|
الدكتور أفنان القاسم و خلافته الباريسية.
نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 4979 - 2015 / 11 / 8 - 13:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الدكتور أفنان القاسم و خلافته الباريسية.
قرأت ُ مقالي الدكتور أفنان القاسم حول: 1. خلافته التي يريدها لتصحيح أحوال البلدان العربية، و التي ربما تحتاج إلى إعادة ضبط مصنعي أكثر منه تصحيحا ً 2. و رغبته في اقتسام الأردن مع إسرائيل. أتى المقال ليزيد من قناعاتي بانفصال مثقفينا على الواقع و عجزهم عن ملامسة معاناة الناس و تصديهم لحلول مُشبعة لحاجات الشعوب.
أول ُ ما رفع من مستوى خيبة الأمل لديَّ هو استخدام الدكتور أفنان للفظ: الخلافة، للدلالة على مشروعه الحداثى القادم، فهو و إن كان أديبا ً و ناقدا ً واسع الاضطلاع غزير الإنتاج، فرنسي َّ المقام و الهوى إلا إنَّه ُ ما زال َ أسيرا ً لمنظومة ثقافية تبدو آثارهُا واضحة ً عليه و هو يستعير ُ منها أبرز َ ألفاظها كعنوان ٍ لمشروعة و أعني بِه لفظ: الخلافة.
لقد اختار الدكتور ُ القاسم ذات َ الكلمة ِ التي يستخدمها السلفيون التكفيريون من داعش و النصرة و بوكوحرام و أجناد بيت المقدس، و كل هؤلاء المجاميع التي دمرت البلاد و العباد و أهلكت الحرث و النسل و جاءت بالويل و الثبور و عظائم الأمور، و يرتبط ُ اسمها بالسواد و الظلام أينما ذُكرت و كيفما حلَّت، و لم يختر لفظا ً آخر: كجمهورية ٍ مثلا ً و هو البديل ُ الحضاري الغربي للهمجية ِ التي تُمثِّلها استغلالات تلك الكلمة.
كنت ُ سأصفح ُ عن تلك النقطة ِ و أمضي لولا أن الدكتور القاسم يستعير ُ من السلفين ذات َ أسلوبهم الذي يشتهرون به، و هو تسفيه الآخر و تحقيره، ووصمه بأبشع الصفات و أحط ِّ الأوصاف بينما يدَّعون َ أن ما ذلك التحقير سوى توصيف ٍ للواقع يتلألأ ُ بعده ُ الحق و تسطع ُ بعد تمكينهم شموس ُ و أنوار ُ الحقيقة، و في سبيل هذا لا بأس عند السلفين من وصف ِ الناس بالحمير التي تحمل أسفارا ً و الكلاب التي إن تحمل عليها تلهث و إن تتركها تلهث و القردة و الخنازير، و عند الدكتور من وصف الأردنين بالفقر المدقع لدرجة ِ أنهم لا يأكلون سوى مرة واحدة في اليوم، و نوعا ً واحدا ً مُكرَّرا ً، مما يصيبهم بالإسهال و يا عيني شو بسوي الإسهال لو علمتم يا ذوي العقول! فالدكتور صاحب ُ الابتسامة ِ الأنيقة ِ في صورة بروفايله أنيق ٌ أيضا ً في التحقير، يُعطيك َ من عقل ٍ خبيرٍ شتيمة ً ليجود َ عقلُك َ بكُلِّ ما لم يُوصِّف ِ!
هذه السلفية ُ البغيضة ُ التي يرتع مثقفونا فيها مخيفة، فهم أسرى لاستعلائهم الفظيع على الناس، إنهم حين يقدِّمون َ الحلول يجودون بها بالطريقة ِ التي وصفها باولو فرير في كتابه Pedagogy of the Oppressed حين تحدَّث عن السيد الذي يُعطي على شكل ِ مِنَّة ٍ مُنفصلة ٍ انفصالاً تامَّا ً عن واقع معاناة ِ العبيد و المظلومين، إنَّها مِنَّة ُ السيد الذي لا يرى في سيادتِه ِ بأسا ً و لا في عبودية ٍ المظلوم ِ حرجاً فيأتي جودُه ُ غير أصيل، لا يسمن و لا يُغني من جوع، و إن كان الدكتور أفنان هُنا مُدَّعيا ً التحامَه بمعاناة ِ الأردنين.
