|
حدث في قطار آخن -7-
علي دريوسي
الحوار المتمدن-العدد: 4978 - 2015 / 11 / 7 - 07:16
المحور:
الادب والفن
دعونا نسمع موسيقى، ماذا تفضل يا أحمد؟ قالت: اجلس هنا، وأشارت بيدها إلى كرسي مريح، مقابلها، بجانب هنيلوري. جلس وظهره إلى باب المطبخ. ناولته سّيجارة "بولمول". كررت السؤال: موسيقى؟ ردت هنيلوري: نعم موسيقى، إلى السعادة، من فضلك... - هل تعرفها يا أحمد؟ هز أحمد المدهوش والغارق في أفكاره وعالم المفاجآت رأسه نافياً. - يؤسفني أني لست شرقية! كيف لي أن أفهم معنى هزة الرأس هذه، ماذا تقصد؟ - استدرك: لا، لا، لم أسمع بها سابقاَ. - قالت هنيلوري: قصيدة "إلى السعادة" من أروع ما كتب الشاعر الألماني فريدريش فون شيلر عام 1785 في عالم الأدب. - أضافت سابينه: ومن أعظم ما لحَّن المُؤلّف الموسيقي الألماني لودفيج فان بيتهوفن في المقطع الرابع والأخير من سيمفونيته التاسعة، والتي أنهاها عام 1824 ... بل إنها كما يقول البعض أعظم قطعة موسيقية كُتِبَتْ على الإطلاق على الرغم من فقده السمع تماماً... أدارت سابينه جهاز الريكوردر، تسربت السعادة من الجدران، نظر حوله ليتعرف على مصدر الصوت، لم يجده! - سحبت هنيلوري نفساً من سيجارتها، نظرت إلى سقف الغرفة، ثم إلى وجهه وقالت: إنها أسطورة موسيقية، "الآن ستتغير الموسيقى الى الأبد"، كانت جملة بيتهوفن ليلة تقديم اللحن في فيينا... - قالت سابينه: هل تعرف يا أحمد أنّ ترتيلة الفرح هذه هي النشيد الوطني الرسمي للاتحاد الأوروبي؟ إنها دعوة إلى السلام والمحبة بين كل البشر... - هز أحمد رأسه بالنفي. - ضحكت سابينه: الآن بدأت أفهم المعنى. - بالمناسبة، لقد حيرتني يا سابينه، ما زلت أنتظر منك تبريراََ أو اعتذاراً لما حدث! - ماذا تعني؟ - أين إيفيلين؟ - من إيفيلين؟ - ابنة أخيك الذي يعيش في موسكو. - إيفيلين هي نفسها هنيلوري... - لكنك قلت أنها لم تتجاوز التاسعة عشر من العمر! - لا بأس، معك حق، هنيلوري هي صديقتي الحميمية وليست ابنة أخي.
نظر أحمد صوب سطح غاز الطبخ، ثمة طنجرتان كبيرتان، نهض قليلاً، رفع رأسه، رأهما مملؤتين بسائلٍ أحمر، استغرب الأمر، حرّكه فضوله. - ماذا يوجد في الطنجرتين؟ شوربا؟ أم خمر؟ - أجابت سابينه: إنه شاي أسود يا أحمد. - شاي بالطنحرة!؟ - نعم، ولم لا، نحن نحب الشاي البارد، وبلا سكر، نشربه أحياناً بديلاً عن الماء. - هز أحمد رأسه حائراً. - هل ترغب أن تشرب فنجان شاي بارد؟ أضافت سابينه. نهضت هنيلوري من مكانها مثل عنكبوت بسيقانه الطويلة لإحضار فناجين الشاي، أدارت ظهرها نصف العاري إليهما، توجهت إلى غاز الطبخ. بدت في وقفتها وكأنّها تجلس في أرجوحة ذات حبال طويلة مرنة، وكأنّها عبثاً تحاول الصعود عالياً، لعلها تحاول أن تعيش فعل انتعاش. هنيلوري امرأة... حلوة وأنيقة، ثلاثينية العمر، عنكبوتية الساقين، شعرها أحمر قصير، بشرتها بيضاء، عيونها زرقاء، شفتاها منتبجتان، هنيلوري شابة تحب الحياة والابتسامة، لكنها تحب السجائر أكثر، تبدو على ملامح وجهها سمات الذكاء والحزن. أحس وكأنه يعرفها منذ زمن، لعله رآها يوماً، أين رآها؟ - تجرأ قائلاً: هنيلوري، أشعر وكأننا اِلتَقَينا من قبل! - لا أعتقد! أجابت هنيلوري. - قالت سابينه: هاجر أخي، أبوها، إلى روسيا عندما كان يافعاً وبقي هناك، ليصبح رجل اقتصاد، اليوم يدير هناك شركة خاصة للاستيراد والتصدير. - أضافت: وهكذا فإن هنيلوري شابة من أتباع الديانات الأخرى، قرغيزية الأم، ألمانية الأب. لها عاداتها الغريبة! - قرغيزية؟ ماذا تعني هذه الكلمة؟ - أي أنّ أمها من جمهورية قرغيزستان!
