أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جودت هوشيار - دموع الفرح لشعب مقهور















المزيد.....

دموع الفرح لشعب مقهور


جودت هوشيار
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 4974 - 2015 / 11 / 3 - 13:53
المحور: الادب والفن
    


تلقّت الكاتبة البيلاروسية سفيتلانا الكسيفيج نبأ فوزها بجائزة نوبل في الآداب لعام 2015 ، بينما كانت تقوم بعمل بيتي روتيني ، وهي كي الملابس في شقتها الصغيرة المتواضعة ، كما قالت للصحفيين إثر اعلان فوزها بالجائزة .
سفيتلانا - التي تسكن في عمارة ضخمة متعددة الطوابق ، أشبه بمجمع سكني ، يضم مئات الشقق ويقع بالقرب من وسط العاصمة مينسك - معروفة بين سكان المجمع بكياستها ولباقتها وحسن تعاملها مع جيرانها ومع الناس جميعاً . صحيح أنها دائمة السفر والتنقل بين العواصم الأوروبية لمتابعة الأصدارات الجديدة لكتبها المترجمة الى العديد من اللغات الأجنبية ، ولكن سكان المجمع كانوا على علم بعودتها الى مينسك ، وقد احتشدوا عند باب الخروج لتحيتها فور علمهم بالنبأ السار. نزلت سفيتلانا وما أن فتحت الباب حتى سمعت احدى جاراتها تقول لأخرى : " هل تعلمين ؟ سفيتلانا حصلت على نوبل مثل بونين ".
فشلت سفيتلانا في ايجاد قاعة ملائمة في المدينة لعقد مؤتمرها الصحفي الأول فور الأعلان عن فوزها بنوبل ، فقد أغلق النظام في وجهها كل المنافذ واضطرت الى عقد مؤتمرها الصحفي الأول بعد اعلان فوزها بالجائزة في 8 اكتوبر ، في مقر صحيفة " ناشا نيفا " المعارضة ، التي تشغل بناية صغيرة ، لا تتسع سوى لخمسين شخصا ، ولم تكن سفيتلانا تتوقع ان يحضر المؤتمر اكثر من هذا العدد ، في حين ان عدد الأعلاميين المحليين والأجانب الذين تدفقوا على مكان عقد المؤتمر بلغ أكثر من 200 اعلامي.
سيارة تابعة للسفارة السويدية في مينسك أقلّت سفيتلانا الى مكان انعقاد المؤتمر الصحفي . كان الناس متجمهرين على جانبي الطريق في صفوف طويلة يحملون العلم الوطني وصور سفتلانا وهم يحيونها ودموع الفرح تنهمر من عيونهم حباً بوطنهم وزهواً بمواطنتهم ، التي جعلت من بيلاروسيا المنسية على كل لسان. ذهلت سفتلانا لهذا المشهد الفريد ، مشهد مواطنيها وهم يبكون من الفرح ، ولم تجد له تفسيراً ، سوى ان الشعب البيلاروسي المقهور الذي يعاني من وطأة حكم استبدادي ، ينتهز أي فرصة للتنفيس عن عواطفه المكبوته . ربما كان الترحيب الجماهيري الحار بسفيتلانا ، المعارضة العنيدة لنظام لوكاشينكو تعبيراً عن كراهيتهم وازدرائهم للدكتاتور .
عانت الشعوب التي كانت رازخة تحت الحكم السوفييتي أهوال ومصائب كثيرة . فقد قتل حوالي عشرون مليونا من سكان البلاد واصيب أكثر من ضعف هذا العدد . بإعاقات دائمة ، خلال الحرب العالمية الثانية . ولا يعرف على وجه الدقة ، عدد الذين قضوا نحبهم في حرب النظام ضد الشعب ، أولئك الذين اعدموا رمياً بالرصاص أو امضوا سنواب طويلة في معتقلات ومنافي سيبيريا الرهيبة ، أو الذين هاجروا الى الخارج ، حيث لم تنشر أية أرقام رسمية عنهم لحد الآن ، رغم مرور حوالي ربع قرن على تفكك الأمبراطورية السوفيتية ، لأن السلطة تعتبرها من أسرار الدولة . صحيح ان جميع شعوب الأمبراطورية المنهارة عانت من ويلات الحروب والقمع والأستبداد ولكن المصائب التي كابدتها بيلاروسيا الصغيرة المسالمة أفظع وأكثر ايلاماً . فبعد عقد ميثاق مولوتوف ريبنتروب ، في اغسطس 1939 ، احتلت القوات الألمانية والسوفيتية بولونيا في أوائل أيلول من العام ذاته وتم تقسيمها بين العملاقين . وجري اثر ذلك اعادة بيلاروسيا الغربية – التي كانت ملحقة ببولونيا في ذلك الوقت – الى بيلاروسيا . رحب الشعب البيلاروسي بعملية توحيد البلاد ، ولكن لم تمض سوى أيام قليلة حتى قامت السلطة السوفيتية بترحيل ما لا يقل عن 200 ألف من سكان بيلاروسيا الغربية الى مناطق نائية