|
خطاب الرئيس مرحلة أخرى
خضر محجز
الحوار المتمدن-العدد: 4957 - 2015 / 10 / 16 - 07:46
المحور:
القضية الفلسطينية
خطاب الرئيس محمود عباس
مرحلة أخرى لا تواصل السلطة فيها التمسك باتفاقيات لا يتمسك بها الاخرون
ألقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس خطاباً يوم أمس الأول 14/10/2015 نحاول الآن عرض أهم ما أشار إليه.
(يا أيها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون).
بهذه الآية، وما تحيل إليه من دلالات ورموز، يبدأ الخطاب، متوجهاً إلى الشعب الفلسطيني (المرابط في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس).
هكذا إذن! الرئيس الفلسطيني الذي طالما أعلن أنه مع السلام، ولن يسلك طريقاً غير طريق السلام، يخاطب جماهير منتفضة ثائرة بأنها مرابطة، في فعلها هذا، مرابطة في مكان مقدس، في بلد مقدس، وعليها أن تصبر وتصابر وتواصل. إذن بين يدي خطاب ذي لهجة جماهيرية، يتوسل بالجماهير ليوصل رسالة ما!.
يمكن لنا الاستنتاج فوراً أن هذا ليس خطاب تهدئة، بل خطاب تحفيز، يبدأ بآيات الجهاد، قبل أن ينطلق كالمدفع، مقدماً أدوات التحفيز: (تتصاعد هذه الأيام الهجمة العدوانية الإسرائيلية على شعبنا الفلسطيني، وأرضه ومقدساته) لشعب مظلوم، يدرك أنه مظلوم، فيثور. وفي المقابل هناك معسكر القبح الذي لا تزال تطل منه :
(العنصرية الهمجية، بوجهها القبيح، لتزيد الاحتلال بشاعةً وقبحاً).
إذن فالشعب الثائر يمارس الآن ــ في نظر الخطاب ــ حقاً مشروعاً في ثورته الحالية هذه، يستحق أن يقف العالم كله إلى جانبه، ضد احتلال (يهدد السلام والاستقرار، ينذر بإشعال فتيل صراع ديني يحرق الأخضر واليابس، ليس في المنطقة فحسب، بل ربما في العالم أجمع). إنه يذكر العالم ببشاعة الحروب الدينية التي اكتوى بنارها في القرون الوسطى، فيدق (ناقوس الخطر... للتدخل الايجابي الفوري قبل فوات الأوان).
ولكي يفهم العالم حقيقة ما يحدث، فيكف عن مطالبة الفلسطينيين بتقديم ما لا يمكن تقديمه؛ ولكي يفهم الإسرائيليون أن هذا الكلام ينطلق من موطن الاستراتيجية ــ لا مجرد تكتيك عابر ــ يؤكد الخطاب (بشكل واضح لا يقبل التأويل) أننا (لن نقبل بتغيير الوضع في المسجد الأقصى المبارك، ولن نسمح بتمرير أية مخططات إسرائيلية تستهدف المساس بقدسيته وإسلاميته الخالصة، فهو حق لنا وحدنا، للفلسطينيين وللمسلمين في كل مكان).
ها هنا خطاب آخر للعالم الإسلامي، أن يهب هو الآخر، لدعم ثورة شعب يقود ثورة تحرير مقاساته الخاصة، نيابة عنه. إنه يخاطب شعبه، فيما هو يخاطب العالم. يدرك ذلك متلقو الخطاب ــ من تجارب سابقة على الخطاب حاسمة في تأويله ــ أنه بين يدي رجل يعني ما يقول، بدليل أنه يقول في الداخل ما يقوله في الخارج، ويقول في السر ما يقوله في العلن..
