|
هبة القدس إلى أين
يوسف غنيم
(Abo Ghneim)
الحوار المتمدن-العدد: 4973 - 2015 / 11 / 2 - 17:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هبة القدس... إلى أين؟
بعد مرور ما يقارب الشهر على الحراك الشعبي في فلسطين التاريخية بكل ما حمله من عنفوان وتضحيات، لا بد لنا من التوقف أمام الحاضر لقراءة المستقبل في محاولة للبحث عن العديد من الإجابات لتساؤلات تشكل في مجموعها عناوين للفعل الوطني، السؤال الأول: لماذا الحراك الآن؟ السؤال الثاني: ماذا نريد؟ السؤال الثالث: هل لدينا خطة؟ السؤال الرابع: هل لدينا حاضنة عربية؟ السؤال الخامس: ماذا ننتظر من المجتمع الدولي؟
لماذا الحراك اليوم؟هل كانت المقدمات بعد استشهاد محمد أبو خضير بروفة لما يحدث اليوم؟ وهل الأقصى بكل ما يشكله من حضور في الوعي والوجدان الوطني شكل الدافع لحالة الإستنهاض، أم الإحتلال بكل تعبيراته السياسية والأمنية والإقتصادية والإجتماعية هو المحرك والمفعل؟ إن الصراع القائم في فلسطين ذو طابع تناحري لا يمكن إختزاله في حدث بعينه، لأننا بذلك نبتعد عن صيرورة الأحداث التي تأتي في سياق سيرورة تاريخية ترتكز إلى تراكم تجتمع فيه كل مفاعيل الصراع القائم، لتصل نقطة تحول تتمثل في حالة دفع الصراع السياسي بكل تعبيراته إلى الصدارة، في مسعى إلى خلق حالة قطع مع السياق الماضي وخلق حالة جديدة نتاج التراكمات الكمية لمجموع الأحداث الماضية. إذن الحراك كان تعبير عن حاجة موضوعية لاحتياجات الواقع المعاش عبّر عنها قطاع من الشعب الفلسطيني، التقط اللحظة السياسية وترجمها إلى فعل نضالي أخذ طابعا فرديا في الشكل، جماعيا في المحتوى، بمعنى، لم يكن مهند حالة فردية عبرت عن رفض المرحلة بقدر ما كان إفراز لرفض جماعي لحالة الخضوع الرسمي لمحتل يعمل مع حلفائه على تفكيك وعي شعب من خلال إعادة صياغته للواقع ضمن مفاهيم توراتية تعمل على تثبيت حق أعطي من إله تم التغلب عليه في صراع مع إسرائيل "يعقوب". لقد غاب عن مهندسي الوعي بأن الوعي المتشكل هو انعكاس لحقائق الجفرافيا والتاريخ، ولا يمكن لأي فكر افتراضي تغيير ذلك، فهذه الأرض ستبقى فلسطين من بحرها إلى نهرها ومن أم الرشراش إلى رأس الناقورة . انتصار التاريخ والجغرافيا هو انتصار الوعي على الوهم لذلك أضحت فلسطين ساحة الفعل لكل الهبة ولم تختزل في منطقة جغرافية محددة، لأن المستهدف هو الوطن بكل ما يحتويه من تاريخ مقدس بفعل البشر. ماذا نريد من هذه الهبة ؟ الهبة كانت تعبير عن رفض لواقع أخذ بالتشكل بهدف تغيب القضية الفلسطينية عن مسرح التاريخ الفاعل بعد إغراق المنطقة بدوامة من الأحداث الهادفة إلى تفتيت الجفرافيا إلى كيانات سياسية تقوم على أساسي مذهبي متناحر يستند إلى خلاف سياسي غلف بأيديولوجيا تحاول إعطاء شرعية لإستمراره إلى راهن اللحظة في تغييب واضح للتطورات التاريخية التي تم احتجاز تطورنا بها بفعل الإنشداد للماضي وإعتباره بداية التخطي لللآن. الهبة تحمل في مضامينها حالة رفض للهيمنة الإمبريالية الصهيونية الرجعية على حاضر ومستقبل أمتنا وتعيد الصراع إلى جذوره، صراع بين حركة تحرر عربية في مواجهة مخطط إمبريالي صهيوني يهدف إلى تخليد التبعية والتخلف من خلال التحالف مع الرجعيات العربية المتدثرة في غطاء ديني، تحاول من خلاله التستر على عوراتها التي لم يعد المال السياسي قادرا على سترها فأخذت على ذبح الوطن العربي بدءًا من العراق مرورا بليبيا وسوريا والبحرين واليمن. إعادة الصراع إلى طبيعته هو الهدف الحقيقي للهبة رغم محاولات البعض رفع شعار طموح هذه الهبة غير قادرة على تحقيقه " هبة الحرية والإستقلال ". هل لدينا خطة؟ جاءت الهبة الجماهيرية في ظل ظروف غاية في التعقيد على الصعيد الوطني فقد غاب البرنامج الوطني الجامع لمكونات الشعب الفلسطيني وتعددت التوجهات السياسية في ظل حالة من الإصطفاف تعيشها القوى الفلسطينية المختلفة على النحو التالي: • حركة فتح التي تشكل السلطة الفلسطينية نأت بنفسها عن بعض القضايا العربية " الصراع في سوريا " وأنحازت ببعض القضايا كتأييد للتحالف السعودي الخليجي في اليمن وواصلت علاقاتها بالنظام الرسمي العربي المرتكز في مواقفة من الصراع على المبادرة العربية للسلام والتي تعتمد المفاوضات آلية للتسوية مع الإحتلال على قاعدة الإنسحاب من المناطق المحتلة عام 67 مقابل الإعتراف الرسمي والتطبيع العلني مع الإحتلال . • تعيش حركة حماس تخبط في المواقف جراء ارتباطاتها بحركة الإخوان العالمية، وقد بات التخبط واضحًا من خلال موقفها من الأزمة السورية وإرتهانها للموقف القطري التركي السعودي الساعي إلى تدمير الدولة السورية من خلال دعم العصابات التكفيرية . حماس تدرك طبيعة التحالف القائم بين تركيا والكيان الصهيوني الذي فتح لها نوافذ للحوار مع إسرائيل بهدف الوصول إلى تفاهمات وتسويات حول غزة، تشمل بناء الميناء ورفع الحصار وإعادة الإعمار، وتعي أكثر طبيعة العلاقات القائمة بين قطر وإسرائيل والتحالف القائم بين السعودية والولايات المتحدة الداعم والحليف المركزي لإسرائيل. مع ذلك قررت حماس الإنسحاب مع معسكر المقاومة الذي تشكل من سوريا، أيران، حزب الله، المقاومة الفلسطينية الوطنية والإسلامية. • الجهاد الإسلامي: كان للجهاد السبق في إندلاع شرارة الإنتفاضة من خلال العملية التي نفذها مهند الحلبي في القدس، وجاء ذلك نتاج التماسك الفكري والسياسي للجهاد الإسلامي الذي لا يزال يطرح ويمارس موقفا جذريا في الصراع، فقد حافظ على موقعه في معسكر الممانعة من خلال توثيق العلاقات مع إيران التي تشكل محور الممانعة، وحافظ على موقف متوازن من الصراع في سوريا ولم ينقلب على تحالفه وعلاقاته بحزب الله، الأمر الذي يعطي مصداقية لمواقفه المعلنه • اليسار الفلسطيني: يعيش اليسار الفلسطيني أزمة نتاج تخبط مواقفه السياسية وعدم الإتساق بين ما يطرح من مواقف وما يمارس على أرض الواقع، فبعد رفض أوسلو وإفرازاتها بات اليسار أقرب إلى أوسلوا بعد المشاركة في الإنتخابات للمجلس التشريعي وما كشفته تلك الإنتخابات من تراجع حاد على حضوره الجماهيري، الأمر الذي أدى به إلى محاولة المزاوجة بين رفض أوسلو كبرنامج والإفادة منه في خلق مناخات للتعايش معه وبه. لقد أعطى الإنقسام فرصة تاريخية لليسار لطرح برنامج يتخطى به طرفي الإنقسام، ولكنه لم يكن مهيء لحمل المرحلة. عند الوقوف أمام القوى الفلسطينية والتي تشكل الخطاب والحالة السياسية الفلسطينية، نجد أننا لا نمتلك أي خطة لاستثمار الحراك الشعبي سياسيا، وأن التضحيات التي يقدمها الشعب الفلسطيني ستصب في حالة تراكمية جديدة وصولا إلى إحداث تغييرات بنيوية في التركيبة السياسية للشعب الفلسطيني.
