|
هل نظرية المؤامرة لازالت سارية المفعول
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 4983 - 2015 / 11 / 12 - 19:03
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
صحيح ان الراسمالية تفعل ما تقدر عليه من اجل تحقيق اهدافها و غاياتها، مهما كانت نتائج ما تسير عليه او تحققه او ما تفرزه خطواتها. لا تستعطف ولا ترحم ممن تتضرر من خطواتها . و هكذا سيطرت على العالم و ما فيه سواء باستراتيجية و خطط علمية و جهود و عقلية ذكية ثاقبة لمجموعة معينة من النخبة التي فرضت نفسها على المسيرة السياسية لراس الراسمالية العالمية منذ استقلال امريكا و توسعها و ما مرت به من الحروب الاهلية الداخلية وتعدي المسيطرين على السكان الاصليين، او بالقوة العسكرية . ان الصراع الطويل ابان الحرب الباردة و ما انتشر من المؤمرات المحيكة لكل محور ضد الاخر زرعت خوفا مستمرا من اية خطوة تقدم عليها اطراف الصراع . لو اتبعنا سيرة راس المعسكرين المتصارعين، نجد انهما كانا دوما على قمة التاهب لكشف ما يرمي اليه الاخر و يهدفه في جميع بقاع العالم، و صرفوا من الاموال و الجهود الكبيرة في الجانب الاستخباراتي و الجاسوسية ، لكشف ما يقوم به الاخر، و تلاعبوا مع البعض بحيل كثيرة طوال صراعهم الطويل . فان اية خطة اعتمدوها لم تكن تجري الا بسرية متناهية، الا ان متابعاتهم للبعض و بقوة استخباراتهم تمكنوا اما كشف ما ينوي الاخر او حاولوا ان يتسابقوا مع البعض و ناوروا بحيل و خداع متعددة في سبيل بقاء كل منهم على القدرة التي تمكنه صد الاخر في اية عملية . و هذا ما فرض على كل طرف تسويق بعض الامور السياسية العسكرية من اجل جس نبض الاخر او لكشف مستوى تحضراته و امكانياته في الرد في حال حدوث اي عمل غير متوقع و من ضمنه اتخاذ اية خطوة و ان كانت نهايتها الوصول الى الحرب كاخر خطوة . و هذا باي شكل كان، يمكن تعريف الصراع و ما يخفى عن البعض بانه مؤامرة و هو كذلك حقا، لان سرية الامر و محاولات البعض في كشف ما يملكه الاخر و الاهم هو كشف المعلومات المهمة عن قضايا حساسة عن الاخر و كشف اسراره فانه لا يمكن الا ان نضعه في خانة خطوات نظرية المؤامرة . اليوم بعد مرور اكثر من عقدين ونصف على انهيار الاتحاد السوفيتي و خفوت هيبة و انحدار قوة المعسكر الشيوعي، اغترت امريكا و لم تكتف بما وصلت اليه، فواصلت بكل قوتها و اكثر من اجل السيطرة المطلقة على العالم . ان الناس تعتقد انه لازالت هناك مؤامرات بين الدول المتناحرة سواء المتبقية من المعسكر الشيوعي غير المستسلمة و امريكا او من المحاور العديدة التي لا ترى مصلحتها عند اي طرف لحد اليوم، و هي تحاول المحافظة على استقلاليتها و التقدم في تثبيت قواعدها الذاتية لمنع التدخلات في شؤونها في مناطق عدة العالم و منها الشرق الاوسط و ما هي فيه من الحروب و الفوضى . من المعلوم ان دول الشرق الاوسط اعتادت على ان تؤمن باسهل ما يمكن ان تتوقعه عقليته و نظرته الى الامور، كي لا تتعمق في الامور و تصعب عليها كشف الحقيقة، فان العذر الحاضر الموجود هو المؤامرة المحاكة و وراءها اسرائيل وامريكا و