|
الخروج
صفوت فوزى
الحوار المتمدن-العدد: 4984 - 2015 / 11 / 13 - 20:44
المحور:
الادب والفن
البيوت المتداعية تتساند على بعضها ، تتضام طلبا للدفء . ليلة شتوية باردة غاب عنها القمر . زحفت العتمة على الشوارع والحارات والبيوت فاختفت الأشياء . الكلاب التى أجهدها النباح تكومت عند الجدران الجهمة الواقفة .على البعد ، شجرة الجميز العجوز تقف صامتة تصيخ السمع لايقاع الحياة الذى يذوى . ريح الليل تزوم ، تخب وئيدة فوق تراب الحارة توزع بردا وحزنا . مواء قطط كطفل صغير تركته أمه نهبا للجوع والخوف والبرد . أسمعها فتنتصب أمامى كل مخاوفى من الظلام والعفاريت السارية فيه المتشكلة فى كل الصور؛ حمير ، أرانب ، بشر ، وقطط سوداء مقطوعة الذيل . مطر خلف النافذة ، يشعل الحنين فى المواقد والحكايا . قامت أمى . أشعلت وابور الجاز تطرد بحرارته البرد المتسرب من شقوق الأبواب المغلقة . وشيشه يصاحب رحلتنا الى النوم . يشرخ الصمت المنسدل على الحيطان . جدتى – متشحة بالسواد – تنكمش فى ركن الغرفة تعد قهوتها المرة تشربها على مهل . تسرج قناديل الذاكرة وأنا أتوسد فخذها الضامر والرهبة عالقة بوجهى ، أتشرب – بشغف ولهفة – حكاياتها . تحكى عن رجلها – جدى – ومغامراته التى لا تنتهى مع الأرواح الشريرة . يذهب للحقل فى سواد الليل ليلحق بنوبته فى الرى ، رافعا ذيل جلبابه يخوض فى الماء وبطن الطين الطرى . على الجسر الموازى للترعة يظهر له حمار يسرح وحيدا . يفرح الرجل بالركوبة التى جاءت فى وقتها . عندما هم بالاقتراب منه ظل يتباعد عنه فيما استطالت رقبته وسيقانه وظلت تطول وتطول حتى لتقارب شواشى النخيل ، والرجل تسمر فى مكانه ولم تعد قدماه قادرتان على حمله . فى ليلة أخرى ، يتراءى له سرب من الأرانب البيضاء تضوى فى ظلام الليل ، ترتعش آذانها وتتطلع اليه ، وهو – بطول التكرار – كان يدرك حيل الأرواح الشريرة الهائمة فى الليل . رسم علامة الصليب ومضى فى طريقه . من فوق سطح الدار عوى كلب عواء مقبضا ممطوطا مرتعشا بالخوف . انقبض وجه جدتى وصاحت بغيظ حاد : إمشى داهية تاخدك . على تخوم النوم أمضى . أنزلق فوق زيت ناعم . يسحبنى الى أغوار سحيقة . مصباح الغاز ينفث من حولى الدخان والضوء وعشرات الأشباح المتشكلة على الجدار تدور وتنقض . الخوف يرتعش فى قلبى . تتزاحم حولى حمير تطول رقابها وسيقانها حتى تلامس السحاب . كائنات مشوهة عصية على التصنيف ، يخرج من عيونها الشرار تطاردنى وأنا موثق القدمين . أرانب بيضاء تتطلع الى بعيونها الغبية . تتكاثر أعدادها حولى فأتعثر فيها . أسقط ، أقوم ، أعدو ، ألهث . حلقى حطبة جافة والهواء ينسحب . النوم يغلق على جفنى آخر أبوابه ويغيب بى فى جب ظلام لا نهائى ، ولا أجد صوتى لأصرخ . ●-;- ●-;- ●-;- الصرخة الأولى ملتاعة مشجوجة الرأس تتعلق بآخر أنفاس الحياة . حادة كنصل سكبن مشحوذ بمضاء شقت جسد الليل الصامت . - يا قتيل ولاد عمك يا خويا . صوت يخرج من أحشاء محشوشة ، يقطع نياط القلب ، انغرس فى القلوب المضغوطة تحت ثقل الظلام ، يهتز له الرب الجالس فوق العرش . الحارة تتململ ، تفزع ، تهرول ، تقف على أطراف أصابعها تستطلع الخبر . وأنا من نافذة الغرفة ، وجيوش نمل تروح وتغدو داخل عروقى ، أفرك عن عينى النعاس لم أزل . أرقب الرجل منكفئا على وجهه ، والمرأة تحاول جاهدة أن تقبمه من التراب . نصل سكين حاد مغروس فى صدره وقطرات من دم تنسال من جرحه المفتوح ، تتجمع على الأرض والكلاب تقف على مقربة . طار الخبر فى الحارات . طيره الصراخ المتجاوب من فوق أسطح الدور ، وطيرته النسوة الدائرات معصوبات الرؤوس بالطرح السوداء يولولن ويلطمن الخدود . يخمشن الوجوه ويعجن شعورهن بالطين الناعم . امرأة القتيل زادت فصبغت ملابسها بالنيلة الزرقاء . كنسوا الحارة ورشوها بالماء . صفت المقاعد لصق الجدران وبدأ الجناز ولكنه كان هناك . واقفا فى غبشة المساء ودمه ينز . ترك علامته فوق الأرض الطرية . لم تمحها حلة العدس المطبوخ المدلوقة فوقها . قالوا لنا يومها أنها ستمنع عفريته من الظهور . عيناى تندسان فى تكوينات العتمة كل ليلة . أراه فى عراك القطط ومواؤها الوحشى . فى نباح كلب فى صحن الليل الخالى . أسمع أصواتا غريبة صادرة عن حركات مبهمة عسيرة التفسير . تتصاعد معها مخاوفى كأفاع تتراقص فى أبخرة سوداء لا أستطيع منها خلاصا . أتشمم الليل الساكت ، وقد ابتلع أصوات النهار ، ويفرزها الآن – على مهل – وسوسات وهمهمات تقشعر لها أطرافى . من فرجة الخوف يتسلل الى صوتها الوحشى . يأتينى بأرتال الخوف والرهبة . تزحف خيوطها على من كل جانب ، كأنما تدفعنى من أعلى منحدر . قلبى يضغط كل تجويف صدرى . أخاف منها ، وأكرهها بقدر ما أكره خوفى . شئ ما يستولى على ورغبة جارفة تدفعنى . درجات السلم أقطعها قفزا . أخرج الى الحارة . وجها لوجه أقف أمامها . ماءت مواءها الوحشى . رعدة خفيفة تسرى فى بدنى ، لكنى لا أتراجع . بعصا فى يدى أضربها . تفادت الضربة ومرقت تعدو . خوفى يتوارى ، يبهت ، يصير بلا معنى . القمر فى السماء البعيدة يفرش ضوؤه على البيوت الواطئة ، كانت فى بقعة الضوء الساقطة عليها مجرد قطة سوداء مقطوعة الذيل . ------------------------
#صفوت_فوزى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكلمة
-
بعاد
-
إختيار
-
هاتف
-
الموت جبان
-
الاعتقاد فى الخرافة
-
التهمة .. أنثى
-
خراط البنات
-
الصفعة
-
فات الميعاد
-
جفاف
-
مبتدأ الأوجاع
-
ابهام
-
مكان فى القلب
-
نظام
-
عرائس العجين
-
مجدى شلاطة
-
النهار الذى كان
-
صهيل
-
ثقب الابرة
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|