أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - البدراوى ثروت عبدالنبى - القرية .. قصة قصيرة















المزيد.....

القرية .. قصة قصيرة


البدراوى ثروت عبدالنبى

الحوار المتمدن-العدد: 4983 - 2015 / 11 / 12 - 20:06
المحور: الادب والفن
    


عصارى يوم الخميس داخل قرية من قرى الدقهلية بدايتها ترعة تفصل بين الطريق و الأراضى الزراعية  يفصل بين الأراضى مجرد جسر صغير تسير عليه الحيوانات ، فجميع القرى المحيطة بالقرية  ذهب أغلب رجالها إلى الخليج و العراق وعادوا فتغير الشكل التقليدى للقرى و الفلاح ، تغير الملبس وظهرت الوحدات الصحية إما بتبرعاتهم أو من الحكومة و أيضا انتشرت المدارس و على الأسطح أطباق إستقبال الأقمار الصناعية ، شكل المبانى تغير من الطوب اللبن إلى عمارات متعددة الطوابق ،و انتشرت الالآت الزراعية للحرث ،  لكن هذه القرية مازالت المنازل بها طابق أو طابقين ، لم يتغير شكلها ، فالرجال جميعهم يقوموا الى عملهم مع أذان الفجر يصلوا وبعدها يذهبوا إلى عملهم و ينتهى العمل مع أذان الظهر  ، ولكل منزل جدول فى الطعام يبدأ بالعدس و الزفر المذبوح فى منتصفه و أخر الأسبوع دائما ما يكون أرز و بطاطس و بصل ، فالوقت منظم مع وقت الصلاة ينتهى اليوم بصلاة العشاء الا يوم الخميس .
وهناك الشيخ منصور العدوى إمام المسجد الوحيد بالقرية ، هو المسئول عن التعليم  من خلال الكتاب يعلم القراءة و الكتابة ، فله جسد ضخم ، يلبس الجبة و القفطان و الحزام  ، هادئ لا ينفعل أبدا ، صوته اذا تكلم يخرج جهورى يصل الى القلب ، لم يرى مرة واحدة بعينه دموع مطلقا  حتى بالصلاة حتى ظن الأهالى انه لا يهاب أى شئ ، له سلطة مطلقة على الجميع لا يرد له كلمة او حكم على أحد فهو المحكمة العرفية و لا محكمة سواها فهو بيده الزواج و الطلاق و أحيانا يصف بعض الوصفات الطبية إذا مرض أى شخص ، موجود دائما فى اوقات الصلاة لم يتأخر مرة على صلاة ، تحوطه هالة من الغموض لا أحد يعرف ان كان متزوج أم لا ، و لا يجرأ أحد على سؤاله عن أمر شخصى مطلقا فالشيخ هو أمر مسلم به داخل القرية  ، بيته مغلق دائما هادئ ، لا يظهر الا بأوقات الصلاة لم يرى مرة يضحك فقط مجرد ابتسامة ، أما النساء تراه انه الرجل الوحيد بالعالم ، تتورد وجوهن لذكر إسمه فقط ، لا تخلو جلسة من جلساتهن من ذكر إسمه فيومهن يبدأ مع أزواجهم بعد صلاة الفجر يطعمن الحيوانات و الطيور و يساعدن أحيانا فى زراعة الأرض و غالبا يعملهن داخل البيت ، فالشيخ فى أذهانهن هو مصدر الرجولة بالعالم ، عندما يذكر اسمه تقشعر له الأبدان هو مجرد هالة قوية لم تره النساء الا نادرا .
لا يخرج الشيخ منصور العدوى من منزله الا بوقت الصلاة و يجلس فى الفترة بين صلاتى العصر و المغرب يقرا كتاب فى المسجد ، فهو العليم بكل شئ فهناك يوم مخصص للإستشارات بعد صلاة الجمعة .
_ فوقت العصر يوم الخميس له طعم مختلف بعد أن ينتهوا من وجبة الغداء و يصلوا العصر يلتقوا جميعا تحت العريشة المصنوعة من الغاب والسقف من قش الأرز مكانها فى وسط الأرض ليست قريبة من البيوت .