الدول الاخرى او الاجهزة الاستخباراتية . اننا لا يمكن ان ننكر ما تخططه امريكا و اسرائيل لضمان ما يفيدهما، و انهما تقدمان الى ما يسير عليه حتى الشيطان في تحقيق اهدافهما، و ان كانت الطريقة الوحيدة امامهم هي حياكة مؤامرة باي شكل كان، و لا يمكن ان يهملوا ما يهمهم من اجل اي كان و اينما كان . و عليه للعالم الحق في اعتقاد وجود المؤامرة في ابسط قضية يمكن ان تمر به المنطقة . فان التاريخ قد جسد في فكرنا و نظرتنا ان هناك دائما من يهتم بهذه المنطقة و ان لم يتمكن من السيطرة عليها فانه يستخدم كل امكانياته في السيطرة عليها و في مقدمة من وصل الى سوء السمعة في هذا التوجه هي امريكا . الا اننا لو تابعنا ما يجري، ليس بشرط ان تكون كل الخطوات مؤامراتية و هناك تحصيل حاصل او كنتيجة لما يجري و ليس هناك اية مؤامرة رغم كل الاعتقادات الموجهة الى وجود المؤامرة و من قبل المصلحيين الكبار و امريكا بالذات . فان نظرية المؤامرة تسببت في خمول القوى السياسية في الشرق الاوسط من جهة، و ادت الى استسلام الحكومات نتيجة خضوعهم الى هذه الفكرة او النظرة و ان لم تكن موجودة، من جهة اخرى . و هذا يقع لصالح الدول الكبرى لانها ببقاء هذه التوقعات تدع شكوك هذه الدول حول وجود ايديها في كل صغيرة و كبيرة و كل موقع، ان تهيب لها و تحسب لها الحساب . لا يمكن ان نعتقد بان قتل مدني فلسطيني في القدس على يد اسرائيلي هو من خطط و ضمن توجيهات الامريكا المؤامراتية او ضمن خطتها الخاصة، بل يمكن في هذه المرحلة ان نتصور بان امريكا تساهم فيما تدفع لجهات المنطقة الى اتخاذ الخطوات التي تفضلها دون ان تحصل عليها جراء مؤامرة تحيكها في واشنطن . او لا يمكن ان نعتقد ان امريكا في هذا العصر مابعد الحرب الباردة ان تقدم على خطط و مؤامرات تضر بشعبها من اجل تنفيذ اهداف اكبر كما يعتقد البعض، و على سبيل المثال ما قيل عن هجوم 11 ايلول 2011 الذي راحت ضحيته العدد الكبير من الامريكيين . امريكا شيطان كبير، صحيح . امريكا تعمل ما بوسعها من اجل تحقيق اهدافها و تضمن مصالحها، صحيح. امريكا لا ترحم في سياساتها الضعيف و القوي، صحيح . امريكا تعمل اي شيء لتحقيق استراتيجيتها، صحيح . امريكا تمص دماء العالم في سبيل بقاء النظام الاقتصادي الراسمالي العالمي هو المتسلط، صحيح . امريكا تدفع بكل ما يمكنها من بقائها قطبا مسيطرا على العالم، صحيح ايضا . الا انها لا يمكن ان نعتقد بانها تعيش على المؤامرات فقط و ان تكون نظرية المؤامرة هي الوحيدة التي نجدها في جعبتها، و عن طريقها يمكن ان تبقى على ما هي عليه حتى اليوم . لانها هي التي تقدمت علميا و هي الاولى حتى اليوم رغم ما تتصف به من الناحية السياسية من الشراسة و القتل و الاضرار بالاخرين . هي التي صنعت و تقدمت خلال التاريخ القصير مقارنة بالدول القديمة الاخرى . انها تجاوزت الكثيرين بعقليتها و حنكتها و بذكاء نخبتها الذي اوصلوها الى ما هي عليه الان . و انها و ان كانت راس الافعى في ما يسير عليه العالم، الا انها لها الفضل في التقدم الحاصل في كافة الجوانب من اجل نفسها الا انها و ان كانت تقع في خدمة