أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - الشاعر الشيلي بابلو نيرودا ـ تعالوا انظروا الدم في الشوارع















المزيد.....

الشاعر الشيلي بابلو نيرودا ـ تعالوا انظروا الدم في الشوارع


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 370 - 2003 / 1 / 17 - 05:57
المحور: الادب والفن
    


 

                  خاص: الحوار المتمدن

*الاهداء: الى ذكرى صديقي الراحل جورج فرنسيس

 

كانت السلطات المكسيكية قد اعلنت حالة الطواريء في الخمسينات بحثا عن الروائي الكولومبي الشهير غابريل ماركيز بناء على سلطات بلده، وكجزء من حملة ارهاب ضدكتاب اليسار في القارة الامريكية الجنوبية، وحين ضاقت بغابريل الارض على وسعها، حيث كانت صوره موجودة في نقاط التفتيش كأي مجرم هارب، دخل سرا الى السفارة الشيلية في المكسيك.في داخل السفارة جرت فصول أغرب قصة تهريب لروائي في القرن العشرين لما انطوت عليه من معان وقيم وجرأة وشجاعة واخلاق تضامن صارت مثلا نادرا في التقاليد الادبية والاخلاقية والسياسية تستحق فعلا ان يطلع عليها جيل عراقي فر من الوطن
في السنوات الاخيرة وشرع يتعرف لأول مرة على تقاليد عالم الكتاب في مناخ من الحرية والتفتح. والخوف، كل الخوف، هو في سقوط هذا الجيل تحت تأثير من تيار سياسيوي لم يرث من كل علوم وثقافات الكون غير خبرة الكي.جي.بي،اي ثقافة
الوشاية ويحاول نقلها الى الشبيبة العراقية التي تنظر لكل من يحمل القلم وبدافع البراءة والطيبة نظرة الى ملاك دون أن تعرف ان بين هؤلاء من لا يحمل من صفة الانسان غير الشكل.


   كان اقتراح السفير الشيلي مجنونا ولا يمكن أن يقدم عليه سفير آخر في العالم، بل ربما كانت المرة الوحيدة التي غامر بها سفير دولة ووضع موقعه على حد السيف، والاقتراح هو ان يسافر غابريل ماركيز بجواز سفر السفير الى باريس !

وكان غابريل في المطار يعامل من قبل السلطات ويحتفى به حسب التقاليد الدبلوماسية وما من أحد يشك ان هذا السفير المزور هو غابريل ماركيز الهارب الذي تبحث عنه الشرطة المكسيكية في كل مكان.وفي مطار باريس استقبل كما يجب من اصدقاء وكتاب وقضى تلك الليلة يروي حكاية الهروب التي انطوت على معان اخلاقية سامية.


لكن من هو السفير الشيلي المجنون المغامر الذي منح جواز سفره الى الروائي المطارد؟إنه الشاعر الشيلي العظيم بابلو نيرودا!واسمه الحقيقي هو (ريكاردو نفتالي ) لكنه استعمل اسم بابلو كإسم مستعار اعجابا بالشاعر التشيكوسلوفيكي جان نيرودا وكتب كل قصائده بهذا الاسم المستعار ومنح جائزة نوبل به !


  وليس غريبا هذا الامر على شاعر وانسان كبير مثل بابلو كان يعيش الحياة والكتابة في تطابق وعلى مستوى واحد دون ان يكون الانسان شيئا والكاتب شيئا اخر مختلفا أو نقيضا.  على جدار غرفة المكتبة، وضعت بطاقة بريدية جاءتني قبل سنوات من كوبا ارسلها المرحوم الصديق جورج فرنسيس وقد ذكرتها في رواياتي" سنوات الحريق" كما هي مع ذكر اسم جورج كما هو، وهذه الصورة هي مجموعة جياد تركض في سهل اخضر مفتوح في نشوة بدائية تصل حد الرقص والفرح الغريزي بالسهول المعشبة.

