|
رواية سراب بري ل عبدالرحمن مطر: الكتابة والتمرد في السجن
أحمد نواف الجربا
الحوار المتمدن-العدد: 4978 - 2015 / 11 / 7 - 21:21
المحور:
الادب والفن
الكتابة والسجن عمقتا روح التمرد الوثّابة عند المؤلف
تبدو الكتابة عن تجربة السجن، واحدة من أكثر وسائل التعبير عن التجارب الإنسانية المريرة، في ظل تصاعد الانتهاكات والاعتقالات تأخذ شكلاً ممنهجاً في التعذيب وسلب الحريات. وخلال السنوات الأخيرة، بدأت المكتبة العربية تشهد ازدهاراً في الكتابة الروائية بصورة خاصة، فيما يُعرف بأدب السجون، ويتقدم المبدعون السوريون اليوم، قائمة هذا النوع من الكتابة. رواية " سرابٌ بريّ " للكاتب السوري عبدالرحمن مطر، الصادرة مؤخراً، هي أقرب ماتكون إلى سيرة السجن بكل مافي تلك الحياة من عذابات، ليس من السهولة تصورها لمن لم تأخذ المعتقلات بعضاً من عمره، وتزرع في أرواحهم آمالاً بحجم الآلام التي تسكنهم حتى الغياب. سراب بري هي العمل الروائي الأول للمؤلف الذي انشغل بالشعر، وبالكتابة والبحث في السياسة وقضايا الحقوق والحريات، قبل أن تقوده الحروف الى المعتقل الذي تتحدث عنه سردية السجن، في جزأين و38 فصلاً، ولعل ثمة خاصية لهذا العمل، في أنه شكل من أشكال التحدي والتمرد ضد السجان، حيث كُتب داخل أسوار السجن وخلف أبوابه المشبعة بالسواد. وقام بتهريبها ورقة ورقة. وهي بشكل أو بآخر، شهادة حيّة لتجربة الاعتقال والتعذيب، والمحاكمات الصورية، وعمليات الإذلال والنيل من كرامة المعتقل، بمختلف الصور والوسائل التي يبتكرها السجان. تتمحور الرواية في أربعة مسارات هي التعذيب والقهر والحرمان، وانتهاكات حقوق السجين ، وذلك بأسلوبٍ يبتعد عن المغالاة وأجواء الإثارة التي تغلب على جوهر الموضوعات في أحايين كثيرة، تنساب لغة الكاتب بأسلوب يبتعد عن شحذ العواطف وتهيجيها، استدراراً للتعاطف، متجاوزاً المترادفات التي تدور حول المعنى، فيما يكون الوضوح أكثر التصاقاً بالحدث المعاش. يأخذ باللغةِ هادئةً، للتعبير عن مرارة القسوة التي تعجز فيها الكلمات عن وصف حالات معاشة خلف القضبان. إذ ليس ثمة عبارات ترقى للتعبيرعن فقدان الحرية، وكذلك مشاعر استعادتها. يُلاحظ أن الكاتب استطاع - الى حدّ - ما الإفلات من هيمنة اللغة الشاعرية، على السرد، لكن النص يزخر بالصورة الشعرية، وبالنصوص التي يحتفي بها الراوي، كجزء من مكونات الشخصية الرئيسة في العمل. ويرى الكاتب: " أن كل كتابة تستدعي شكلها وأسلوبها. وقد وجدتُ أن السرد، يمكن أن ينقل رؤيتي لما أطرحه عبر النص. وقد عجزت – ربما هي الحقيقة – في التعبير عن حالة السجن بوسائل أخرى، كالشعر. لقد أتاح لي النص الروائي أن أُحلّق بعيداً دون حدود أو قيود، وأن أنهل مما يبني سرديتي، التي أردت لها أن تكون شهادة يعمّدها المكان، على كراهته ". وحول الكتابة داخل السجن، يشير الكاتب أنها منحته أفقاً آخر لممارسة الحرية، وقدرة على تجاوز الألم، عبر مقاربته وإحالة عذاباته الى نص محسوسٍ يتفاعل مع الآخر/ المتلقي. ويقول " أنها أضحت معادلاً ضرورياً لاستعادة الروح، وتحقيق توازن الذات، بعد محاولات الإفقاد التي يمارسها السجان، بكل الوسائل الممكنة، خاصة في فترات الإنفرادي التي يمنع فيها كل شئ ". ويكشف أنه قد كتب العمل في ظروف صعبة، من حيث التمويه والمخاتلة، والعيون المبثوثة التي تراقب كل شئ. في برد الليل، أو بعيد الفجر، وفي ظلال الخشية أن تقع بين أيدي السجان. وحول الذاتية التي تبرز في مواضع كثيرة من سراب بري، يجيب مطربأن هناك " جانب ذاتي من الصعب اخفاؤه أو تجاوزه. يمكن التحايل بحكم أدبية النص، لدرجة أنني فكرت بتحويله الى سيرة السجن، وهي كذلك. لكني نجوت – ربما - أو تمكنت من الصعود درجة نحو البنية الروائية. كانت محاولاتي صعبة للغاية، للابتعاد عن الشخصنة. أعتقد أني نجحت في جوانب من النص، على هناته، وفي فصول وأحداث أخرى لم أستطع، لأنها كانت لصيقة بي، كانت أنا. وقد اضطررت إلى إعادة الكتابة مراراً للنجاة من هذا الاحتراق. أنا جزء من ذلك العالم/المجتمع الذي كتبتُ عنه ومن داخله، ولايمكنني فصل معاناتي عن أوجاع الآخرين، التي شكلت محور اشتغالي في النص، ومن هنا كان الرواي متدثراً بضمير الغائب ". يبرز اليوم دور المثقف في مواجهة العجز والإقصاء، وفي ظل غيابه عن التأثير المباشر في الحدث السوري المعقد، لأسباب كثيرة. وتبدو أن تجربة الاعتقال تعزز من قدرة الكاتب. يقول مطرأنها عمقت لديه روح التمرد الوثابة. ويضيف " صرت أكثر ارتباطاً وتمسكاً بالحرية كسلوك وممارسة. وسوف أواصل الكتابة الحرّة بشغفِ مَنْ غسلَ روحه بماء العاصي، وقلبه موزعٌ بين بردى والفرات ! ___________________ سراب بري – عبدالرحمن مطر/ رواية – دار جداول للنشر والترجمة والتوزيع – بيروت 2015.
#أحمد_نواف_الجربا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|