اجتمع الرجال يوم الخميس بعد صلاة العصر كعادتهم الأسبوعية ليشربوا المعسل و يوضع البراد الكبير على النار يفصل جلستهم فقط هى الصلوات ،و بعد صلاة العشاء خرج الشيخ منصور العدوى خارج القرية ، و تجمع الرجال مرة أخرى و شرعوا فى شرب الحشيش على الجوزة مخلوط مع المعسل ، بعد وقت قصير بدأ  يظهر مفعول الحشيش على وجوههم   فاحمرت الأعين و زاد الضحك و الكلام فيسخروا من بعضهم ، ويلقوا النكات و  يتحدثوا عن كل شئ بالأسبةع الذى مضى ومن مات و من كلق أو سيتزوج ، لكن حسين الألفى صمت و عقله يدور بشدة فهناك أمر يحيره و لا يجرأ على التكلم ، و لكنه الحشيش ما يدور بالعقل فهو على اللسان و سأل إلى أين يذهب الشيخ منصور كل خميس ؟
كان صوته عالى و لكن صوت الباقون كان أعلى ممزوجا بالضحكات والنكات فلم يسمعه أحد ، أو سمعوا و ظنوا أن هذا من تأثير الحشيش فهذا السؤال هو من الأسئلة المحرمة كانها الفطرة أن يخرج الشيخ منصور و لا أحد يسأل !
و نظر لهم و كانوا بعالم أخر و هو ليس معهم وقرر الوقوف ، لتكرار السؤال  و قال حسين الألفى أين يذهب الشيخ منصور كل ليلة خميس ؟
فنظر له الجميع بذعر شديد كأنه ينطق الكفر ، و لم يعطى لهم فرصة للرد عليه أكمل كلامه لماذا كل الرضى بأحكامه بهذا الشكل ؟  ، لماذا نهابه ؟ فله سلطة مطلقة علينا لا نراجعه فى الحكم حتى من باب إطمئنان القلب  يزوجنا و يطلقنا حسب رغبته !
و من أين أتى الشيخ لا نعرف مكان مولده ؟ و هل هو متزوج ام لا ؟ أين عائلته ؟ فهو يعلم عنا كل كبيرة وصغيرة و نحن لا نعرف حتى من هو !
لماذا هذه النظرة البلهاء على وجوهكم ؟
_ لم يرد عليه أحد هناك خوف و لا احد يعلم ما سبب هذا الخوف .
_ و ماذا تفيد كل هذه الأسئلة يا ألفى ، ماذا تريد ؟
هكذا رد عليه صالح أبو العنيين فى لهجة إستهجان  .
ورد عليه حسين لأننى لا أعرف من هو ؟ و لا أعرف سبب سلطته علينا ؟ مجرد شخص آتى إلى قريتنا ؟ أصبح كل شئ داخل قريتنا ، القرية بأكملها تدور حوله .
_ كما قلت القرية كلها تدور حوله ، أنت لم تتذكر كيف كانت القرية من قبل فأنت مازلت شابا ، هو من يحافظ على هذا الشكل الذى لا ترغب به ، تريد ان نهدم كل هذا ، شعورنا بالأمان و الراحة ، شخص يعلم كل شئ ، انظر لنفسك يا ألفى ما تعرفه ، تلقيته على يده فى الكتاب .
_ حقيقة انا تلقيت ما علمنى اياه ، و لكن لماذا اقبل بأحكامه ، لماذا يزوجنى أو يطلق زوجتى منى و نقول ان الشيخ منصور هو أعلم بحكمه ؟
صمت الجميع و جميع الأنظار تتجه نحوه ، أخرج من جيبه سيجارة و أشعلها و هو متوتر
_نظروا إلى بعضهم و سأل أحدهم من أين لك بهذه السجائر يا ألفى ؟

نظر الألفى إلى سيجارته و لم يرد
_ أنت خرجت يا ألفى من قريتنا ، أين ذهبت ؟ هذا السبب جعلك تفكر هكذا !
 
