أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - محمد حسن عبد الحافظ - أفق المرأة المصرية















المزيد.....



أفق المرأة المصرية


محمد حسن عبد الحافظ

الحوار المتمدن-العدد: 1361 - 2005 / 10 / 28 - 12:54
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


مدخل
طرح باحثو التاريخ القديم معلومات موثقة تؤكد بأن معظم الأمم والممالك كان يضع المرأة، أمام القانون والتشريع، في درجة أدنى كثيرًا من الرجل الذي بدا مستأثرًا بصياغة المقررات القانونية لنفسه، كي يحمى بها كينونته. وفي وسعنا القول - دون انحياز أو شوفينية - بأن ذلك التاريخ نفسه، انطوى على حالات ووقائع نموذجية تستثنى المرأة المصرية القديمة من المنظومة الميزوجينية تجاه المرأة، حيث مثَّلت المرأة المصرية القديمة دور القائد والمثال، بمشاركتها الكاملة في الحياة الإنتاجية والدينية والسياسية، كما تسجلها لفائف البرديات، ونقوش المعابد، وتماثيل الملكات، التي تقف هاماتها منتصبة إلى جانب هامات الرجال / الملوك، فضلاً عن حضورها المركزي في الطقوس والشعائر الدينية، كما تولت ملكات عدة عرش مصر القديمة، وشاركت الفراعين / الرجال، في تدبير شؤون البلاد، فضلاً عن توليها العمل في مختلف المواقع والوظائف والمهام ، ولم يكن هذا إلا انعكاسًا حيويًا لتسوية اجتماعية عادلة بين الرجل والمرأة، فمكانة الزوجة كمكانة الزوج، والابنة كالابن، والأخت كالأخ ، وكلاهما مواطن، وكل المواطنين في الوطن سواء.
برغم أهمية رصد نماذج هذا الاستثناء التاريخي المصري الفريد، والذي تواصل - تاريخيًا - بنموذج "شجرة الدر"، فإن المقام هنا، يقتضى احتشاد التركيز على المنعطفات الأساسية التي ٍمرّت بها المرأة المصرية الحديثة، طوال العقود العشرة الماضية، في رحلة النضال الجسور من أجل نيل حقوقها، وضمان وجودها الفاعل في المجتمع، في حركة تطلعه المتقطع / الملتبس / المتراوح، نحو النهوض والتقدم والعدل والتنمية، على أن نستقطب العناصر التاريخية والأصول الفكرية اللتين ترتبطان، بنيويًا، بهذه الفترة التاريخية التي نعتمدها هنا في هذا الطرح النظري الذي يستهدف - في النهاية - الوقوف على معضلات المرأة المصرية وفرصها في مضامير المشاركة؛ مضمار المشاركة السياسية على وجه الخصوص.
فقبل زُهاء عشرة عقود مضت، كان الجدال محتدمًًًًًًًًًًًًا حول حقوق المرأة، وها نحن في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة، والجدال نفسه لايزال محتدمًا وحادًا على المستوى المصري، مثلما هو كذلك على الصعيد العالمي، فبرغم ما شهدته الفترة ما بين بداية القرن العشرين ونهايته، من تحولات مهمة، في رحلة كفاح المرأة المصرية - تعاضدها النخبة - من أجل نيل حقوقها، كاملة غير منقوصة، لكن مشهد هذا القرن نفسه، انطوى على صور متناقضة وملتبسة، في سياق هذا الكفاح التحرري المعضل، المتقطع وغير التراكم. وكان من محصلة ذلك: الوضع المأزقيٍ المفروض على المرأة المصرية في مستويات وصُعُد المشاركة كافة، وهو وضع استمد مأزقيته وتعقده من تأرجح وجود المرأة المصرية بين التقدم جزئيًا والتراجع جوهريًا، بين المساواة نظريًا والتمييز عمليًا، بين خطاب التحرر الاستهلاكي وواقع التحرر الفعلي، على نحو يضفي غموضًا على مستقبل المرأة المصرية في عملية النهوض والتنمية، وهو نفسه الأمر الذي يشي بمشكلات حقيقية في التصورات المستقبلية وسيناريوهاتها، اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، باعتبار أن وضع المرأة يمثل مؤشرًا أساسيًا على وضع المجتمع بجميع قطاعاته وفئاته، حيث لا نتصور قضية المرأة مسألة جزيئة، تخص نصف المجتمع فحسب، بقدر ما نتصورها قضية هيكلية كبرى، تمس المجتمع برمته، وتؤثر على سيرورة تحولاته وتقدمه، ذلك ما يدفعنا هنا إلى رصد وتفسير وتحليل مآزق المشاركة النسائية في مصر واستشراف أفقه، خاصة المستوى السياسي، مع إضاءة الأسباب التي قد تتحكم فيه وتستبد به.

-1-
من الأمثلة الباكرة على فعالية الدور الاجتماعي والسياسي للمرأة المصرية، في التاريخ المصري الحديث، مساهمتها الباسلة في الثورة العرابية، التي تفجرّت في أواخر القرن التاسع عشر (1882)، فقد ساعدت النساء في جمعيتي "حلوان والفلاح" بكل شجاعة، في عملية الاتصال بين الثوار وإن تم ذلك بصورة سرية، تتفق وطبيعة الأوضاع الاجتماعية - آنذاك - ولم تشك فيهن سلطات الاحتلال البريطاني في ذلك الوقت .
لكن هذا الإسهام الفاعل حقًا، لم يكن صدفة تاريخية، أو حدثًا عارضًا بلا إطار مرجعي، أو معلولاً (نتيجة) بدون علل (مقدمات)، إنما هو انعكاس اجتماعي/ تاريخي طبيعي، ارتكز على المكانة التي اكتسبتها المرأة المصرية، منذ لحظة ميلاد الدولة المصرية الحديثة في عهد محمد علي باشا الكبير (1805 - 1842)، حيث استحدث قواعد جديدة للمواطنة، فأصبح كل من ولد على أرض مصر مواطنًا مصريًا، بقطع النظر إلى الدين، وبصرف الانتباه عن العرق، أو الأصل القومي. وانخرط المصريون في الجندية، وشيّدت المصانع. وأقيمت مؤسسات التعليم، لتشكل حركة نهضوية مصرية، تعبر الطريق لمشاركة المرأة المصرية في الحياة المؤسسية العامة، خارج إهاب المنزل، وخارج حدود الحياة الأسرية الآسرة، بعد عشرين قرنًا من العزلة والتحجر والانحطاط، واستجابت المرأة المصرية لإفرازات مشروع محمد علي، فأقبلت البنات على "مدرسة القابلات الصحيَّات" و"مدرسة المعلمات"، ومصانع الغزل والنسيج . لكن مع تكالب قوى الاستعمار القديم على المشروع النهضوي الإمبراطوري لمحمد علي، تم إجهاض محاولات التوسع، واحتواء محاولات النهوض، إثر معاهدة لندن (1840)، لتنتكس معظم إنجازات محمد علي ومنها ما يخص المرأة ، وربما ترجع أسباب هذا الانتكاس إلى تكريس مجهود المؤسسات المدنية والصناعية لصالح الجيش، حيث عكف "محمد علي" على بنائه وحشده من أجل طموحاته التوسعية. وعندما اتفقت أطراف النظام الاستعماري العالمي (إنجلترا وفرنسا تحديدًا) على تحطيم طموحات محمد علي التوسعية، انسحب الانتكاس على مؤسسات النهضة الداخلية التي كانت تخدم بناء الجيش، لكن هذه المؤسسات نفسها أسهمت في تكوين جذور الطبقة الوسطى (المتعلمون، الموظفون، العمال) التي عملت - من بعد - على استنهاض دور المؤسسات المدنية الحديثة، ووصل ما انقطع من عملية النهوض التي كانت المرأة المصرية طرفًا رئيسًا فيها.
استهل حفيد محمد علي "الخديوي إسماعيل" فترة حكمه (1863 - 1879) بإعادة استنبات عناصر مشروع النهضة وإحيائها وبعثها مجددًا، قبل أن تضمر جذورها. وكان للشيخ المتنور رفاعة رافع الطهطاوي (1728 - 1873)، أحد تلاميذ الشيخ حسن العطار (1766 - 1835) في الأزهر، وأستاذ على باشا مبارك (1824 - 1893) وأحد كوادره في العمل المدني، دورًا أساسيًا في إنشاء مدارس البنات، وإمدادها بالمقررات التعليمية، من أجل رد الوعي والعلم إلى عقل البنت المصرية، وهو ما أدى إلى مشاركتها في معركة المجتمع ضد الاحتلال؛ إِنْ في الثورة العرابية التي أشرنا إلى دور المرأة المصرية فيها، أو في ثورة 1919 المهمة التي نقدم - لاحقًا - وصفًا لفعالية الحركة النسائية المصرية فيها.
لقد أكد الطهطاوي على أهمية الجانب التربوي في حياة الأمة والشعوب، وبأن التربية هي السبيل للتقدم والحضارة، فالأمة تحسن تربية أبنائها، تعد أمة سعيدة ومتقدمة. ومن هنا طرح الطهطاوي ضرورة تعليم الفتيات في المدارس، وتزويدهن بالمعارف نفسها التي يتلقاها الذكور، دون تمييز بينهما. ورأى الطهطاوي أن الأم المثقفة تعلم أبناءها، وتؤثر على معارفهم أخلاقهم، فهم يقبلون على القراءة، متى رأوا أمهم تقرأ ، هذا الأساس الفكري الذي جسده الشاعر الإحيائي حافظ إبراهيم (1871 - 1932)، بقوله:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق
كان ذلك من ثمار رحلة الطهطاوي إلى باريس - حيث أقام فيها خمس سنوات (1826 – 1831)، واعظًا وإمامًا للبعثة المصرية - بعد تخرجه في مؤسسة تعليمية تقليدية (الأزهر)، وقد اطلع هناك، في باريس، على أنماط الحياة الحديثة، وعندما عاد إلى مصر، أفاض الحديث عن المجتمع، وعن العلاقة بين الجنسين، حيث أكد على أن الاختلاف بينهما لا يتعدى جوانب التكوين الفيزيولوجي، وقد شكلت هذه المفاهيم، التي تضمنها كتابه "تخليص الإبريز في تلخيص باريز"، الصادر عام 1834، الإطار الفكري الذي انطلقت منه آراء الطهطاوي حول المرأة وقضاياها، حيث أعقب ذلك بكتاب "المرشد الأمين إلى تعليم البنات والبنين"، الذي صدر قبل وفاته بعام؛ أي في 1872، وهو أول كتاب عربي حديث حول التربية وتعليم البنات، وضمنه مقتطفات من المؤلفات العربية في الدين والأدب. كما قدم الطهطاوي دعوة جريئة، تطالب بدفع المرأة إلى مجالات العمل العامة، فالعمل ليس دافعًا للانهيار، بل ضمانة لها ضد الانحراف، والعمل يصون المرأة، ويقربها من الفضيلة، أما المرأة الأمية المعزولة في البيت، فهي امرأة مستعبدة .
كان لهذه الدعوات وغيرها أثرًا كبيرًا؛ فساندت "جشم آفت هانم" - الزوجة الثالثة للخديوي إسماعيل - إنشاء أول مدرسة حكومية لتعليم البنات في مصر سنة (1873) وهى "مدرسة السيوفية" والتي تغير اسمها بعد ذلك إلى "السنية"، ويشهد وجودها - حتى هذه اللحظة - على أنوار النهضة المصرية الحديثة ، وقد ضمت مدرسة السيوفية 286 تلميذة بعد ستة أشهر من افتتاحها. وتواصلت الإسهامات - من بعد - في مضمار تعليم المرأة أو مشاركتها في عملية التعليم، فإلى جانب التعليم المصري الحكومي للفتاة أتيح لها تعليم آخر خاص منذ عام 1878 حيث أنشأت "الجمعية الخيرية الإسلامية" أول مدرسة خاصة للبنات أطلق عليها اسم (مدرسة اليقظة النسائية" وكان عبدالله النديم من أعضاء هذه الجمعية. وفي عام 1914 تبرعت الأميرة فاطمة إسماعيل (1853 - 1920) بحوالي ستة أفدنة لإقامة مبنى للجامعة الأهلية (القاهرة الآن)، ثم وهبت مجوهراتها الثمينة للإنفاق على تكاليف البناء، وأوقفت 674 فدانًا على مشروع الجامعة. وفي عام 1928، التحقت المرأة بالجامعة المصرية للمرة الأولى.
وإذا كانت الوصية الأولى للطهطاوي تتمثل في ترقية المرأة إلى مستوى يليق بمجتمع ناهض، فإن وصيته الثانية تتعلق بتمدن الوطن، وهي الوصية المتضمنة في كتابه "القول السديد في الاجتهاد والتجديد" الذي صدر عام 1870، حيث يطرح فيه قضية تجديد الفكر الديني وتحريره من إسار التخلف، ومن قبضة فقهاء العصر العثماني، وربطه بالعصر وبقضاياه، وسبيله إلى ذلك: بناء أصول الفقه على أساس الحقوق الطبيعية. ومفهوم الحقوق الطبيعية كان من أهم قواعد الفكر الذي أدى إلى قيام الثورة الفرنسية وبالذات في مبدأ المساواة والفطرة التي فطر الله الناس عليها ومبدأ الاحتكام إلى صوت العقل.
وبرغم انتكاس مشروع الخديوي إسماعيل أيضًا لأسباب متعددة، يصعب رصدها هنا، فإن تعليم البنات ظل ركنًا صلبًا لم ينتكس تمامًا، حيث ظلت شعلة تعليمهن متوهجة، وإن بدت خافتة أحيانًا، وقاصرة على قطاع اجتماعي محدود، منذ انطلاقها في عهد محمد علي. وساعد في استمرار عملية التعليم: ظهور حركة "إصلاح" ديني واجتماعي، كان عمادها الشيخ (الإمام/المصلح) محمد عبده (1863 - 1908)، تلميذ الشيخ (الثائر) جمال الدين الأفغاني (1838 - 1897)، وأستاذ الأفندي (المتنور) قاسم أمين (1849 - 1905) .
في تلك المرحلة نفسها، لم تستطع حول المرأة دراسات حديثة تضيء قضيتها، حيث لم تتبلور – عهدذاك - أصول الدراسات الحديثة، باستثناء كتابين مهمين لقاسم أمين (1863 -1908) تلقفهما المجتمع المصري بشغف شديد، وهما "تحرير المرأة" (1899) و"المرأة الجديدة" (1901)، اتسما بنقاشات منطقية وسيكولوجية ودينية واقتصادية وقانونية حول الظروف الاجتماعية التي تحيط بالمرأة، لتجسد كتابات قاسم أمين وعي قضية المرأة، وترسم آفاق هذا الوعي للفئات التي يعنيها ويجسد تصوراتها على مستوى البِنَى الفكرية، وقد اعتمد قاسم أمين التحليل العلمي في دراسة مختلف جوانب الأوضاع النسوية، وعلاقتها بالرجل والمجتمع، وتبيان العلاقة بين وضعية المرأة في المجتمع وطبيعة النظام السائد فيه. وأظهر أن تحقير الرجل للمرأة في المجتمع الإسلامي جزء من احتقار القوى للضعيف في العهود الاستبدادية. وكشف عن مظاهر هذا الاحتقار في أنماط السلوك السائدة، مثل أسبقية الرجل على المرأة في تناول الطعام، والحد من حرية المرأة ومنعها من التعليم، وقد قاد هذا الطرح قاسم أمين إلى ربط البغاء بالضرورة الاقتصادية التي ترغم المرأة على المتاجرة بجسدها. كما كشف عن طبيعة العلاقات الشائهة التي تربط المرأة بالرجل في المجتمع (التقليدي) من خلال تحليل دقيق للعلاقة السائدة بين الجنسين، القابلة للانهيار والتفكك، ارتكازًا على العامل الجنسي المتخلف، وسار قاسم أمين، في تفسير الآيات القرآنية المتعلقة بالمرأة، أو بالعلاقة بين الجنسين، عكس الاتجاه الذي سار فيه الشيخ محمد عبده في كثير من تحليلاته وتفاسيره، حيث عمَّق قاسم أمين بعض الأفكار الإيجابية التي طرحها الإمام محمد عبده تجاه المرأة، باعتبارها طرفًا ثانويًا في عملية الإصلاح (بينما تمسك السيد محمد رشيد رضا (1865 - 1935)؛ صاحب تفسير المنار، بأكثر المواقف التي طرحها أستاذه تقليدية وتشددًا).
