|
الحوار الخلّاق..... وإشكالية (مثقف) يفضّل عار الدونية على غار الإبداع
فاروق صبري
الحوار المتمدن-العدد: 4978 - 2015 / 11 / 7 - 17:08
المحور:
الادب والفن
يا مغايري، يا أخي "فرانسوا جاكوب" من أهم المظاهر الصحية والضرورية في المجال المعرفي هو تحريك السجال وتوسيع المجال أمام حرية الرأي وتصعيد فعاليتها حتى تنطلق عبر آفاق رحبة وتقود المثقف صوب التجديد والكشف وتؤدي إلى دحر الثوابت الميتة والتابوات التي تعشعشخلف أقنعتها المزركشة بأفكار جاهزة وقناعات مغلقة . ولقد أثبت تجارب الحضارات والحركات الإستنهاضية المعاصرة أن عافية أي فعل معرفي تكمن في تعدد أصواته الثقافية ، وفي إندفاع هذه الاصوات لتهيئة الأجواء للحوار بعيداً عن الحسابات الذاتوية والمصالح الأنية وبالضد منهما لجهة تعريتهما ، كونهما واهر مرضية تسمم البنية الثقافية وتلجم العقل والمنطق وتبعدهما عن مخاطبة الواقع ومساءلته ن والغوص في أعماقه وصياغته عبر اسلوب التفكيك والتحليل والبناء المتحررمن عقدة الألتزام الميكانيكي بالماضي وبموروثه ومن لوثة الإنغلاق داخل نشوة تغييرات الحاضر. وبرهنت خلفيات ومجريات النهوض الحضاري ومنها ذلك الذي حدث ويحدث في المجتمعات الأخرى أو الذي حصل ويحصل في منطقتنا العربية والإسلامية على أن الحوار الثقافي الحي والرافض للتخندق يفجّر الطاقات الإبداعية والفكرية ، ويعكس بالتالي مدى إدراك المثقفين لضرورة السير في طريق المعرفة الديناميكية ومدى ألتزامهم وأنشغالهم في توظيفها - المعرفة – حينما تتاح لهم الفرصة لخدمة الإنسان وقضاياه المصيرية. ويتجلى الحوار الديمقراطي والخلّاق في حيوية المثقف الذي يقدم أراءه ويطرح وجهات نظره وهو يؤمن بأن الحقيقة وإن كانت واحدة ، إلا أن سبل الوصول إليها متنوعة ومتباينة . ومن المفيد القول أن المثقف حين يطرح (حقيقته) لا يلزم الرأي الأخر بها ، وإنما يدعوه إلى مناقشتها وإثارة التساؤلات حولها ، مما يجعلها بعيدة عن (إطلاقية) الموقف وعن حتمية النظرة في قراءة الحياة وتفاعلاتها اليومية وهذا الامر يوضح بشكل فاقع خطورة غياب حرية الرأي ، ليس في علاقة المثقف والدولة ، وإنما بين المثقفين أنفسهم ، فالإشكال الأكثر تدميراً هو فقدانأي نوع من أنواع الحوار في الساحة الثقافية ، فمن غير المعقول أن يطالب المثقف السلطة ما أن تمنحه "حرية " التعبير في الوقت الذي لا يقبل فيه –المثقف- أو يمارس تلك الحرية مع مثقف أخر يختلف معه في الرؤية والموقف والفكر. إذن ، لماذا مطالبة السلطة السياسية بأن تمنح حرية التعبير للمثقفين أذا كانوا هم لا يحترمون بين بعضهم هذه الرسالة المقدسة!!؟؟ ولأنها سلوك حضاري وفعل يومي فإن حرية الحوار لا تبنى بالتمنيات والمشاعر ولا تتحقق بأوامر سلطوية ، سلطة الأحزاب ، سلطة الأنظمة ، سلطة النخبة الثقافية ، بل تبنيها سلطة المعرفة المتنورة والتي يبنيها ويهتدي إليها مفكرون آمنوا بالمغايرة وأتخذوها بوصلة لتوجهاتهم الفكرية من دون خضوعها لحاشية السياسي الذي لا يرى أبعد من كيانه الحزبي والسلطوي والمذهبي ، وبقدر ما تكون حرية التعبير والحوار ضرورة وملحة لاي مثقف بقدر ما تصبح بائسة ومنخورة حينما تأتي كمكرمة من لدن السياسي أومن صاحب عمامة متخلف ومغلق على (أفكاره) و(عقائده) في الحياة اليومية