وإبادة حوالي 30 ألف من سكانها . وعندما هاجمت ألمانيا الهتلرية في 22 حزيران 1941، الأتحاد السوفييتي ، تلقت بيلاروسيا الضربة الأولى وجرى احتلالها بشكل كامل من قبل جحافل الفاشست خلال الأشهر الأولى من الحرب .. وقاوم الشعب البيلاروسي الغزاة بضراوة ، ويكفي أن نقول أن ثلث سكان بيلاروسيا – ومعظمهم من الرجال - قد قتلوا خلال الحرب العالمية الثانية ، سواء في جبهات الحرب أو خلال عمليات المقاومة البطولية . وتتذكر سفتلانا طفولتها البائسة في احدى البلدات البيلاروسية ، التي قتل جميع رجالها في الحرب ولم يبقى من سكانها سوى النساء والأطفال .
. وعندما انهارت الأمبراطورية السوفيتية تحررت الجمهوريات التي كانت ملحقة بها قسراً من ربقة موسكو ، ولكن ذلك كان تحررا ظاهريا لأن النظم الدكتاتورية ما زالت قائمة في العديد من تلك الجمهوريات وبضمنها بيلاروسيا التي يحكمها لوكاشينكو بيد من حديد منذ عام 1994 ، وقد أعيد (أنتخابه) قبل أيام للمرة الخامسة .
لوكاشينكو يعاني من عزلة دولية وحصار اقتصادي غربي خانق ويحاول هذه الأيام مغازلة الغرب ، وفعلا قام بمناورة بارعة ، بالأستجاب لطلب الأتحاد الأوروبي واطلاق سراح عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين بعد ( فوزه ) بالأنتخابات الأخيرة . وهي مكرمة يذكرنا بمكرمات صدام . وبالمقابل ألغي الأتحاد الأوروبي القسم الأكبر من العقوبات التي كانت مفروضة على بيلاروسيا ، ومنها حظرسفر عدد كبير من أعمدة النظام الى الخارج ، ولكن رفع الحظر لم يشمل لوكاشينكو شخصياً .
بعد فوز سفيتلانا بجائزة نوبل وجد دكتاتور بيلاروسيا نفسه في ورطة حقيقية . الكاتبة الجريئة تحارب نظام لوكاشينكو بقلمها الجبار منذ سنوات عديدة وقد اضطرت الى مغادرة بيلاروسيا في عام 1990 ولم ترجع اليها ، الا في عام 2001 ، في فترة شهدت محاولات لوكاشينكو للتقرب من الغرب والقيام ببعض الأصلاحات الشكلية ومنها تخفيف القيود على المعارضين . قيل لسفيتلانا : لماذا عدت الى بيلاروسيا؟ أجابت : " اريد أن أكون مع شعبي في محنته. " ومنذ عودتها تجاهلها النظام تماماً ، كأنها غير موجودة .فهي ممنوعة من النشر في بلادها رغم أن نتاجاتها الرائعة فكراً وفناً تلقى رواجا منقطع النظير في بقية انحاء العالم . ورغم أنها كانت مرشحة قوية لنيل نوبل طوال السنوات الماضية ، الا أن فوزها أخيرأ وجه ضربة موجعة للوكاشينكو ، الذي ظل حائراً لعدة ساعات .هل يهنئها بالفوز أم يتجاهلها كالعادة ؟، ولكن بعد أن انهالت مئات البرقيات والرسائل والمكالمات الهاتفية من أنحاء العالم على سفيتلانا ، بينها برقيات عدد من رؤساء الدول ، أولهم الرئيس الألماني ، وبرقيات أشهر ادباء العصر ، ورسائل قرائها في شتى أنحاء العالم . وبعد ست ساعات على اعلان فوزها بالجائزة ، وجه لوكاشينكو برقية خجولة الى خصمه اللدود صاحبة نوبل يقول فيها : " ارجو ان تكون هذه الجائزة في مصلحة بيلاروسيا " .ولا شك انه يقصد بذلك مصلحة النظام .
سفتلانا سخرت من هذه التهنئة الباردة لأنها أتت بعد برقيات زعماء عدد من الدول الأوروبية ، وفي الوقت ذاته قالت أن لوكاشينكو استطاع التغلب على العائق النفسي وهنأها بالفوز رغم أنها ومنذ سنوات عديدة تعد من ألد خصوم النظام .
سفيتلانا حاصلة على أكثر من عشرين جائزة أدبية عالمية ، بينها جوائز المانية وفرنسية وأميركية اضافة الى جائزة الدولة التقديرية التي منحت لها في فترة البريسترويكا ( 1987 ) ، عن روايتها ، متعددة الأصوات " ليس للحرب وجه نسائي " التي صدرت في موسكو عام 1985 - بدعم من ميخائيل غورباتشيف - بمليوني نسخة نفدت خلال فترة قصيرة .
سأل صحفي بيلاروسي سفيتلانا : " كيف ستتصرفين بمبلغ جائزة نوبل ؟ .
أجابت: " لقد اعتدت ان انفق مبلغ اية جائزة احصل عليها لأشتري بها حريتي ، وجائزة نوبل هي حماية لي من نظام لوكاشينكو " .