بذلك يفتتح قاسم أمين مرحلة جديدة، أكثر تميزًا في طروح جيله، من تاريخ معركة تحرير المرأة، باعتبارها شرطًا أساسيًا لتقدم المجتمع، الذي بدا متخلفًا جدًا عن مستوى الآخر الأوروبي، الذي وضعه قاسم وجيله نموذجًا مبهرًا للتقدم وإن اختلفت ردود أفعالهم تجاه هذا الآخر. في هذا السياق، عزَّز قاسم أمين الموقف الإيجابي من المرأة في علاقتها بالرجل. على أساس من المساواة وعدم التمييز مؤكدًا ذلك بالنصوص الدينية نفسها .
لقد أثارت كتابات قاسم أمين، بأسئلتها الباكرة، مساجلات ومناظرات حادة، في مستهل القرن العشرين، وشاركت المرأة للمرة الأولى في إثراء هذا الحوار، وإن اتخذت لنفسها أسماء مستعارة مثل "باحثة البادية" (ملك حفني ناصف) ، في دلالة على إرهاصية الوجود النسائي في الإجابة عن أسئلة قضيتها، وهو الوجود الذي سيتصاعد - تدريجيًا - خالعًا حجاب الاسم المستعار، وحجاب الوعي، وحجاب الرأس كذلك.
أسهم هذا الإنجاز في تشكيل إطار مرجعي جديد لقضية المرأة وحقوقها، وتكريس الإحساس بأن النهضة الحديثة لن تكتمل أركانها، إلا بمشاركة المرأة. هذا الوعي الذي حمله الجيل التالي "جيل الليبراليين الكبار" وإن ارتكز على فعل المقارنة بالمرأة الأوروبية في إطار استمرار المواجهة الصادمة بالآخر الأوروبي التي استدعت - في ذهنيه هذا الجيل - نقائض الأنا، بما في ذلك وضع المرأة المصرية . وإذا كان جيل النهضويين الكبار حاول تقديم مشروع توفيقي - سرعان ما أفرز خللاً تركيبيًا، نرى تجليه - بوضوح - لدى الشيخ محمد عبده، ثم تلميذه الأستاذ محمد رشيد رضا ، حيث دفع هذا الخلل إلى اعتماد الأصول الإسلامية الأولى والاجتهاد فيها - جزئيًا - لحل معضلات العصر الحديث؛ فإن جيل الليبراليين الكبار، استسلم تمامًا لمنظور الآخر في رؤية العالم، بقوة الصدمة التي طالتهم وأبهرتهم في شبابهم والتي سرعان ما تراجعوا عنها، وتنصلوا من مؤثراتها في الخطوات الأخيرة من حياتهم على اختلاف مسالك تراجعاتهم هذه، وإن بدا الاحتماء بالتراث أكثر هذه المسالك وضوحًا وتكرارًا.
في سياق هذا الوعي (النخبوي) المتنامي بأهمية وجود المرأة ودفعها إلى المشاركة المتكافئة ومنحها حقوقها كاملة غير منقوصة كانت منظومة العادات المترسبة من الحقبة المملوكية/العثمانية، ومن الإرث البدوي/الرعوي، تفعل فعلها لتعوق النهضة بالمرأة، مثلما تعوق النهوض بالوطن، حيث ظل منبع البنية الاجتماعية والسيكولوجية للمجتمع، متمثلاً بالذهنية البدوية التي لاتزال قارة في لاوعي الإنسان العربي، توجه وعيه وتتحكم بسلوكه وتضبط حركة فكره ولا شيء يفضح هذه الذهنية، ويكشف مجموع تعقيداتها والتباساتها، أكثر من وضعية المرأة فيها هذه الوضعية الدونية المتخلفة التي يستمد منها "الرجل البطريركي" فوقيته ووحدانيته ، لكن الكفاح على كل حال، ظل قائمًا من أجل مقاومة هذا الوضع المتراجع للمراة وظلت سيرورة النضال متصارعة مع هذه البنية الذهنية، لكن إحداهما لم تنجح في إيقاف عجلة الأخرى وما كانتا تستطيعان.
شيئًا فشيئًا أخذت الحركة النسائية، تغذيها الروح الوطنية ومقومات الانتماء تتقدم ببطء شديد لكن بإخلاص أشد . حيث أسست مجموعة من النساء أول تنظيم غير حكومي للخدمات ممثلاً في "مبرة محمد علي الخيرية" عام 1909. وفي عام 1914، تأسست "الرابطة الفكرية للنساء المصريات" بقيادة هدى شعراوي وملك حفني ناصف (باحثة البادية)، وهما الإرهاص الحقيقي لنمو الجذور الجنينيه لأول حركة نسائية مصرية. فمع معطيات الحرب العالمية الأولى (1914 – 1919) وتطوراتها من ناحية، وتأجج الحركة الوطنية المصرية من ناحية أخرى، تداخل النضال من أجل استقلال الوطن مع النضال من أجل تحرير المرأة . وقد كرست رائدات هذه المرحلة - بجرأة لافتة - ازدواجية هدف المرأة العربية في الكفاح السياسي ضد المستعمر والمحتل باعتباره جزءًا من النضال النسائي لكسب الحقوق وتحقيق المساواة بين الجنسين. فمن جانب، تجاسرت النساء على التظاهر، وطيَّرت برقيات احتجاج ضد المستعمر، وسعت - من جانب ثانٍ - إلى تحقيق عددٍ من الأهداف لخصتها ملك حفني ناصف وهدى شعراوي ورائدات النهضة النسائية العربية في لبنان وسوريا وفلسطين على النحو التالي :
1. إطلاق حرية التعليم للمرأة خصوصًا التعليم العالي.
2. تشجيع النساء على درس الطب "النسائي" وفنون الإدارة والحساب.
3. تعديل الحجاب.
4. تقيد حق الرجل في الطلاق وإعطاء المرأة في حق مقاضاة زوجها، إذا ما توافرت لديها ادلة سوء المعاملة من قبله.
5. رفع سن الزواج وحضانة الأطفال.
6. إعطاء المرأة حق التصويت، والمشاركة في النشاط السياسي.
هذه المطالب التي عدت جزئية في ذلك الحين، حظيت بالقبول والتنفيذ في معظم الأقطار العربية، إلا في ما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية كالزواج والإرث، التي لاتزال حتى اليوم موضوع أخذٍ ورد .
إذن، فقد تجاوزت الحركة النسائية المصرية الناهضة حدود النضال من أجل المرأة، إلى المشاركة في النضال من أجل استقلال الوطن، على نحو ما حدث في مؤتمر أمستردام النسائي عام 1927، حيث طرح الاتحاد النسائي موضوعات ذات صبغة سياسية حول الحروب والسلام ونزع السلاح، وطالبت فيه هدى شعراوي بإلغاء الامتيازات الأجنبية .
كما استضاف الاتحاد النسائي في المؤتمر العربي النسائي الأول (القاهرة 1938) مندوبات يمثلن الوطن العربي، لبحث ودراسة الوضع السياسي في فلسطين، ورفض المؤتمر فكرة تقسيم فلسطين في الوقت الذي خلا فيه المؤتمر من المطالبة بأية حقوق نسائية .
ما إن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها وتنكرت بريطانيا لوعودها بمنح مصر استقلالها، كما منعت الوفد المصري الشعبي عن الذهاب إلى مؤتمر فرساي، ونفت سعد زغلول ورفاقه إلى جزيرة سيشيل حتى اشتعلت ثورة شعبية عارمة، لم تحسب سلطات الاحتلال البريطانية حساب تبعاتها.
وكانت النساء المصريات في طليعة هذه الثورة، فقد خرجت منهن ثلاثمائة امرأة في السادس عشر من مارس/آذار عام 1919 في مسيرة إلى "بيت الأمة" (مسكن سعد زغلول) للمطالبة بالاستقلال الوطني، وحرية المرأة في الوقت نفسه، واستمرت المظاهرة، برغم رفض سلطات الاحتلال منح ترخيص للنساء بالتظاهر، وأحاط جنود الاحتلال بالمظاهرة، لمنعها من الوصول إلى "بيت الأمة"، واستمر الحصار لأكثر من ثلاث ساعات في ذلك اليوم الذي اشتد فيه القيظ، وتتالت مظاهرات النساء في الأيام اللاحقة، وانضمت فيها نساء الأحياء الشعبية العامرة بالإخلاص الوطني، إلى نساء الطبقة العالية، وتصاعدت حدة المواجهات، وسقطت أول شهيدة مصرية برصاص قوات الاحتلال، وهي شفيقة بنت محمد، وسرعان ما تحول تشييع جنازتها إلى مظاهرة أكبر اشترك فيها آلاف النساء، وحاولت قوات الاحتلال تفريق "المظاهرة/الجنازة" بالقوة، فسقطت أربع شهيدات أخريات، هن: عائشة بنت عمر، وفهيمة رياض، وحميدة بنت خليل، ونجيبة بنت إسماعيل، وحتى عندما أُجبرت زعامات حزب الوفد الباقية في مصر، وغيرهم من المواطنين، إلى مناشدة النساء بالكف عن التظاهر، فإنهن لم يستجبن إلى هذه المناشدة، واستأنفن التظاهر حتى خضعت بريطانيا لمطالب الحركة الوطنية .
لقد ألهب هذا الحادث مشاعر الأمة كلها، كما أطلق شرارة بدء الحركة السياسية الحديثة للمرأة المصرية، وبرهن على قدرة المرأة المصرية على المشاركة في كفاح الشعب ضد الاحتلال، واستعدادها لتحمل كل ما يرافق ذلك من مخاطر، وقد ساعد ذلك على تشكل حركة سياسية نسائية من داخل المجتمع ذاته، وبجهد النساء أنفسهن .
بتشكيل الحركة النسائية التي عمدت بالنار والدماء، أصبح من حق المرأة المطالبة بثمن تضحياتها وبثمرات النهوض (الناقص) أسوة بالرجال. وعند عودة ثلاث من زعيمات الحركة النسائية المصرية عقب مؤتمر نسائي دولي عقد في روما ربيع 1923 وهن: هدى شعراوي التي رادت الدعوة إلى عقد المؤتمر ، ونبوية موسى؛ أول مصرية تحصل على شهادة البكالوريا عام 1907 ، وسيزا نبراوي، فقد تجاسرت مئات النساء المستقبلات لهن في محطة قطارات القاهرة (باب الحديد) على خلع حجابهن أمام رؤوس الأشهاد، وتبعتهن في ذلك بعد لحظة الذهول الأولى مئات النساء ليعلن بداية فصل جديد من رحلة تحرير المرأة الجديدة، وهو فصل "السفور"، بإشارة هدى شعراوي في كتابها "سنوات الحريم" .
وعند افتتاح أول برلمان لمصر، بعد الاستقلال عام 1924 بمقتضى تصريح 28 فبراير عام 1922 ودستور 1923 تجمعت آلاف النساء بدون حجاب عند مدخل المجلس وهن يحملن لافتات مكتوب عليها: "نطالب المساواة بين الجنسين في التعليم"؛ "علموا بناتكم، واحترموا حقوق نسائكم"؛ "المرأة مقياس رقي الأمم"؛ "نطلب منح النساء حق الانتخاب"؛ "لا لتعدد الزوجات بلا قيود"؛ "نطالب بإلغاء التحفظات على الاستقلال"؛ "نطالب باستعادة قناة السويس". وحينما تلكأ حزب الوفد الحاكم آنذاك - الذي بدا يرتد عن منطلقات ثورة 1919 ويساوم على مبادئها - في الاستجابة لمطالب الحركة النسائية المصرية، استقالت هدى شعراوي من الهيئة الوفدية العليا، وكونت "الاتحاد النسائي المصري" بصفة هيئة مستقلة، واستمر الاتحاد النسائي في نضاله من أجل مطالب المرأة واستجابت الحكومة جزئيًا لبعض هذه المطالب، فصدر قانون الأحوال الشخصية عام 1926 الذي مثل وقتها نقلة نوعية في حماية بعض حقوق المرأة، كما فُتحت أبواب الجامعة أمام المرأة المصرية في الثلاثينيات للمرة الأولى . كما دعا الاتحاد النسائي عام 1935 رسميًا - للمرة الأولى أيضًا - إلى المساواة الكاملة مع الرجال في الحقوق السياسية .
هكذا أصبحت الحركة النسائية أكثر تنظيمًا مع نشوء الاتحاد النسائي المصري، حيث أسهم هذا الاتحاد في الارتقاء بمستوى الوعي السياسي بين النساء خلال عقد الأربعينيات ، فنشأ جيل من بنات ونساء الحركة الناشئة المصرية التقط الراية من جيل هدى شعراوي، ورمزت له في ذلك الوقت درية شفيق (حزب بنات النيل، 1949)، وزينب الغزالي (تنظيم الأخوات المسلمات، 1937) وأمينة السعيد (أول امرأة عربية تعمل بالصحافة، 1933). كما أُنشئ "حزب نساء مصر" عام 1942. وقد ظلت هذه الحركات النسائية على تعدد أطرها وأيديولوجياتها وأهدافها تدافع عن مشاركة المرأة في الحياة السياسية والعامة حتى السنوات الأولى لعقد الخمسينيات . الذي شهد تطورًا نوعيًا هائلاً في النهوض بدور المرأة في المجتمع على الأصعدة والمستويات كافة.
وبرغم أن قيادات الحركة النسائية، في الربع الأول من هذا القرن، كن من الطبقة العليا والارستقراطية، فإن قطاعًا كبيرًا من الطبقة الوسطى والشعبية قد استجبن لهن، والتففن حولهن. وتعترف هدى شعراوي نفسها بأن الشهيدات الخمس الأوليات في ثورة النساء عام 1919 كن من نساء الأحياء الشعبية، ووصفت كيف كانت تذهب قيادات الحركة النسائية، من الطبقة العليا، إلى مكان المسيرة النسائية في مركبات فاخرة ليفاجأن بنساء الطبقات الشعبية قد سبقنهن مشيًا على الأقدام أو على عربات "الكارو" المكشوفة، وكيف أن نساء الطبقات الشعبية كن يحملن اللافتات، ويحمين القيادات العامة في المواجهات مع الإنجليز .
لكن وجهة النظر العامة، التي كانت ترى أن الحركة النسائية، آنذاك، ظلت قاصرة على النخبة، وأن الدعوة إلى الحقوق السياسية كانت تعبر عن احتياجات قلة مرفهة من الشعب، وبما كانت وجهة نظر صحيحة في ذلك الوقت، فالفقراء والعمال والفلاحون والنساء الأخريات في أقاصي الوطن، كانوا معزولين ومستبعدين من هذه العملية النخبوية ، وربما استمر هذا الانطباع حتى اللحظة الراهنة.