رد و كأنه يحكى عن الجنة التى يتخيلها بهدوء و قال ...
_ و لماذا لا أخرج ، الحياة مختلفة خارج قريتنا تماما ، فهناك مدارس و وحدات صحية ، أطباء حقيقين ، تعليم مختلف ، هناك محاكم  و ليس هناك رأى واحد هناك اختلاف فى كل شئ .. سألت نفسى لماذا نخاف من سلطته ؟
_ نعرف ما تقول فالجميع فكر فيما تقول ، القرية منذ زمن أنتشر بها المرض و لم يتعافى أحد مات من مات ، أين هذه الوحدات و الاطباء و ما تقول عنه ، لماذا لم يأتوا ليقضوا على المرض و يريحوا المرضى  الشيخ منصور ساعد المرضى و نصحنا بإلتزام بيوتنا ، و مجرد شهر انتهى المرض ماتت أسر كاملة و لكن كنا سنموت جميعا لولا الشيخ منصور ، انتهى العراك من يومها ، انتهى كل شئ ، تخيل القرية بدون الشيخ منصور ماذا سيكون حالها ؟ هل ستظل حالة الحب التى بيننا كما هى ، نحن لا نعرف الخارج و لا نريد ان نعرفه و لكن اذا أردت أنت عيشتهم فاذهب لهم ، إذهب لقانونهم ووحداتهم الطبية و مدارسهم ، صحيح انت ابن امبارح و لكن إحنا حبينا العيشة دى ، منعرفش مين صحيح هو الشيخ و لا هو منين و لا أبويه و لا شئ عن زواجه ، و لكن هو القانون و المحكمة الفاصلة التى نستريح لها .
_ واتى صوت من أخر الجلسة و قال ما الذى سيحدث عندما نعرف من هو الشيخ ؟
_ لا شئ سوف يحدث و لكن الهيبة سوف تنتهى و الغموض ، أى شئ معقد له سحر إختصارا هو من نرمى عليه الحمل الأكبر من حياتنا هو يفسر المجهول منها .
سكت الجميع و شعروا أن هذه المحادثة سوف تؤدى بهم إلى شئ مجهول أكبر من عقولهم أو هكذا ظنوا  ، إحساس لتفكيك ما كانوا عليه، أشعلوا الحجارة مرة أخرى و زادت أنفاس الحشيش و أحمرت الأعين و هناك أسئلة أخرى تطرأ على عقولهم كأنهم أكتشفوا شئ ، النور الذى يأتى مع الفكرة ، شعور بالتميز قد يكون جميعهم تمنوا أن يظهر الشيخ الأن و يتكلم بصوته الجهورى ليطمئنهم  ، زاد الخوف ، ضحكوا و لم يعرفوا لماذا هذه الضحكات خرجت بهذا الشكل و استمروا فى إلقاء النكات  ، حتى الألفى الذى كان متأهب منذ قليل لمزيد من الأسئلة و الإجابات شرد  ، مر الوقت و كل منهم يشعر بغربة ، شعروا برغبة ان يذهبوا لبيوتهم و يناموا ، مجرد شعور بالوحشة للنوم .

سمعوا صوت تواشيح بصوت صافى جميل فسكت الضاحك و المتكلم و خشعت قلوبهم و أطفوا النار و الحجارة و لعنوا الحشيش و ذهبوا جميعا للمسجد مع أذان الفجر و صلوا كما لم يصلوا من قبل وراء الشيخ .
 



#البدراوى_ثروت_عبدالنبى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زقزقة عصافير
- المدرسة النمساوية فى الإقتصاد ببساطة
- شعبوية الإقتصاد
- سمات التفكير العلمى #1 /التراكمية
- رأسمالية المحسوبية
- سبت الساحرات قصة قصيرة
- وجود أم عدم
- خواطر سريرية ...قصة قصيرة
- القيم والاخلاق داخل المجتمع المصرى -1-
- هل هناك قابلية لتغيير المجتمع 1
- فأر الصحراء تحت السجادة


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - البدراوى ثروت عبدالنبى - القرية .. قصة قصيرة