وأخطر ما في هذا الامر هو وقوع بعض المثقفين في فخاخ تجزاة حرية التعبير والقبول بحوار غير متكافئ ضمن مقاسات مؤطرة وتسميات براقة تخفي خلفها أهدافاً لا علاقة لها أبداً بالإبداع والمعرفة وإنشغالات الإنسان اليومية فالتحاول بشكل عام وحرية التعبير خاصة حينما تؤطرها أو ( إليها مصطلحات كالحرية المسؤولة لأو المنضبطة أو المقننة أو النسبية "1") فمعنى ذلك أن (هذه المصطلحات تساهم في وأد الحرية ، فتوصلنا إلى ما وصلنا إليه ، لذلك يجب ان يتوقف الكذب على الحرية"2") ولذلك أيضاً على المثقف أن لا تغريه "نشوة" حريته الخاصة وتلك المقننة سلطوياً ويعترها (القاعدة) التي لابد أن يتحرك من خلالها الأخرون ويرتضوا بها ، تماشياً مع المثل المعروف : عصفور في اليد أفضل من عشرة عصافير على الشجرة!!! مما يؤسف له ان بعض المثقفين إكتفى بوجود ذلك (العصفور) بين يديه وإعتبر (تغريده) أعلاناً وأمتلاكاً وحضوراً للحرية ، متناسياً أن بنادق صيادي (الحريات) السلطة مسددة نحو عصفوره في اية لحظة يشاؤون ويستاؤون من (حرية) تكرموا بها وتلك البنادق تسدد دوماً نحو شجرة الحرية وعصافيرها ، فلماذا اذاً الإندفاع خلف سراب شعارات حرية الحوار والتعبير والتي ترفعها أنظمة ، أحزاب ، عمامة كطعم تستدرج به هؤلاء المغفلين وتوقعهم في مستنقعه الدعائي ... إنه إندفاع يشرع تجزأة الحريات ويتمثل في إصرار أصحاب (ثقافة ) الصوت الواحد واليقينيات المتهرئة على إدخال المثقفين في حظيرتهم (الثقافية) مما يخلق ظاهرة عصبوية لا يمكن القبول بها وإن تقنّعت بيافطات الإلتزام خاصة وإن هناك" فرقاً بين الألتزام والتعصب، فالإلتزام هو أن تنتمي إلى فكرة ما مع إنفتاحك على الفكر الأخر ، أما التعصب فهو أن تنتمي إلى فكر وتنغلق على الفكر الأخر (3) " ومثلما يعني الإنغلاق على رأي ما سقوطاً في بوتقة العصبوية فإن الألتزام الأعمى بفكر ما يعني الإندار إلى هاوية الجمود والدخول إلى دائرة ضيقة تنشل فيها طاقات الإبداع وبل تتلاشى وتضمحل لتتحول إلى جثة متعفنة. ويضاف إلى إشكالية الألتزام المتعصب وإلى خطورة تجزأة الحرية مرض اخر يصاب به المثقف لأو يبتلي بجرثومته ألا وهو ظاهرة التخوين والإتهام التي تحاصر بها الأخر المختلف ، فهناك مثقفون يظهرون رفضهم لثقافة الصوت الواحد ويعلنون إمتعاضهم من أصحابها ومقتهم للذين يسهمون في إشاعتها وتكريسها ، لكن أراء أو مواقف هؤلاء الرافضين لثقافة الصوت الواحد لا تخرج كذلك عن إطار واحدية الصوت الثقافي ، الحزبوي ، العقائدي ، المذهبي وبمعنى أدق أنها تستنبط من قواميس السلطات السياسية والمذهبية ومثل هذه القواميس تتأسس من حفنة من المفردات ، العبارات ، المسلمات المنخورة والمحشوة بسيل من التهم والتخوين للراي الأخر المخالف والمختلف ، والأمر هذا بدأ بالتوسع في حياتنا اليومية وفي المشهد الثقافي بشكل خاص ليس من قبل مالكي المال والعصا ومروّجي افيون اليقينيّات المتهرئة وإنما ايضاً من قبل (مثقفين) فضّلوا عار الدونية على غار المثقف المبدع وهذا الأمر إشكالية خطيرة لابد من الإنتباه إليها ومواجهتها والعمل على فضح (ثقافة فرسانها) البائسة. وإذا كان (المثقفون ) الدونيون يحملون عارهم لكن المشهد الثقافي لا يتحمل هذا العار ولا يتقبل تشويه بنيته وإرثه وحاضره ومن المؤكد