من الأهمية بمكان أن نشير في هذا السياق إلى فشل الأفكار النهضوية والتنويرية بتبعيتها الكاملة للمجتمعات الأوروبية دون قياس المسافات البينية تاريخيًا واجتماعيًا وثقافًيا، ودون تصفية هذه الأفكار من محمولاتها الأيديولوجية المفارقة للواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي المصري، فضلاً عن بقاء هذه الأفكار في إطار النخبة التي عبَّرت بها عن احتياجاتها وخبراتها الخاصة، كما تقلصت في إطار مركزي، حيث المدينة الكبيرة، دون استنباتها اجتماعيًا في كل أصقاع الوطن، ودون محاولة ترقيتها شيئًا فشيئًا لدى مختلف الفئات الاجتماعية للوصول إلى مرحلة مثلى من التطور والتعميم. ومن ثم، يشير هذا الواقع إلى ضرورة تكريس هذه الحقوق لدى الجميع وفي كل زاوية من أطراف الوطن، دون عزل ودون مركزية. ذلكم هو الشرط الرئيس، إن لم يكن الوحيد، لنجاح الأفكار الوطنية للنهضة وتحويلها إلى واقع صريح، وتوريثها عبر الأجيال. عندئذٍ، تتحول هذه العملية إلى ركن أساسي في الوعي الجمعي، وموروث اجتماعي أصيل يصعب - بل يستحيل - قطعه وإيقافه عن سيرورة الحركة والنمو، ذلك هو الدرس الذي نأمل أن نتعلمه بعد قرنٍ كامل من الزمان، حيث نعيش الآن قرنًا جديدًا بأسئلة خطاب قديم في صراع أكثر حدة وتعقدًا.
تميزت المرحلة التالية لثورة يوليو 1952 بعدد من المتغيرات الاجتماعية والسياسية والتي أثرت إيجابيًا على حركة نهوض المرأة في مصر بل كان لها الأثر الأكبر في واقع المرأة العربية، فمع الثورة اكتسبت الأدوار التي يمكن للمرأة أن تقوم بها في التنمية الوطنية اعترافًا واسع النطاق، كما أقر الدستور الوطني الصادر عام 1956 مبدأ مساواة المرأة بالرجل في كل الحقوق والواجبات ، حيث منح الدستور المرأة المصرية للمرة الأولى في تاريخها كل حقوق المواطنة، السياسية والاجتماعية والمدنية وفي مقدمتها حقوق الانتخاب والترشيح والمساواة أمام القانون والمساواة في تقلد المناصب العامة. بموجب ذلك دخلت المرأة المصرية البرلمان نائبة عن الشعب للمرة الأولى عام 1957 ممثلة في السيدة راوية عطية، ثم دخلت قمة السلطة التنفيذية بصفتها وزيرة أيضًا للمرة الأولى عام 1963 ممثلة في الدكتورة حكمت أبوزيد التي تقلدت منصب وزيرة الشؤون الاجتماعية آنذاك.
منذ ذلك الحين لم يخل البرلمان مصري أو مجلس وزراء مصري من النساء، ولم تبق من سلطات الدولة الثلاث غير السلطة القضائية، لم تنجح المرأة بعد في دخولها، ليس لنقص في الكفاءة؛ ولكن لتشدد الرجال المهيمنين على مقاليدها . وقد قامت السياسات والإصلاحات التشريعية التي أعقبت منح هذه الحقوق الدستورية على قناعة راسخة بأن مشاركة المرأة كاملاً يمثل أحد الركائز الجوهرية للتنمية في مصر.
المحصلة النهائية: حصول المرأة المصرية على حقوقها السياسة بمقتضى دستور 1956، لكن إقرار هذه الحقوق لم يواكبه إقبال ملموس من جانبها على المشاركة في الحياة السياسية على وجه الخصوص، وبالتحديد على صعيدي التشريح في المجالس النيابية وممارسة حق الاقتراع ليس لتواطؤ منها؛ وإنما لجملة اعتبارات تتعلق بمنظومة القيم والتقاليد السائدة في المجتمع، فضلاً عن ظروف المرأة الاقتصادية والاجتماعية ، وخصوصًا في ظروف غياب الرجال عن الساحة الاجتماعية بين عامي 1967 و1973، وبين عامي 1974 و 1997 والغياب الأول بسب انشغال مصر بتحرير الأرض المحتلة في سيناء بعد خسارتنا لمعركة العام السابع والستين والغياب الثاني بسبب هجرة ملايين من الرجال المصريين إلى بلاد النفط طلبًا للرزق، ولم يكن من شأن المرأة المصرية، خلال العقدين الأخيرين أن تضطلع بقضايا مشاركتها السياسية، وممارسة حقوقها العامة، حق الاقتراع على الأقل، في الوقت الذي تحملت فيه مهامًا جسام، بكل ما انطوت عليها من أعباء نفسية وعصبية واجتماعية .
وبرغم التحسن الذي أصابته المرأة على أكثر من صعيد، فإنه لم يكن على وتيرة أو سوية واحدة في باقي الأصعدة الأساسية، فبينما تحسنت - بصورة مضطردة نسبيًا - معدلات تعليم المرأة وفرص العمل المتاحة لها، فإن مشاركتها في الحياة السياسية والعامة شهدت تراجعًا واضحًا منذ بداية سبعينيات القرن العشرين متزامنًا مع الظروف السالف ذكرها. ومترافقًا مع انتشار الحركات الأصولية الدينية والفكرية، التي ازدادت تراجعًا عن خطاب الإصلاح الديني والفكري في القرن التاسع عشر .
إذا كان موقف المصلحين قبل أكثر من عشرة عقود، يجسد تفاؤل الإنسان العربي المسلم، واجتهاده في سبيل التوفيق بين عقيدته الدينية ومتطلبات حياته الحديثة، فإن الاتجاهات الأصولية المعاصرة تتبنى رؤية دونية شائهة للمرأة مبنية على ردود فعل آنية وقاصرة .
بتصور آخر، فإن تغير معطيات الواقع العربي من القرن التاسع عشر إلى نهاية القرن العشرين قد افرز موقفين مختلفين للأصولية بخصوص المرأة وعلاقتها بالمجتمع، فإذا كانت أصولية القرن التاسع عشر، تعتمد رؤية للتحديث الاجتماعي، بالتوفيق - أو حتى التلفيق - بين الأصول الأولى للإسلام من جهة، والمتطلبات المستمرة للمجتمع الحديث والمتغيرات التي يفرضها الانتقال من مجتمع تقليدي متخلف إلى مجتمع يؤسس لحداثته الخاصة، وإن بدت تابعة في النهاية؛ باعتبار أن الارتداد إلى الأصول والينابيع الأولى للحضارة الإسلامية العربية، يندرج تحت فقه التبعية إلى التراث. من جهة أخرى، فإن الخطاب الديني المعاصر اتسم برفض مظاهر التغيير التي أدت إلى تحول نوعي في وضعيه المرأة، بينما يطرح - في المقابل - تصورات قمعية جديدة، تنادي بعودة المرأة إلى بيتها، باعتبار أن شؤون الحياة في العمل والحكم والقيادة والسياسة هي شؤون الرجل وحده، وقد استمدت هذه التصورات الرجعية أساسها من النصوص الدينية نفسها، بطريقة تخدم مصالح أصحابها، فضلاً عن اعتمادها التفاسير والشروح والاجتهادات القديمة في زمان غير الزمان ومكان غير المكان، ولتعزيز قوة هذه التصورات المصلحية (لا الإصلاحية)، ولسد أبواب الاجتهاد المعاصر أمام عقول العصر الحديث.
ومع اتساع قاعدة الخطاب الديني جماهيريًا، وانضمام مكوناته إلى مكونات الذهنية العربية المختلفة، لأسباب كثيرة، اتسعت حركة الردة تجاه وضع المرأة المتغير وإنجازاتها طوال قرن كامل من الزمان، بمعنى أن الخطاب الديني ليس وقفًا على "رجال" السلطة (الدينية والسياسية) فحسب؛ بل يسهم في إنتاجه وتوزيعه وتلقيه شرائح واسعة من السكان البعيدين عن القرار السياسي ومراكز النفوذ، ونجده في الأحاديث العادية التي يتبادلها عامة الشعب في الشوارع والاتصالات الهاتفية والمقاهي وطوابير انتظار المواصلات وعربات الأتوبيس والميكروباص (كم هي طويلة ومملة هذه القائمة). هذا الاستهلاك الشعبي للخطاب الديني يضمن له حضورًا كبيرًا لا يصدق في الحياة الثقافية (بمعنى واسع لمفهوم الثقافة). وبرغم الحساسية المتعاظمة لعدد كبير من المسؤولين (ومن بينهم التكنوقراطيون) في الرأي العام، المتأثرين بواقع الحركة النسائية الغربية في العقود الأخيرة، حيث يدينون اللامساواة بين الجنسين باعتبارها تصرفات بدائية تتنافي مع تطور المجتمعات الحديثة برغم ذلك، فإن هذه الإدانة لا تتعدى حدودها (الكلامية) حيث يقعون - شاؤوا أم أبوا - في شرك استهلاك هذه المبادئ دون الإسهام في طرحها واقعيًا مما يعكس نوعًا من الشيزوفرينيا أو الازدواجية أو عدم اتساق المزاج والفكر.

-2-
إذا كانت عناصر هذا الاستنتاج الأخير، تعكس - بالفعل - الحالة الراهنة لوضعية المرأة المصرية، فإنه يدل على أن كفاحها مع شركائها في بناء المجتمع، من أجل نيل حقوقها، أصبح أكثر تعقيدًا وملابسة، بعد قرن كامل من طرح قضيتها ومشاكلها ومعوقات تقدمها. وبرغم أن الفارق بين مكانة المرأة ودورها الاجتماعي في أواخر القرن الماضي من جهة، ومكانتها في الوقت الحالة من جهة أخرى، لا يمكن إغفاله، أو التقليل من أهميته، خاصة في المدن، فإن التغير لايزال محدود العمق في ذات المرأة نفسها من جانب، وفي ذهنيه الرجل ومواقفه من جانب موازٍ. كما أنه لايزال محدود الانتشار في غير المدن الكبيرة. ومن ثم، فإن مناقشة قضية المرأة الآن تتطلب جهدًا فائقًا في تشخيص الآليات التي يعمل بموجبها المجتمع، تلك التي تُوَّلد العوائق السياسية والاجتماعية، وتشل فعاليتها الطبيعية، وتسد عليها طريق التحرر النبيل، وتمنعها من المشاركة الفاعلة في مستويات الحياة الاجتماعية، وتحرمها من التمتع بتعاطي طبائع التحديث. إن ذلك يقتضي تحليل وضعية المرأة في الذهنية الجمعية باعتبارها المؤثر الرئيس، إن لم يكن الوحيد، والعلة غير المرئية، لكنها وحدها الفاعلة، في ما آل إليها حال المرأة المصرية في نهاية القرن العشرين. ثم نُعَرِّج على تقديم رصدٍ وافٍ لواقع الحياة السياسية بمصر وموقع المرأة المصرية فيه، على نحو ما ورد بتقرير التنمية البشرية لعام 1995 .
1/2
في الثقافة السياسية التقليدية ينظر دائمًا إلى الدولة المركزية القوية والمتدخلة على أنها عامل رئيس في رعاية المصالح العامة، ولهذه النظرة جذور عميقة، تمتد إلى مصر القديمة، بمراحلها التاريخية، وانعكس ذلك على الجذور الثقافية لنظرة المجتمع المصري إلى الديمقراطية، برغم ما اكتسبه مفهوم الديمقراطية من أرضية في مصر - شأنها في ذلك شأن أغلب دول الجنوب - خلال العقود الماضية من تاريخ مصر الحديث، وتعتبر التقاليد العائلية وبعض مظاهر القيم السائدة مسؤولة أيضًا، بل مسؤولة أساسًا، عن ضعف جذور الديمقراطية والتحرر في المجتمع المصري، وتمثل كذلك العلة الأولى بلا منازع وراء فشل الارتقاء بحجم المشاركة النسائية سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.
في ما يتعلق بالمرأة، فإن المجتمع المصري تحكمه مجموعة أنساق قيمية متراكمة كالطبقات الجيولوجية، حيث إن نسقًا من هذا الأنساق، قد يكون له السيادة والهيمنة في لحظة تاريخية معينة، دون أن يلغي بقية الأنساق، وإن كان يدفعها إلى هوامش الوعي والممارسة والوجود إلى حين، ولكن في لحظة تاريخية تالية - متقدمة أو متأخرة - يمكن لأحد هذه الأنساق المهمشة أو المسكوت عنها أن يعود إلى مركز الوعي وإلى الممارسة الفعلية والوجود الحيوي . وينطبق ذلك على جوانب متعددة في تاريخ وحياة المجتمع المصري المعاصر خاصة الجانب المتعلق بالمرأة حيث إن التقاليد والقيم الاجتماعية لحاكمه في مصر، ليست منظومة متناغمة أو متسقة في شأن المرأة وقضاياها المحورية، فبعضها دافع وحافز للمرأة على الرقي بنفسها والمشاركة البناءة في تنمية مجتمعها والإصرار على التمسك بحقوقها الشرعية، وبعضها - على النقيض - مثبِّط للمرأة، كابح لرقيها، معيق لمشاركتها في الشأن المجتمعي العام، وتصبح قضية المرأة المصرية المعاصرة، على هذا النحو واقعة في شرك هذه الجدلية النفسية الاجتماعية بين القوى الدافعة لتقدمها، والقوى المكبلة لانطلاقها .
بمعنى آخر، فإن مظاهر التغير أو التطور الاجتماعي في مصر لا ينسخ تراث القيم الذي مر به المجتمع ذات يوم. فبرغم تطور الأسرة - مثلاً - من نظام العشيرة إلى الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية، فإن نوعية التغيير الذي طرأ على شكل الأسرة، لم يكن تغييرًا حقيقيًا في المضمون، إنما كان أقرب إلى التغيير الشكلي المظهري، مع استمرار بقايا ثقافة وتقاليد الأسرة - العشيرة - والأسرة الممتدة التي تؤدي إلى تحقيق هدف الرجل في التسلط والسيطرة .
إذن ليست القضية - فحسب - تعليم المرأة وقد تعلمت، أو عمل المرأة وقد عملت، إنما القضية الشائكة - حقًا - هي أن الإطار الثقافي الذي تحقق فيه هذا وذاك يظل إطارًا بدائيًا بدويًا رعويًا متخلفًا ؛ أي ينطوي على تهديد مستمر لمكاسب المرأة ولتقديمها في أي مجال حتى لقد انطلقت الدعوة قوية لعودة المرأة إلى البيت، ودخولها إلى طاعة ربها (الرجل : الأب، الزوج، الأخ) ، بسلطة النصوص الدينية الانتقائية التي ترافقت مع تصاعد الحركات الدينية الأصولية، والتي استهدفت رد المرأة إلى أسوأ مما كانت عليه قبل عقود طويلة من الزمان، متمثلة قول الغزالي: "على المرأة أن تظل في بيتها، لازمة منزلها، لا يكثر صعودها واطلاعها، تحفظ بعلها في غيبته ولا تخونه في مالها ونفسها، ولا تخرج من بيته إلا بإذنه، وإن خرجت فمتحجبة بهيئة رثة". يستحضر الفكر الديني الحديث اجتهاد أبي حامد الغزالي، ليؤسس به إطارًا مرجعيًا لتصوراته التي استطاعت أن تستنبت لنفسها جذورًا في حياتنا المعاصرة لجملة أسباب وظروف متعددة ومعقدة .
في المقابل، نرى الفيلسوف ابن رشد، يناقض تصور الغزالي محذرًا من تبعات اعتماده أساسًا لنظرتنا إلى مقومات المرأة واختزالها في مقوِّم وحيد، أو وظيفة وحيدة، حيث يقول: "إن حالتنا الاجتماعية تتطلب أن نطيح بكل ما يعود علينا بمنافع المرأة فهي في الظاهر صالحة للحمل والحضانة فحسب، وما ذلك إلا حالة العبودية التي أُنشئت عليها نساؤنا، أتلفت مواهبها العظيمة، وقضت على كل مواهبها العقلية، فحياة النساء تنقضي كما تنقضي حياة البنات فهي عالة على أزواجهن، وقد كان ذلك سببًا في شقاء المدن وهلاكها" .