وبطاقة الخيول هذه تبدو واحدة من قصائد بابلو نيرودا الذي احتفلت قصائده على الدوام بخيول شيلي وحجارتها وسهولها وجبالها وعشاقها وثوارها وطيورها. فهذا الشاعر هو شاعر الحياة حقا، ويكتب كما الاشجار تورق، والنغم في اشعاره
كالنسيم في الوردة، أو كصوت مجرى الماء فوق صخور جبال شيلي التي احبها بشغف وغبطة وفرح طفولي بريء.


وبابلوا نيرودا شاعر أحب قضايا شعبه حتى اللحظة الاخيرة حيث ظل واقفا كسنديانة صلبة في ساعات الانقلاب في 13 ايلول 70 وقتل أو مات  موتا غامضا مع صديقه اللندي في تلك اللحظات المريرة من الانقلاب الفاشي المدعوم من المخابرات
الامريكية.

لكن التزام نيرودا كان من نوع اخر مختلف، ليس  هو عشق البلدوزر، او الكتابة عن فوائد البصل في الكولخوز، أو جماليات ماكنة الخياطة، بل التزام القلب البشري، للعاطفة الاصلية في الانسان، للحب، للطبيعة، للجمال العفوي غير المدرك لنفسه .
جمال البراري والغزلان والبراءة والضمير والصخور والنسور  وحشرات الليل المضيئة.
انه الاحتفال بالحياة.وهذه هي صفة صاحبه وحامل جوازه غابريل ماركيز. فحين سئل غابريل عن  التزام الكاتب أجاب:
ـ أن يكتب جيدا!

لكن الامور لم تكن كذلك فيما صار يعرف بالاتحاد السوفيتي، ومن نسخ التجربة السوفيتية في السياسة وفي الادب وفي الحياة، وخاصة النسخة العربية الأكثر رداءة من مثيلاتها في كل انحاء العالم بما في ذلك نسخ العالم الثالث.فالطبعة العربية في تقليد التجربة السوفيتية في كل شيء تتسم، كما في اي شيء آخر، بالسطحية والمغالاة والتطرف والقبلية والتدين المستتر الرديء واخلاق الشوارع الخلفية والطائفية المغلفة بصبغة اليسار والشذوذ المعلّب بصوفية حزبية كاذبة سرعان ما تكشف وجهها الحقيقي في صراعات لاحقة والصبينة والانبهار الساذج الذي لا يحاول حتى فهم الظاهرة الرديئة اصلا.وتجربة الروائي الروسي بوريس باسترناك الذي حاز على جائزة نوبل عن روايته" الدكتور زيفاكو" خير شاهد على هذا الارهاب، حيث قامت المؤسسة الثقافية البوليسية العريقة في تقاليد التشهير ـ والتي تخلت عنها اليوم وسلمتها لنسخ مفلسة بالمعنى الشامل للافلاس  ومنها نسخ عراقية هرمة وعريقة في تقاليد الخسة ـ قامت هذه المؤسسة بحملة ضارية تعرضت لحياة باسترناك ولم تترك به شيئا لأن الروائي نشر روايته في دار نشر في ميلانو في ايطاليا واثار نشرها ضجة في
الاوساط العالمية.


يعلق الدكتور عيسى الناعوري على هذه الحادثة في كتابه" دراسات في الاداب الاجنبية"  قائلا ان باسترناك طرد من اتحاد الكتاب وكأن المرء لا يكون كاتبا أو اديبا إلا اذا كان ببغاءً في قفص ، وان حملة تشهير وتجن شنت على الكاتب
حتى انه رفض استلام جائزة نوبل لكي يثبت لهم أنه اكثر وطنية منهم، واعتزل الحياة العامة في عزلة حتى مات وحيدا.
وبعد باسترناك عاش الروائي الكبير اليا أهرنبورغ صاحب رواية" ذوبان الثلوج" التي فضح وعرى فيها مرحلة كاملة من  الارهاب السياسي والعام، محنة قاسية من الارهاب حتى اقر المؤتمر العشرون للحزب بما جاء في" ذوبان الثلوج" في
انتصار جريء لروائي في تلك الحقبة.

