|
الرمز الأسطوري في قصيدة ( شهقة قتيل ) للشاعر الكوردي جوتيار تمر / عايده بدر
عايده بدر
باحثة أكاديمية وكاتبة شاعرة وقاصة
(Ayda Badr)
الحوار المتمدن-العدد: 4979 - 2015 / 11 / 8 - 04:37
المحور:
الادب والفن
شهقة قتيل جوتيار تمر/ كوردستان 29/5/2014
صوت الغراب .. يتطاير بين أقدام هابيل وقابيل يحترف الكره من جديد من عمق الجنائز يخلق الطين المبلّل بالدّم وشهقة قتيل من رصاص يهذي هنا وهناك يتناسل نبي جديد يلعق جثثاً تنام على الرصيف وهنا في أزقة المدن يواري سوءتها يلوح لأسوارنا بشهب الليل الهجين بجرح في صيحاتنا وجسد يجثو ليقبل التراب وهذه نصوص الغراب القديمة تعود سورة يرتلها رصاص الكره والسواد من حنجرة أنبياء يغردون باسم هابيل في الوجع يرسمون تفاصيل التاريخ فوق لوح الغراب وشيئا من الانسان وانبعاث نص من رماد الأولين الا ايها الغراب.. هذه ارض نزف الجرح ولغو الجنائز تعلمنا حفلات الدفن ومراسم القتل تعلمنا ولائم الدم فوق جثة الانسان ورسم نرجس كسيح فوق معابد ميديا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حينما يتحد الرمز الأسطوري بالواقع المعاش تصبح الأسطورة هنا ليست مجرد حكايا قديمة بعيدة عن ذهن الواقع المعاش بل هي المرآة التي يرى فيها الإنسان مجريات واقعه ، و العودة إلى رمزية الغراب المعلم الأول لأجيال بشرية لم تدرك الدرس و لا تزال تغوص في بحار الدم و الشاعر حين يلجأ إلى الأسطورة و الرمز يريد أن يعمل على الكشف بما يعتمل في ذاته و تعميق تجربته و منحها بعدا شموليا أكثر اتساعا من محيطه الخاص ، يستنهض من خلالها رؤى معاصرة لجدلية قائمة منذ عهد الدم الأول و هذا ما جعل رمزية الغراب هنا تلعب دورا مهما في ابراز الصراع الذي لا يهدأ و لا يغفل مشعلوه عن تتبع خطى قابيل و هابيل و موقف الحيرة الذي يعتلي وجه الغراب بينهما ، فالسقوط الانساني الأول الذي حدث على الأرض منذ أول عهد الإنسان بها لم يزل يتكرر بلا انقطاع و انتقال الشاعر بين موقف الحيرة الذي لزم الفاعل الأول ( الغراب ) و بين موقف الخالق الذي لزم الفاعل الثاني ( النبي الجديد ) الذي يمسح على جبين مواجع هذه البشرية و يلعق الدم الأول المتكرر ، بين الغراب الذي لا زال يكرر درسه و بين النبي الذي يواري سواءت جثث الدم من هذيان الرصاص ، يجعل الصورة الفنية حاضرة في ذهن القارىء و ثمة توحد يظهر بين الوعي الشعري و الصورة الفنية من خلال استلهام الأسطورة إن الاندماج الحادث بين تعاليم الغراب و تراتيل الأنبياء و صوت هابيل الذي ينازع الوجع و الظلم و يقف ضد الكره و السواد يكمل الصورة الشعرية التي يبدع الشاعر في رسمها و كأن بهذا التوحد يخلق أسطورة حداثية جديدة يقف فيها الصوت / البياض الذي تحمله حنجرة الأنبياء مشفوعة بتعاليم الغراب مقابل أزيز الرصاص / سواد الحقد، ليخلق هذا الاندماج و التوحد لوحا جديدا للقدر و استحضار قيمة الانبعاث من رماد الأولين لخلق روح جديدة / قلم جديد / تكوين جديد لإعادة تشكيل القادم و إعادة كتابة التاريخ ، و كأن بأسطورة الفينيق تعيد انبعاثها من جديد