أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد البورقادي - في الأحياء الراقية














المزيد.....

في الأحياء الراقية


محمد البورقادي

الحوار المتمدن-العدد: 4974 - 2015 / 11 / 3 - 23:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



هنا الأزقة واسعة ، وهنا الشوارع شاسعة قد لا يكاد بصرك يصل منتهاها..هنا الطريق على مد البصر ..
هنا العمارات والإقامات الفاخرة ، هنا الفيلات ، هنا الفنادق الفخمة المصنفة ، هنا المتاجر الكبرى ، هنا المقاهي بالطوابق ، والبنايات كذلك ..
هنا مجتمع الوفرة بامتياز ، قد يكفيك أن تركن سيارتك قرب أحد المحلات الكبرى وتقتني ما يسد حاجاتك ليوم أو أسبوع كامل ..
هنا التخم وهنا الكل موجود وبمقادير كبيرة ..لا تزاحم ولا تدافع ..هنا النظام في كل شيء ..النظام يفرض بالطبع وليس بالقهر..
وأنت مار في تلك الزقق العريضة والطويلة ، تحس بصمت رهيب ، وبوحشة أرهب..وقد لا تسمع شيئا يذكر غير صوت الصرصور من بين الشجر الذي يطل من أبواب الفيلات..لوهلة يخيل لك أن المساكن مهجورة أو قد رحل عنها أصحابها منذ زمن بعيد ..
هنا الأزقة خالية لا تدب فيها حركة الأقدام .. هنا الأرض مزفتة ونظيفة .. هنا حاويات الأزبال تفي بالغرض ..
هنا الأمن والأمان ..هنا السكينة والهدوء.. هنا حارس بالليل وآخر بالنهار يقف بالمرصاد لكل دخيل يريد هتك جدار الصمت والأمن ..
هنا الصراخ ممنوع ، واللقاء بين الأخلاء وإن وجد هنالك أخلاء لا يتم إلا في المقهى أو في السيارة أو في العمل ..
هنا الكل مهموم في حاجاته ومصالحه ، الكل مكتف بذاته ..منكب على نفسه وعلى أسراره ..
حتى في المنزل، كل غارق في ذاته منطو على نفسه ..الأب في مكتبه .. والأم في الحديقة تقلب صفحات مجلتها الأسبوعية وتسلّي كلبها في نفس الآن ..والأبناء كل أمام هاتفه أو حاسوبه ..ليس هناك محادثة إلا افتراضية.. لا يكلف أحد نفسه أن ينادي الآخر فقط يكتفي بإجراء مكالمة له هذا إن قدّر واحتاج له في أمر ما..لا يلتقي الزوج بالزوجة إلا وقت النوم استجابة لنداء الطبيعة..ولا يلتقي الأب بالأبناء إلا عند مدّهم بالمال.. وحتى المال أصبح يمرر الآن في البطاقات البنكية.. بل وحتى نداء الطبيعة له طرق استجابة ذاتية .فلا تكاد تجد كلاما ولا حديثا ولا تسمع لهم همسا ..
بل وحتى وقت الغذاء لا يجتمعون على المائدة وعلى ماذا الإجتماع فالسوندويتشات والبيتزا تكفي بالغرض والمأكولات الجاهزة الفردية أحب من صحن واحد يجتمع عليه الكل في شره ونهم بهيم..
الساكن هناك كأنه وسط البادية ، بل حتى البادية تسمع لها أصواتا وتحس فيها حياة.. إن نظرت من شرفتك لا تجد مارا تحتك إلا صدفة ..
الكل ممتط عربته ..ويقود في مهل وروية ..لا تمرد ولا تسارع ..الممرات تعمل بتلقائية وفي هدوء تام ، تفتح باب الفيلا عند استشعار الحركة ويفتح بالمثل باب المرآب عند قدوم السيارة..ويغلقان كليهما كأن من ورائهما يد خفية ..ثم تُستأنف حكاية الصمت كما بُدأت أول مرة ..
قد يتوفى من يسكن أمامك وأنت لا تدري بموته ، وقد يرحل كذلك إلى سكن آخر وأنت لا تعلم بذلك ..وقد تلتقي به في السوبرماركت وأنت لا تعرفه ..وقد تجلس بجانبه في المقهى ولا يسلم أحد على الآخر..
جفاء تام ، إنها الطبيعة بتشخصاتها ، والجماد بعينه ..لا حسّ هناك ولا روح ولا حياة .. فقط أشباه أناسي ..أشباح على صور إنسان ..
هنا الفردانية ، هنا الأنا هي العليا والأنا الأخرى لا وجود لها ؛إذ في ما أحتاج وجودها ووجودي قائم بذاته ويغنيني عما سواي ..
هنا الوحدانية ، هنا الإنطواء على النفس ، هنا اللاإيثار ..هنا أنا وحدي ، أنا أستهلك ، أنا أعيش حياة الملوك ، أنا أمتع نفسي حتى الإرهاق وأثخم بدني حتى الإمتلاء..وأنطلق بشهوتي حتى الإرتواء .. ولا ارتواء وإنما ازدياد ضمأ، ولا استهلاك وإنما إنهاك وإهلاك ، ولا إمتاع وإنما ملل وضجر..
هنا لا يعرف حميم حميما ، هنا الجار بالإسم فقط ،والصاحب وإن وجد فهو للمصلحة فقط وإن انتهت المصلحة ضرب بينهما بباب باطنه وضاهره فيه حقد وحسد..
هنا الكبر والتعالي والتنافس ، هنا الحكْم لما في الجيب ..والقيمة للرأسمال المادي والرمزي ..هنا ما عندك هو ما أنت ..
هنا الوحشة والرهبة ..هنا الأنانية .. هنا التعاظم بالملك ، هنا التشابه في الزقق وفي العربات والإختلاف في القلوب والأنفس ..هنا الكلام بالميزان .. هنا البريستيج ..هنا البروطوكولات المستوردة ..هنا الخلة مع النفس وللنفس ومن أجل النفس فقط .. هنا المحبة للمادة فقط ..هنا القيمة للمتاع والأنس مع الإنطواء .. والأنس مع الوحدانية وفي الوحدانية ..
هنا العائلة غائبة..لا تعاون ولا تضامن ..هنا من لا يجيد الفرنسية فهو أمي ومن لا يتقن النفاق الإجتماعي فهو جاهل وساذج..هنا الإجتماع للضرورة القصوى وللظرف الطارئ وليس للمسامرة والمحادثة.. هنا الإجتماع يعني البريستيج ويعني الجفاء ويعني المصلحة..
هنا الغير غائب وإن كان حاضرا ..وكل في أناته فاكه.. وفي نفسه همام.. وفي ماذا يقضي ليلة الويكأند سارح باله وخياله ..فقد مل وضجر من كل شيء بكثرة التعود عليه..
هنا الأنا وما دون أنا وليس بالأنا ولا يفيد الأنا في شيئ فهو ليس من الأنا ولا يعرفه الأنا ويود لو أن يبنه وبينه أمدا بعيدا ..
تلكم هي العلاقات الإجتماعية في هكذا أحياء ..غياب للعائلة ، وللأحباب وللجيران ..غياب للعطف والشفقة ..غياب للجماعة وإعلاء للفرد ..
الحياة في جمود ..والجمود في جفاء..والجفاء موت للإنسان ولما يحمله الإنسان ولما يعنيه الإنسان ..فحياة الإنسان فيما يقدّم ، وملكه في ما يُعطي ، وقيمته في ما يُأثر ..



