عائشة التاج
الحوار المتمدن-العدد: 4972 - 2015 / 11 / 1 - 16:10
المحور:
الادب والفن
المكان : صحراء مصر , سيوة ,
الزمن : القرن 19 إبان الاستعمار الإنجليزي .
سيرة ذاتية لمأمور أرسلته السلطات لبسط نفوذ السلطة المركزية وخصوصا
استجلاب الضرائب ,
الشخصات الرئيسية / محمود المأمور و زوجته الإيرلندية كاثرين
الشيخ يحيى ، و الشيخ صابر من كبار القبيلة ,
المقسمة إلى شرق وغرب .بينهم صراعات وعداوات لا تنتهي
أخت كاثرين / فيونا شخصية طيبة ،صافية القلب ’ ,
, الزجالة سكان الواحة وهم رحل يتبعون الواحات
مستر هارفي رئيس المأمور أحد مسؤولي السلطات الاستعمارية له خبرة في توطيد الاستعمار لأنه غالبا ما يتحدث عن مستعمرات افريقيا و آسيا ,,,ينصحه بالتحالف مع هؤلاء مرة وخصومهم مرة أخرى ,
تقديم :
تنقلنا الأحداث التاريخية لزمن الاستعمار الانجليزي لمصر وأيضا للتاريخ العريق لمصر من خلال مساءلة الحفريات الأركيولوجية من خلال زوجة المأمور كاثرين الأيرلندية الجنسية المتخصصة في علم الآثار ,وأيضا للضابط المصري الشاب الذي أرسلته السلطات لدعم المأمور في مهمته الأمنية ,
كاثرين عالمة آثار ورثت من أبيها الباحث في الأثار أيضا حبه للثقافات الشرقية , التي زرعها في نفسيتا منذ طفولتها , هذا الحب للآثار جعلها ترافق زوجها بهدف زيارة المعابد الموجودة هناك وتعميق الأبحاث التي سبق أن قامت بها حول الحضارات القديمة .
ومن ثمت نقل لنا المؤلف تاريخ مصر القديم وتشابكه مع التاريخ اليوناني من خلال شخصية الاسكندر الأله الذي تمكن من بسط نفوذه بقوة السلاح وأيضا بقوة الفكر الكهنوتي المسيطر آنئذ , امتد ليشمل نصف الكرة الأرضية كما تذكر الرواية و لا زالت مدينة الاسكندرية شاهدة على ذلك .
كما تشير أحداث الرواية إلى الإهمال الذي طال معابد أثرية جد مهمة إلى أن تداعت واندثرت علما أنها تحمل معطيات اركيولوجية من شانها مدنا بمعلومات تاريخية ذات اهمية قصوى ,,,,,
وعليه فثمة فراغات لازالت لم تجد جوابا لفرضيات ستبقى معلقة إلى حين ,,تؤرق بال الكاتب وجعلته يلح في الإشارة إليها من خلال الكثير من المقاطع ,
جوابا على تزوير التاريخ بل تهريبه لجهات أخرى .....
حبكة الرواية :
لقد حبك المؤلف روايته حول قصة حب ما بين المأمور وزوجته كاثرين والتي تشابكت خيوطها في فضاء الصحراء الممتد بتعقيداته الجغرافية والسياسية والاجتماعية والثقافية ,
فرحلة المأمور وزوجته ومعهما جندي يدلهما على الطرق الموصلة للقسم الذي عين به :الشيخ صابر ، كانت هي حلقة الوصل لشبكة التفاعلات ما بين شخوص الرواية في فضاء تلفه الوحشة والغربة والجمال الأخاذ و لذة الاكتشاف .
