أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - السخرية السوداء في مياه حازم كمال الدين المتصحِّرة















المزيد.....

السخرية السوداء في مياه حازم كمال الدين المتصحِّرة


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4956 - 2015 / 10 / 15 - 09:34
المحور: الادب والفن
    


ترتكز رواية "مياه متصحِّرة" لحازم كمال الدين على التقنيات الحداثية التي تجمع بين عدة أجناس أدبية في النص الروائي بحيث يغدو هذا الأخير مَصهرًا تذوب فيه القصص الواقعية، والحكايات الخرافية، وسِير الأجداد والأحفاد لتنتج في نهاية المطاف عملاً أدبيًا غرائبيًا يستمد شطحاته الفنتازية من الواقع العراقي المرير الذي أذكت فيه الأحزاب الدينية المتخلفة والاحتلال الأميركي جذوة الطائفية المقيتة وأوصلت العراق إلى حافة الانهيار.
لم تخرج "مياة متصحِّرة" عن ثيمة الطائفية التي عالجها حازم كمال الدين في روايته الأولى "كباريهت" لكنه يضعنا أمام مقاربة جديدة تتداخل فيها الأزمنة والأمكنة في آنٍ معا. فعلى الرغم من راهنية الأحداث إلاّ أنها ترتد إلى زمن السومريين أو تستشرف المستقبل عبر مخيلة عجائبية يتوفر عليها كاتب النص ومبدعه.
يحتاج الناقد والقارئ معًا إلى الإمساك بعصب الثيمة الرئيسة التي تهيمن على النص الروائي، خصوصًا وأن البطل هو سارد النص، وكائنه السِيري، ومؤلفه، وبه تبدأ الرواية وتنتهي نهاية وجودية أو عدمية إن شئتم لكنها لا تخلو من النبرة الفلسفية المجنّحة.
قد يبدو موت السارد حازم كمال الدين السفّاح في قصف أميركي على سوق شعبية ببغداد حدثًا طبيعيًا مألوفًا اعتاده العراقيون منذ الاحتلال وحتى الوقت الراهن لكن هذا الحدث "الطبيعي" سيخرج عن مألوفيته في "مثلث الموت"حينما ينحر الإرهابيون جثته ويفصلون رأسها عن جسدها لأن ذويه نسوا أن يشتروا له هوية سنيّة مزورة. كما تتعمق غرائبية الحدث وتصل إلى أقصى مداها الفنتازي حينما تُقسّم الجثة إلى قسمين حيث يُدفَن القسم الأكبر منها في مقبرة أبي حنيفة النعمان في الأعظمية، بينما يُدفن القسم الأصغر منها الذي لا يتجاوز الكفّ اليسرى المقطوعة السبّابة في مقبرة وادي السلام بالنجف.
وبما أن حازم كمال الدين كان سينمائيًا من طراز خاص وقد أخرج فيلمًا يحمل عنوان "مياه هائجة" يدين الدكتاتورية لكن سلطة النظام السابق زوّرته وغيّرت عنوانه إلى "مياه متصحرة" وجعلته يمجد النظام، ومنحت مُخرجه وسام الجمهورية.
الجد الأكبر عبد الحميد كمال الدين الذي سفح دم الثور المجنح فسُمّي بالسفّاح يتزوج من عروسة ابنه سعدون بعد أن يبعثه إلى بغداد كي يشتري الخواتم تجنبًا لما قد يصيبه في ليلة الدخلة من مكروه، فيقرر الأب ألا يدخل بابل إلى يوم الدين، وبعد سنة تنجب الفتاة صبيًا يسمونه خالد، وهو ذات العام الذي وُلِد فيه الراوي.
تنحى الأحداث منحى أسطوريًا حينما يعود بنا الراوي إلى الزمن السومري، وفرقة "الكَوالين"، والكاهن كَالاماخ، والنبي سليمان لكننا سرعان ما نجد أنفسنا أمام الأب سعدون، عالِم الآثار الذي استقبله الدكتاتور بنفسه، وحثّ الرئيس على أهمية التقيب في ضريح ذي الكفل، واعترض على مقترح لضابط كان يريد أن يُنحَت اسم الرئيس على أحجار بابل. وقد كان مرّد اعتراضه هو: كيفية الدفاع عن أصالة الآثار إذا نُحِت عليها اسم الرئيس؟ لقد فبركَ جلاوزة النظام للعم خالد قصة التخطيط لمحاولة اغتيال الرئيس وفي اليوم ذاته منحوا ابن أخيه أعلى وسام في الدولة. كما كُرِّم والده سعدون بلا سبب وبعد عامين رموه في حوض التيزاب ليصبح أثرًا بعد عين.
وعلى الرغم من أهمية مَشاهد الرواية الفنتازية برمتها إلاّ أن المشهد الأخير هو الخلاصة التي استقطرها الروائي المبدع حازم كمال الدين بضربة فنية أعادت النص إلى صوابه وجعلت "صاحبة المقهى" تبتسم وتلتف على نفسها وتختفي في مدخل الغابة ولا يتبقى من المكان شيئ سوى العدم. ثم يتناهى صوتها متمنية له إقامة خالدة في ذلك اللاشيئ.
هذه هي بعض المفاصل الرئيسة التي نعتقد أنها أساسية في حبكة الرواية وهندستها المعمارية القائمة على نسقين سرديين وهما النفق الحلزوني الذي يتسع لإحلام السارد الفنتازية، وكوابيسه السوداء، والعالم الواقعي القار الذي تصل تجلياته إلى حدّ الأسطورة والخيال والإدهاش.