إن هذا التحذير الذي تنطوي عليه رسالة ابن رشد، يتسق - تمامًا - مع الخطر الذي يتهدد مستقبل مجتمعنا، إذا لم تتحسسن أوضاع المرأة فيه، وتنفك قيودها عن المشاركة الفعلية في البناء والتنمية، بتدمير اختزالها إلى كائن هامشي على متن الحياة، فقد تختزل المرأة إلى واحدة من وظائفها أو تختزل إلى أكثر من وظيفة، لكن الأمر في الحالين يبقى واحدًا حيث يودى ذلك إلى استلاب كيانها لصالح إحدى وظائفها أو أحد أدوارها في الأسرة والمجتمع وتتوقف درجة هذا المشكل على طبيعة العلاقة التي تتموضع فيها المرأة أو توضع، ونوع الشريحة الاجتماعية التي تنتمي إليها أو تنشأ. وبرغم اختلاف طبيعة الوظيفة الاجتماعية التي توكل إلى المرأة من حالة إلى أخرى، فإن جوهر العلاقة المفروضة عليها يظل واحدًا فهي تقوم بدور محدد وهو تحقيق درجة من التوازن النفسي لدى الرجل "المسحوق" يجعله قادرًا على الاستمرار في الحياة وهو ما يجعل قهر المرأة مزدوجًا وحادًا في منظومة القمع الاجتماعي العام، بمعنى أن استلاب المرأة كاستلاب أي إنسان على وجه العموم. لكنه يمثل صورة أكثر حدة وتعقدًا من صور الاعتداء على إنسانية الإنسان ، برفض الاعتراف بها كيانًا كاملاً وقائمًا بذاته. ومن ثم، تشييئها وتحويلها إلى أداة تخدم أغراض الطاغية أينما وجد، إذن فالحديث عن استلاب المرأة واختزال كيانها، ليس مسألة منفصلة عن مجمل عملية القهر والطغيان؛ بل تمثل أبرز نماذجها على الإطلاق في إطار انتمائها إلى بنية القمع الاجتماعي واحتلالها لموقع القلب فيها، أي إن قهر المرأة واستلابها يمثلان نتيجة مزدوجة الحدة لقهر واستلاب واقعين على الرجل، سابقين عليهما أو مترافقين معهما فعملية القمع والقهر والاضطهاد، سلسلة متصلة الحلقات متعاكسة النتائج متوالدة المظاهر. فالمرأة التي تستنزف طاقتها الجسدية والنفسية خدمةً وإنجابًا يقابلهما استنزاف طاقة الرجل المُستَغَل عملاً وكدحًا، والرجل المضطهد في العمل يضطهد زوجته وأولاده في المنزل، والمرأة المضطهدة من قبل زوجها تضطهد بدورها ذويها أو أبنائها أو زوجات أبنائها، والابن المضطهد يضطهد – بالتالي - أخاه أو إخوته، وهم جميعًا يضطهدون كل من يستطيعون اضطهاده، والرجل الكادح المسحوق المغلوب على أمره لا يختلف - في بنية القمع - عن الفتاة التي يجبرها أهلها على الزواج من رجل لا تحبه، وكلاهما لا يختلف عن الطفل الذي يصفعه أبوه، أو الأب الذي يصفعه الضابط، والعسكري الذي ينفذ الأوامر دون تساؤل أو فهم، والمرؤوس الذي لا يستطيع الإجابة إلا بنعم، والوطن الذي يتحول إلى هامش في استراتيجية دولة قوية تحاول الاستئثار بالعالم.
2/2
تُرى، أيهما ينازع المرأة حقها: الدولة وسلطتها أم المجتمع وقناعاته؟ أيهما مكرس لظاهرة التوزيع غير المتكافئ وغير العادل للحقوق؟ أيهما ينتجها، أو يعيد إنتاجها؟ القانون أم ثقافة المجتمع، وبنيته الذهنية نفسها؟
إن تهميش المرأة، والنظر إلى حقوقها بعين الزراية والحط، ليس من أخلاق السلطة حصرًا، بل هو من أخلاق المجتمع أيضًا وأيضًا، بسلطة قيم الثوابت السلبية التي تنطوي عليها، وتتلبس المجتمع وتهيمن عليه.
إن الثقافة الذكورية المعممة الراسخة جذورًا في البنية الذهنية والسيكولوجية للمجتمع، على نحو ما ذكرنا، هي التي تنتج ذلك التوزيع غير المتكافئ للحريات والحقوق، وتكرس - بقوة العقل الذكوري - عقيدة الدونية لديها، وشعور الاستصغار لها من قبل سائر الناس. لا يستمع المجتمع البطريركي كثيرًا لصوت المرأة ولكينونتها المستقلة، إنه لا يعرض عليها إلا أحد الأمرَّين: التنازل عن أنويتها، والاندغام في كينونته أو تعرض شخصيتها للتبديد وتفريغها من مضامين الوجود . وبالرغم من أن "القانون" مميِّز حقًا بين الجنسين (راجع مقررات "قانون الأحوال الشخصية" "والجنسية" على سبيل المثال) ، ومكرس لامتيازات الرجل، إذا ما أفلتت اجتماعيًا من بين أصابعه، وانسربت في الواقع الذي يبدو أنه يتخطى القانون ؛ فإن هذا القانون في الأساس رهن أيديولوجية سيطرة الأب أمام تطور البِنَى والوظائف وطرق تكوين العائلة (من نظام العشيرة إلى الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية) .
إن هذا القانون المجحف لا يفعل شيئًا شططًا غير الترجمة الرسمية للعرف وللتقليد وللقيم الثقافية والأخلاقية السائدة ذاتها ، وكأن تحديث المجتمعات العربية كان تحديثًا قشريًا؛ أي بلا فلسفة حيث ظلت الجهالة والقبلية والعنصرية الجنسية كامنة تحت ركامه الهش. وبرغم تراوحها بين الحضور والغياب، فإنها دائمًا ما تحصى عليه أخطاءه وتتأول مكاسبه بما ينفيها أو ينفي نسبتها إلى التحديث . لينتصر القديم على المعاصر، والقبلي على المدني، والخرافي على العلمي، والاستبعاد على المشاركة، والإقصاء على الحضور، والعنف على الحوار، والمصادرة على الوجود، والهدم على البناء، والتراجع على التقدم، وطبائع الاستبداد على طبائع التطور الإنساني؛ هذه العلاقات الثنائية التي تجسدها أبعاد ما تنطوي عليه ثنائية الرجل / المرأة تلك التي يجب تدميرها.
3/2
يؤكد يوسف كامبل أن المشترك في الثقافات الكبرى ذو طوابع إنسانية عامة ويقول: انظر إلى الذكر والأنثى ترى أن الثقافات القديمة عامة (ومنها الحضارة الفرعونية) تجعل الأنثى خالقة للحياة، وتجعل الذكر خادما للحياة، وانظر اليوم في ضوء التقدم الاجتماعي والعلمي ترى أن خلق الحياة وخدمتها صار شركة بين الذكر والأنثى، وباتت الفروق الفسيولوجية والبيولوجية بين الاثنين ضيقة محدودة وكانت الفروق الواسعة "ثقافية" في شروط تاريخية / اجتماعية خلت ومضت، وفي الثقافة الجديدة اليوم، تتراجع تلك الفروق الواسعة، ليصير الأمر إلى الفروق الطبيعية، وشأنها أنها ضيقة محدودة ، غير أن تاريخ المجتمعات الإنسانية حافل بتراكم تسلط الرجل على المرأة، والرجل على الرجل، والرجل على سائر الرجال. وكان من شأن أنماط السلطة البطريركية (= الأبوية) النابعة من التقاليد العائلية والقبلية والعصبية والدينية التي تعتبر الطاعة العمياء - بدون مناقشة - أحد أركانها أن توثر بعمق في طباع الحياة الإنسانية الجديدة التي يتحدث عنها الراحل يوسف كامبل.
يتسق ذلك ما يحاول أن يؤكده جاك دريدا وهو يفكك ثنائية الرجل / المرأة فيحاول أولاً الكشف عن وضعها في نسق الفكر الأوروبي، أو عن نمطيتها الأيديولوجية الملوثة بالميتافيزيقا. وثانيًا يقوم بقلب هذه الثنائية من داخلها عبر التفكك deconstruction، والتفكيك هو الاسم الذي يطلق علي العملية النقدية التي يمكن بها إظهار أن الثنائية تدمر بعضها البعض، جزئيًا، خلال عملية المعنى النصي، "فالرجل" - في المجتمع الذي يسيطر عليه الذكر - هو المبدأ المؤسس، و"المرأة" هي النقيض المستبعد له، المرأة هي النقيض؛ هي " الآخر" للرجل، إنها "لارجل"؛، رجل ناقص، تناط به قيمة سلبية في علاقته بالمبدأ الأول الذكري الكامل. لكن الرجل - بالقدر نفسه - هو من هو فحسب، بفضل استبعاده المستمر لهذا الآخر، أو النقيض، وبتعريفه لنفسه باعتباره نقيضًا له. ومن ثم، فإن هويته كلها مشتبكة ومعرضة للخطر، في اللحظة نفسها التي يسعى فيها إلى توكيد وجوده الفرد / المستقل. إن المرأة ليست مجرد آخر بمعنى كونها شيئًا بعيدًا عن إدراكه؛ بل إنها آخر وثيق الصلة به بوصفه صورة "من" لا يكونه، وبالتالي بوصفه شيئا يذكره بـ "من" يكونه. من ثم، فإن الرجل يحتاج إلى هذا الآخر، حتى وهو يزدريه، وهو مكره – بالتالي - على إعطاء هوية إيجابية لمن يعتبره "لاشئ". ووجوده ذاته، ليس - فحسب - متوقفًا - بصورة طفيلية - على المرأة، وعلى فعل استبعادها وإخضاعها؛ لكن كذلك أحد أسباب ضرورة هذا الاستبعاد هو أنها قد لا تكون "آخر" في نهاية المطاف، فربما تكون علامة على شئ داخل الرجل ذاته، ويحتاج إلى أن يكبته ويستبعده خارج وجوده، أن ينفيه إلى إقليم غريب بصورة مأمونة خارج حدود المحددة ذاتها، فربما كان ما بالخارج بالداخل أيضًا على نحو ما، وما هو غريب حميم كذلك. ومن ثم، فإن الرجل بحاجة إلى أن يحرس الحدود المطلقة بين العالمين، باليقظة التي يفعلها؛ لأن هذه الحدود معرضة للانتهاك دائمًا، ودائمًا ما تنتهك بالفعل لأنها ليست مطلقة بقدر ما تبدو .
إن جاك دريدا ينتهك تراتبية هذه الثنائية، عبر مجموعة حركات / خطوات، في عملية التفكيك، فهو يعطى الطرف الثاني / السلبي / المستبعد / "المرأة" قيمة لا تقل عن قيمة الطرف الاول المؤسس / الإيجابي / المستبعد له / "الرجل"؛ لأن الطرف الأول يُعرَّف بالطرف الثاني، ولأن الطرف الثاني يُعرِّف الطرف الأول ويمنحه كينونته، ثم لأن استبعاد المرأة من قبل الرجل لا يأتي لكونها "آخر"؛ بل لأنها تمثل علاقة حقيقية لها وجودها وفعلها، لكن الرجل ينفي هذا العلاقة، ليحقق وجوده هو. ولأن للمرأة - بالفعل - وجودًا لا يقل عن وجوده، فإن الرجل يظل يقظًا في حراسة الحدود بين عالم وجوده، وعالم وجودها ويعطى لهذه الحدود صفة الإطلاق، ولكن دريدا يؤكد أن هذه الحدود ليست مطلقة على ما تبدو عليه في التراتب الثنائي، وأنها قابلة للانتهاك دائمًا؛ بل تُنتهك بالفعل، على نحو ما يفعل دريدا ونفعل معه .
هكذا يكون تدمير ثنائية الرجل والمرأة في إطارها القمعي الأبوي الذكوري، باستمرار دفاعها / دفاعنا عن وجودها / وجودنا، وفعاليتها / فعاليتنا، واشتراكها/اشتراكنا في بناء الحياة التي نتغيَّاها، وبتصفية بنيتنا الذهنية من التقاليد السكونية التي تصنع رجعيتها / رجعيتنا، وتضفي عليها / علينا تخلفًا جديدًا فوق ركام حداثتنا المتخلفة.
لم تعد قضية المرأة قضية نسائية فحسب، بل هي معركة المجتمع برمته، وحتى لا يبقى وعينا بالمعضلة سطحيًا، فعلينا أن نتصورها معركة ثقافية طويلة ضد الثقافة الذكورية، ومنزعها المركزي، الذي لا يمكن أن يتخلى عن آخر مستعمراته (المرأة) طوعًا، دون إجبار، ودون طريق طويلة من الكفاح والنضال الصَابِرَيْنْ.
إن معضلة المرأة هي معضلة المجتمع بأسره، وهي مسؤوليته، مثلما هي مسؤوليتها، هي معضلة المرأة في كل لحظة، وهي كذلك معضلة الرجل في كل لحظة، وتفكيك المعضلة، وتدمير مكوناتها المعقدة المتشابكة، لا يتمَّان إلا من خلال عملية الصراع الاجتماعي؛ صراع تشترك فيه المرأة مع الرجل لقلب الأوضاع الاجتماعية ابتداء من المفاهيم القمعية وانتهاء بالفئات المتحكمة بآليات الوراثة والتقليد، والتي تعمل على إقصاء الآخرين/الأخريات عن المشاركة.
إن تغيير البنية الاجتماعية / الاقتصادية للمجتمع، لا يمكن أن يتم بمعزل عن الحراك السياسي، لما له من أثر فعال ومباشر في تحقيق المكاسب الحقيقية لحركة تحرير المرأة، كذلك فإن انعدام ديمقراطية المؤسسات التي توصف بالديمقراطية والحديثة في أغلب الأحيان والتي تقف حائلاً دون ممارسة مثل هذه الفعالية السياسية المرجوة، يستدعى ضرورة بناء وعي سياسي مشترك من المرأة والرجل على السواء لتحقيق ديمقراطية اجتماعية حقيقة، ثم بناء هذه المؤسسات من خلال نضالها المشترك، والذي من شأنه أن يكسب خبرة وصلابة سياسية تحتاج إليهما المرأة المصرية في تحقيق تحريرها الذي هو من جنس تحرر المجتمع وتقدمه.
-3-
1/3 طبيعة النظام السياسي المصري
من المعروف أن النظام السياسي المصري خلال الثلاثين عامًا السابقة على ثورة يوليو 1952 كان نظامًا ملكيًا برلمانيًا، فقد كان هناك ملك على رأس الدولة. وفي الوقت نفسه، وكان هناك برلمان يضطلع بمهمة التشريع والرقابة على السلطات وحكومة تتحمل مسؤولية العمل التنفيذي ونظام متعدد الأحزاب، يمسح بهامش من التعددية الحزبية. ومع ذلك، فقد كانت هناك اضطرابات تطرأ، بفعل عاملين أساسيين هما: الاستعمار البريطاني من جهة، ورغبة الملك - آنذاك - في أن تكون له السيطرة على السلطتين التشريعية والتنفيذية من جهة أخرى.
ومع انطلاق ثورة يوليو 1952، أصبحت مصر بلدًا ذا نظام سياسي ينتمي إلى المنطقة الواقعة ما بين النظام البرلماني، على غرار نظام المملكة المتحدة، والنظام الرئاسي على غرار الولايات المتحدة الأمريكية.