قد تتعارض أهداف الشخصيتين الرئيسيتين : محمود الزوج الذي هو مبعوث من إدارته كي يؤكد نفوذها السياسي والأمني على المنطقة وخصوصا يستجلب الضرائب مهما كانت الظروف والوسائل ومشاعره الملتبسة إزاء الوظيفة التي يؤديها حيث يستبطن شعورا بخذلان الحركة الوطنية وبعار الخيانة رغم مجهوداته في أداء المهمة بنجاح ,,,,
و كاثرين : التي تهدف أولا وأخيرا لتعميق أبحاثها الأركيولوجية ,,,,,,,وخدمة العلم من خلال مساءلة الآثار ميدانيا واستعدادها لمواجهة أعتى الصعوبات
من أجل ذلك ,,,,,,
كاثرين المنحذرة من المنطقة الإيرلندية تتماهى مشاعرها مع سكان المنطقة من حيث موقفهم من الاستعمار ,,,فالانجليز الذين تحمل جنسيتهم يبنون مجدهم على حطام أمجاد الآخرين ,,,,ولديها ذكريات مريرة في هذا الاتجاه , ولعل هذا هو السبب الذي جعلها تصر على نفض الغبار على أمجاد الماضي على أرض مصر وإبراز دورهم المركزي في بناء الحضارة البشرية ,
كاثرين تعيش تجربتها العاطفية مع "محمود "ذي الأصول العربية الإسلامية بانفتاح وترى فيه الإنسان المحب بطيبة و شهامة مما سينسيها تجربتها القاسية مع زوجها السابق . الذي أحب أختها الصغرى الفاتنة الجمال لكنه عندما قرر الزواج اختارها هي الأقل جمالا والأكثر نضجا واتزانا ......
بعد ذكوري سيوحد مواقف الزوجين معا مهما اختلفت الثقافة ,فكلاهما متأرجح في مشاعره وينعدم للثبات وينجذب لجمال الأنثى أكثر من أي شيء آخر حتى وإن اتخذ موقفا عقلانيا تفرضه الأعراف أو الترتيبات الاجتماعية ,
حيث أن زوجها العربي أحب أيضا أختها ولو بصمت وهي تزورهم في الواحة من أجل الاستشفاء بطقس الصحراء من مرضها المزمن ,,,
لقد استطاع المؤلف أن ينقل لنا علاقة الإنسان بالمجال من خلال استنطاق مشاعر
محمود وكاثرين والشيخ صابر في رحلتهم عبر فيافي الصحراء ومواجهة تقلبات الطقس وهم يتنقلون عبر مسالكها الوعرة وهم عزل إلا من قدراتهم الذاتية ومن خبرة الشيخ الذي يدلهم على الطريق وما يحب فعله إزاء هذه التقلبات .
استقرارهم بواحة سيوة :
بواحة سيوة سيعيشون مغامرة الاستقرار وسط عداوة السكان ,
هل يمكن اعتبار هذه العداوة والنفور كشكل من أشكال مواجهة الاستعمار الذي يفرض سلطته بالقوة ويستجلب منهم الضرائب بالإكراه ؟؟؟
كاثرين ،الشخصية التي تسعى لمعرفة التاريخ أولا وأخيرا قوبلت أيضا كمستعمرة لا تحترم عادات السكان من خلال تنقلاتها واقتحامها للمعابد الأثرية المحاطة بهالة من الخرافات والأساطير,,,,
,ورغم جهودها في التواصل معهم ظل موقفهم منها سلبيا عنوانه النفور والصد مهما كان باستثناء "مليكة " الأرملة التي حطمت قوانين الواحة التي تفرض على الأرامل عدم الخروج وإلا تحملت الواحة السخط الناجم عنه من أمراض ومصائب يفترض أنها تحل بالمكان ,وذويه ,
شخصية مليكة / رمز الجمال والتمرد والإبداع ,
مليكة طفلة أرملة تعكس التمرد على العادات الخرافية البائدة لأنها تحملت وزر خرافة تحكم عليها بالعزل تجنبا لنشر ما يعتبر نحسا في باقي البلدة ،
فهي متهمة بتقمصها لشبح الموت ,,,إثر وفاة زوجها بل تعتبر نحسا عليه وعلى القبيلة كلها ,,
طفلة تمتلك جمالا فاتنا وذكاء جعلها تتمرد وتكسر حاجز الوحدة مهما كان وتبتدع وسيلة للتواصل مع كاثرين ,ألا وهي النحت ,حتى وإن اضطرت لإقبار تماثيلها
لأن النحت مرفوض في وسطها الاجتماعي ,
مليكة أحبت كاثرين منذ اليوم الأول وكانت الوحيدة التي بادلتها بالابتسام خلال تنقلها بين أزقة الواحة ومرورها جنب بيتهم وبعدئذ تنكرت في زي رجل وزارتها
كي تقدم لها تمثالين صنعتهما بيديها وتعبر من خلالها على الحب الذي تحمله لها
لكنها كانت زيارة غير مرحب بها وانتهت بطردها من البيت فاكتشف امرها ووجهت بالسجن ثم القتل من طرف أهلها حتى يتوقف النحس كما يدعي السكان الشرقيون منهم والغربيون ,
يرصد المؤلف ذلك العجز عن الفهم والتواصل الناتج عن الأحكام المسبقة لثقافتين
إنسانيتين أريد لهما أن يكونا متوازيتين بقدرة الغطرسة السياسية والعسكرية و الإديولوجية .
