|
حفنة تراب ... قصة قصيرة
صلاح زنكنه
الحوار المتمدن-العدد: 4962 - 2015 / 10 / 21 - 12:53
المحور:
الادب والفن
كلما استعی-;-د ذكرى ذلك الی-;-وم الغابر ی-;-نتابني الفزع وی-;-عتصرني الألم ، وذكرى فراق توأم طفولتي آزاد ابن جارنا المعلم الأستاذ قادر في محلة السراي، والذي كان ی-;-شاطرني اللعب واللهو طوال النهار، ولا ی-;-لبث أن ی-;-لازمني في المدرسة ولا ی-;-فترق عني لحظة واحدة ، في الصف ی-;-جلس بجانبي على نفس المقعد لی-;-شاكسني بی-;-ن حی-;-ن وآخر فی-;-ضطر المعلم لتوبی-;-خنا وضربنا بالمسطرة الخشبی-;-ة. ی-;-ا للأی-;-ام الجمی-;-لة .. بی-;-د أن ذلك الی-;-وم لا ی-;-شبه الأی-;-ام الأخرى ، ی-;-وم أشبه بالكابوس لا ی-;-محى من ذاكرتي بالرغم من مرور عشری-;-ن عاماً ونی-;-ّف .. إذ كنا عائدی-;-ن للتو من المدرسة، جذلی-;-ن نمرح طوال الطری-;-ق ونتسابق للوصل إلى البی-;-ت بشقاوة الأولاد الصغار، متأبطی-;-ن كتبنا ودفاترتنا وأحلامنا وما أن صرنا على مقربة من الحي ، حي السراي القدی-;-م ، ببی-;-وته المتلاصقة ذات الشناشی-;-ل حتى رأی-;-نا جمهرة من الناس محتشدی-;-ن قدام بی-;-ت آزاد الذي شحب لونه على الفور، وندت منه صرخة مكتومة (ی-;-ا إلهي !!!! ) وراح ی-;-ركض نحو ذلك الحشد فركضت خلفه ، وفوجئنا بالخالة غری-;-بة أم آزاد شعثاء الشعر تنتحب وتولول : حرام علی-;-كم ، حرام علی-;-كم . ارتمى آزاد في حضنها وراح هو الآخر ی-;-نتحب والناس ، ناس محلتنا الشعبی-;-ة صامتون باهتون كأنّ الطی-;-ر على رؤوسهم ، وعلى مقربة منهم تجثم سی-;-ارة مكشوفة ی-;-حی-;-ط بها نفر من رجال الشرطة بوجوه كالحة ، حاملی-;-ن بنادقهم ی-;-حثون الخالة غری-;-بة : _ هی-;-ا ی-;-ا أختاه، عجلي، هذا أمر الحكومة، لسنا سوى مأموری-;-ن. والخالة غری-;-بة تردد دون هوادة : حرام علی-;-كم، حرام علی-;-كم ، حرام على الحكومة ، حرام .... في الحوض الخلفي للسی-;-ارة كان الأستاذ قادر مقرفصاً بهدوئه ووقاره المعهودی-;-ن ی-;-بحلق بعی-;-نی-;-ن مذهولتی-;-ن صوب الأفق البعی-;-د وفي قبضته المضمومة حفنة تراب . لمحتُ أمي ضمن جمهرة الناس فاندسست بی-;-ن طی-;-ات عباءتها ، وقد أخذ الخوف مني كل مأخذ ، وسألتها في الحال مرتبكاً متلعثماً : _ ماما، ما هذا التراب في ی-;-د الأستاذ قادر؟! قالت دون أن تنظر إلي وكأنها تحادث نفسها وهي تشدني بحنو: _ إنه الوطن ی-;-ا ابني، الوطن. لم أفهم شی-;-ئاً من إجابتها، ولم أستطع أن أعقب بسؤال استفهامي خشی-;-ة أن تنهرني ... وفي هذه الأثناء قام اثنان من أفراد الشرطة بحمل الخالة غری-;-بة إلى حوض السی-;-ارة جنب زوجها ، وقام آخر بحمل آزاد فأومأ لي بی-;-ده مودعاً إی-;-اي ، والدموع تخضب عی-;-نی-;-ه وتسی-;-ل على وجنتی-;-ه ، وأومأت له بكف مرتعشة وطفقت أبكي مع أمي بحرقة وأسى والناس من حولنا ی-;-بكون بصمت بكاءً مراً مأتمی-;-اً ، وسألت أمي : _ إلى أی-;-ن ی-;-أخذونهم ی-;-ا أمي؟ _ الى وطنهم. _ أو لی-;-س هذا وطنهم؟ _ بلى، بلى ثم أردفت تكلم نفسها بصوتٍ عالٍ : _ ی-;-بدو أن لكل منا وطناً بدی-;-لاً آخر؟ _ وهل ی-;-أخذوننا نحن أی-;-ضاً إلى الوطن ؟ _ لا أدري، لا أدري، كم أنت لحوح ؟ قالت ذلك بنفاد صبر، وسحبتني من ی-;-دي باتجاه البی-;-ت وهي تكفكف دموعها بعد أن غادرت سی-;-ارة الشرطة واختفت عن الأنظار.. في الی-;-وم التالي ذهبت إلى المدرسة وحی-;-داً حزی-;-ناً كئی-;-باً وتأملت بوجوم الباب الموصد باب بی-;-ت شری-;-ك طفولتي ورفی-;-ق ألعابي : آه.. ی-;-ا آزاد بابكم موصد ومختوم بالشمع الأحمر الذي وشم ذاكرتي بالخطر والخوف والفقدان والفراق.. في ذلك الی-;-وم، بعد ی-;-وم من رحی-;-لك، وأنا وحدي من دونك جالس على المقعد مقعدنا أنا وأنت . سأل المعلم تلامی-;-ذ صفنا صف الثاني الابتدائي شعبة باء : - ما هو الوطن ی-;-ا أولاد؟ رفعت سبابتي وأجبت على الفور من دون أی-;-ما تردد ، وقبضة والدك المضمومة كانت شاخصة أمام ناظري ، فقلت بثقة عمی-;-اء: _ أستاذ ، الوطن هو حفنة تراب. 1999
#صلاح_زنكنه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جثث لا تعنينا ... قصة قصيرة
-
الصمت والصدى ... قصة قصيرة
-
الخنزير ... قصة قصيرة
-
التماثيل ... خمس قصص قصيرة
-
سأقتل الجنود ... قصة قصيرة
-
واقع حال العراق الآن
-
الظاهرة العنفية في الاسلام
-
بلاد موحشة
-
متواليات عراقية
-
زواج عرفي
-
المقدس والمدنس
-
علامات خراب الدولة المدنية في العراق
-
ساسة العراق الجدد
-
رمضانيون بلا حدود
-
الأسلام والنكاح
-
وخزات في صميم الوجع العراقي
-
الجنة موحشة جدا
-
صلاح زنكنه
-
خليل
-
((المسجد بيت الله)) قصيدة للشاعر الكردي قوبادي جلي زاده
المزيد.....
-
فنانون لبنانيون ردا على جرائم الاحتلال..إما أن نَنتَصر أو ن
...
-
مخرج يعلن مقاضاة مصر للطيران بسبب فيلم سينمائي
-
خبيرة صناعة الأرشيف الرقمي كارولين كارويل: أرشيف اليوتيوب و(
...
-
-من أمن العقوبة أساء الأدب-.. حمد بن جاسم يتحدث عن مخاطر تجا
...
-
إعلان أول مترجم.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 166 مترجمة على قص
...
-
رحال عماني في موسكو
-
الجزائر: مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي يستقبل ضيوفه من ج
...
-
أحلام تتفاعل مع تأثر ماجد المهندس بالغناء لعبدالله الرويشد
-
شاهد/رسالة الفنان اللبناني معين شريف من فوق أنقاض منزله بعدم
...
-
عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظ
...
المزيد.....
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
المزيد.....
|