واليوم، يجمع رئيس الجمهورية في مصر بين كونه رئيسًا للدولة والاضطلاع بدور مهم في السلطة التنفيذية، فكل القرارات الرئيسية الخاصة بمختلف السياسات تصدر إما بواسطة رئيس الجمهورية، أو بعد موافقته عليها، ويساعده في ذلك مستشارون من ذوي التخصصات المختلفة في جهاز الرئاسة. والحكومة هي الفاعل الرئيس في العمل التنفيذي، وتتكون من رئيس مجلس الوزراء ووزراء لمجالات العمل المختلفة. ومن الناحية النظرية، فإن مسؤولية الحكومة، هي مسؤولية تضامنية، لكن نادرًا ما يحدث ذلك عمليًا. أما مجلس الشعب (أي البرلمان)، فينتخب كل أربع سنوات، ويتحمل مسؤولية التشريع، والرقابة على السلطة التنفيذية. ومنذ عام 1979 أنشئ مجلس آخر هو مجلس الشورى، الذي يتكون بصفة رئيسية من أعضاء على درجة عالية من الخبرة في المجالات المتخصصة المختلفة، وتتشابه أنشطته مع تلك الخاصة بمجلس الشعب، لكنها تظل محصورة في إطار وظيفته، باعتباره مؤسسة استشارية سياسية.
وقد كان نظام الحزب الواحد هو السائد في مصر حتى عام 1976، عندما أخذ الرئيس السادات المبادرة لإيجاد نظام متعدد الأحزاب. ومع التطورات التي لحقت بهذه المبادرة، أصبح بمصر الآن عدد من الأحزاب تتبنى أربعة عشر توجهًا مختلفًا تتراوح بين الاشتراكية المعتدلة والاقتصاد الحر، وبين العلمانية والدفاع عن نظام إسلامي للمجتمع.
هكذا، أصبح النظام السياسي المصري مزودًا بكل المؤسسات الضرورية لنظام ديمقراطي من الناحية الرسمية على الأقل، وهناك عوامل إضافية تدعم إمكان تحقيق هذا النظام الديمقراطي، وتتمثل هذه العوامل في السجل الطويل المشرف للسلطة القضائية، التي نجحت - إلى حد بعيد - في الحفاظ على استقلالها حتى في أحلك الظروف، فضلاً عن الصحافة الحرة، والعدد المتزايد من المنظمات المدنية غير الحكومية NGOs، وجماعات المصالح. ومع ذلك، فإن الاقتراب الشعبي من العملية السياسية والمشاركة فيها مختلفان كثيرًا عن الهيكل الرسمي للنظام السياسي لجملة الأسباب التي سلف ذكرها.
يكشف تحليل البيانات المتعلقة بأنماط المشاركة السياسية في مصر عن أزمة حادة في المشاركة السياسية، كما يكشف عن صورة معقدة في ما يتعلق بهذه المشاركة، فهي تنحو إلى الانخفاض الشديد لبعض أنماط ومستويات المشاركة، وتنحو إلى الارتفاع الفائق للبعض الآخر، فمعدلات التصويت بين الناخبين منخفضة إذا قورنت بمعدلات الدول الأخرى، كما أن مستويات العضوية في الأحزاب السياسة متواضعة. وعلى الجانب الآخر تتميز عادة الانتخابات في بعض الجمعيات المهنية والنقابات والجمعيات الأهلية - خاصة الصغيرة - بالاهتمام الكثيف من جانب أعضائها، وارتفاع مستويات المشاركة من جانبهم. ويلاحظ المراقبون للحياة السياسية في مصر أن المواطنين - من كل الفئات الاجتماعية - لا يترددون في استخدام الطرق الرسمية مثل الاتصالات المباشرة والالتماسات المكتوبة ووساطة ذوى النفوذ، عندما يرغبون في التأثير على المسؤولين الحكوميين.
من ناحية أخرى، يجمع كثير من المراقبين، والرسميين في وزارة الداخلية، على أن انتخابات مجلس الشعب في مصر هي الأكثر تعبيرًا والأكثر أهمية، من حيث اهتمام الناخبين. ومن ثم، فإن هذه الانتخابات تصلح لأن تكون أفضل مؤشر على السلوك الانتخابي للمصريين، ويمكن فهم الأسباب الكامنة وراء وجهة النظر هذه مادامت هذه الانتخابات هي الأكثر مدعاة للتنافس مع تطلع كل الأحزاب السياسية للاشتراك فيها وضمان عدالتها.
وتشير البيانات الخاصة بانتخابات مجلس الشورى، والمجالس المحلية، إلى انخفاض شديد في مستويات مشاركة الناخبين، خاصة في المناطق الحضرية، فنسبة من أدلوا بأصواتهم في الانتخابات الجزئية لمجلس الشورى، عام 1992، لم تبلغ 5% في خمس من الدوائر الثمانية بالقاهرة. أما في الإسكندرية والسويس، فقد بلغت هذه النسبة 10.3%، 6.4% على التوالي، وسجلت هذه النسبة ارتفاعًا نسبيًا في الدوائر الانتخابية في الدلتا وصعيد مصر، كذلك تظهر بيانات انتخابات مجلس الشعب في السنوات 1982، 1990، 1995 انخفاض مستوى مشاركة الناخبين، ففي هذه الانتخابات الثلاث تجاوزت نسبة المشاركة - بالكاد - 50% من مجموع المقيدين في الجداول الانتخابية.
2/3 المشاركة السياسية للنساء
في عام 1957، شاركت النساء، للمرة الأولى، في الترشيح للانتخابات، حيث قامت ست منهن بالترشيح في ذلك العام، فازت اثنتان منهن بمقعدين في البرلمان، بعد منافسة حادة مع الرجال، ولكن عدد العضوات في البرلمان ظل محدودًا، ولم يتجاوز الثمانية حتى عام 1979، حيث قفز هذا العدد إلى خمس وثلاثين. وتُعزى هذه الزيادة الكبيرة إلى تعديل قانون الانتخابات رقم 38 لسنة 1972 بالقانون رقم 21 لسنة 1979 الذي أقر تخصيص ثلاثين مقعدًا للنساء (أسوة بتخصيص مقاعد للعمال والفلاحين). ونتيجة لذلك، ارتفعت نسبة مشاركة المرأة في البرلمان إلى حوالي 9% خلال النصف الأول من الثمانينيات.
علاوة على ذلك سمح هذا القانون للنساء أن يتنافسن مع الرجال على كل المقاعد الأخرى، مع عدم السماح للرجال، بالتنافس على المقاعد المخصصة للنساء، وهكذا تقدم إلى الترشيح في انتخابات 1979 مائتا امرأة، فازت ثلاثون منهن بمقاعد النساء، كما فازت ثلاث نساء كن يتنافسن مع الرجال على مقاعد غير مخصصة للنساء، بالإضافة إلى ذلك مارس رئيس الجمهورية حقه الدستوري في تعيين عشرة أعضاء إضافيين من بينهم اثنتان من النساء. وبالتالي، أصبح العدد الإجمالي للنساء العضوات في برلمان 1979 خمسًا وثلاثين. ومع تعديل الدستور لإنشاء مجلس الشورى ظهرت فرص جديدة لمشاركة المرأة حيث دخل هذا المجلس سبع عضوات من النساء بنسبة 3.3% من إجمالي عدد مقاعده.
لكن شهدت الفترة من 1987 – 2000 شهدت انحسارًا لمشاركة المرأة لاسيما المشاركة السياسية. فنجد أن نسبة تمثيل المرأة المصرية في البرلمان كانت – ولاتزال - أقل النسب في برلمانات العالم كله (حتى في الدول العربية). حيث تصل نسبة المرأة في البرلمان التونسي 11.5% والبرلمان السوري 10.7% والبرلمان السوداني 5.3% والعراقي 6.4% وبوركينا فاسو 1.4% وفرنسا 11% والولايات المتحدة الأمريكية 12% والسويد 42% وبلجيكا 23% وإسبانيا 28%، بينما لا تتجاوز النسبة في مصر 2.4%.
يرجع هذا الانخفاض إلى الارتداد عن القانون 21 لسنة 1979، حيث قضت المحكمة الدستورية العليا بإلغائه عام 1985 بدعوى أنه ينطوي على تفرقة غير دستورية ضد الرجال، برغم أن المقاعد الثلاثين التي خصصت للمرأة، كانت قد أضيفت إلى - ولم تخصم من - المقاعد الأصلية السابقة على صدور القانون 21 لسنة 1979، وقد ظهر أثر النكوص عن هذا القانون مباشرة في انتخابات 1987، حيث انخفض عدد النساء في مجلس الشعب إلى أربعة عشر، مع ملاحظة أن النظام الانتخابات الذي كان قائمًا في ذلك الوقت كان مبنيًا على القوائم الحزبية، ولم تشتمل قوائم معظم الأحزاب على نساء مرشحات باستثناء الحزب الوطني الديمقراطي الذي شملت قوائمه ثلاثة عشر من النساء. وعندما تم تغيير النظام الانتخابي إلى التصويت الفردي، هبط عدد النساء المنتخبات في مجلس الشعب إلى سبع عضوات، كما عين رئيس الجمهورية ثلاث نساء أخريات ليبلغ العدد الإجمالي لعضوات المجلس عشرة عضوات.
مع هذه الردة عن التمثيل النسائي العادل بمجلس الشعب، تداعت ارتدادات أخرى في المجالس المحلية، على مستوى المحافظات والمراكز والمدن والأحياء فانخفضت نسبة تمثيلهن من أكثر من 11.00% عام 1979 إلى 1.2 عام 1992 .
وقد اعتادت النائبات في البرلمان المشاركة في الأعمال الاجتماعية التطوعية، وأن يكون لهن حياة مهنية نشطة، فضلاً عن أنهن ينحدرن غالبا، من عائلات مرموقة (!). وعلى غرار ما يفعل زملاؤهن من الرجال، فإن نائبات البرلمان يتعاملن، عادة، مع المشاكل والقضايا التي يحملها إليهن ناخبو الدوائر اللاتي يمثلنها. ولم تقتصر اهتماماتهن في مجلس الشعب والشورى على قضايا المرأة، فالخبرات السياسية التي حصلن عليها انعكست في مساهماتهن المتميزة في المناقشات والمناظرات والتقارير وإعداد المسودات.
ففي حين بلغت نسبة البرلمانيات اللائيٍ شاركن في المناظرات والمناقشات، التي وقعت خلال الفترة 1979 - 1984، 80%؛ نجد أن 60% فقط، من مجموع الرجال أعضاء البرلمان هم الذين اشتركوا في هذه المناقشات والمناظرات، كذلك فقد احتفظت المرأة في البرلمان بدرجة ملحوظة من الاستقلال. ومع ذلك، لم تحظ نائبة حتى الآن بموقع رئيس أو وكيل أيٍّ من مجلسي الشعب والشورى حتى شهر نوفمبر 1997، حيث اختيرت الدكتورة آمال عثمان وكيلاً لمجلس الشعب للمرة الأولى في تاريخ البرلمان المصري، وإن مثَّل ذلك ضربًا من ضروب التحايل السياسي المصلحي، وليس التغيير الفعلي.
3/3 المرأة المصرية ناخبة
أدلت المرأة المصرية بصوتها للمرة الأولى في انتخابات 1957، بيد أن عدد الناخبات لم يتجاوز 2.6% من مجموع الناخبين، وربما يكون سبب انخفاض هذه النسبة متمثلا في تدنى الوعي السياسي بين النساء في ذلك الوقت بالإضافة إلى أن القانون المطبق آنذاك لم يكن يفرض عليهن ولا على الرجال، التصويت في الانتخابات. وبعدما أصبح التصويت إجباريًا للرجل والمرأة، في عام 1980، ارتفعت نسبة الناخبات في انتخابات العام نفسه إلى حوالي 29% وواصلت ارتفاعها لتبلغ حوالي 33% في عام 1989. وتقترب هذه النسبة حاليًا من 40% من مجموع الناخبين المسجلين في جداول الانتخابات (وتزيد في محافظة كفر الشيخ عن 49%)، وهكذا يتضاءل الفرق بين أعداد الناخبين من الذكور والإناث باستمرار.
4/3 المرأة المصرية في الأحزاب السياسية
هناك حضور ملموس للمرأة في الأحزاب السياسية المصرية، ويبرهن نشاط المرأة في كل هذه الأحزاب على إمكان ارتفاع مستوى الوعي السياسي بين النساء، كما يشير إلى تنوع هذا النشاط. ولكن برغم الارتفاع النسبي في مستويات عضويتهن في الأحزاب، فإن تمثيلهن في مواقع القيادة وصنع القرار، يقل عن هذه المستويات بكثير، وهناك بعض الأحزاب تخصص أمانة مستقلة للمرأة، وربما يكون ذلك بهدف دفع النساء إلى أن يصبحن أكثر نشاطًا من الناحية السياسية. لكن ما نستنتجه من محصلات نجاح النساء في الانتخابات الداخلية للأحزاب حتى عام 2000، يجعلنا نتوقف مرة أخرى عند ضعف نسبة المشاركة النسائية في هيكل الأحزاب المصرية نفسها، حيث نجد انتخابات الهيئة العليا لحزب الوفد قد أسفرت عن فوز حوالي 5%, وفى الأمانة العامة لحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي وصلت النسبة 4.6% تقريبًا, والحزب الوطني الديمقراطي 4.6%. وفي الحزب الاشتراكي العربي الناصري تصل النسبة إلى 2.7%.
أيًّا كان الأمر، فإن برامج بعض من الأحزاب لاتزال خليطًا من الأنشطة السياسية البحتة، والخدمات الاجتماعية الموجهة إلى المرأة، وتستخدم مثل هذه البرامج المختلفة بصفة أساسية باعتبارها وسيلة لتشجيع ناخبي الحزب على تسجيل أنفسهم في الجداول الانتخابية، لكنها تضعف من الإمكانات السياسية للمرأة، وتعد هذه الممارسة الهجين من العوامل الأساسية في عرقلة التقدم السياسي للمرأة ويتمثل هذا العامل في الخلط الحادث في الوعي العام، بين أنشطة الخدمات الاجتماعية التطوعية والأنشطة التي تهدف إلى المشاركة السياسية .
5/3 المرأة المصرية في المواقع القيادية والسياسية الأخرى
لم تصل المرأة المصرية إلى مواقع القيادة الحكومية وصنع القرار إلا في عام 1963، عندما عينت أول وزيرة في الحكومة المصرية، ولكن إذا كان ستة فقط من النساء قد تولين حتى عام 1997 منصبًا وزاريًا، فإن من بينهم عددًا أكبر بكثير بشغل مواقع وكلاء أول ووكلاء وزارات ومديري عموم.
وفي مجال السياسة الخارجية والخدمات الدبلوماسية، فإن عام 1957 شهد تعيين أول امرأة مصرية سفيرًا في الخارج، وبلغ عدد السفيرات المصريات في مطلع القرن الحادي والعشرين ثلاثة عشر في مقابل حوالي مائة رجل يشغلون مواقع سفراء لمصر في الخارج.
وتشكل النساء نسبة يُعتد بها من عضوية النقابات العمالية والمهنية في مصر، وهن ينتخبن بأعداد كبيرة في الوحدات الأساسية لهذه النقابات. ومع ذلك، لا يُنتخب إلا القليل منهن على المستوى القيادي.
ومن الوظائف التي لاتزال المرأة مستبعدة منها حتى الآن وظيفة المحافظ بالرغم من أنه سبق تعيين نساء وزيرات. فضلاً عن المهام القيادية الكبيرة مثل رئاسة الجامعات التي لا يتناسب إقصاء النساء عنه مع تفوقهن في الدراسة، ونسب تواجدهن بالكليات، حيث بلغت نسبة النساء من إجمالي عدد أعضاء هيئة التدريس 29% عام 2000- 2001. لكن تمثيل المرأة في المراكز القيادية في الجامعات المصرية لم تشهد إلى الآن تعيين امرأة رئيسة لجامعة أو نائبة لرئيس جامعة, كما أن نسبة النساء العميدات ووكيلات الكليات ورئيسات الأقسام لا تتناسب مع تمثيل المرأة في عضوية هيئات التدريس الجامعية.