كاثرين المثقفة ثقافة واسعة وعصرية لم تسعفها قراءاتها حول التاريخ عموما وحول المنطقة بشكل خاص في التقاط ما تريد "مليكة "البوح به عبر الإشارات والتماثيل و نظرا لسوء التأويل انتهى حوار الصم بينهما بطردها شر طردة مما تسبب في فضحها ثم قتلها لأنها خرقت أعراف القبيلة .
هل تكون مليكة هي تلك النقطة من الضوء في محيط متخلف عن ركب الحداثة
تتلمس طريقها للفهم لدى الآخر الذين سرعان ما سيتنكر لتوسلاتها منتصرا لأحكامه المسبقة فيرديها صريغة للنبذ من الجهتين ؟؟؟
تعكس الرواية الصراع بين الخير والشر في الكثير من التقابلات
ما بين الحب والكراهية ، الحقد والتسامح ، الوفاء والخيانة ، الجمود والتغيير المحافظة و التجديد , الانهزام والإقدام ،الشجاعة والجبن ، ,,,,,,,
قيم ومشاعر متناقضة تعبر عنها شخوص الرواية سواء في انشغالاتها الكبرى المتعلقة بحياتها الجماعية أو بهمومها الذاتية الداخلية ,
لقد رصد لنا الكاتب جبروت الاستعمار و استعلاءه على السكان الأصليين من خلال استعمال القوة والإكراه واللعب بالنزاعات الداخلية لبسط نفوذه و الاستيلاء على الخيرات والعقول ,,,,,
كما رصد في المقابل روح المقاومة مجسدة في الحركة الوطنية ومظاهراتها بالقاهرة وباقي المدن الكبرى و مقاومة سكان سيوة لسلطة المستعمر بالجفاء والصد وعدم الامتثال ,,,وحتى بمحاولة استعمال القوة ولو بوسائل جد بدائية , حتى وإن انتهت بالهزيمة ,
كما نجد هذه التقابلات لدى الشخصيات الرئيسية وهي تحاور ذاتها حول تناقضاتها
الوجودية . تساؤلات جد عميقة تطرح تلك التجاذبات الفكرية والنفسية من حيث المواقف والمشاعر والتمثلات ,,,,إزاء أحداث أو وقائع قد تحدث رجات قوية في حياة السكان عموما أو حياة أفراد ,,,,الكل قابل للتغير
إنه مجرى الحياة ،بهدوئه وعواصفه ، بجماله وقبحه ، بامتداده وانكماشه
حيث تنبري الصحراء كمجاز ،ممتدة امتدادا لامتناهيا . فضاء مقفر بل موحش أحيانا تخترقه واحات خضراء مورقة ،معزولة وسط هذا الامتداد الشاسع
وحيث يدور زخم الأحداث بوتيرة متسارعة تعكس أثر الإنسان على هذا المجال
بجماله وقبحه يعكس ذلك الصراع الأبدي بين الخير والشر .
الأبعاد النفسبة لشخصيات الرواية :
لقد أبدع الكاتب في سبر أغوار شخصياته وأهمها شخصية المأمور بطل الرواية الرئيسي ,حيث نقل لنا مراحل الصراع النفسي الداخلي للمأمور ، تتجاذبه مشاعر الانتماء الوطني والوظيفي ما بين الوفاء للبلد ومصالحه العليا والوفاء لإدارته المستعمرة حتى وإن موهت اهدافها بغايات تريدها إنسانية ,
الصراع الداخلي لكاثرين وهي تحاول مد الجسور نحو السكان بمحبة من أجل أهداف علمية قد تخدم الجميع وموقعها كأجنبية لها جنسية إنجليزية لا تتبنى أهدافها بالضرورة ,,,وكزوجة لمأمور أمر بجلب الضرائب وينفذ مهمة بسط النفوذ بدون الإيمان بها في العمق ,,
الضابط الشاب الذي استبطن قيم المستعمر لأبعد الحدود وغدا أداة طيعة أكثر من الجيل السابق حيث يمتلك مهارات تفوق ما امتلكه الجيل السابق , ألا وهي المعرفة بالتاريخ والآثار والسعي لتوظيف هذه المعرفة لصالح ادارته بدون أي تلكؤ بل أفضى به الأمر للتجسس على رئيسه المصري ويكتب عنه التقارير ,,,,,ويعبر عن مواقف معادية من رجال المقاومة الوطنية ومظاهراتهم ,ويعتبرها مجرد عمل غوغائي ,,,,