فلا موت ينتهي إلا بحياة تعقبه و هذا استنهاض للوعي الجمعي ينبغي الإشارة إليه لكننا في انتقال مستوى الخطاب للتفرد بالغراب دون الأنبياء محاولة إيقاظ الغافلين عن كينونة الوجع الداخلي الذي يحرك قلم الشاعر ليرصد فما تكرر قديما في عهد الأرض الأول بالإنسان و يعاد تكراره مجددا يقفز هنا بتخصيص الحديث عن أرضه هو و بلاده هو التي يعتبرها حاملا موضوعيا عن معاناة كُل الأرض و مُعبرا ذاتيا عن صورة الخراب العام من جهة و من جهة أخرى الطرق بقوة على معاناة هذه البلاد والإنسان على تلك الأرض منذ القِدم ، فعلى هذه الأرض التي خصصها بالإشارة ( معابد ميديا ) برزت معاناة الإنسان التي لا تنتهي و من هنا يكون الحديث أكثر خصوصية في ظاهره لكنه أكثر شمولية في اتجاهه باعتبارها كما أشرنا جزء مُعبر عن كُل ، و توجيه الخطاب للغراب فيه نداء استفاقة أن هذه الأرض كانت و لم تزل تنزف من جراحها ما جعله يُعبر عنها بدلالات أكثر وجعا في قوله ( نزف الجرح ) / (حفلات الدفن ) / ( لغو الجنائز ) / (مراسم القتل ) / ( ولائم الدم ) ، يختمها بصورة من أكثر الصور غرابة و أكثرها حدة ( رسم نرجس كسيح فوق معابد ميديا ) لتصبح الصورة تعبيرا واضحا عن معاناة شعبه و إبرازا لانتهاكات حرية الحياة التي يمارسها الرمز (قابيل) - و هو المُعبر عن حقد و ظلم الأخوة و الأقربون المحيطون بهم و الطامعون فيهم - منذ البدء و حتى الآن على أرضه و بهذا استطاع الشاعر توظيف المحتوى الدلالي للرمز الأسطوري الذي استخدمه من البداية في قصيدته بإدراك واعٍ بما يخدم قضيته التي يسعى لإبرازها سواء على المستوى الشخصي بقضايا أمته و شعبه أو على المستوى العام بقضايا الإنسانية و مصير البشر الذي يندحر أمام حقد الدم و سواد مصيره و بمعنى آخر فإنه ينقل التجربة من مستوى شخصي ذاتي إلى مستوى إنساني جوهري و تبقى شهقة القتيل الأول تتكرر على مسامع الفضاء دون أن يعي البشر لتردد صدى هذا الصوت المخيف المفْزع
عايده بدر 7-11-2015
#عايده_بدر (هاشتاغ)
Ayda_Badr#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كل الكلام
-
الصرخة / قصة قصيرة
-
ماذا يفعل في مرآتي؟
-
العابر
-
ابنة قلب الغريب
-
شاعر / عايده بدر
-
موعد / عايده بدر
-
للحرب أبجدية أحبك ....
-
المتباكون على اليمن
-
كل ما لم أقله من كلام
-
إلى فتاة إيزيدية
-
حرروهن أولا - يوم المرأة العالمي
-
إبنة النار ... يا أنتِ
-
و تشرق الشمس / فروغ فرخزاد / ترجمة عايده بدر
-
إبنة النار ...
-
ثرثرات
-
في مزاد الخراب
-
أظنك تقصدني
-
ما أقذركم و ما أقذر أفعالكم
-
حبيبي
المزيد.....
-
مصر.. ماذا كتب بجواز سفر أم كلثوم؟ ومقتنيات قد لا تعلمها لـ-
...
-
أساطير الموسيقى الحديثة.. من أفضل نجوم الغناء في القرن الـ21
...
-
السعودية.. رحيل -قبطان الطرب الخليجي- وسط حزن في الوسط الفني
...
-
مصر.. كشف تطورات الحالة الصحية للفنان ضياء الميرغني بعد خضوع
...
-
-طفولة بلا مطر-: المولود الأدبي الأول للأكاديمي المغربي إدري
...
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|