#محمد_البورقادي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في عقوق الوالدين : قلب الأم
- أمريكا ..المارد !!
- نظرة في النفس والروح والجسد ..
- في الأحياء الشعبية..
- نضرة في العلاقات الإجتماعية في وقتنا الحاضر
- مخالب النفس
- الإنسان والعقيدة !!
- في بيوت الله
- نساء الحداثة أو النساء الحداثيون !!
- طلبة المغرب بين الحق والواجب
- مسألة القيم الإنسانية !!!
- الفرد والمجتمع , أية علاقة !!
- النزعة الفردية المتطرفة!!!
- عن أي إصلاحات تتحدثون !!!
- في دار العجزة
- أهذا فن أم عفن ؟
- في مسيرة 8 مارس


المزيد.....




- رقصت بالعكاز.. تفاعل مع إصرار هبة الدري على مواصلة عرض مسرحي ...
- هل باتت فرنسا والجزائر على الطريق الصحيح لاستعادة دفء العلاق ...
- الجزائر تعلن إسقاط طائرة درون عسكرية اخترقت مجالها الجوي من ...
- من الواتساب إلى أرض الواقع.. مشاجرة بين المسؤولين العراقيين ...
- قفزة بين ناطحتي سحاب تحول ناج من زلزال تايلاند إلى بطل
- قراءة في تشكيلة الحكومة السورية الانتقالية : تحديات سياسية ...
- قناة i24 الإسرائيلية: ترامب يعتزم لقاء الشرع خلال زيارته للس ...
- إعلام أمريكي: دميترييف وويتكوف يلتقيان في البيت الأبيض
- الخارجية الألمانية تعلن إجلاء 19 مواطنا ألمانيا مع عائلاتهم ...
- الولايات المتحدة توسع قوائم عقوباتها ضد روسيا


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد البورقادي - في الأحياء الراقية