و قد يظن ُّ القارئ ُ أنني لم أدخل جيداً إلى عُمق ِ مشاريع الخليفة الباريسي و هو يتحدَّث ُ فيما يبدو عن استغلال ِ البوتاس و الفوسفات بطريقة حديثة ناجعة توفر للأردنين الرخاء المستقبلي و تصلح اقتصادهم المتعثِّر، أو أنني أغفلت ُ كلامَه ُ عن الطاقة ِ النووية و خيار ِ استبدال الطاقة ِ المتجدِّدة ِ بها، أو أنني تجاهلت ُ قاصدا ً كلامَه ُ عن أزمة ِ أهلنا الكرام في معان،،،
،،، لكنني في الحقيقة صنعت ُ عكس َ هذا، لقد قرأت ُ مرَّة ً أولى و ثانية و ثالثة و رابعة، لكي أستوعب َ جيَّدا ً مُراده، فرأيت ُ أن الدكتور القاسم لم يخرج عن مطالبات ِ الشعب الأردني جميعه بفئتيه ٍ المُستحدثتين و المُسميتين: الولاء و المعارضة، و هما عندي مُستحدثتان لأنني لا أراهما، فأنا أرى فقط: الأردني، و هو ابن وطني لا أُصنِّفُه ُ و لا أضعُهُ في خانٍة ٍ فهو أكرم ُ عندي من تصنيف و أعلى من خانة بما لا يُقاس. الأردنيون يرون الحلَّ لمشاريع ِ البوتاس و الفوسفات و الطاقة النووية و أزمة أهل معان حلَّا ً داخليا ً لا خارجياً، فنحن ُ نفهم ُ توازنات ِ العشائر الأردنية و تفاهمات العلاقات و القيم غير المكتوبة التي تحكمها، و لدينا من الوعي ما يجعلنا ننظر ُ حولنا إلى دول الجوار ِ من جهة، و إلى العلاقات ِ الدولية من جهة ِ أخرى، لنُذكِّر َ أنفسنا دوما ً أن الخيط َ بين الحماقة ِ و الدمار من جهة، و بين الإصلاح ِ و البناء من جهة ٍ ثانية، هو خيط ٌ رفيع معقود ٌ في عقل ٍ حكيم، فإذا أُخرج َ من ذلك العقل، أو قُتل َ العقل ُ دونه فعندها لا تعود للنوايا الحسنة أيَّة ُ قيمة ٍ على الإطلاق. الطريق إلى جُهنَّم مُعبَّد ٌ بالنوايا الحسنة.
حاولت ُ أن أرى نهاية َ طُرق ِ الحل ِّ الواقعي، و التمنِّي الساذج، و أحلام ِ السريالية ِ السياسية عند الدكتور القاسم، و حدودها، قبل أن يتقاطعوا في شوربة ٍ الخلافة الباريسية، فمنعتني جمل ٌ مثل:
"يفضل الأردنيون الذين أنا كأردني واحد منهم، أن اقتسم الأردن مع إسرائيل كأمر واقع، وأن أكون البديل المرتجى لواقع لم يعد يحتمل"
"ويسرقون السياح (لصوص ألكسندر دوما لصوص صغار دمهم خفيف)، ويمارسون العنف بالسكاكين (الفلسطينيون هنا وهناك واحد ومش من هلأ)"
"لص ما لص يا جلالة الملك نحن لن نحاكمك، لن نطالبك، تعال إلى باريس لتتشرف بمقابلتي كخليفة ألف مرة أهم منك لعاصمتين غزة ومعان، ولننسق سويًا إجراءات رحيلك ورحيل أسرتك، لكني أحذّرك: إياك أن تركب الهيلوكبتر كما هي عادتك وتذهب لتقول كل شيء لنتنياهو"
أذهلني هذا الانفصام ُ غير الودود عن الواقع، إن الدكتور القاسم يعتقد ُ أن ترديد الجمل ُ يُعطيها قيمة ً في ذاتها حتى لو خلت من الحقيقة، بل حتى لو مزَّقت كل مصداقية ٍ ينبغي أن يكون َ حدُّها الأدنى عالي المنسوب في كتابات ٍ رجل ٍ بقدره. أيُّ الأردنين َ من أي عشيرة ٍ يريد ُ أن تقتسم َ الأردن مع إسرائيل يا دكتور؟ نحن ُ لصوص ٌ صغار نسرق ُ السياح؟ و للعلم نحن نفضلُّ في مشاجراتنا استخدام الكلاشينكوف أو مسدس 9 ملم أو البامب أكشن، لا السكين؟ أعذرني قارئ الكريم لاضطراري النزول َ إلى هذا، يبدو إنو هيك مزبطة بدها هيك ختم!
أخي الدكتور أفنان، المُثقَّف ُ لا يكتب ُ فقط من أجل الكتابة و لا يرمي بالأحلام ِ في معرِض ِ الواقِع حينما تكون الأولى مثار َ سُخرية ِ الثانية، لست َ بخليفة ٍ و لن تكون، و الأردنيون لا يريدونك َ، و طريقتك َ في حل ِّ المشاكل بطلبك َ من الملك عبدالله الثاني أن يزور باريسك ليناقش معك شروط رحيله و رحيل أسرتهِ نرجسية ٌ شديدة و كبرياء ٌ قبيح، لا يصدر ُ عن راغب ِ إصلاح ٍ إنَّما عن عاجز ٍ قعيد يُنظِّر ُ لشعب ٍ لا يحتمل ُ هكذا تراهات.