خاتمة
عاينا – بالتأكيد - وتابعنا جهود الحكومات المصرية في تعيين بعض النساء في بعض المواقع. كما تابعنا ما بذلته الحكومات المصرية المتعاقبة من جهود ملموسة من أجل توسيع مشاركة المرأة وتفعيل دورها في صنع السياسات، فتم تشكيل اللجنة القومية للمرأة عام 1993. وفي فبراير 2000، ثم تأسيس المجلس القومي للمرأة الذي دفع نحو إصدار العديد من القوانين الجديدة لصالح حقوق المرأة مثل تعديل قانون الأحوال الشخصية في عام 2000 المعروف باسم قانون الخلع، وتعيين المرأة في مقعد القضاء, حيث تم تعيين المحامية "تهاني الجبالي" في عام 2003 بوصفها أول قاضية في مصر بالمحكمة الدستورية العليا، وذلك بعد أن وافق المجلس الأعلى للهيئات القضائية برئاسة وزير العدل على انضمامها لهيئة المستشارين بالمحكمة. كما تم منح الجنسية المصرية لأبناء المصريات المتزوجات من أجانب, إلى جانب مساندة المرأة في الانتخابات, وزيادة التوعية السياسية لها.
في الختام، تبدو مشاركة النساء في هيئات صنع القرارات السياسية محدودة برغم أن القانون يكفل لهن المساواة مع الرجال، برغم تأييد الحكومات المصرية لحقوق المرأة ولسبل تمكينها، منذ عام 1952 وحتى الآن. وبصفة عامة، يكشف تحليل اتجاهات تمثيل المرأة في المجالس النيابية على المستويات القومية والمحلية عن أن هناك تقدمًا قليلاً قد تحقق، وأنه لاتزال هناك تباينات نوعية محلوظة: فالإصلاحات التشريعية يمكن أن تقر إطارًا للمساواة، ولكن مهمة ترجمة الإصلاح إلى واقع فعليّ أمر بالغ الحساسية، ويخضع لقيود ثقافية وأخرى نابعة من التقاليد، فهناك الكثير من النساء يلعبن أدوارًا اقتصادية وثقافية ملموسة، ولكن العوائق ونقاط الضعف لا تتيح لهن استغلال كامل طاقتهن لأقصى حدودها، كما لا تتاح لهن فرصة المنافسة على مواقع القيادة. أما في المضمار السياسي، فلايزال المصريون - رجالاً ونساءً - ينظرون إلى السياسة على أنها ملعب الرجال، بينمٍا لاتزال المرأة تفتقد الفرصة المتساوية العادلة للنفاذ إلى هيكل السلطة الذي يشكل مسارات المجتمع المصري، بعد رحلة مصرية متميزة قطعتها المرأة المصرية - ومن ورائها رجلها - من أجل نيل حقوقها، وأتصور أن أفق هذه الرحلة يظل مفتوحًا على فضاء أكثر وعيًا وعدلاً ومساواة ومشاركة.



الهوامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 الميزوجينية، الميزوجينيا، حسب ما ورد بمعجم "روبرت"، مصطلح دال على "كره النساء"، أو "الحقد على النساء واحتقارهن" انظر: فاطمة المرنيسي (وآخرون)، صور نسائية، ترجمة: جورجيت قسطون، دمشق، بدون دار نشر، بدون تاريخ (انظر: فاطمة المرنيسي، الدولة - التخطيط الوطني - والخطاب العلمي حول المرأة، ص 96).
1. لمزيد من التفاصيل، انظر: حسين العودات، المرأة العربية في الدين والمجتمع (عرض تاريخي)، دمشق، الأهالي للطباعة والنشر، ط1، 1996، ص ص 33 - 37.
2. مجدي حسنين،عمله ذات وجهين وعلاقة تضاد، الشاهد (نيقوسيا)، العدد 77، يناير / كانون الثاني 1992، ص 126.
3. د. فرخندة حسن، جذور نضال المرأة من أجل نيل حقوقها السياسية، تقرير التنمية البشرية المعهد العالي للتخطيط، القاهرة، 1995، ص 58.
4. د. سعد الدين إبراهيم (إشراف وتقديم)، المرأة في الحياة المصرية المصرية، القاهرة، مركز ابن خلدون للدراسات الائتمانية، د.ت (انظر: د. سعد الدين إبراهيم (تقديم)، أية تقاليد تغلق العقل والطريق أمام المرأة المصرية، ص 22).
5. المرجع نفسه، ص 22.
6. فاطمة المرنيسي (وآخرون)، مرجع سبق ذكره (انظر: فاطمة الزهراء أزرويل، المرأة في الخطاب السلفي، ص 169 - 170).
7. المرجع نفسه، ص 168 – 197.
8. د. سعد الدين إبراهيم، مرجع سبق ذكره، ص 23.
 أكد الشيخ محمد عبده على أن "تعليم المرأة أمور دينها، أولاً وقبل كل شيء، ثم بعضًا من أمور الدنيا"، هو مما يطلبه منها "نظام بيئتها وتربية أولادها". نقلاً عن: د. حازم نهار، التأخر في المجتمع العربي، وتجلياته التربوية في العائلة والمدرسة، دمشق، 1994، ص 32.
9. لمزيد من التفاصيل حول مراحل فكر الشيخ محمد عبده، راجع: د. زكريا سليمان بيومي، التيارات السياسية والاجتماعية بين المجددين والمحافظين (دراسة تاريخية في فكر الشيخ محمد عبده)،القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1983.
10. انظر: نهى سمارة، كفاح يبحث عن عدالة، الشاهد (نيقوسيا)، العدد 71، 72 يوليو - أغسطس / تموز - آب 1991. ص 90 - 91، وراجع كذلك: فاطمة المرنيسي، مرجع سبق ذكره (انظر: فاطمة الزهراء أزرويل مرجع سبق ذكره ص 170 - 171).
 هي ملك هانم كريمة اللغوي المحقق حفني بك ناصف الذي شغل المناصب العالية في وزارة المعارف والقضاء. ولدت سنة 1886، وتلقت مبادئ العلوم في مدارس أولية ثم دخلت المدرسة السنية في أكتوبر سنة 1893، وحصلت منها على الشهادة الابتدائية سنة 1900 وهي أولى السنوات التي تقدمت فيها الفتيات المصريات لأداء الامتحان للحصول على تلك الشهادة. وكان عمرها 13 عامًا، عندما كتبت إلى جريدة "المؤيد" قصيدة تفتخر فيها بفتيات مصر المساويات للرجال في التعليم، وكانت هذه بداية اهتمامها بالمسائل العامة، وقد عملت في التدريس وهي في السادسة عشرة من عمره، ثم انتقلت إلى القسم العالي في المدرسة المذكورة، وحصلت على الشهادة العالية (دبلوم) سنة 1903، واشتغلت بعد ذلك بالتعليم في مدارس البنات الأميرية. وفي 28 مارس سنة1905، اقترن بها عبد الستار بك الباسل وجيه قبيلة الرماح بالفيوم. وكانت – وقتذاك - بادية صحراوية، لذلك وسمت بـ"باحثة البادية". لقد دافعت "ملك" عن المرأة المصرية في مقالاتها وجاء دفعها مبنيًا على معرفتها بتفاصيل الحياة اليومية التي أحاطت المرأة بكم هائل من الخرافات وقلة الإدراك الذي كان يرجع إلى أفعال وتصرفات تنم عن التخلف. ولكن بمقارنة المرأة الغربية بالمصرية نجدها توجه انتقادًا لاذعًا لها، ولكن في الوقت نفسه لا تمجد المرأة الغربية، بل تحاول تحطيم أسطورة المرأة الغربية الباهرة التي أسر خيال كثير من رواد الفكر المصريين، ولكن دون أن تستخدم الذم الرخيص لها، وإنما بلفت النظر لبعض مساوئها التي كثيرًا ما يتناساها المتحمسون في غمرة حماسهم وحماس "ملك" لإنصاف المرأة المصرية أمام الغربية لا يأتي من فراغ، وإنما هو نتيجة تراكم الهجمات الحادة على المرأة المصرية في خطاب النهضة، ولا نكتفي بالاستماتة وإنصاف المرأة وننجح في الوصول إلى لب المشكلة في خطاب النهضة الرجولي، وهو ازدواج المعايير عند الرجل المصري في تقويمه المرأة الغربية والمصرية. وقد تميزت كتابات "ملك" - أيضًا - بأنها أدركت منذ الوهلة الأولى أهمية التعبير عن وجهة نظر المرأة في شتى أمور الدنيا، وهي وجهة نظر تستند إلى الواقع الذي تعيشه وتشعر به، هذا الواقع الذي قد يصعب على الرجل تلمسه أو معرفة خباياه. كما ركزت "ملك" على أهمية إتاحة الفرصة للمرأة لتقرير مصيرها والبت في شؤونها، وكان السبيل الأوحد لذلك التركيز على التعليم، فبدون تعليم لا تتحرر المرأة ولا تخرج من شرنقتها، ولقد لفتت كتاباتها الأنظار متجهة لإعمال عقلها والتعبير عن وجهة نظرها دون التقيد بالمسلمات، فلقد وثقت من قدرتها على التفكير، فلم تقبل مقولات تحد من دور المرأة وتحط من شأنها بالمقارنة بالرجل، ولقد أدى بها هذا الأسلوب في مناقشة الأفكار والنظريات إلى التحرر من سطوة النظريات التي تبدو وكأنها حقائق أبدية وهي في واقع الأمر آراء إنسانية، وتناقش فكرة تقسيم الأدوار لتؤكد أنها ظاهرة تاريخية وليست ظاهرة طبيعية، ويكتشف القارئ الحصيف مدى وعي "ملك" بالبعد التاريخي في حكمها وتقويمها لأنماط السلوك والإشكال الاجتماعية كافة، وبسبب هذا الوعي تتحرر من سطوة النمط السائد على تفكيره ولا تصبح سجينة للمنطق الذي يصنف الاختلافات في الأدوار التي يمارسها الرجل والمرأة، ومما هو جدير بالذكر أن أحمد لطفي السيد وهو قطب من أقطاب التنوير في مصر اختار لملك كلمة "نسائيات" لتكون عنوانًا للعمود الأسبوعي الذي تحرره في مجلة "الجريدة" التي كان يرأس تحريرها. ومع مرور الوقت، أصبحت لها قاعدة عريضة من القراء، وقد أثارت مقالاتها جدلاً واسعًا بين الكثير من المهتمين بأمور الثقافة والنهوض بالمجتمع، وقد تعامل معها الجميع باعتبارها رائدة من الرائدات. وتوفيت في سن صغيرة بالحمى الإسبانيولية في القاهرة ليلة الخميس 17 أكتوبر سنة 1918.
11. د. سعد الدين إبراهيم، مرجع سبق ذكره، ص 23.
12. راجع: د. جابر عصفور، الأنا بأعين الآخر، الحياة (لندن) 19/12/1997.
 يفسر الشيخ محمد عبده الآية القرآنية "الرجال قوامون على النساء" بقوله: "إن المراد بالقيام هنا هو الرياسة التي يتصرف فيها المرؤوس بإرادته واختياره، وليس معناها أن يكون المرؤوس مقهورًا مسلوب الإرادة، لا يعمل عملاً إلا ما يوجهه إليه رئيسه، فإن كون الشخص قيِّمًا على آخر، هو عبارة عن إرشاده والمراقبة عليه في تنفيذ ما يرشده إليه. إن المرأة من الرجل والرجل من المرأة، بمنزله الأعضاء من بدن الشخص الواحد، فالرجل بمنزلة الرئأس، والمرأة بمنزلة البدن. وانطلاقًا من هذا المفهوم يتحدث محمد عبده قائلاً: "إن المرأة أضعف من الرجل"، مستعينًا بمفاهيم الدين و "الفطرة" (د. حازم نهار، مرجع سبق ذكره، ص 32)، ليصل إلى النتيجة نفسها التي تختزل المرأة في إحدى وظائفها مستلبًا إمكان أن تشارك الرجل في قيادة شؤون الحياة، وهي الصورة التي تنفي ذاتها وفكرها في الرجل القامع والمقموع في آن معًا. وتتماهى في الطاغية الداخلي (الرجل) الذي يتماهى في طاغية خارجي آخر (السلطة - العمل - أعباء الحياة – الفقر... الخ).
13. حول آراء الأستاذ محمد رشيد رضا في المرأة، راجع كتابه: حقوق النساء في الإسلام، بيروت، دار الأضواء، ط 1، 1989.