الانسانية في النهاية . و عليه نعتقد ان من يقصر في اداء واجبه و لم ينجح في مهامه، فانه لا يجد الا الحجة الحاضرة في القاء اللوم على الاخر عن طريق نظرية المؤامرة ليس الا . حررت امريكا العراق من اعتى دكتاتورية و لكنها لم تفعلها من اجل الشعب العراقي بقدر مصلحتها و مستقبلها . الا انها لم تقدم على هذا الامر كمؤامرة على احد، على الرغم من الادعاءات المضللة، انها فشلت في مهمتها و سلمت العراق ميؤسا الى الاخرين و تضررت هي ايضا بما فعلته . ان كانت المؤامرة هي سيدة الموقف، فما كانت الا ان تنجح فيها او على الاقل لا تخرج من خطواتها الا ان تحصل على نسبة مقنعة من النتاجات المهمة جراء خطواتها و ما ضحت من اجلها من الدماء . اذا، لازالت هنا دول و جهات و احزاب و شخصيات في منطقة الشرق الاوسط تؤمن بان نظرية المؤامرة سارية المفعول، و تستند عليها امريكا في تعاملها مع القضايا في العالم و تحقق بها اهدافها، و يمكن ان نعتقد بان نسبة معينة من هذا التوجه صحيحا، الا انه ليس من المعقول ان تكون كل ما تجري من صغيرة و كبيرة نتيجة المؤامرات التي يؤمن بها الكثيرون . نقول هنا، بعد انتهاء الحرب الباردة تغير تعامل القطبين و اعتمدت الدول المعنية اساليب و توجهات مغايرة لا تمت بالمؤامرة بصلة في اتجاهات عدة، و عليه، من المفروض على دول الشرق الاوسط ان تحكم نفسها و تثق بنفسها و لا تدع ان تسيطر عليها الخيالات القديمة و ان كانت هناك من صنع المؤامرة، فان من واجبها ان تمنع ان تهيمن هذة الفكرة او الاعتقاد على مسيرتها و طرقها او تمنع مفعولها او تؤدها من اصلها و تمنع تاثيراتها عليها، و هذا خير من التسليم بها او الخضوع لافرازاتها السلبية التي تكبلها و تمنعها عن السير باية خطوة .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف تشبع المراة العراقية استحقاقاتها الذاتية في ظل الظروف ال
...
-
التوازن بين متطلبات الذات و ما يفرضه المحيط
-
ليس حبا ببوتين و انما لوجود ندٍ لامريكا
-
لماذا اُغلقت ابواب الاصلاح السياسي نهائيا في اقليم كوردستان
...
-
هل يخرج الكورد من متغيرات المرحلة بلا حمص ؟
-
ما البديل عن عدم تقبل مجتمعاتنا الديموقراطية ؟
-
هل مسعود البرزاني واثق الخطوة يمشي ملكا ؟
-
دور المثقفين المستقلين في حل ازمة اقليم كوردستان
-
هل استقلال كوردستان ضد اليسارية ام العكس ؟
-
هل يكون فوز اردوغان على حساب السلم و الامن الاجتماعي ؟
-
هل غيرت امريكا ما نوته سابقا في المنطقة ؟
-
نعم اخطات حركة التغيير بمشاركتها السلطة في اقليم كوردستان مب
...
-
مواقف الاحزاب اليسارية الكوردستانية في ازمات هذه الايام!
-
يحكمون اليوم بعقلية الامس
-
حركة التغيير تدفع ضريبة خطاها الاستراتيجي
-
انهوا عن فعل و اتوا بمثله... اليس عار عليهم ؟
-
القضية الكوردية عقدة ام حق مغبون ؟
-
حمالة صدر كارداشيان ب 5 ملايين دولار مقابل موت طفل افريقي لع
...
-
ما يهم امريكا في اقليم كوردستان هو البيشمركة و المسجد و اغني
...
-
هل جبهة البارزاني مع الاجحاف بحق الشعب ؟؟
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|