أن التخلص من مثقفي العار ليس سهلا ومن الصعب إنهاءه لكن يمكن تخفيف وطأته وتخفيف تأثيره وذلك عبر العمل المعرفي المتنور في جميع مستويات الثقافة ، القصيدة ، الفن التشكيلي ، النص الأدبي ، المسرح ، السينما ، الدراما التلفزيونية ، كل هذه المستويات التي يبدع فيها المثقف ستكون فضاءً لا مجال فيه لـ(المثقف) الدوني المرتعب من طقوس حرية التعبير وحوارها الخلّاق ، لكن فضاءنا الثقافي يحتاج إلى طرح تساؤلات كبرى يطرحها المفكرون المبدعون الذين يدركون أهمية التنويع الثقافي وضرورة حضور المختلف في سجالاتنا المعرفية الخلّاقة. والمؤكد إذا نجحنا في تاسيس حوار خلّاق داخل مجتمعاتنا وبين تنويعاتها الأثنية والفكرية والأيديولوجية سنتمكن من صناعة وإمتلاك طاقات بشرية ومعرفية نواجه بها العثرات الحياتية داخل مجتمع ما وظروفه الصعبة والعلاقات المضطربة ما بين الشعوب والبلدان . هوامش 1-2: كيف تقول لا في عصر (نعم) رياض الريس | مجلة الناقد العدد 55 كانون الثاني 1993 3- من مقال السيد محمد حسين فضل الله كانون الثاني
#فاروق_صبري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تضامنوا مع الصوت الإعلامي الشجاع الدكتور نبيل جاسم
-
ثقافة الهتّافين والتكفيروالندم... لابد من كنسها!!
-
رسالة .......السيد وزير الثقافة فرياد راوندوزي
-
مشروع المونودراما التعاقبية
-
السيد وزير الثقافة فرياد راوندوزي
-
وأنا انتخب ...فرحت ثلاثاً.... وبرجل ديناميكي إسمه سامر محمد
-
على خشبة المسرح الوطني ومع عرض مسرحيته :يشتّم عبد كعيدي المس
...
-
الشاعر اللص
-
رسالة إلى الدكتور شفيق المهدي ... أنتظر ردّك!!!!!
-
دعوة قضائية ضد المتهم نوري المالكي : اغتيال الشهيد هادي المه
...
-
وصلتني ( عيدية ) شيمتهم الغدر والتهديد :أي مقاله بخصوص صلاح
...
-
يحاولون اغتيال جسارة اسمها برهان الشاوي
-
له قناديل التضامن...كاظم الحجاج يحتج بكبرياء الانبياء حتى يض
...
-
رسالة عاجلة للسيد رئيس الجمهورية مام جلال:قاسم محمد مؤسسة مع
...
-
قضية الشكوى ضد صحيفة - العالم- العراقية:حينما يصبح القانون ك
...
-
متسائلا ومستهزءاً ومتحدياُ يحدّق دم سرادشت صوب ( الجمداني) ا
...
-
عشاق (ابادة الشعب الكردي)
-
(قصيدة) الشويعرسمير صبيح تنث رائحة تفاح متعفن ضدالكرد
-
يا كتبة (المقاومة الشريفة) اعلنوا التوبة!!!!!!!
-
الغناء على أطلال الأرصفة!!!!!!!!!!!
المزيد.....
-
افتتاح مهرجان -أوراسيا- السينمائي الدولي في كازاخستان
-
“مالهون تنقذ بالا ونهاية كونجا“.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة
...
-
دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا
...
-
الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم
...
-
“عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا
...
-
وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
-
ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
-
-بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز
...
-
كي لا يكون مصيرها سلة المهملات.. فنان يحوّل حبال الصيد إلى ل
...
-
هل يكتب الذكاء الاصطناعي نهاية صناعة النشر؟
المزيد.....
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
المزيد.....
|