لكن فوز الشاعر بابلو نيرودا بالجائزة كان له صدى مختلفا لأن تقاليد الخوف والرداءة لم تسيطر على الحياة الثقافية في شيلي حيث كان شعراء وكتاب وادباء هذا البلد وادباء امريكا اللاتينية عموما يبدون استقلالية شخصية قوية وثقة بالنفس عارمة واحتراما يستحق الاعجاب للتقاليد الوطنية لذلك حصلوا على شهرة عالمية دون الغرق في وحول التقليد الاعمى ومن بينهم طبعا غابريل والروائي الغواتمالي الحائز على نوبل انخيل اوسترياس صاحب رواية "السيد الرئيس" وهي ادانة فاضحة
للدكتاتورية وجورج أمادو البرازيلي وغيرهم الكثير.

   اشترك بابلو في الحرب الاهلية الاسبانية ضد نظام فرانكو في منتصف الثلاثينات وهناك تعرف على كبار كتاب العالم ومنهم الروائي الفرنسي اندريه مالروا الذي كان طيارا في قوات الثورة، وتعرف على من سيكون صديقه وجرحه الكبير الشاعر
الاسباني لوركا الذي قتل غدار فيما بعد.

قال لوركا عن بابلو:

" إنه شاعر أقرب الى الموت من الى الفلسفة، والى الالم منه الى الذكاء، والى الدم منه الى الحبر. انه شاعر مليء بالاصوات الساحرة التي لا يستطيع هو نفسه ـ لحسن الحظ ـ  ان يفسرها، وهو رجل حق، يعرف ان طائر السنونو أكثر بقاء من التمثال الصلب/ ان شعر نيرودا يرتفع بنغم لا مثيل له في امريكا: مليء بالحب،
وكله عذوبة وصدق/ ان نيرودا لا يعرف الحقد والسخرية، وحين يريد ان يعقاب ويرفع السيف يجد نفسه امام حمامة جريحة بين اصابعه".

وشاءت الاقدار أن يُقتل لوركا على يد وحوش ضارية بدون سيف أو حتى ان يعاقب احدا.طلب منه قاتله في الوادي أن يركض ثم أطلق عليه النار من الخلف، فسقط تلك الليلة قمر غرناطة في بركة دم.

أما بابلو نيرودا فلم يطلب منه الفاشيست أن يركض لأنه كان محمولا على نقالة وهو يصرخ في ليلة الانقلاب:

تعالوا انظروا الدم في الشوارع!
تعالوا انظروا الدم في الشوارع!
تعالوا انظروا الدم في الشوارع!

 



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعر ولتر تونيتو ـ كفن لبلاد الرافدين
- الروائي الالماني هرمان هيسه ـ اذا ما إستمرت الحرب
- الشاعر عباس خضير ـ الحرب والاعتقال والمنفى والذهول
- الشاعرة اليزابث. ر . كري ـ عشية الحرب
- الشاعر ديفد ري،David Ray ـ الى طفل في بغداد
- الشعر الاجنبي والحرب ـ موسم قتل العراقيين
- القاص مهدي جبر ـ وداعا طائر التم
- الروائي نوري المرادي ـ خضرمة ـ الموسم الخامس.
- إحتفالية بالروائي عبد الخالق الركابي ـ سابع ايام الخلق
- الروائي مهدي عيسى الصقر..و.. ـ أشواق طائر الليل
- الروائي الطاهر بن جلون و ـ تلك العتمة الباهرة
- الروائي المغربي محمد شكري و ـ زمن الاخطاء
- عبد الله القصيمي، المتمرد القادم من الصحراء
- الشاعر أمين جياد و ـ لمن أقول وداعا؟
- الشاعر حسين عبد اللطيف في- نار القطرب-
- احتفالية بالشاعر رعد عبد القادر و- دع البلبل يتعجب
- احتجاجات المثقف والارهاب وغياب تقاليد التضامن - التضامن مع ا ...
- نقد المثلث الأسود / رجل واحد شجاع يشكل أغلبية !
- وثيقة التوجهات السرية!
- صرخة تضامن مع مروان البرغوثي


المزيد.....




- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - الشاعر الشيلي بابلو نيرودا ـ تعالوا انظروا الدم في الشوارع