#جودت_هوشيار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رائعة بونين : الفجر طوال الليل
- بونين بالعربية ... اكتشاف متأخر لكاتب رائع
- ماذا يفعل الروس في بغداد ؟
- كابوس اوباما السوري
- حلف الناتو يعاقب أردوغان !
- لعبة أردوغان المزدوجة
- فن الرواية بين الإبداع والصنعة
- خفايا الموقف التركي من داعش ؟
- وزراء أجانب للحكومة العراقية
- احسان فؤاد .. الشاعر الذي كان يحلم بالدولة الكوردية
- دميرتاش ، النجم الصاعد في السياسة التركية
- كونوا على مستوى المسؤولية ، فالتأريخ لن يرحم أحداً !
- حياة ايليا اهرنبورغ الصاخبة بين باريس وموسكو
- زوبعة في فنجان
- من الذي قسّم العراق* ؟
- العراق في مرحلة ما بعد داعش
- الكاريكاتير : الفن الي يعبّر عن جوهر الأشياء
- ثقافة التسامح والتعايش ضرورة أنسانية ووطنية
- ماذا قال خبير اتصالات بعد لقائه البغدادي في عشاء عمل ؟
- هل حان الوقت لأعادة رسم خارطة الشرق الأوسط ؟


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جودت هوشيار - دموع الفرح لشعب مقهور