لكنه لا ينسى أنه يمثل شعباً صغيراً في مواجهة قوة عاتية جبارة، فيعود إلى التمسك بقوة الضعف، التي لا يمك الفلسطينيون أمضى منها سلاحاً.. سلاح يستدر تعاطف العالم وكل محب للخير فيه:
(نحن طلاب حق وعدل وسلام، لا نعتدي على أحد، ولا نقبل بالعدوان على شعبنا ووطننا ومقدساتنا).
لكنه يواصل تحفيز شعبه لمواصلة الثورة، مرة أخرى، وهو يذكره بتاريخ رحلة الآلام:
(لقد قلنا للعالم أجمع، من فوق منبر الأمم المتحدة، إننا لن نقبل باستمرار الوضع الراهن في فلسطين المحتلة، ولن نستسلم لمنطق القوة الغاشمة، وسياسات الاحتلال والعدوان، التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية وقطعان مستوطنيها، الذين يمارسون الإرهاب ضد شعبنا ومقدساتنا وبيوتنا وأشجارنا، وإعدام أطفالنا بالدم البارد، كما فعلوا مع الطفل أحمد مناصرة وغيره من الأطفال في القدس وغيرها من الأماكن وسوف نستمر في كفاحنا الوطني المشروع الذي يرتكز على حقنا في الدفاع عن النفس، وعلى المقاومة الشعبية السلمية والنضال السياسي والقانوني، وسنعمل بالصبر والحكمة والشجاعة اللازمة من أجل حماية شعبنا ومنجزاتنا السياسية والوطنية التي تحققت بعد عقود من النضال والمثابرة، وعبر مسيرة طويلة من الشهداء والجرحى والأسرى).
في هذا الجزء من الخطاب، يمكن لأي ممن وهبهم الله مسكة من معرفة واقع فلسطين، أن يلاحظ قوة النبرة السياسية، وقوة الالتجاء إلى الجماهير، لتتوجه نحو خيارها الذي تراه قادرا على التعبير عن غضبها. لقد فهم نتنياهو الخطاب جيداً، وإن لم يدرك خطورته، حين اعتبره دعوة للكفاح (الإرهاب). ولقد أحسن العالم إذ رأى في هذا الخطاب صرخة زعيم يائس يوشك أن يدع للجماهير أن تلجأ إلى خيار مختلف. إنه يقول للعالم نفس ما قاله سلفه: "فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي".
ولكي لا يفهم متشكك أو مشكك، غير ما فهمه مجموع المنتفضين على الحواجز وفي ساحات المواجهة، يلتفت لشعبه المنتفض ليشد من أزره، وليؤكد انحيازه إليه، وثقته باختياراته:
(لقد حققتم بنضالكم وصمودكم انتصارات وانجازات سياسية لافتة، وأصبحت قضيتنا الوطنية بفضل هذا الصمود الإعجازي محط اهتمام واحترام العالم أجمع.. صحيح أننا دفعنا ثمن ذلك من دماء شهدائنا وجرحانا، ومن دموع أمهاتنا وآلام أسرانا، لكنه ثمن الحرية التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى).
ثم يزيد التأكيد على هذا الانحياز لخيار الشعب في ساحات المواجهة بتوجيه التحية للمنتفضين:
(فتحيةً لكم جميعاً يا أبناء شعبي العظيم.. تحيةً للقدس الأبية وأهلها المرابطين ... تحية لغزه والضفة ولشعبنا في الشتات، والنصر قادم بإذن الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
ولكي لا يتبقى لدى العالم أثارة من شك في توجهات الشعب الفلسطيني الجديدة، في هذه المرحلة الجديدة، يؤكد على أننا:
(لن نبقى رهينة لاتفاقيات لا تحترمها إسرائيل، وسنواصل الانضمام الى المنظمات والمعاهدات الدولية، وملفاتنا الآن حول الاستيطان والعدوان على غزه والأسرى وحرق عائلة الدوابشة ومن قبلهم الفتى الشهيد محمد أبو خضير، الآن أمام المحكمة الجنائية الدولية وسنقدم ملفات جديدة حول الإعدامات الميدانية التي تمارس بحق أبنائنا وبناتنا وأحفادنا، ومن يخشى القانون الدولي والعقوبات فعليه أن يكف عن ارتكاب الجرائم بحق شعبنا).