هل يريد الكاتب أن يشير إلى أن زمن الهزيمة لن يزيد الأجيال القادمة إلا مزيدا من الاستبطان لقيم المحتل والانبطاح الكلي لأهدافه بكل سلاسة وخنوع ؟؟؟
هذا في الوقت الذي يكن فيه المأمور احتراما للمقاومة لا تعكسه السلوكات العملية
إنه مستويات مختلفة من العجز والهزيمة وما يعكسانه من تمزق نفسي ما بين الوفاء للأصل والوفاء للإدارة المستعمرة لدى تلك الفئات الطفيلية الوسيطة ما بين المستعمر و السكان ,
الشيء الذي لا يعكسه موقف السكان العاديين ،فهم رافضون للمستعمر واستسلامهم جاء بعد فشلهم في المقاومة التي لا يمتلكون وسائلها الكافية
فلهم شرف المحاولة على الأقل ,
كما تناول المؤلف صراع الإنسان مع المجال في تقلبات شروطه الجغرافية والبيئية ، وسافر بنا عبر الزمان والمكان متجاوزا زمن أحداث الرواية صوب الماضي بأمجاده ،التي لا شك أن لها يد في أمجاد الحاضر لدى الآخر ,,,,
أو ليس كل إنجاز للبشرية هو ملك مشترك للجميع ؟؟؟
كما تغلغل بالتحليل في مفهوم الحب في علاقته باختلاف الثقافات ، بالمسافة ،بالقرب والامتداد ,,,,بالإخلاص والخيانة ، باالاستمرار والقطيعة ،
بالصدق والزيف وأيضا بأن يكون هذا الحب مجرد ومضة وسط بحر الكراهية والأحقاد بفنية بالغة حيث سبر البواطن النفسية لشخصياته بدقة جعلتنا نعيش معهم كل التقلبات والأحداث وكأننا معهم ,
الحب ما بين الانجذاب الخارجي للجمال والانجذاب للصفات الإنسانية العميقة كالاتزان والذكاء والثقافة ,,,,
كيف تتوارى جذوة الحب وتذروها الرياح فوق كتبان الرمال ثم تشتعل حيث لا يجب إزاء أخت الزوجة وتعاش في صمت وسرية وعذاب ,,,,
وكيف تدبر كاثرين الوضع بكثير من التفهم والحب أيضا فهي تحب أختها إلى أبعد الحدود ولم تتمكن من كره زوجها رغم أفعاله ,,,أي خيانته لها ,
مفهوم الخيانة للوطن وللزوجة مع أقرب أقربائها ، أختها فهي خيانة عاطفيىة لها تداعياتها مهما كان ,,,
ومفهوم الصفح والتسامح انتصارا لحب أكبر ،أولم يسبق لها أن خانت هي نفسها أختها الوديعة بأن تزوجت حبيبها السابق ؟؟؟؟؟
قد يكون كل إنسان نصف ملاك ونصف شيطان ,في سياقات قد لا تجعل للقيم مصدااقيتها القصوى ,,,,
كما رصد لنا الصراع مع المرض ما بين الطب العصري و الطب التقليدي ,,,,
وكأنه يقول لنا لا وجود للمطلق , فلا زال للتقليد وعلوم الماضي فعاليتها بجانب إنجازات العلم الحديث ,,,
ويبقى الإنسان هو الإنسان قابلا للتضامن والتآزر مهما فرقت بينه السياسة والمصالح والثقافات ,,,,حيث توفقت أخت كاثرين بطيبتها في خلق علاقات محبة وتعاطف مع السكان رغم احترازهم من المأمور وزوجته ,ونجحت بالحب حيث فشلت الوسائل الأخرى ,,,,
لقد تمكنت بالحب والالقائية والصفاء من أن تجعل الشيخ يحيى يكسر حاجز الحقد ويقدم لها الدواء الطبيعي لمرضها المزمن ,
وبهدا يقترح علينا الكاتب نهاية جميلة مفادها تغلب مشاعر الخير وحب الإنسانيىة جمعاء على كل النزاعات وعوامل النفور ,
وقد تكون رسالته : وحده الحب قمين بإقبار معاناة الإنسان على هذه ىالأرض وجعله يتمتع بخيراتها في هدوء واطمئنان ,
عائشة التاج , الرباط ,المغرب
#عائشة_التاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