عادت هنيلوري تحمل على لوح خشبيّ ثلاثة فناجين شاي. أعطته الفنجان الأصفر وأعطت سابينه الفنجان الزهري وقدمت لنفسها الفنجان الأحمر. وزعت سابينه عليهم سجائر البولمول ثم أشعلتها لهم. تناول رشفة من فنجانه، إنه مر، رجاها أن تعطيه قطعة سكر. تدخلت سابينه: نحن نشرب الشاي بدون سكر، هذا شيء صحيّ يجب أن تتعلمه، اليوم ستحصل على قطعة سكر، على أن لا تعيد طلبها ثانية. تفاجأ أحمد من ردة فعلها الغريبة، تجاهل ما قالته ولم يرغب الدخول في التفاصيل. تناول قطعة السكر، وضعها في الفنجان وبدأ يحرّكها. سألته هنيلوري بكامل الجدية والاهتمام: أين يكمن الفرق الجوهري برأيك بين الشرقي والألماني!؟ أجابها دون أن يطيل التفكير: يُختَّصَرُ الفرق ربما بِإِذابةِ السُّكَّر في كَأْسِ الشَّاي أو القَهْوة... فبينما يُذوِّبه الألماني بالتحريك في اِتِّجَاه عَقارِب السَّاعَةِ، يُذوِّبه العربي بعكسِ اِتِّجَاه العَقارِب! ضحكت المرأتان...
نظر أحمد إلى منافض السجائر على طاولة المطبخ، إلى القداحات الملونة وعلب الثقاب، عدّها بصمت، خمس قداحات وثلاث علب ثقاب، نظر إلى ألوان فناجين الشاي، الأحمر والزهري والأصفر، نظر إلى حائط المطبخ عل يمينه، هناك لوحة لباقة زهور ذات ألوان مختلفة، تأملها، إنها لوحة زهور الخشخاش، للرسام فان غوخ، رسمها عام 1887 قبل ثلاث سنوات من انتحاره، لوحة "زهرية وزهور"، ألوانها تشبه ألوان فناجين الشاي في المطبخ. أطلق أحمد صرخة وقال: الآن تذكرت، لعلنا تقابلنا قبل عام أو أكثر في كافيتريا مركز المؤتمرات Eurogress في مدينة آخن... أليس كذلك؟ لقد قلتِ لي يومها أنك تعملين هناك بعد الظهر، أما قبل الظهر فكنت تعملين بصفةِ مشرفةٍ على أطفال إحدى العائلات الألمانية الغنية... أليس كذلك؟ - أظنك واهم، أجابت هنيلوري.
نهض أحمد، استأذنهما بالذهاب إلى دورة المياه.
#علي_دريوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حدث في قطار آخن -6-
-
حدث في قطار آخن -5-
-
حدث في قطار آخن -4-
-
حدث في قطار آخن -3-
-
حدث في قطار آخن -2-
-
حدث في قطار آخن
-
حَمِيمِيَّات فيسبوكية -52-
-
حَمِيمِيَّات فيسبوكية -51-
-
حَمِيمِيَّات فيسبوكية -50-
-
حَمِيمِيَّات فيسبوكية -49-
-
المرسم
-
حَمِيمِيَّات فيسبوكية -48-
-
حَمِيمِيَّات فيسبوكية -47-
-
يانصيب الفرح
-
قصة فيسبوكية قصيرة 2
-
قصة فيسبوكية قصيرة 1
-
السرسكية
-
حَسْنَاءُ بِسْنَادا
-
حَمِيمِيَّات فيسبوكية -46-
-
حَمِيمِيَّات فيسبوكية -45-
المزيد.....
-
السعودية.. رحيل -قبطان الطرب الخليجي- وسط حزن في الوسط الفني
...
-
مصر.. كشف تطورات الحالة الصحية للفنان ضياء الميرغني بعد خضوع
...
-
-طفولة بلا مطر-: المولود الأدبي الأول للأكاديمي المغربي إدري
...
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|