|
السعودية وآفاق الحل في سورية
أحمد محمد أبو شاويش
الحوار المتمدن-العدد: 4973 - 2015 / 11 / 2 - 21:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حملت المملكة العربية السعودية على عاتقها العبء الأكبر ، ماليا على الأقل ، في دعم المعارضة المسلحة ، ناهيك عن الدعم السياسي والدبلوماسي والإعلامي والحشد (الإسلامي) والدولي ، والسعودية ، تاريخيا ، ضالعة في التدخل في الشأن الداخلي السوري ، فلها علاقات تقليدية وطيدة مع أطراف عديدة داخل المجتمع السوري ؛ من بينها مشايخ السلفية ، ومشايخ الطرق الصوفية لاسيما المتواجدة منها في دمشق وحلب ، والقوى الأصولية بشكل عام ، وشيوخ العشائر في الجولان وبادية الشام ، وبعض الساسة التقليديين ، وبعض التجار، والسعودية حريصة على ان تمتد العلاقة مع الأجيال المتعاقبة لكل أولئك ، وهي تغدق بسخاء من أجل توطيد تلك العلاقات ، وعلى سبيل المثال كانت تستضيف سنويا في مواسم الحج والعمرة ( محملاََ للحج) لبعض من ذكرناهم . وتنظر السعودية بحساسية بالغة لتطور العلاقة بين أي دولة عربية أو إقليمية وبين سوريا ، وما يجري حاليا مع إيران حول هذه المسألة ليس استثناء ، ففي النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي كان هناك حراك داخلي في سوريا لتعزيز العلاقة مع العراق ، يهدف إلى توحيد القطرين ، وقد بذلت السعودية ما في وسعها لإفشال ذلك التحرك ، حتى تحقق لها ، مع آخرين ، ذلك في النتيجة ، إن ذلك يشكل جزءاََ من الصراع على سورية ، لما لها من أهمية استراتيجية . وفي أواخر الخمسينات ذاتها ناصبت السعودية دولة الوحدة بين مصر وسورية العداء الشديد ،وقد جاءت الوحدة في حينه (شباط 1958 ) في سياق نهوضِِ لحركة التحرر العربي ، وفي إطار حركة مدِِّ قومي شعبي عارم ، معادِِ للامبريالية العالمية ، ومناهض للرجعية العربية ، وعلى رأسها السعودية في ذلك الحين ، وهو ما حدا بهذه الأخيرة إلى مضاعفة نقمتها على دولة الوحدة وعلى رئيسها عبد الناصر ، بعد أن عاشا معاََ بالأمس القريب (54 - 1957) شهر عسل من التوافق والتضامن ، مِمَّا حفز تلاميذ المدارس في بلادنا ، آنذاك ، لأن يتغنوا بالأهازيج المتفائلة ، وهم يهتفون لفلسطين : (لا تخافي يا روحي مهما عذابك طال***وراك سعود والقوتلي وحسين وجمال) .ولكن هذا هو أحد أعراض التنافس والصراع على سورية ، وقد بلغت النقمة السعودية على عبد الناصر أوجها في تدبير محاولة اغتيال فاشلة له ، وشاءت الصدف أن أتعرف بعد مرور عشرة أعوام على تلك الواقعة على من أوكلت إليه الدوائر السعودية تنفيذ العملية ( لقاء مبلغ من المال ) ، الأخ " نعسان زكّار"، (وهو من أهل حماة ، وكان له دور في محاربة الإقطاع هناك ، وفقد ابن عمه بينما كانا يشتركان في مواجهة مع أزلامه ، وقد شارك متطوعا في حرب فلسطين 1948 مع جيش الإنقاذ ، وهو من قام ، مع مجموعة اختار أفرادها بنفسه، بتفجير أنابيب النفط أثناء العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956) ، وبالإضافة إلى متابعة محاولة الاغتيال عبر الإذاعة والصحافة ، فقد اطلعت على ملابساتها من خلال مطالعة كتاب للشهيد المغدور والمعارض (السعودي) " ناصر السعيد " ، ومن طرائف ما رواه لي "نعسان " عن المحاولة أنه قام بتحريك المبلغ من بنك لآخر ، ليتأكد من حقيقة الأمر ، وليتأكد أن المبلغ حقيقي ، وكانت البداية من البنك العربي ، وأضاف : كان مدير البنك العربي في ذلك الحين صاحبكم " فلان" ، وفلان هو من أصبح فيما بعد عضواََ في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية خلال مدة امتدت على مدى أربعين عاما . لعلي قد خرجت عن السياق ، وربما أكون قد أثقلت على النص بالتطرق لبعض التفاصيل ، ولكنها ضغوط تداعيات الذاكرة ، والمراهنة على صبر القارئ لظني أنها معلومات (حول تاريخ ما أهمله التاريخ) لا تخلو من فائدة تضاف لحساب المضمون ، وعلى أية حال لم يهدأ بال القيادة السعودية فيما يتعلق بهذا الشأن إلا بعد سقوط دولة الجمهورية العربية المتحدة ، وانفصال سورية عن