|
فلسطين في القلب
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 4959 - 2015 / 10 / 18 - 17:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ أن بدأت عيوننا تعي ما حولنا ، وتقرأ صفحات التاريخ ، في المدرسة الابتدائية ، بدأ يتكون معنى الوطن في وعينا . وبدأنا نلمس ونتعلم أن الوطن ، هو الأرض التي نعيش عليها ، وأن الوطن هو نحن .. هو الأهل والناس الذين نحيا في وسطهم .. وهو الأشجار .. والحقول .. وهو السماء التي فوقنا .. وهو الروح التي تسكن أجسادنا ، وتمنحنا الأمان .. والدفء .. والمحبة .. والتآخي .
وتنامى فينا الشعور .. سنة بعد أخرى .. أننا والوطن .. بكل مكوناته المادية ، وأطيافه المتمثلة بالماء ، والهواء ، والفصول السنوية ، وأنواره في الليل والنهار .. أرواح في جسد واحد .. وأجساد في روح واحدة . وتعلمنا أن فلسطين هي جزء من الوطن .. واكتسبت في حربها ضد " اليهود " في قلوبنا حباً نوعياً خاصاً .
كانت عيوننا عندما ترى صورة بطل .. أو قائد فلسطيني شهيد معلقة على جدران الدروب ، بين المدرسة والبيت ، كانت تبحث عن معنى الشهيد ، الذي دخل في وعينا وقلوبنا الصغيرة ، مغموراً بالاحترام والتقديس ، وتثير فينا السؤال ، لماذا يقتل " اليهود " أهلنا في فلسطين . وتثير فينا الإحساس الغريب بالمسؤولية .. كما تثير السؤال ماذا نستطيع أن نفعل من أجل فلسطين .. ونخجل من عجز طفولتنا عن فعل أي شيء .
في المدرسة الإعدادية ، أعطانا أستاذ الموسيقى بعضاً من الإجابة على السؤال ، بتعليمنا الأناشيد الوطنية ، وبخاصة نشيد " فلسطين نادت فلبوا النداء " . ويطلب منا أداءه معه . كان مولعاً بفلسطين . لكنه يتألم ، لأن الشلل المعوق لرجليه عند تحركه ، لا يسمح له بغير الغناء لفلسطين ، وتمجيد أبطالها . ويتألم لأنه لم يعرف كيف يجيب على سؤالنا .. كيف نلبي نداء فلسطين أستاذ ؟ ..
بعد أن اغتصب " اليهود فلسطين ، أضاف الأستاذ نشيد " سنعود . ويكرر بشموخ والدموع تنهمر من عينيه .. سنعود .. سنعود . وصرنا نحن نكتب على جدران الشوارع .. سنعود .. باللون الأحمر .. والأسود .. كبيرة على طول الجدار .
أطلق الكثير من العائلات أسماء المدن الفلسطينية على مواليدها الجدد ، لاسيما يافا وحيفا . وانتشر بين الناس ، أن السلاح الذي قدمته الحكومة للجيش ليقاتل به " اليهود " كان فاسداً . وانطلقت المظاهرات ضد الحكومة .. دفاعاً عن فلسطين .. وعن شهداء الجيش .. وكرامة الجيش . وكان ذلك أحد أسباب وقوع عدد من الانقلابات العسكرية .
وبدأنا نسمع ونرى ، في مدننا أشقاء مطرودين .. هاربين من فلسطين .. من غدر ومذابح " اليهود " الوحشية . و’خصصت أماكن لهم ليسكنوا عليها . ولأول مرة سمعنا ، وتعلمنا كلمة " مخيم " . صار قرب كل مدينة وبلدة سورية بلدة صغيرة فلسطينية اسمها مخيم . ثم سميت المخيمات باسم المكان الذي أقيمت قربه ، ثم سمي بعضها بأسماء القادة والشهداء . وكبرت المخيمات ، واتصلت بعمران المدن ، حتى صار بعضها حياً كبيراً من أحياء المدينة ، مثل مخيم فلسطين بدمشق ، ومخيم النيرب بحلب ، ثم انتقل الكثير من السوريين للسكن في هذه المخيمات كجزء من المدينة. وصار الجميع في المخيم يقولنا مخيمنا .. وشامنا .
وكبرنا معاً .. نسكن الأرض السورية معاً . نعمل معاً .. ونحمي الوطن السوري معاً . عدنا شعباً واحداً نتقاسم الرغيف وحبة الدواء . وفي الرحم السوري تكون جنين المقاومة " العمل الفدائي " . وفوق الأرض السورية وبالدعم السوري ، كان المخاض والولادة . ونشأت معسكرات المقاومة ، من أجل تلبية نداء فلسطين .. من أجل العودة إليها . وتلاحمت المقاومة مع الشعب السوري ، للدفاع عن سوريا ضد العدوان الإسرائيلي ، وضد الدول الاستعمارية والرجعية . ومثلما كانت مكاتب التطوع لقتال " اليهود " في فلسطين ، في الأربعينات منتشرة في المدن السورية ، صارت مكاتب منظمات المقاومة منتشرة أيضاً .. وتعمل .. وتستقبل مفاعيلها وأصدقائها في مقارها ، من أجل إدارة مختلف الأنشطة الخاصة بها . كان مكتب نقابتنا يقع في طابق واحد مقابل مكتب " الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة " وكنا على علاقة رفاقية حميمية دائماً . وكان لنا علاقات رفاقية مع " الجبهة الديمقراطية " . ومنظمة " فتح " . و" الجبهة الشعبية " . والتحقت مجموعات من مختلف قوى اليسار بالمقاومة ، قبيل وأثناء أيلول الأسود في الأردن ، ومن ثم في جنوب لبنان .