هل لدينا حاضنه عربية؟ علينا الإعتراف أننا كنا نفتقد على الدوام للحاضنة العربية الداعمة لقضيتنا على المستوى الرسمي، وكان التعاطف الشعبي وما زال هو التعبير عن عمق العلاقة القومية التي أخذت تعبيراتها بالدعم الدائم لشعبنا ونضالاته، على الرغم من التعاطف الشعبي العربي - الجماهير الشعبية العربية عملت خلال السنوات الماضية على أخذ زمام المبادرة، وتم إجهاض حراكها من خلال الإلتفاف على تحركاتها من قبل الثورة المضادة، وهذا ما يمكننا تلمسه في مصر واليمن والبحرين - ظلت مغيبه عن التأثير المباشر، وفي هذه المرحلة الجماهير الشعبية منشغلة في همومها الذاتية وغير قادرة على تقديم إسناد للهبة الجماهيرية. المستوى الرسمي حاول منذ البداية العمل على إجهاض الهبة وهذا ما كان واضحا في تفاهمات "كيري، عبد الله، نتنياهو حول الأقصى" .
ماذا نريد من المجتمع الدولي؟ هنالك محاولات لخلق حالة من الفصل بين النظم السياسية في الدول المؤثرة دوليا وبين شعوبها وكأن الأولى جاءت بمعزل عن الثانية، لذلك علينا تقسيم العلاقات مع المجتمع الدولي على النحو التالي:- 1. الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا: تشكل هذه الدول الداعم الرئيسي للكيان الصهيوني وهي التي ساعدت في قيامه وتحافظ على إستمرارية وجوده، لذا لا يمكن التعويل على هذه الدول. 2. دول أمريكا اللاتينية: التحولات السياسية والإقتصادية عميقة في هذه الدول وهي تتجه للخروج من العباءة الإمبريالية، علينا توثيق العلاقات معها على قاعدة المعاداة للإمبريالية المتوحشة وحلفاؤها. 3. الدول الإفريقية والآسيوية: رغم هامشية دور هذه الدول على الصعيد الدولي نتاج حالة الإرتهان للعلاقة الغير متكافئة مع المركز الإقتصادي الذي تشكله الولايات المتحدة مع أوروبا الغربية، إلا أنها شكلت حالة من الإسناد والدعم لقضيتنا، لذا يجب العمل على إعادة تفعيل العلاقات معها على قاعدة الرفض لمنطق القوة التي تنتهجه حكومة الإحتلال ومحاولة الحد من التأثيرات "الإسرائيلية" بتلك الدول كما هو حاصل في أثيوبيا والهند، حيث وقّعت الأخيرة في الشهر الماضي على صفقات تجارية مع إسرائيل بالمليارات. على ضوء هذا التوصيف للمجتمع الدولي علينا بناء تحالفات مع الدول المتضررة من السياسات الإمبريالية، والإبتعاد عن الوهم القائل بإمكانية وجود موقف موضوعي من الصراع من قبل الغرب . وللوصول إلى كل ذلك ستكون الهبة الجماهيرية حلقة في سلسلة الصراع وصولا إلى الحرية والإستقلال.
#يوسف_غنيم (هاشتاغ)
Abo_Ghneim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا والكيماوي
-
الصمت ماذا بعد .................
-
ما بين الثورة والثورة المضادة
-
ما زلت أحلم
-
هي 4
-
هي 3
-
هي 2
-
ما بعد البداية
-
سورياو - إسرائيل -
-
القرضاوي وأمريكا
-
يوم الأسير الفلسطيني
-
إلى متى
-
تشافيز لن تغيب وإن غيبت
-
خطاب بار إيلان
-
فكر بغيرك
-
ليس حباً بعمرو ولكن كرهاً بزيد
-
الإنتخابات الصهيونية.....إلى أين
-
رسالة إلى الجماهير الشعبية في الأردن
-
بشرى سارة : الوهابيون مع الجندر
-
البحرين وأنصاف المثقفين وأدعياء اليسارية
المزيد.....
-
الأكثر ازدحاما..ماذا يعرقل حركة الطيران خلال عطلة عيد الشكر
...
-
لن تصدق ما حدث للسائق.. شاهد شجرة عملاقة تسقط على سيارة وتسح
...
-
مسؤول إسرائيلي يكشف عن آخر تطورات محادثات وقف إطلاق النار مع
...
-
-حامل- منذ 15 شهراً، ما هي تفاصيل عمليات احتيال -معجزة- للحم
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية مسؤولين في -حماس- شاركا في هجوم
...
-
هل سمحت مصر لشركة مراهنات كبرى بالعمل في البلاد؟
-
فيضانات تضرب جزيرة سومطرة الإندونيسية ورجال الإنقاذ ينتشلون
...
-
ليتوانيا تبحث في فرضية -العمل الإرهابي- بعد تحطم طائرة الشحن
...
-
محللة استخبارات عسكرية أمريكية: نحن على سلم التصعيد نحو حرب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|