|
استعجال ثمار الديموقراطية في بلادنا العربية
محمد بنلحسن
الحوار المتمدن-العدد: 4956 - 2015 / 10 / 15 - 18:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد ثورات الربيع العربي الذي اندلعت شرارتها الأولى بتونس الخضراء ، وانتشرت لتعم أرجاء عالمنا العربي من محيطه إلى خليجه، طرأت على مزاج الإنسان العربي وسلوكه، تغيرات عميقة، بحيث لم يعد المواطنون والمواطنات، على تباين أجناسهم، وأعمارهم، وانتماءاتهم ، قادرين على مواصلة الصبر والانتظار؛ من أجل تحصيل الحقوق المشروعة؛ مهما كانت درجتها، أو قيمتها، ومهما كانت الجهة الساهرة على تمتيعهم بتلك الحقوق، سواء كانت سامية في سلم الدولة والإدارة، أم بسيطة ...مركزية كانت أو جهوية أو محلية ... لقد ترسخت لدى الجميع، لاسيما بعدما أحرق البوعزيزي جسده في سيدي بوزيد، احتجاجا على الظلم والاستبداد والعنف، أن لاشيء يمكن أن يمنع الإنسان من الإصرار على المطالبة بحقوقه التي يعتبرها أساسية ومشروعة، حقوق أصبح الفرد على أتم الاستعداد لتقديم أغلى ما يملك؛ أي روحه، فداء وقربانا من أجلها؛ لئلا يستمر الظلم والقهر والجبروت ...من لدن الطغاة المستبدين المتحكمين في رقاب الناس دون حق ... هذه الحالة السيكولوجية الجديدة التي أصبحت تسم شخصية الإنسان العربي، وتتحكم في ردود أفعاله، وتواصله مع القائمين على تدبير شؤونه اليومية، أضحت تحتم على المتابعين والباحثين والملاحظين، إعادة طرح السؤال حول احتياجات عالمنا العربي في السياق الراهن، هل نحن الآن في أمس الحاجة لإرساء الديموقراطية؛ باعتبارها آلية للتداول السلمي على السلطة في عالمنا العربي، كما يحدث في الدول والأقطار المتقدمة في هذا المجال، أو يجب علينا الانتقال للبحث، وتقصي ثمار الديموقراطية في مجتمعاتنا وأقطارنا التي عانت غيابها ؟ إن الديموقراطية ليست وصفة سحرية يمكنها أن تخرج أحوالنا من التردي والتخلف بسرعة البرق ، كما أنها ليست حلا للمعضلات والأزمات الاقتصادية الخانقة التي استبدت بعالمنا العربي سنوات مديدة ... وهذا اعتقاد كثير من الناس والجماهير في عالمنا العربي، وقد لاحظنا ردود الفعل القوية، والصعوبات الجمة، التي واجهت من تولوا سدة الحكم، وتدبير الشأن العام، بعد الإطاحة برموز الديكتاتورية في تونس ومصر وليبيا واليمن على سبيل المثال ... لقد كان القبول بتعويض الحكام الذين ثار عليهم الشعب في تونس ومصر وليبيا واليمن ، من أصعب المهام التي يمكن أن تسند للسياسيين والمدبرين في بؤر التوتر هاته، لقد كانت مسؤوليات جسيمة لا يحسد عليها أحد في الحقيقة، لماذا ؟ لأن الذين تسلموا زمام الأمور، سواء بصفة مؤقتة انتقالية، أم رسيمة، كان عليهم بمقتضى تمثلات الشعوب العربية وانتظاراتها الكبيرة، أن يمحوا فترات مديدة من الفساد والطغيان، والتردي الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، في بضع سنين قلية، وكانت هذه المطالب مستعصية متمنعة صعبة على أي مدبر مهما بلغ من المهارة ، وامتلك من الكفاءة في مجال تدبير الشأن العامن ،إن لم نقل مستحيلة التحقق على أرض الواقع في أمد قصير ... هنا وقع الوهم للناس، واختلط عليهم الحابل بالنابل، بل إن منهم من جاهر بكفره بالربيع العربي جملة وتفصيلا ، لماذا ؟ لأن المواطنين والمواطنات في عالمنا العربي؛ الذي لازال يرزح تحت نبير الأمية القاتلة، لم يميزوا بين الأحياز الزمنية الكبيرة التي استغرقها الهدم والفساد، والفوضى والتعفن، اللذين نخرا جسد التسير والحكم في كثير من البؤر التي انطلقت منها شرارات الثورة خلال موسم الربيع العربي، وبين ما تتطلبه عمليات إعادة البناء والتأهيل والتجهيز والعلاج والإصلاح من وقت وجهود.. إن جهل أو تجاهل الرأي العام في وطننا العربي، مستلزمات الإصلاح ومقتضياته، وإرساء الديموقراطية، لاسيما من حيث الأغلفة الزمنية، جعل هؤلاء يستعجلون ثمار الديموقراطية، ويلهثون وراء منجزاتها التي أرادوها عاجلة سريعة، وهذا ما