إنني أستعجب ُ أشدَّ العجب ِ من هؤلاء ِ الذين ينظرون َ إلى تونس، ليبيا، مصر، العراق و سوريا، ثم ما زالوا يتحدَّثون عن رحيل ِ أنظمة، و قدوم ِ مُخلــِّـصين، و إرادة ِ شعوب، و كل هذا الحديث ِ الذي عرفنا الآن بعد الربيع العربي أو لنقل الجحيم ِ الكارثي أنَّه الثوب ُ القشيب الذي ترتديه ِ السلفيات ُ التكفيرية حتى تفتح باب َ الفراغ الأمني تدخل ُ منه، لتجعل َ بعدَه كلَّ شئ ٍ أسود. الدكتور أفنان ليس تكفيريا ً لكنَّه ٌ يقع ُ في ذات ِ الفخِّ الذي يقع ُ فيه التكفيريون حينما يفتِّتون دولهم فيأتي المسخ ُ الفتيت خدمة ً لا تقدَّر ُ بثمن ٍ لدول ٍ استعمارية ٍ قتلت أجمل َ ما فينا، إنَّ ما يدعو إليه له نفس ُ النتيجة ِ بالضبط.
أسأل ُ نفسي دوما ً لم لا تستجيب ُ الناس للمثقَّف؟ و يأتيني الجواب دوما ً: لأن المثقَّف َ يعجز ُ عن لمس آلام َ الناس ِ الحقيقية، و إن لمس َ يعجز ُ عن إيجاد ِ حلول ٍ واقعية، و يجنح ُ دوما ً إلى التنظير الذي يُثبت ُ أنَّه ُ كارثيٌّ بحجم كارثيَّة ِ الواقع، و لم يخرج دكتورنا الفاضل عن هذه السُّنَّة ِ المثقفيِّـة غير الحميدة قيد أُنملة.
أخي الدكتور القاسم، نشكرك َ في الأردن على أحلامك، لكنها لا تصلح ُ قصَّة ً لما قبل النوم نرويها للأطفال، الذين بالمناسبة يكفل ُ لهم عبدالله الثاني بدولة الأردن ِّ القائمة، أن يذهبوا لمدارسهم كلَّ صباح بأمان. لا أدافع ُ عن الملك و لا عن الحكومة، لكنني بصير ٌ لا أعمى، و بصري يخبرني أن عبدالله أفضل مليون مرة مما تدعونا إليه.
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بوح في جدليات – 15 – حينَ أغمضت َ عينيكَ باكراً
-
العقل المريض – 2 - تغوُّل الخطاب الديني نموذجا ً.
-
قراءة في العلمانية – حتمية ٌ تُشبه ُ المُعضِلة.
-
كرمليس – ربَّ طليان ٍ بعد تنزيل ِ الصليب.
-
العقل المريض – ألفاظ: عاهرة، ديوث، كنموذجين.
-
بوح في جدليات – 14 – مامون.
-
عن اقتحام ِ المسجد ِ الأقصى المُستمر.
-
قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 4 – الماهيَّة و الجذر – ج3.
-
مع صديقي المسلم على نفس أرجيلة.
-
قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 3 – الماهيَّة و الجذر – ج 2.
-
قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 2 – الماهيَّة و الجذر – ج 1.
-
قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – مُقدِّمة للسلسلة.
-
بوح في جدليات – 13 – لوسيفر.
-
قراءة من سفر التطور – 6 – من ال 1 إلى ال 3.
-
بوح في جدليات – 12 – عصفور ماريَّا.
-
قراءة في الوجود – 5 - الوعي كوعاء للعقل و الإحساس و ما دونه.
-
قراءة في الوجود – 4 – بين وعي المادة و هدفها.
-
بوح في جدليات – 11 – في مديح ِ عشتار - نحن ُ الإنسان!ّ
-
قراءة في اللادينية – 6 – مقدِّمة في مظاهر ما قبل الدين عند ا
...
-
بوح في جدليات – 10 – ثلاثة ُ أيام ٍ بعد.
المزيد.....
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف يمكن لواشنطن مساعدة إسرائيل
-
زيلينسكي يقرّر سحب الأوسمة الوطنية من داعمي روسيا ويكشف تفاص
...
-
إسبانيا: السيارات المكدسة في شوارع فالنسيا تهدد التعافي بعد
...
-
تقارير: طالبان تسحب سفيرها وقنصلها العام من ألمانيا
-
لبنانيون يفضلون العودة من سوريا رغم المخاطر - ما السبب؟
-
الدوري الألماني: ثلاثية كين تهدي بايرن الفوز على أوغسبورغ
-
لحظة سقوط صاروخ إسرائيلي على مبنى سكني وتدميره في الضاحية ال
...
-
سلسلة غارات جديدة على الضاحية الجنوبية في بيروت (فيديو)
-
مصدر مقرب من نبيه بري لـRT: هوكشتاين نقل أجواء إيجابية حول م
...
-
فريق ترامب الانتقالي: تعليق القضية المرفوعة ضد الرئيس المنتخ
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|