 اعتقد بعض الباحثين أن قاسم أمين عاد إلى التمسك بالتقاليد التي كان قد هاجمها في كتابيه المذكورين، ونافح بشدة عن عادات المجتمع المصري، في كتاب له بالفرنسية عنوانه "المصريون". (انظر: محمد معروف (محاور)، المرأة العربية والغرب، الشاهد (نيقوسيا)، العدد: 90/91 فبراير / مارس - شباط /آذار، 1993، ص 85)؛ حيث يدافع في هذا الكتاب عن نظام الحجاب السائد لعالم المرأة الشرقية على عصره ويمتدح النظام الصارم الذي جعل المجتمع الشرقي مجتمعًا انفصاليًا، يحرم فيه اختلاط الرجال بالنساء، ويهاجم تحرر المرأة الأوروبية ويغالي في تصوير مساوئ الاختلاط ويدمغ الرجل والمرأة الأوروبية غالبًا بالتحلل والافتقار إلى العفة وصيانة الأعراض، بالفعل هذا ما طرحه قاسم أمين في "المصريون". لكن الباحثين تغافلوا أو لم ينتبهوا إلى حقيقة مهمة وهي أن هذا الكتاب طبع سنة 1894 أي قبل صدور كتابه "تحرير المرأة" بخمس سنوات. (راجع د. محمد عمارة، قاسم أمين وتحرير المرأة، القاهرة، دار الهلال، 1980، ص ص 53- 63). على النقيض، يقدم لنا الأستاذ عباس محمود العقاد - الذي بدأ وثيق الصلة بالثقافة الأنجلوسكسونية - موقفًا رجعيًا في كتابه "نصف إنسان" وظل ملازمًا له في كتاب "المرأة في القرآن"، حيث يؤكد على قوامة الرجال على النساء. ويعمم قائلاً: "إن الواقع المتكرر في المجتمعات الإنسانية كافة [يتمثل في] أن المرأة تتلقى عرفها من الرجال، حتى في ما يخصها من خلائق الحياة والحنان والنظافة،. فهي إنما تستحي، لأنها تتلقى خليقة الحياء من الطبيعية. إنها تخجل من مفاتحة الرجل بدوافعها الجنسية وتنتظر المفاتحة من جانبه وإن سبقته إلى الحب والرغبة، وشأنها في ذلك شأن جميع أنواع الحيوان، فإنها تنتظر ولا تتقدم أو تتعرض ولا تهجم ويمنعها أن تفعل ذلك مانع من تركيب الوظيفة، لا يصدر عن وازع أخلاقي ولا عن أدب من آداب السلوك، فإنما خلق تركيب الأنثى للاستجابة ولم يخلق للابتداء والإرغام. وألصق في الحياة بالمرأة حنانها المشهور، ولاسيما حنان للأطفال من أبنائها وغير أبنائها، وهذه صفة من صفات الغرائز توجد في إناث الأحياء ولا تمتاز فيها أنثى الإنسان إلا على قدر امتياز العاقل على غير العاقل. وفي روايته "سارة " كما في كتابه "المرأة في القرآن"، ينطق العقاد من مقولة تعتبر المرأة كائنا يتصرف بالغريزة وليس بالإدراك والتنشئة والواقع الاجتماعي حسب هذه المقولة فالمرأة تتصرف "بالفطرة" بغير حاجة إلى تعليم وتلقين حتى "كان نزواتها هي القوة الدافعة"، وعندما تصب في رأي، أو تصرف يكون صوابها "كصواب النحلة في بناء الخلايا". ولأنها تعيش على مستوى الفطرة فلا بد لها من أن "تلقى كل اعتمادها على صاحبها حتى لتكاد تنظر بعينيه وتمشى بقدميه"، فيصبح "أحوج ما تحتاج إليه المرأة أن تجد رجلاً يرعاها في الغيبة والحضور". (عباس محمود العقاد، المرأة في القرآن، القاهرة، دار الهلال 1971، ص 29 – 125. نقلاً عن: د. حازم نهار. مرجع سبق ذكره، ص 308، 322). على هذا النحو، يكرس العقاد لهزالة ودونية مكانة المرأة في المجتمع، بحكم أنها "دون مسؤوليات جسام"، ولأن مكانة الرجل سامية وفوقية لأنه مسؤول عن "الجهاد والسعي" وتأمين الرزق والنهوض بأعباء المجتمع. والواقع أنه ليس صحيحًا أن المرأة حرمت تلك المسؤوليات الجسام بسبب إمكاناتها الجسمية والعقلية. على العكس، إذا كانت المرأة ليست في مستوى الرجل في هذه المجالات، فيعود ذلك إلى أنها حرمت من المسؤوليات، فهي دائمًا تعيش في اغتراب مركب، غربة عن نفسها، وغربة عن رجلها، وعن مجتمعها، ولذلك لم تتفوق ولم تبدع وبقيت هامشية وتعيش على السطوح الخارجية للحياة وتكرس وضعها الدوني وتمارس القمع على بناتها وأبنائها بالأسلوب نفسه الذي مورس عليها. إن المرأة ضعيفة ليس بسبب تركيبها الجسماني أو طبيعتها البيولوجية وليسب بسبب إرادة غيبية تخرج عن الإرادة الإنسانية بل بسبب تجريدها من حقوق الملكية، ومسؤولية السعي، والمشاركة في الإنتاج، إن وضعها مرتبط بالنظام العام الذي يعزز علاقات الاستغلال والسيطرة في مختلف أوجهها ومناحيها في المجتمع ومؤسساته بما فيها العائلة والمدرسة والدولة والدين والعمل. إن النتائج العلمية للتجارب الطبيعة وغيرها تؤكد بأن لا فرق - نفسيًّا - بين الجنسين حين الولادة، ولذا فالنفسية المرتبطة بالجنس - من حيث هو مذكر أو مؤنث - تتكون بعد الولادة نتيجة لتكييف البيئة لها، فذلك هو منشأ الوعي ومداره. (لمزيد من التفاصيل حول تناقضات وتراجعات جيل النهضة، وجيل الليبراليين انظر د: سيد البحراوي، البحث عن المنهج في النقد العربي الحديث، القاهرة، دار شرقيات 1994 وكذلك: محتوى الشكل في الرواية العربية - 1 النصوص المصرية الأولى، سلسلة دراسات أدبية، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1996). وقد اتخذت مسألة التناقض صورة أخرى، ترافقت مع الجيل الذي واكب ثورة 1952 - وهي ذروة تجسيد "الحل الثوري" لمعضلات المجتمع المصري، بعد انتكاسة "الوفد" منذ عام 1942 - فقد بدت المرأة المصرية، خاصة لدى شرائح الطبقة المتوسطة، أكثر تعرضًا للتجاذب في الأدوار، وعدم الاستقرار في الوظائف، وهو ما ينعكس على صورة الذات المنقسمة على نفسها و التي تندفع إلى البحث عن هويتها المتجاذبة ما بين انخراط وانقطاع ما بين دفع إلى الإمام وارتداد إلى نموذج امرأة قديمة، أدركتها في أمها، وهو شأن الرجل في الشريحة نفسها، حيث يعيش تجاذبًا حادًا ما بين القديم والجديد ما بين الحنين إلى أدوار الذكور السالفة وقبول التغيير، وهو ما يجعل وضعية كل من المرأة والرجل تتصف بالازدواجية في المواقف والسلوك؛ فهن ممزقات بين تبعيتهن التقليدية، اجتماعيًا ونفسيًا،. من جهة، وطموحهن إلى تحقيق الذات بالشكل الذي يرون من جهة أخرى، هذا الصراع بين القديم التقليدي والجديد التحرري نجد له صدى في رواية لطيفة الزيات "الباب المفتوح"والتي تجري حوادثها في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين، فعديلة الطالبة في المدرسة الثانوية التي تقبل المجتمع بآرائه السائدة، تقارن في محاورة مع صديقتها، بين وضع الفتاة الحديثة، التي تمثلها وزميلاتها، ووضع أمهاتهن فعلى الأقل "أمهاتنا كانوا فاهمين وضعهم أما احنا، احنا ضايعيين، لا احنا فاهمين إذا كنا حريم، ولا مش حريم، إن كان الحب حرام أم حلال، أهلنا بيقولوا حرام وراديو الحكومة طوال الليل والنهار بيغني للحب والكتب بتقول روحي انت حرة وان صدقت البنت تبقى مصيبة تبقى سمعتها زفت وهباب... بالذمة دا وضع بالذمة احنا مش غلابة؟!".(راجع: د. حازم نهار، مرجع سبق ذكره، ص 316، وراجع كذلك: د. عبد الله محمد الغذامي، المرأة واللغة، بيروت/ الدار البيضاء المركز الثقافي العربي، ط1، 1996، وأيضًا: هاني فحص، التهويد الثقافي، المرأة مثلاً، بيروت، دار الأمالي، ط1، 1988، ص ص 163 - 181).
14. د. محمد فكري الجزار، معجم الوأد: النزعة الذكورية في المعجم العربي (في تحليل الخطاب المعجمي)، إتراك للطباعة والنشر، القاهرة، 2002، ص 12 – 13.
15. لمزيد من التفاصيل والمعلومات حول تاريخ الحركة النسائية العربية، انظر: مجموعة باحثات، الحركة النسائية العربية (أبحاث ومداخلات من أربعة بلاد عربية)، القاهرة، مركز دراسات المرأة الجديدة، 1995، (انظر د. نادية عبد الوهاب العفيفي، الحركة النسائية في مصر، ص 127 - 170).
 هدى محمد سلطان باشا الشهيرة بهدى شعراوي، ولدت عام 1879، تنتسب إلى إحدى العائلات الكبرى في صعيد مصر (محافظة المنيا)، أبوها محمد سلطان باشا شعراوي، شغل منصب مفتش عام الوجه القبلي، وكان رئيس مجلس الأعيان عند وفاته في النمسا، في أغسطس 1884، ولم تكن ابنته هدى قد بلغت الخامسة لحظة وفاته. أما أمها، فشركسية. وتقول هدى شعراوي أن المرأة المصرية أواخر القرن التاسع عشر، كانت غالبًا أمية جاهلة، يحظر عليها الخروج من البيت، قابعة بين جدران أربع. أحسنت والدتها تربيتها فعلمتها الموسيقى والعلوم والرسم واللغتين الفرنسية والتركية، وتمثل هذه التربية نقطة انطلاق هدى شعراوي نحو فكر جديد يسعى إلى وضع أفضل للمرأة، وذلك من خلال المشاركة في قضايا الوطن في المقام الأول جنبًا إلى جنب مع الرجل، فهي التي خرجت على رأس مظاهرة نسائية من 300 سيدة مصرية في صباح 20 مارس 1919 للمناداة بالإفراج عن سعد زغلول ورفاقه، وطلب خروج الاحتلال الإنجليزي من مصر، وأيضًا كانت تطالب بإعلاء شأن المرأة المصرية ودورها على ضوء ما نادى به قاسم أمين في "تحرير المرأة"، كما أن آرائها كانت تعدّ ثورة فكرية حقيقية على الجمود والتخلف الذي كان يعامل به المجتمع المرأة، وهو ما اعتبره البعض علامة من علامات نهضة المجتمع. أصدرت هدى شعراوي أول جريدة بالفرنسية أسمتها "الإجبسيان"، وكانت تنادى عبرها بالنهوض بالمرأة. ومن أهم المواقف التي تؤيد دورها الريادي في المجتمع المصري الحديث ما قامت به عام 1930 في مساعدة طلعت حرب على جمع رأس مال بنك مصر، بفضل جهودها بوساطة الأصدقاء والمعارف من الطبقات الراقية آنذاك إلى جانب تبرعها بمبلغ كبير من رأس المال المطلوب لإنشاء هذا البنك، كما يرجع لهدى شعراوي الفضل في إنشاء أول مدرسة ثانوية للبنات في مصر بعد مدرسة السنية التي كانت مقصورة على تخريج المعلمات، ولم يتجاوز عدد الطالبات بها في ذلك الوقت 30 طالبة، التحقت 4 منهن بالجامعة هن: سهير القلماوي ونعيمة الأيوبي وكوكب حفني وفاطمة مهنى، أنشأت هدى شعراوي 15 جمعية وشاركت في 24 مؤتمرًا دوليًا وعربيًا، كما كرمتها الدولة وأهدتها أربعة أوسمة ونياشين. في خريف 1938، دعت هدى شعراوي بصفتها ممثلة المرأة المصرية إلى عقد مؤتمر لنساء الشرق في القاهرة من أجل دراسة القضية الفلسطينية ونصرة شعب فلسطين، ويعد هذا المؤتمر هو أول مؤتمر نسائي يجمع شمل المرأة العربية في ملتقى واحد لدراسة القضية الفلسطينية في وقت كانت الثورة مشتعلة في فلسطين، وقد أعقب هذا المؤتمر مؤتمر ثانٍ عقد في ديسمبر 1944 بالقاهرة، وانتهي إلى تأسيس الاتحاد النسائي العربي بحضور ممثلات ست دول عربية (مصر - العراق - سوريا - لبنان - فلسطين - شرق الأردن). رحلت في ديسمبر 1947.
16. د. سعد الدين إبراهيم، مرجع سبق ذكره، ص 24.
17. نهى سمارة، مرجع سبق ذكره، ص 90.
18. المرجع نفسه، ص 91.
19. د. نادية العفيفي، مرجع سبق ذكره، ص 136.
20. نهى سمارة، المرأة العربية : نضال في رمال متحركة، الشاهد (نيقوسيا)، العدد 56، أبريل / نيسان 1990، ص 56.
21. د. سعد الدين إبراهيم، مرجع سبق ذكره، ص 24 – 25.
22. د. فرخندة حسن، مرجع سبق ذكره، ص 58.
23. نهى سمارة. مرجع سبق ذكره، ص 56.
 ولدت نبوية موسى محمد بدوية في 17 ديسمبر 1886 بكفر الحكما بندر الزقازيق، كان والدها ضابطًا في الجيش المصري برتبة يوزباشي، وكان له في بلدته بمديرية القليوبية منزل ريفي كبير وبضعة فدادين يؤجرها حين يعود إلى مقر عمله، وقد سافر والدها إلى السودان قبل ميلاد ابنته نبوية بشهرين ولم يعد من هناك، فنشأت نبوية يتيمة الأب ولم تره – حسب قولها - إلا في المنام. عاشت ووالدتها وشقيقها محمد موسى في القاهرة نظرًا لوجود أخيها بالمدرسة، وقد اعتمدت الأسرة على معاش الأب وعائد الأرض. نشأت نبوية موسى في بيئة مصرية محافظة، والتحقت بالمدرسة السنية وحصلت على دبلومها عام 1906، ثم على شهادة الدراسة الثانوية (البكالوريا) عام 1907. وهي أول امرأة تعمل معلمة للغة العربية وأول ناظرة مصرية ولعلها أول امرأة مصرية تتخذ من تعليم الفتيات قضية وطنية، ويجب الإشارة إلى كفاح نبوية موسى في سبيل تعليم نفسها ووعيها بمدى مقاومة المجتمع لتعليم نفسها ووعيها بمدى مقاومة المجتمع لتعليم الفتيات مع إيمانها الشديد بالعلم بوصفه قيمة تنهض بالمجتمع ككل، وكان إيمانها بالعلم يماثل إيمانها الكامل بحقّها في العمل، فنجدها في عام 1912 تلتحق بمدرسة الحقوق لتنال درجة علمية. وقد قامت بإنشاء مدرسة "ترقية الفتاة " في الإسكندرية؛ وهى مدرسة أهلية تابعة لجمعية ترقية الفتاة التي سعت إلى تأسيسها بعيدًا عن سيطرة الحكومة على المدارس الأميرية. كانت نبوية موسى ترى أن معاداة وزارة المعارف (التربية والتعليم حاليًا) لها ترجع إلى اعتراض الإنجليز على وجود ناظرة مصرية تنافس مدرستها، مدارس الناظرات البريطانيات، بل تفوقها نظامًا وشهرة بين الناس. وكانت ترى أن التعليم عمل وطني بمثابة السلاح الذي سيمكن المصريين والمصريات من مواجهة الاستعمار بمجرد تحررهم من قيود الجهل، وقد كان لها أيضًا دور فعّال ضمن الحركة النسائية في مصر الحديثة، فقد شاركت ضمن وفد الاتحاد النسائي المصري الذي ضم هدى شعراوي وسيزا نبراوي ورجينا خياط ومدام ويصا المشاركات في المؤتمر الدولي للمرأة في روما في عام 1923، كما استعانت بالصحافة لنشر أفكارها وإيضاح مواقفها، فنشرت مقالاتها في الأهرام والجريدة والبلاغ الأسبوعي، وهي فتاة قضت عمرها كله في جهاد مستمر من أجل قضية تعليم المرأة ومساواتها بالرجل. صدر ديوان نبوية موسى في مايو من عام 1938 و كُتبت قصائده حسب تواريخها بين أعوام 1904 - عندما كانت في مدرسة السنية - و 1925، وقد كتبت أكثر القصائد في عام 1919، حيث كان المجتمع المصري يمر بعنفوان ثورة 1919.
24. سناء البيسي، مائة عام على ذكرى مولدها، الكمساري خطيب نبوية موسى، نصف الدنيا (القاهرة)، السنة الثامنة، الأحد 18 يناير/ كانون 1997، ص 4.
 سيزا نبراوى هو اسم الشهرة الذي عرفت به السيدة زينب محمد مراد، ولدت بمحافظة الغربية في قرية القرشية عام 1897 ونشأتها في بيت جدها. ثم أرسلت سيزا لتعيش مع والديها في باريس حيث كانا يعيشان. وفي عام 1931، انتحرت أمها بسبب مشكلات مع زوجها، وأعيدت سيزا التي كان عمرها 15 عامًا إلى مصر لتكتشف أن السيدة عديلة نبراوي التي ربتها ليست أمها الحقيقية، وكان هذا الاكتشاف قاسيًا على نفسها وتفاعل مع صدمة ثقافية تلقتها حينما عاشت في باريس. ولذلك، فإنها حينما فرض عليها أبوها المحافظ عددًا من القيود وأمرها بأن تضع على وجهها البرقع، أغلقت على نفسها باب غرفتها لأيام عدة رافضة الخروج من البيت، إلى أن جاءت هدى شعراوي - وكانت صديقة حميمة لأمها البديلة المتوفاة - وأقنعتها بالخروج. والتحقت سيزا نبراوي وعمرها 26 عامًا بالاتحاد النسائي. وبعد عامين، تولت مسؤولية رئاسة تحرير مجلة المرأة المصرية الصادرة عن الاتحاد النسائي باللغة الفرنسية. وتعد هذه الفترة هي نقلة حقيقية في حياتها، حيث فتحت معرفتها بهدى شعراوي أمامها أبواب الثقافة الأوروبية وحولتها من مجرد فتاة ريفية تقليدية مثقفة إلى إنسانة صاحبة رسالة ودور في وطنها في فترة اتسمت بالغليان إبَّان الأربعينيات من القرن العشرين، كما بدأت بدعوة مبكرة إلى كل المحيطين بها لنبذ البضائع الأجنبية، واختلطت بالقاعدة العريضة من الشعب، وكانت تقف هي وزميلاتها أمام المحال التجارية يدعين الناس لعدم الشراء منها، وكانت النتيجة السريعة لحملتها الساخنة هذه أن أغلقت الحوانيت الأجنبية أو التي تتعامل مع البضائع الأجنبية أبوابها، وبالحماس نفسه خطت خطوة أخرى لمساندة إنشاء بنك مصر وهو أول بنك مصري وقتها في مواجهة البنوك الأجنبية. وفى عام 1923، اشتركت مع هدى شعراوي في تأسيس الاتحاد النسائي وكانت وراء صدور قانون تحديد سن زواج الفتيات بـ 16 سنة، عندما كانت الفتاة تتزوج في عمر صغير بحكم التقاليد الحاكمة آنذاك، وفى عام 1925، رأست تحرير مجلة المصرية باللغة الفرنسية ثم أصدرتها باللغة العربية، كما أسهمت سيزا في تأسيس "الاتحاد النسائي العربي" في عام 1944، وأصبحت لها سمعة تشرف المرأة المصرية على المستوى العالمي، فشاركت في الكثير من المؤتمرات النسائية واختيرت نائبة لرئيسة الاتحاد النسائي العالمي. أما أكثر خطواتها جرأة، فتمثلت في رئاستها لجنة المقاومة الشعبية عام 1951، لتعكس الدور الواضح للمرأة المصرية منذ سنوات بعيدة. كما طالبت بحق المرأة في التعليم، فاستجابت الحكومة إلى طلبها وأنشأت مدرسة الأميرة فوزية الثانوية. حصلت على الكثير من الأوسمة والجوائز منها وسام لينين من الاتحاد السوفيتي عام 1970، ووسام الكمال من جمعية هدى شعراوي عام 1971.
