زكي آميدي
الحوار المتمدن-العدد: 4968 - 2015 / 10 / 27 - 16:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية في اقليم كردستان يتم عن طريق التوافقات بين الأحزاب المشاركة في الانتخابات عبر مباحثات حزبية ، وعندما تتفق الأحزاب الفائزة على توزيع الحقائب الوزارية من خلال المفاوضات خارج البرلمان، يجري التصويت على منصب رئيس البرلمان والتشكيلة الوزارية داخل البرلمان لكي يكتسب التشكيلة الوزارية المصادقة القانونية ، ويجري التصويت من دون ان يكون لعضو البرلمان خيارآخر سوى الموافقة على ما اتفق عليه الأحزاب خارج البرلمان.
في الانتخابات الاخيرة حصل الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني على الأصوات اللازمة لتشكيل الحكومة بمفردهما ولكن الحزب الديمقراطي أراد ان ينخرط حركة التغيير، التي فازت بالمرتبة الثانية ، في الحكومة ايضا ، وتم منحها عدة وزارات سيادية بالإضافة الى منصب رئيس البرلمان ، وهذا ما أزعج الاتحاد الوطني الذي رأى ان هذه الوزارات هي من حق الاتحاد وليس من حق حركة التغيير . الحزب الديمقراطي أراد من تلك الخطوة امتصاص نقمة حركة التغيير وتحميله المسؤلية عن الأخطاء التي قد ترتكبها الحكومة الجديدة.
يعتقد الحزب الديمقراطي الكردستاني ان حركة التغيير لم يرد له الجميل وظلت على مواقفه المعارضة رغم منحه وزارات سيادية سببت تأزمأً للعلاقات الاستراتيجية بينه وبين الاتحاد الوطني الكردستاني ، ولكنه نسي ان شعبية الحركة مبنيه على المطالبة باجراء إصلاحات جذرية في الجهاز الحكومي ومحاسبة المفسدين ومعارضة هيمنة الحزبين لعقود على كل المفاصل الحيوية في الحكومة الكردية وان التخلي عن تلك المطالب يعني بداية النهاية لحركة التغيير جماهيرياً.
في خطوة غير مسبوقة أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني فض الشراكة السياسية بينه وبين حركة التغيير على خلفية الأحداث والاحتجاجات التي اندلعت منذ عدة أيام في بعض المناطق التابعة لمحافظتي السليمانية وحلبجة وأدت الى مقتل وإصابة عدد من اعضائه وحرق عدد من مقراته. واعلن عزل وزراء حركة التغير وحتى رئيس البرلمان حيث اعلن ان” رئيس البرلمان لم يعد رئيسا له لأنه أصبح رئيسا بموجب اتفاق سياسي تم انهاءه بناء على مواقف حركة التغيير وسياساتها المضادة للشراكة السياسية”.
لم يلجأ الحزب الديمقراطي الكردستاني الى الطرق القانونية لتمرير هذا القرار عبر البرلمان ، الجهة الشرعية الوحيدة التي تمتلك صلاحية اتخاذ قرار من هذا القبيل ، لأنه يدرك جيداً ان هذا الاقتراح لا يحصل حالياً على الاغلبية المطلوبة داخل البرلمان لتمريره ، لأن الاتحاد الوطني وان كان متحمساً لخطوة من هذا القبيل عند بداية تشكيل الحكومة الا إنه لا يريده الآن خوفاً على شعبيته ، وقد ظهر هذا الموقف جلياً عندما أكد الملا بختيار عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني انه " عنما تشكلت الحكومة ، شغلت حركة التغيير بعض الوزارات التي كانت من حق الاتحاد الوطني ، ولكن الاتحاد الوطني غير مستعد الان لشغل اي وزارة من وزارات التغيير" .
احراق المقرات الحزبية عمل مدان وغير مسؤول وقد اعاد الى الواجهة احداث فترة التسعينات ولكنها تحدث مع الأسف في دول كثيرة وحتى في دول متقدمة بسبب عدم انضباط المتظاهرين وجهلهم وتهورهم ، ولكن ما هو اسوء منها تعطيل المؤسسات الدستورية. ان الخطوة الاحادية الجانب في تعطيل البرلمان وطرد رئيسه ألحقت ضرراًّ بالغاًّ بسمعة الاقليم دولياً وبرزت تساؤلات عن دور البرلمان حتى بجانبه الظاهري في اتخاذ القرارات ، وحقيقة دورالسلطة التشريعية في كردستان ،التي يجب ان تكون موازية للسلطة التنفيذية ، وما اذا كانت السلطات الثلاثة بشقيها القضائي والتشريعي والتنفيذي مستقلة او بيد من يملك القوة على الارض ، وبالتأكيد أفقدت المؤسسات الدستورية مصداقيتها في الاقليم والخاسر هو الشعب الكردي وكل أحزابه بما فيها الحزب الديمقراطي الكردستاني نفسه.
ان تحجيم دور حركة التغيير يتم بالمنافسة السياسية عبر صناديق الاقتراع ، وعبر السعي في تقديم ما هو افضل للشعب من خلال الشفافية ومحاربة الفساد والمحسوبية ووضع حد لوجود ادارتين شبه مستقلتين وإجراء إصلاحات جذرية في الحكومة بما يلبي طموح المتظاهرين والناقمين على الوضع ، ولن تجدي الخطوات المتسرعة التي أقدم عليه الحزب الديمقراطي الكردستاني ، ولا حتى استخدام القوة التي يلوح به البعض ، سوى نتائج عكسية ، وحتى ان اختفت كوران على الساحة السياسية ، ستظهر حركات اخرى اكثر راديكاليةً وازعاجاً للحزبين المهيمنين على الاقليم، هذه الاصلاحات ضرورية للحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني قبل غيرهما ، فالارث النضالي للاحزاب السياسية بدأت تفقد بريقها ورونقها والاحزاب مطالبة بالتغيير بدلاً من التركيز على التأريخ النضالي الذي لم يعد له نفس المفعول السحري الذي كان يتمتع به في السابق ، فما كان مقبولاً قبل سنوات لم يعد كذالك والتطور سمته التغيير ومواكبة العصر.
#زكي_آميدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