مصر ، وكان هناك حزن كبير قد لف جماهير الشارع العربي من المغرب إلى المشرق ، بسبب الآمال الكبيرة التي انعقدت على دولة الوحدة النواة ، كما إِعْتُبِرَت في حينه . مرت العلاقات السورية السعودية في المراحل اللاحقة في أطوار مختلفة ، سادها الـتأزم أحيانا ، والسمن على العسل أحيانا أخرى ، ولعله ليس من باب التجاوز القول أن شتاء وصيف العلاقة تلك قد اجتمعا أحيانا في الحكم الواحد ، كما في عهد الرئيس حافظ الأسد ، فبينما اتخذ الأخير موقفا مناوئا لموقف السعودية ودول الخليج ، بتأييده السياسي لموقف إيران في الحرب العراقية الإيرانية ، نجده يأخذ موقفا مطابقا لموقف السعودية ودول الخليج بعد دخول العراق إلى الكويت ، ويرسل قوات من الجيش العربي السوري إلى حفر الباطن لقتال الجيش العراقي ، فنال بذلك رضا تلك الدول والسعودية في مقدمتها بالطبع . وهكذا سارت العلاقة الثنائية بين النظامين السوري والسعودي في تغير من حال إلى حال ، إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن ، ولعله من البديهي في ضوء ما سلف أن يستنتج المرء أنه من الطبيعي ، في ضوء العلاقات الوطيدة ، والتحالف الوثيق بين النظامين السوري والإيراني ، ولا سيما في ظل تعاظم النفوذ الإيراني في كل من العراق ولبنان ، ومؤخرا في اليمن ، ناهيك عن مشاغباتها على السعودية في البحرين ، أن يثير ذلك حفيظة وعداء السعودية ، وفي المقابل واجهتها ايران بالمثل ، ووجدا في الطائفية ضالتهما لتجييش الجماهير الشعبية المسحوقة ، والمغلوبة على أمرها، وعمل كل منهما من جانبه على تأجيج الفتنة الطائفية ، مستغليْن في ذلك عفوية َذه الجماهير وبؤسها وفقرها ،وتركز العداء بينهما على الساحة السورية في دعم ايران للنظام ، وفي معاداة النظام من قبل السعودية وتركز ذلك تحديدا في مطالبة الأخيرة بإسقاطه بإسقاط كشرط لموافقتها على الحل السياسي. والآن بعد أن صَعَدت السعودية إلى أعلى الشجرة فيما يتعلق بحل المسألة السورية ، فهي تبحث عن حل يضمن لها حفظ ماء الوجه ، وخاصة بعد التدخل العسكري الروسي لحماية النظام من الانهيار ، وما لذلك من أبعاد وتأثير على موازين القوى في الميدان ،وكذلك بعد أن وجدت نفسها متورطة في حرب ممتدة في اليمن ، عرفت كيف تدخلها ، دون أن تعرف كيفية الخروج منها ، ناهيك عن الصعوبات الاقتصادية التي باتت تعاني منها ، بسبب الكلفة الباهظة لتلك الحرب ،والهبوط الحاد في أسعار النفط ، وقد بلغ العجز في موازنتها في تقدير بعض الخبراء مائة مليار دولار ، مما اضطرها لسحب 700 مليار دولار خلال العام الماضي من احتياطيها النقدي ، مما يهدد بنفاذ هذا الاحتياطي خلال السنوات الخمس القادمة ، إزاء ذلك كله لا غرابة في أن تفتش السعودية ، من وراء الكواليس ، عمن يساعدها في التراجع التدريجي ، والقبول بحل وسط تدريجي أيضا يلتقي مع ما هو مسكوت عنه ، حتى الآن ، لدى الروس ، بتغيير رأس النظام ، والإبقاء على النظام ، وطالما أن عقدة رفض مشاركة إيران كطرف في الحل قد حُلَّت، بحضورها مؤتمر "فيينا" الأخير وهي كما يبدو أن الروس قد سعوا لحلحلتها وإنضاجها على نار هادئة ، بحكم علاقتهم الوطيدة والوازنة مع النظام السوري ، فقد يكون هم من في وسعهم توفير السّلَّم الذي يُمَكِّن السعودية من النزول عن الشجرة .
#أحمد_محمد_أبو_شاويش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل
...
-
متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح
...
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م
...
-
السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
-
مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
-
فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي
...
-
الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار
...
-
لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك-
...
-
-الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
-
بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|