إن المقاتل الفلسطيني ــ في إهاب هذا الخطاب السياسي ــ هو الذي يعيد ويكرر فتح نافذة السلام، حتى وهو يمتشق السلاح: إن الرئيس يعيد توضيح الأسباب الرئيسية من وراء كل هذا الذي يحدث:
(رفض الحكومة الإسرائيلية لأيدينا الممدودة للسلام العادل الذي يضمن حقوق شعبنا وحريته وكرامته الوطنية، وإصرارها على المستوطنات والإملاءات).
معلنا أنه:
(لن يتحقق السلام والأمن والاستقرار إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة دولة فلسطين المستقلة ــ بعاصمتها القدس الشريف ــ على خطوط الرابع من حزيران 1967).
لكن ما يلفت النظر هنا، أكثر من كل خطاب سابق، هو الإعلان بأننا:
(لن نتوانى أبدا بالدفاع عن أبناء شعبنا وحمايتهم، وهذا حقنا).
هكذا تفك نهايةُ الخطاب شفراته، وهكذا يسمع الشعب، ما كان يعرفه سلفاً، من أن سلطته اختارت اليوم طريقاً مختلفاً: واصلوا انتفاضتكم على بركة الله، والعالم كله يعرف أن من حق سلطة أي شعب أن تدافع عن خياراته.
#خضر_محجز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول الشعر والنسوية والوطن: هذيان متدين أحمق
-
خطاب الرئيس محمود عباس: قراءة واستنتاج
-
زوووم8
-
داعش ومصر وحماس: قراءة في نقض الحكم
-
أحد عشر كوكباً
-
الإصلاح والمبادئ
-
العرب وفلسطين: ثم ماذا؟
-
عن داعش والداعشيين الحقيقيين
-
المستحيل يحدث أحياناً: قراءة في الاتفاق الأخير بين حركتي فتح
...
-
جعلتك قبلتي في كل حين
-
على الجميع أن ينتظر كلام غزة
-
هناك عندما في الأعالي -من وحي ساعة غزة-
-
المصالحة الفلسطينية والرواتب
-
حقيقة منصب الخلافة لمن يقولون بمنصب الخلافة
-
الاتفاق الأخير والهتاف لسعادة لم تتحقق بعد
-
التفكيكية
-
زووووم مرة أخرى
-
نظرية المحاكاة بين أفلاطون وأرسطو
-
زيارة وفد المركزية والمصالحة المستحيلة
-
حماس ورأس الذئب الطائرة في القاهرة
المزيد.....
-
هذا الكاتب أكل في أفخم مطاعم العالم وهذه أفضل الوجبات التي ت
...
-
المغرب.. غزارة الأمطار تغرق شوارع طنجة
-
مأساة تزلج تتكرر بعد 63 عاماً، حادث طائرة واشنطن يعيد كابوس
...
-
عضلة أنسجة اصطناعية تنمو مع القلب.. حل علمي مبتكر قد يعالج ا
...
-
بيسكوف: -بريكس- لا تعتزم إصدار عملة موحدة بل منصات استثمارية
...
-
-ترامب لن يستسلم-.. تعليق إسرائيلي على الضغوط الأمريكية على
...
-
مشاهد قريبة وجديدة للحظة تصادم مروحية عسكرية بطائرة ركاب فوق
...
-
أمريكا تحذر لبنان: لا مكان لـ-حزب الله- في الحكومة الجديدة
-
باشينيان يقترح تعديل نص النشيد الوطني الأرمني ويحدد -القافية
...
-
تقنية حديثة تكشف أسرار مدينة مفقودة عمرها 600 عام مدفونة تحت
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|