أثر سلبيا في عملية إنبات بذور الديموقراطية نفسها في تربة وطننا العربي؛ القاحلة والجافة بسبب تعاقب السنوات العجاف !! لقد خيل لبعضهم على الأقل – لئلا نسقط في خطل التعميم - ، أن إجراءات تغيير رئيس البلاد بالثورة، واختيار خليفته البديل عنه، عن طريق الصناديق الشفافة، لاسيما إذا كان ديكتاتورا رسخته سنوات الاستبداد، والانفراد في الحكم، كفيلة وكافية للانتقال بالمجتمع وأفراده نحو الرفاهية والرخاء، وهذا لعمري من أفدح الأخطاء التصورية ، وأشنع التمثلات التي يمكن أن تستقر بالأذهان والعقول !!! أغلب البلدان التي ثار ت فيها الشعوب والجماهير، وأسقطت أنظمتها المستبدة والشمولية، خلفت وراءها اقتصادات هشة وضعيفة، إن لم نقل على حافة الانهيار ، ألم تكن تلك أسباب الانقلاب عليها، والمطالبة بتغييرها في الأصل ؟ هل،إذا وفرت تلك الأنظمة ؛ التي ظلت جاثمة على آمال الشعوب وطموحاتها، الرخاء والاستقرار ، كانت ستترك للشعوب فرصة للتفكر في التمرد والخروج للشوارع، والتجمهر في الميادين ؟ لكن، لماذا صبرت الجماهير والشعوب سنين طوال على القهر والتجهيل، والتفقير والفساد، وأصبحت اليوم عاجزة عن انتظار نضج ثمار التجربة الديموقراطية ؟؟ إن من يعتقد بازدهار المجتمعات الغربية بتبنيها خيار الديموقراطية مباشرة، واهم لامحالة، ويغيب عن ذهنه وتقديره ، قانون تطور المجتمعات وارتقائها في سلم التنمية، والاقتصاد، والاجتماع والسياسة ... لكن سؤال الأسئلة، لماذا لم تقم النخب المثقفة على اختلاف مشاربها وهواجسها بمهمتها الأساس في نظير هذه السياقات المفصلية في تاريخ الأمم والشعوب ؟ لكن هل نخبنا المثقفة، وأحزابنا السياسية، ومنظماتنا المدنية، هم من قاد عملية الانتقال نحو الديموقراطية في مجتمعاتنا العربية ؟ مع الأسف الشديد لا !!! وبناء عليه، فإن الجماهير العربية في بلدان الربيع العربي، قادت ثورتها بسواعد شبابها، ورجالها، ونسائها، وثوارها؛ الذين قدموا الغالي والنفيس؛ من أجل تحقيق أحلام الأجداد في الانتقال نحو الديموقراطية والحرية والرخاء، ولكن تلك الثورات ظلت بدون قيادة مؤهلة،وقادرة على توجيه الجماهير وتوعيتها، والاستجابة لمطالبها، والأهم هو تهيئتها للاستعداد للتريث بانتظار ثمار الانتقال الديموقراطي بعد الثورة المظفرة ... الآن، على مثقفينا، ومفكرينا، وسياسيينا، والفاعلين في منظمات المجتمع المدني بعالمنا العربي، الانخراط في ورش استنبات الديموقراطية وسلوكاتها السوية، بعقول أفراد المجتمع الذي تستبد بها الأمية والفقر ، وتدريبها على الصبر، وضبط النفس ، وإمهال المدبرين الجدد - الذين أتوا حقا، بتضحيات الثوار والشعوب، التي قدمت شهداء من أجل انتزاع الحرية والديموقراطية من أغلال الحكام المستبدين - أمادا معقولة للاستجابة للمطالب الملحة والضرورية للعيش الكريم والكرامة الإنسانية... وليعلم الجميع، بأن إزاحة رموز الاستبداد؛ الذين عمروا سنين طوال، وإحلال وجوه جديدة مكانهم؛ عن طريق الأساليب الديموقراطية الحضارية ، لا يعني بأن أحوال البلاد والعباد ستتغير قبل أن يرتد إلى الناس بصرهم، إن من يقول هذا الكلام ليس واهما فقط ، أو يروج الأكاذيب ، بل إنه مع الأسف الشديد يوجه طعنات قاتلة للديموقراطية الفتية بمجتمعاتنا العربية ... إن من يستعجل ثمار الديموقراطية، متواطئ ولو دون قصد منه، مع أؤلئك الذين أداروا لها ظهورهم ونبذوها بقلوبهم ...إن استعجال الحصائل والمحاصيل وجني حصاد الثورة، ليس ممكنا بين عشية وضحاها، وكل مصر على ما يخالف هذا الأمر، سيؤول به الأمر للكفر بالديموقراطية، والتشكيك في حقيقة الربيع العربي، ولما لا ؛ المساهمة مع فريق الثورة المضادة؛ التي ما فتئت تزين للناس أحوالهم التي انسحقت آمالهم وطموحاتهم ومستقبل أبنائهم تحت أقدامها سنين عددا ..
(-;---;--) أستاذ التعليم العالي، المغرب . https://www.facebook.com/medbenlahcen
#محمد_بنلحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|