25. نقلاً عن د. سعد الدين إبراهيم، مرجع سبق ذكره، ص 25 – 28.
26. المرجع نفسه، ص 25.
27. د. فرخندة حسن، مرجع سبق ذكره، ص 58.
28. المرجع نفسه، ص 58.
 درية شفيق (بنت النيل): هي درية أحمد شفيق، ولدت بمدينة طنطا في 14 ديسمبر 1908. تعد أول من طالبت بحقوق كاملة للمرأة، وأول من أسست حزبًا نسائيًا. تتلمذت على أحمد لطفي السيد، رحلت وحدها إلى فرنسا لتحصل على الدكتوراه، ثم إلى إنجلترا، وصورتها وسائل الإعلام الغربية بوصفها المرأة التي تدعو إلى التحرر من أغلال الإسلام وتقاليده مثل: الحجاب والطلاق وتعدد الزوجات. حصلت على الدكتوراه من فرنسا في موضوع "حقوق المرأة في الإسلام". لما عادة إلى مصر، شكلت حزب "بنت النيل"في عام 1949 بدعم من السفارة الإنجليزية والسفارة الأمريكية!! قادت إضرابًا عامًا عن الطعام في 19 فبراير 1951، وفي 12 مارس 1954 بالتنسيق مع أجهزة عبد الناصر في نقابة الصحفيين، وفي عام 1957 بالسفارة الهندية. خاضت معركة الانتخابات ولم تنجح. حددت إقامتها وأغلق حزبها وصودرت أموالها. انتحرت في 20 سبتمبر 1975.
29. راجع : د. سامية محمد فهمي، المرأة في التنمية، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1997 ص ص 125 - 146، وكذلك د. سعد الدين إبراهيم، مرجع سبق ذكره، ص 25 - 26. ولمزيد من التفاصيل انظر د. نادية العفيفي، مرجع سبق ذكره، ص 130 – 140.
 ولدت أمينة السعيد في أسيوط عام 1910، وتعرَّفت وهي دون الخامسة عشرة على هدى شعراوي، التي تبنتها في المرحلة الثانوية إلى أن دخلت كلية الآداب عام 1931 في أول دفعة نسائية تدخل الكلية، وكان عميدها في ذلك الوقت الدكتور طه حسين، وأثناء دراستها بالكلية اشتغلت بالصحافة لتصبح أول فتاة تعمل بالصحافة المصرية، وعملت أيضًا بالتمثيل، في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي وهي طالبة في الجامعة ومثلت مسرحية "المرأة الجديدة" لتوفيق الحكيم. وتولت أمينة رئاسة تحرير مجلة حواء، ورئاسة تحرير مجلة المصور، ورئاسة مجلس إدارة دار الهلال عام 1976. كما كانت عضوًا في مجلس الشورى، وانتخبت أكثر من مرة عضواً بمجلس نقابة الصحفيين، ووكيلا للنقابة، وكانت عضوًا بالمجالس القومية المتخصصة، والسكرتيرة العامة للاتحاد النسائي حتى وفاتها عام 1995. وتعد من أبرز الأصوات المُطالبة بتحرير المرأة بعد هدى شعراوي وسيزا نبراوي ودرية شفيق، وكانت من المطالبات بإلغاء المحاكم الشرعية، وممن طالبن بتعديل قانون الأحوال الشخصية، ومنح المرأة المزيد من الحقوق السياسية. ومما كتبته: "أنا حزينة أن البنات اليوم لا يدركن حجم التضحيات التي قدمناها لتخلع المرأة الحجاب. لقد ضربني العسكري في الجامعة بالكرباج لأنني ذهبت إلى الجامعة بالشورت". كما كتبت يومًا: "هل من الإسلام أن ترتدي البنات في الجامعة ملابس تغطيهن تمامًا وتجعلهن كالعفاريت؟ وهل لابد من تكفين البنات بالملابس وهن على قيد الحياة؟".
30. د. فرخندة حسن، مرجع سبق ذكره، ص 58.
31. نقلاً عن: د. سعد الدين إبراهيم، مرجع سبق ذكره، ص 28.
32. د. فرخندة حسن، مرجع سبق ذكره، ص 58.
33. خلدون حسن النقيب، المرأة و"المجتمع المدني"، أبواب (بيروت)، دار الساقي، العدد 13، صيف 1997، ص 69، 70.
 ولدت الدكتورة حكمت أبوزيد في عام 1920، بمدينة القوصية محافظة أسيوط. وتعد أول امرأة في مصر والعالم العربي تتولى منصب الوزير، فعملت وزيرة للشؤون الاجتماعية. لقبها الرئيس جمال عبد الناصر بـ "قلب الثورة الرحيم". اختلفت مع الرئيس السادات، وسافرت إلى ليبيا وأقامت هناك عشرين عامًا. عادت إلى مصر عام 1992.
34. د. سعد الدين إبراهيم، مرجع سبق ذكره، ص 26.
35. د. ودودة بدران (تحرير)، المرأة وانتخابات مجلس الشعب، القاهرة، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 1996 (انظرٍ: د. على الدين هلال، المقدمة، ص 7). ولمزيد من التفاصيل، انظر: د. إبراهيم الحيدري، ملاحظات حول المرأة العربية قبل الإسلام، أبواب (بيروت) دار الساقي، العدد 13، صيف 1997، ص ص 87 – 94. وأيضًا: د. سعد الدين إبراهيم،، مرجع سبق ذكره، ص ص 17 - 21. وكذلك: د. محمد فكري الجزار، مرجع سبق ذكره، ص 13، 14، د. حازم نهار، مرجع سبق ذكره، ص ص 306 - 324.
36. د. سعد الدين إبراهيم، مرجع سبق ذكره، ص 22.
37. لمزيد من التفاصيل، راجع : دليب هيرو، الأصولية الإسلامية في العصر الحديث، ترجمة : عبد الحميد فهمي الجمال، سلسلة تاريخ المصريين، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1997.
38. خلدون حسن النقيب، المرأة و"المجتمع المدني"، أبواب (بيروت)، دار الساقي، العدد 13، صيف 1997، ص 69، 70.
39. فاطمة المرنيسي (وآخرون)، مرجع سبق ذكره، (انظر : فاطمة أزرويل، مرجع سبق ذكره، ص 172. وكذلك : فاطمة المرنيسي، الدولة، التخطيط الوطني، والخطاب العمل حول المرأة، ص 113، 114).
40. المعهد العالي للتخطيط، تقرير التنمية البشرية (مصر 1995)، القاهرة، 1996، ص 52 - 67، وقد اعتمدنا، في هذه الورقة، على المعلومات الواردة بهذا التقرير، وسنشير إلى مصادر الإحالات والإضافات المرجعية الأخرى في مواضعها.
41. نقلاً عن: د. سعد الدين إبراهيم (تحرير)، مصر في ربع قرن التغير الاجتماعي والتنمية: 1952 -1977، بيروت معهد الإنماء العربي، 1979، ص 10 - 35.
42. د. سعد الدين إبراهيم. المرأة..، مرجع سبق ذكره، ص 54 .
43. نهى سمارة، المرأة العربية... ، مرجع سبق ذكره، ص 54.
 لعل النموذج الأكثر بروزًا الآن في ظاهرة الازدواجية القمعية المفروضة على المرأة، هو ما نجده في التجاذب بين الانطلاق إلى الأمام والانشداد إلى الوراء، فالمرأة تتعلم، ثم تخرج إلى الحياة، فتعمل وتنشط وتتبنى تطلعات وأفكار تنادي بالمساواة والمشاركة، لكن تظل في سلوكها وعلاقتها بالرجل (الزوج/ الأب) مشدودة - قسرًا - إلى أدوارها التقليدية التي تطمئن إليها، تعيش المرأة ازدواجيتها - هنا - على صورة تبعية مركبة للرجل فعليا، ومناداة بالتحرر والمشاركة نظريا، حتى ولو بدا ذلك متحققًا ظاهريا في الواقع إذن. فبرغم تعلم المرأة وعملها. وخروجها إلى الحياة النشطة، فإنها لا تزال تتمسك - طوعا أو إجبارًا - بأيديولوجية تقليدية حول كيانها وفعاليتها ودروها في الحياة، وهي تعيد إنتاج استلابها من خلال غرس هذه الأيديولوجية السكيولوجية في أبنائها على شكل نماذج تقليدية للذكورة وللأنوثة والعلاقات بين الجنسين. والسؤال المهم الذي نطرحه هنا، والذي نحاول أن نفتش عن إجابة عنه: هل تحررت المرأة فعلاً؟ الواقع أن قطاعًا عريضًا من النساء المتعلمات، المتحررات ظاهريًا، لايزلن في أعماقهن يعانين من الشعور بالنقص والدونية تجاه الرجل، ولاتزال مجموعات من النساء تنتهي حياتهن التعليمية، أو العملية (المهنية)، بمجرد الزواج، مما يشي بأن اقتناع هذه الشرائح النسوية بدورها في الحياة العامة لايزال ضعيفًا، ولا تزال قطاعات من النساء مترددات بين الحياة التقليدية المحصورة في المنزل والأبناء، وهي – بطبيعة الحال – سهلة، تواكلية، مألوفة، تكتفي بمشاكلها، وبين ما تعلمنه في دراستهن، بمعنى أن التردد والتناقض لايزالا قائمين بين التحرر بمسؤولياته من جانب، والحرملك باعتماديته الغيرية من جانب آخر. ومن الضروري إذن ألا ننخدع بزيادة عدد الفتيات المنتظمات في الجامعات، فليس ذلك دليلاً على تغير جذري في وضع المرأة في المجتمع المصري، فإن العدد المتزايد لا يقيم دليلاً على تغير نظرة المجتمع التقليدية إلى الجنسين. على أن استلاب المرأة لا يقتصر على التبعية للأب، ثم الزوج، رغم خروجها إلى ميدان العمل والإنتاج، بل ينسحب أيضًا على هذا الميدان، فلاتزال المرأة تحتل موقعًا طرفيًا وهامشيًا في النشاط الإنتاجي والإداري، من خلال قيامها بوظائف ثانوية، وحجبها عن بلوغ مواقع القرار، فهي ليست تابعة للرجل في البيت فحسب؛ بل في العمل أيضًا، حيث إن القانون واحد في كليهما، وهو أن الإطار الثقافي الذي يتحقق فيه التعليم والعمل يظل أبويًا تمامًا، وأحيانًا بدائيًا ومتخلفًا، على نحو ما نوضح في متن هذه الدراسة (انظر: د. حازم نهار، مرجع سبق ذكره، 318 – 319).
44. حول قيم البداوة المتخلفة، راجع : د. مسعود ضاهر، بداوة فقدت قيمتها الايجابية، الشاهد (نيقوسيا) العدد، 128، أبريل/ نيسان 1996، ص ص 74-80.
45. د. محمد فكرى الجزار، مرجع سبق ذكره، ص 14.
46. حول مرجعية الفكر الديني إلى الإمام الغزالي، راجع: نصر حامد أبوزيد، مفهوم النص، دراسة في علوم القرآن، سلسلة دراسات أدبية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1991.
47. نقلاً عن : ميرا نور الدين، تحرير الذات، الشاهد (نيقوسيا) العدد 128، أبريل / نيسان 1996، ص 81.
48. لمزيد من التفاصيل حول أنواع ومجالات ومستويات العنف الممارس على المرأة، راجع: د. عايدة سيف الدولة (وآخرون)، المرأة ومعوقات التنمية: من العنف إلى التمييز التكنولوجي، مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية، القاهرة، 1996.
49. د. حازم نهار، مرجع سبق ذكره، ص 307 - 308.
50. عبد الإله بلقزيز، من ينازع المرأة حقها: الدولة وسلطتها، أم المجتمع وقناعاته؟ الحياة (لندن) 8/1/1998.
51. راجع: مركز قضايا المرأة المصرية، إشكاليات زواج المصريات من أجانب (في ضوء قانون الجنسية المصري)، القاهرة، 1997، وراجع أيضًا: د. احمد عبد الله (محررًا)، الوعي القانوني للمرأة المصرية، أعمال ندوة بالعنوان نفسه، أقيمت بالقاهرة (انظر: ميرفت أبوتيج، نموذج وضع المرأة في قانون الجنسية المصري، ص ص 98 - 102).
52. نهي سمارة، سلطتان تحكمان المرأة، الشاهد (نيقوسيا)، العدد 70، يونيو / حزيران 1991 ص 75.
53. فاطمة المرنيسي (وآخرون)، مرجع سبق ذكره (راجع: عبد الرازق مولاي رشيد، التحول القانوني من خلال وضعية المرأة في المغرب، ص 40)
54. نهي سمارة، المرأة العربية …، مرجع سبق ذكره، ص 54.
55. عبد الإله بلقزيز، مرجع سبق ذكره، ص 19.
56. د. محمد فكرى الجزار، مرجع سبق ذكره، ص 12.
57. د. عبد المنعم تليمة، ألف ليلة وليلة: آفاق جديدة للتوصل، فصول (القاهرة)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، صيف 1994، ص 301 - 302.
58. خلدون حسن النقيب، مرجع سبق ذكره، ص 72.
59. تيرى إيجلتون، مقدمة في نظرية الأدب، ترجمة: أحمد حسان، القاهرة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، سبتمبر / أيلول، 1991، ص 161 - 162.
60. محمد حسن عبد الحافظ، حول استراتيجيات التحول: مقاربة أولى، بحث مقدم إلى قسم اللغة العربية وآدابها، كلية الآداب، جامعة القاهرة، 1994.
61. تقرير التنمية البشرية (مصر 1995)، مرجع سبق ذكره، ص 56 - 62.
62. د. سعد الدين إبراهيم، المرأة..، مرجع سبق ذكره، ص 29.
63. ٍد. فرخندة حسن، مرجع سبق ذكره، ص 58.



#محمد_حسن_عبد_الحافظ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محتوى الشكل في الرواية المصرية، علاء الديب نموذجًا
- الشعر مدينة خربانة؛ السيرة الشعبية وقضايا النوع الأدبي
- طــريـق الــهـلالـيـة
- الثقافة الشعبية والمجتمع المدني؛ نحو مدخل فولكلوري للتنمية
- حرية الشفاهي ؛ حرية المكتوب


المزيد.....




- جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
- رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر … ...
- دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
- السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و ...
- دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف ...
- كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني ...
- قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش ...
- تتصرف ازاي لو مارست ج-نس غير محمي؟
- -مخدر الاغتصاب- في مصر.. معلومات مبسطة ونصيحة
- اعترف باغتصاب زوجته.. المرافعات متواصلة في قضية جيزيل بيليكو ...


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - محمد حسن عبد الحافظ - أفق المرأة المصرية