لابد من الأخذ بعين الاعتبار تقنية الكاتب وأسلوبه المفضّل في التعاطي مع نص روائي لا يحبِّذ الانتماء إلاّ إلى الفضاءات الحداثية، الفنتازية، الميتا سردية التي هيّأ بعضها الواقع العراقي المفجع الذي بات يفتقر إلى التعايش السلمي بسبب الأحزاب الدينية المتشددة التي كرّست الطائفية، وبثّت سمومها في خريطة الجسد العراقي وحوّلت حياة العراقيين إلى جحيم لا يُطاق.
يميل حازم كمال الدين إلى السرد الحكائي، فهو حكواتي في المسرح، وينتصر إلى زجّ الحكاية في بنية النص الروائي، ومنها حكاية ذبح الديك، وسفح دماء الثور المجنح، والطنطل، والحصيات الثلاث لهدهد الأهوار، والبشر العقارب، وموقع ذي الكفل، وقلعة أبو زعبل وما إلى ذلك من قصص نسجتها مخيلة الكاتب الموهوب وجعلتها مقبولة ضمن آلية السرد العجائبي.
لا تركن هذه الرواية إلى الفنتازي والغريب واللامألوف حسب، وإنما تميل إلى الجانب العلمي كلما دعت الحاجة إلى ذلك. فعالِم الآثار سعدون الذي أُعدم بسبب الخيانة العظمى لأنه لفت انتباه الرئيس إلى ضرورة التنقيب في ضريح "ذي الكفل" كان يبحث في الانحرافات الوراثية أو خطايا الآباء، وكان هذا هو السبب الذي دفعه لدراسة الآثار وزيارة ضريح الوالي الهارب من بابل قبل 4000 سنة إلى قرية ذي الكفل حيث التقى سادن الضريح الذي نقل لحازم كمال الدين سرًّا وطلب منه أنه يوثِّقه في شريط يوحي للآخرين بأنه فيلم خيالي لا غير.
قصص سجون النظام السابق ونمور عدي صدام معروفة لكن أن يتحول ضباط الدكتاتور وعناصره الأمنية إلى شيوخ ورجال دين فهذا هو الشيئ غير المعروف بعينه ويحتاج إلى دراسة مستفيضة ولعل شخصية هجول التكريتي هي خير أنموذج لهذا التحول، فلقد كان عقيدًا في الأمن في عهد النظام السابق لكنه سيتحول بين ليلة وضحاها إلى شيخ جامع في منطقة أبو غريب بعد السقوط. كما أن مخبري الحرس الوطني يرون في حازم كمال الدين نفسه قد تحول فكريًا من العلمانية إلى التعصب الإسلامي. وإمعانًا في أسطرة هذه الشخصية العلمانية المفرطة في تناول المشروبات الروحية فأن المدعو هجول التكريتي يحمله على ظهرة من اتحاد الأدباء إلى غرفة الانعاش في المستشفى ويقرأ في أذنه تعاويذ سحرية توقظه من غيبوبته، وبعد أيام من صحوته صارت الدوريات الأمنية تعثر في ساحة الأندلس على جثث مقطوعة الرؤوس!
لقد أفاد حازم كمال الدين من حوادث كثيرة معروفة لدى القارئ مثل حادثة الاستعراض العكسري التي كانت تستهدف حياة الدكتاتور لكنها أُكتشفت في اللحظات الأخيرة فذهب ضحيتها المخططون والمنفذِّون والكثير من المُشتبه بتورطهم بهذه المؤامرة.
وفي الختام لابد من الإشارة إلى لغة حازم كمال الدين المستوحاة من اهتمامات فنية وقراءات جادة كثيرة، فهو في الأصل كاتب ومخرج مسرحي يزاول مهنته منذ ثلاثين عامًا أو يزيد، وقد تألق في غالبية عروضه المسرحية، وحاز على بعض الجوائز المهمة التي تشير إلى موهبته الواضحة، وقدرته الإبداعية في التأليف والإخراج المسرحيين. وبعد ثلاثة عقود يكتشف حازم شغفه بكتابة النصوص الروائية الحداثية أو ما بعد الحداثية أيضًا. فلقد سبق له أن تألقَ في عمله الروائي الأول، وها هو الآن يعزز مكانته كروائي عراقي متميز لغة وأسلوبًا ورؤية.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايتنا. . . فيلم عن السجون التركية في عهد الجنرالات
- أدب السجون في تجربة الكاتب ياسين الحاج صالح
- الدورة التاسعة والخمسون لمهرجان لندن السينمائي 2
- الدورة 59 لمهرجان لندن السينمائي 1
- نازك الملائكة وهاجس التجديد
- كيف روّضت باريس الوحش النازي؟
- استرجاع ذاكرة الطفولة والمكان في فيلم ما تبقى منكِ لي
- الجيكولو في مخالب المتعة
- الروائية العراقية سميرة المانع تترجم صباح الخير يا منتصف الل ...
- قنبلة المخرج الأميركي رَشمور دينُويَر
- بانتظار مامو. . . البطلة التي أخرجت 100 طفل من السجون النيبا ...
- المخرج جوناثان هالبرين وموت عقد الستينات
- محاكمة الفكرة المستحيلة في ليلة الهدهد
- ومضات من السيرة الحياتية والشعرية لديلِن توماس في شريط سينما ...
- رسائل حُبٍّ للرجال العظماء
- الليالي العربية في الخطاب البصري الغربي
- الفن الفقير
- ديمومة الملاحم في الذاكرة الجمعية
- أفلام الطبيعة
- هل الفنان الغرافيتي مُشوّه للجمال؟


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - السخرية السوداء في مياه حازم كمال الدين المتصحِّرة