وحين صعد " الأ خوان المسلمون " الضغوط على الحكم اليساري في سوريا ، في الستينات من القرن الماضي ، استنفرت المقاومة ، ووقفت في صف اليسار السوري .. والوطن السوري .
كان انتماء الشباب السوري للمقاومة فخراً وشرفاً شخصياً لهم ولعائلاتهم . وكانت علاقات الأحزاب السورية ،الوطنية ، والقومية ، واليسارية بالمقاومة ، تأكيد على مصداقية برامجها الثورية وأهدافها ، ضد الصهيونية ، والدول الاستعمارية التي تدعمها ضد الوطن العربي . كانت صور شهداء المقاومة ، وتجول أفراد من المقاومة بلباسهم الميداني بيننا ، تثير فينا الحماسة ، والتحفز لمقاومة الصهاينة .. وتجذر فينا أكثر فأكثر ، القناعة الممتدة إلى الجذور التاريخية المشتركة ، بأن حرية سوريا لا تصان ولا تكتمل إلاّ بتحرير فلسطين . وكان الشعور بالارتباط بفلسطين وشعب فلسطين ، كما الشعور بالارتباط بالأرض السورية والشعب السوري .
ولذلك ، أنا الآن أقاتل من على مقعد الشيخوخة .. بروحي .. وعمق مشاعري .. مع الطفل .. والشاب .. والفتاة .. في فلسطين .. ضد الغزاة الصهاينة ، بالحجر .. والسكين .. والمقلاع .. الأظافر .. والأنياب . وأحس أنا فلسطيني .. منذ شاهدت صورة عبد القادر الحسيني .. ومنذ أن تعلمت " فلسطين نادت فلبوا النداء " . ومنذ أن سمعت أخبار المعارك في فلسطين . ومنذ أن اشتعلت حماسة لرؤية المقاومين في جواري وبنيت معهم أصدق العلاقات . ومنذ أن أسعفت من إصابة في التدريب في مستوصف المخيم ، والتفت حولي جموع من سكان المخيم ، وهم يتساءلون من أكون .. فلسطيني أنا .. أم سوري .. وسمعت عجوزاً يقول كلنا سوريون وكلنا فلسطينيون .
وقبل ذلك وبعده .. أنا فلسطيني لأنني سوري .. حسب الانتماء المشترك من آلاف السنين . وأنا فلسطيني ، لأن بعضاً من أهلي يقطنون في غزة ، وهم صامدون مع الصامدين ، ويعتزون بفلسطينيتهم ، وقراباتهم في سوريا والحجاز ومصر .
ولدي يقين ، أن الثورة الفلسطينية ستنتصر على الاحتلال الصهيوني ، كما انتصرت الثورة في سوريا والجزائر وجنوب اليمن والعراق على الاحتلال الفرنسي والبريطاني . إن الأجيال الفلسطينية المتعاقبة ، لم تستسلم ، لليأس ، ولم تخضع لمساومات وصفقات المتخاذلين والخونة .
وفي معركة فلسطين لا داعي للحيرة .. حول توزيع الصفات والألقاب . إن الشرف يعرف أهله .. والعار يعرف أهله . الشرف هناك .. في كل بيت وشارع عربي . وخاصة في البلدان التي تقاتل الصهاينة الجدد ، المتمثلين بدول وتنظيمات الإرهاب الدولي ، في سوريا ، والعراق ، واليمن . والعار هناك .. حيث الخونة من الحكام العرب أصدقاء الصهاينة وأنصار الإرهاب الدولي .
لكم ننحني .. إجلالاً .. واعتزازاً .. يا شباب .. وصبايا .. وأطفال فلسطين .. إنكم بشجاعتكم .. ودمائكم .. تلبون نداء فلسطين .. وعودة فلسطين .. والعودة إلى فلسطين .. وسنعود ..
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا موحدة جديدة قادمة
-
هل بدأت نهاية الإرهاب في سوريا ؟ ..
-
أيلول أسود بشع آخر
-
دفاعاً عن هوية المسجد الأقصى ووجوده
-
المؤتمر النقابي الدولي بدمشق .. توقيته وأهميته
-
لا بديل للوطن .. العودة للدار هي الحل
-
حرب البؤساء العادلة
-
بيان مجلس الأمن والتجربة السورية
-
أردوغان وسوريا المستعصية على الفتح
-
آفاق
-
المطلوب قبل فوات الأوان
-
دفاعاً عن سوريا ووحدتها أرضاً وشعباً
-
معركة ميسلون بين الأمس واليوم - إلى يوسف العظمة -
-
الرعب الإسرائيلي المتجدد من التاريخ
-
لماذا تريد أمريكا رحيل الرئيس ؟ .
-
السلام والأمان والأمل .. بين الممكن والمعجزة .
-
الريحان .. والأمير والسلطان إلى ضحايا كوباني
-
موسم الغزو البربري المفتوح
-
ارتدادات الحرب السورية
-
ما ذنبنا .. ؟ ..
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|