؟ إذا كيف اعتبروه كذلك؟ وما هي أسباب وأعراض هذا المرض وكيف يتم علاجه؟ إذا زاد الحب عن حده وسيطر على تفكير العاشق ليل نهار، وأصابه الاضطراب والاكتئاب، وربما منعه من مزاولة حياته الطبيعية والاجتماعية السليمة، وأصابه الهم والسقام، فإن الحب في هذه الحالة يعتبر مرضا يؤدي لعدد من الأمراض يقول ابن داود :الحب نوع من الاستلاب يتخلى فيه المحب عن التفكير والتخيل والإحساس بأي شيء سوى المحبوب. اما ابن العتيم فيصف الحب بأنه غليان القلب وثورانه عند الاهتياج إلى لقاء المحبوب . وقال ابن الإعرابي: تام،، إذ عشق، وتام إذا تخلى من الناس والتبل رجل متبول أي اسقمه الهوى وقلب متبول اذا غلبه الحب وهيمه الدله ذهاب الفؤاد من هم أو نحوه كما يدله عقل الانسان من عشق او غيره.؟؟ وقال ابن حزم: للحب علامات يقفوها الفطن ويهتدي اليها الذكي فأولها : إدمان النظر، والعين باب النفس ، وهي المنقبة عن سرائرها والمعبرة لضمائرها وبواطنها فترى الناظر لا يطرف يتنقل بتنقل المحبوب وينزوي بانزوائه ويميل حيث مال . اما الفلاسفة فلم ينكروا علينا في الزمن الماضي أو الحاضر تلك التعابير الجميلة عن وصف العشق فقال افلاطون عن العِشق، هو حركة النفس الفارغة بغير فكرة وحين سئل ديوجانس عن العشق، فقال: سوء اختيارٍ صادف نفسا فارغة وقال أرسطوطاليس: العشق، هو عمى الحسِّ عن إدراك عيوب المحبوب وإما الاسلاميين ومنهم المأمون بن يحيى بن أكثم فقال عن العشق هو سوانح للمرء يهيم بها قلبه وتؤثرها نفسه! اما الأصمعيّ فقال: العشق ذل وجنون واما قصته والعاشق فهي من المأثورات حيث يقول بينما كنت أسير في البادية، إذ مررت بحجرٍ مكتوبٍ عليه هذا البيت أيــا مـعشر الـعشاق بالله خـبروا **إذا حلّ عشقٌ بالفتى كيف يصنعُ - فكتبت تحته البيت التالي: يــداري هــواه ثــم يـكـتم ســرهُ **ويخشع في كل الأمور ويخضعُ - يقول: ثم عدت في اليوم التالي فوجدت مكتوباً تحته هذا البيت وكيف يداري والهوى قاتل الفتى**وفـــي كـــلّ يــومٍ قـلـبه يـتـقطّعُ - فكتبت تحته البيت التالي إذا لـم يـجد صـبراً لـكتمان سـرهِ**فليس له شيءٌ سوى الموت ينفعُ - يقول الأصمعي: فعدت في اليوم الثالث، فوجدت شابا ملقى على ذلك الحجر ميتا ومكتوب تحته هذان البيتان سـمـعـنا أطـعـنا ثــم مـتـنا فـبـلّغوا**سلامي إلى من كان بالوصل يمنعُ هـنـيـئاً لأربـــاب الـنـعيم نـعـيمهمْ**ولـلـعاشق الـمـسكين مــا يـتـجرعُ لقد اعتبر العشق أنه شكل مفرط من أشكال المحبة. على الرغم من انه ينظر فيه إلى الحب على أنه عاطفة سامية يتحلى بها الإنسان، غير انه يعتبر حالة مرضية تحدث نتيجة للمغالاة الشديدة في الحب، وحين ينعكس ذلك بآثار سلبية على شخصية الانسان العاشق ويظهر ذلك باضطرابات جسمية، فضلا على الاضطرابات السلوكية والتي كثيرا ما تدفع الشخص المصاب لأن يرتكب تصرفات غير عقلانية. فالحب العنيف مرض.. فما هو العلاج اذن؟ تقول ام الضحاك المحاربية وهي التي عرف عنها حبها الشديد لزوجها، وندبها هذا الحب بعد ان طلقها لتقول: سألت المحبين الذين تحملوا / تباريح هذا الحب في سالف الدهر فقلت لهم ما يذهب الحب بعدما / تبوأ ما بين الجوانح والصدر؟ فقالوا شفاء الحب حب يزيله / من اخر أو نأي طويل على هجر أو اليأس حتى تذهل النفس بعدما / رجت طمعا واليأس عون على الصبر اما أول من تكلم في مرض العشق من الأطباء هو الطبيب اليوناني أبقراط حيث قال واصفا: "العشق طمع يتولد في القلب وتجتمع فيه مواد من الحس. فكلما قوي ازداد صاحبه في الاهتياج واللجاج وشدة القلق وكثرة السهر. وعند ذلك يكون احتراق الدم واستحالته إلى السوداء، ومن طغيان السوداء وفساد الفكر يكون الفدامة وهي قلة الفهم ونقصان العقل، ورجاء ما لم يكن وتمني ما لم يتم حتى يؤدي ذلك إلى الجنون. وحين ذلك ربما يقتل العاشق نفسه، وربما يموت غما. وربما وصل إلى معشوقه فيموت فرحا أو أسفا. اما ابن سينا فيقول في ذلك ؛"هذا مرض وسواسي شبيه بالمالينخوليا يكون الإنسان قد جلبه إلى نفسه بتسليط فكرته على استحسان بعض الصور والشمايل التي له، سواء أعانته على ذلك شهوته أم لم تعنه". اما سبط المارديني فقد قال في مخطوطته الطبية المسماة الرسالة الشهابية في الصناعة الطبية عن أعراض وعلامات مرض العشق: "وعلامته غؤور العينين وجفافهما إلا عند البكاء، وغلظ الجفن من كثرة السهر والأبخرة المتصاعدة إليه. ويعرف معشوقه بوضع اليد على نبضه وذكر أسماء وصفات، فإذا اختلف النبض عرف أنه هو" وهناك حكاية تروى عن ابن سينا وملخصها، أنه وقع أحد الفتيان من أبناء أمراء فارس في مرض عضال، وقد عجز الأطباء في ذلك الوقت عن معرفة هذا المرض وبالتالي علاجه. فكان الشاب ينحل ويضعف يوما بعد يوم، وقد امتنع عن الطعام لانعدام الشهية حتى هزل ولزم الفراش. ولما عجز الأطباء عن إيجاد الدواء الشافي لمرض هذا الفتى، لجأ أهله لابن سينا يرجونه زيارة المريض والنظر في حالته بعد أن يئسوا تماما من شفائه. وفور وصول ابن سينا إلى بيت المريض سأل عن أعراض سقمه وما آل إليه حاله. ثم دخل على الفتى وفحصه بعناية، وجلس بجانب فراشه ووضع أصبعه على نبضه، ثم طلب من أحد الخدم أن يعدد جميع أحياء تلك البلد، ولما وصل الخادم إلى ذكر حي ما لاحظ ابن سينا أن نبض الفتى قد تسرع. وعندئذ طلب من الخادم أن يذكر أسماء العائلات التي كانت تقطن ذلك الحي، ولما أتى الخادم على ذكر اسم معين من تلك الأسماء شعر بأن نبض الفتى قد تسرع أكثر. وهنا سأل ابن سينا إن كان لتلك العائلة من بنات فأجابوه نعم، فقام من توه إلى أهل الفتى وقال لهم لقد بان السبب فزال العجب إن ابنكم عاشق إحدى بنات تلك العائلة، وهذا هو المرض وعلاجه بالزواج من تلك الفتاة. هذه القصة الطريفة تفسر أنه لماذا أكثر الأطباء العرب المسلمون الذين تحدثوا عن مرض العشق قد اعتبروا اضطراب النبض لدى ذكر المعشوق هو من العلامات التشخيصية لهذا المرض. يقول ابن سينا في علامات هذا المرض: "وعلامته غؤور العين ويبسها وعدم الدمع إلا عند البكاء، وحركة متصلة للجفن ضاحكة كأنه ينظر إلى شيء لذيذ أو يسمع خبرا سارا أو يمزح. ويكون نفسه كثير الانقطاع والاسترداد فيكون كثير الصعداء. ويتغير حاله إلى فرح وضحك أو إلى غم وبكاء عند سماع الغزل ولاسيما عند ذكر الهجر والنوى. وتكون جميع أعضاؤه ذابلة خلا العين، فإنها تكون مع غؤور مقلتها كبيرة الجفن سميكته لسهره. ويكون نبضه نبضا مختلفا بلا نظام البتة كنبض أصحاب الهموم، ويتغير نبضه وحاله عند ذكر المعشوق خاصة وعند لقاءه بغتة. ويمكن من ذلك أن يستدل على المعشوق أنه هو إذا لم يعترف به، فإن معرفة معشوقه أحد سبيل علاجه. والحيلة في ذلك أن تذكر أسماء كثيرة تعاد مرارا وتكون اليد على نبضه، فإذا اختلف بذلك اختلافا عظيما وصار شبه المنقطع ثم عاود وجرب ذلك مرارا علمت منه اسم المعشوق. ثم يذكر كذلك السكن والمساكن والحرف والصناعات والبلدان، وتضيف كلا منها إلى اسم المعشوق ويحفظ النبض، حتى إذا كان يتغير عند ذكر شيء واحد مرارا جمعت من ذلك خواص معشوقه من الاسم والحرفة ما عرفته. فإنا قد جربنا هذا واستخرجنا به ما كان الوقوف عليه منفعة اذا يمكن تلخيص أعراض وعلامات مرض العشق كما ذكرها الأطباء المسلمون القدامى: النحول – قلة الشهية – غؤور العين مع سماكة الجفن – حب العزلة مع الاسترداد وكثرة الصعداء – اضطراب النبض وخاصة تسرعه لدى ذكر المعشوق أو أي شيء يتصل به كما أجمع الأطباء العرب المسلمون الذين تحدثوا عن مرض العشق أن أفضل وأنجع علاج لهذا المرض هو الجمع بين العاشق والمعشوق وذلك على نحو تبيحه الشريعة وعلى نحو مخالف للشعراء، فانهم نظروا إلى هذا المرض على أنه حالة مرضية كغيره من الأمراض العصبية أو النفسية له أسبابه المرضية وعلاماته وأعراضه وعلاجه. وافاضوا في شرحه موضحين أن لهذا المرض علاجات مختلفة تطبق حسب حالة المريض وحسب درجة ثقافته، بالإضافة لطبيعة الظروف المحيطة به كنصح العاشق وتعنيفه على أفعاله إذا كان من العقلاء. يقول ابن سينا في ذلك: "وإن كان العاشق من العقلاء فإن النصيحة والعظة له والاستهزاء به وتعنيفه والتصوير لديه أن ما به إنما هو وسوسة وضرب من الجنون، مما ينفع نفعه، فإن الكلام ناجع في مثل هذا الباب". او إشغال العاشق بالعلوم العقلية ومجالسة أهل الفضل، واشغاله ببعض الأمور الدنيوية الأخرى التي تصرف تفكيره عن كثرة التفكير بمعشوقه. ويوضح ابن سينا هذه الحقيقة بقوله: "ثم إن لم تجد علاجا إلا تدبير الجمع بينهما على نحو يبيحه الدين والشريعة فعلت، وقد رأينا من عاودته السلامة والقوة، وعاد إلى لحمه. وكان قد بلغ الذبول وجاوزه، وقاسى الأمراض الصعبة المزمنة والحميات الطويلة بسبب ضعف القوة لشدة العشق. ولما أحس بوصل من معشوقه بعد مطل معاودة في أقصر مدة قضينا به العجب، واستدللنا على طاعة الطبيعة لأوهام النفس". وبعد: يبقى العشق هو مايشغل بال الذين طالما تفننوا في الكتابه له بأحاسيسهم ووجدانهم وخصوصا الشعراء القدامى الذين كان لبيئتهم دور كبير في إبداعهم الشعري.
#منير_ابراهيم_تايه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|