|
دوستويفسكي
عبد المغني أبو زينة
الحوار المتمدن-العدد: 4954 - 2015 / 10 / 13 - 07:56
المحور:
الادب والفن
لن اشرع في الحديث عن تاريخك ولا نشأتك او اعمالك، فالكتب مليئة بهذا الكلام،وانما اود فقط- شعورا بالواجب يا فيودور- ان اعبر لك عما في داخلي وما يختلج في نفسي.
اني اجلس الان يا عزيزي في قاعة محاضرات متبوءً المقاعد الخلفية كي لا يرى احد تعابير وجهي وهي تقول ما تقوله من ألم وحزن، من كآبة وحيرة ، ومن حماسة وثورة ،لانهم ان رأوا ذلك لن يزيدوا الا على النظر الي على انني مضطرب أخرق او اذا أراد أحدهم التخفف في وصف حالي والحكم علي لتنبأ بأني سوف أجهش في البكاء قريبا.
نعم يا عزيزي فيودور، لن يدركوا التقلبات التي أعيشها والتناقض الذي اصبح يمزق نفسي ويحيرها حتى أصبحت لا استطيع ان افهم ما أنا.
أحدهم يأتي متأخرا عن موعد المحاضرة.. يجلس في المقعد المجاور لي من غير أن ألاحظه.. لم يطل به الوقت حتى لاحظ أني غارق في عالم آخر.. وكزني بكوعه قائلا: ما هذا الذي تقرأ؟ فزعت كمن أُوقظ من نوم عميق ونظرت اليه غاضباً حانقاً على مقاطعته لي فأجبت : الجريمة والعقاب لديستوفسكي، فرد علي مستغربا اسمك يا عزيزي : ومن هو هذا دكستوسفكي؟
شعرت للحظة أني أريد لطمه على وجهه وللحظة أخرى أشفقت عليه واكتفيت بأن ابتسمت في وجهه ابتسامه صفراء معربا من خلالها عن عدم رغبتي في اجابة سؤاله. نظرت من حولي فإذا بي أرى المحاضر يتكلم عن نقل الكهرباء وتوزيعها ورأيت طلابا منهم من يدون ملاحظاته ومنهم من يهامس زميله المجاور له غير عابئ بالمحاضر، ومنهم من ينظر الى ساعته منتظرا انتهاء المحاضرة وأنا أشعر بأحدهم داخلي يصرخ قائلا: انهض من مكانك، خذ مكان المحاضر وأجلسه مكانك ، شد انتباه الطلاب إليك واصرخ عليهم غاضبا: أليس الأولى بنا أن نفهم أنفسنا وذواتنا قبل أن نحاول فهم ما في الخارج؟ أوليس علينا أن ندرك التناقضات التي تعج بها أنفسنا ونحاول إيجاد توليفة لحلها؟ كيف يطيب لنا أن نغترب كل هذا الإغتراب وأن لا نلتفت إليها؟ ولكن أنى لي هذا يا فيودور..
إني أشعر بالخجل منك يا صديقي ، أحس بأن من واجبي التبشير بك وحض الناس على تصفح ما تركت واشعر بالشفقة والغضب في ان واحد على كل من لم يقرأ ما سطرتَ وما أفاضت به براعتك الأدبية. كيف لا يا فيدور، أجبني أرجوك، هل يمكن لأحدهم أن لا يشعر برغبة في حرق العالم والبشرية جمعاء بعد ان يقرأ "الفقراء"؟ هل يمكن لأحدهم بأن يبقى كما كان وان يدعي بأنه يفهم ذاته بعد أن يقرأ "الجريمة والعقاب"؟؟ هل يستطيع اي منهم أن يطيب له العيش بعد قراءة تحفتك الفنية "مذلون مهانون"؟ لا يا فيودور، أنا لا أبالغ في كلامي هذا. وددت لو بإستطاعتي أن أحول ما أشعر به عند قراءتك الى شعر أو نثر كي اصف لك ما تركته في نفسي،ولكن أضعف من ذلك بكثير.. صدقني يا فيودور أني أعيش في أحلامي شخصياتك وأبتعد عن واقعي ومحيطي يوم بعد يوم كلما قرأت صفحة من صفحاتك..
أتمنى احيانا أن أصبح راسكولينكوف وأتمرد على ما يحيط بي من قوانين رافضاً لها وناقماً عليها مقيما قوانينٓ-;---;-----;--- من إختراعي وتغمرني النشوة بذلك..ولكنني ضعيف وجبان.. وأتمنى أحيانا أن أعيش حياة بطلك الأبله الأمير ميشكين وأن أقلق لمصير البشرية وأحنو عليها وأسعى لخلاصها رغم قسوتها.. ولكنني ضعيف وجبان.. وفي أحيان أخرى وددت لو أتمقص شخصية إيفان بثقافتها وعلمها وبإنكارها وحذلقتها..ولكنني ضعيف وجبان..
أرجوك لا تمل من حديثي وسخافتي هذه ولكني اشعر برغبة عارمة في الحديث خصوصا أنك أنت من أتحدث اليه.. دعنا من ذلك كله الان يا صديقي العزيز وقل لي، هل سيبقى الصراع بين الخير والشر ازلياً لا نهاية له؟؟ أم هي فقط صراعات تقبع في نفوسها ولا مصداق لها في الخارج وكل ما نراه هو من إختراع عقولنا المحدودة التي لا تستطيع إدراك ما يحصل في هذا العالم والغاية العظمى منه؟؟ هل كتب علينا ان نعاني ما نعانيه من عنجهية البشر وقسوة الطبيعة وأن نصبر ونتحمل إلى أن يحين خلاصنا بالموت والفناء؟؟
قلي لي يا فيدور..فيودور إلى أين انت ذاهب ؟ انتظر أرجوك ، هناك أمور وجب علينا الحديث عنها، أريد أن نتكلم عن الله وعن القيامة والحساب وكل المشاكل الميتافيزيقية.. فيدور.. قبل أن تذهب..إني أحبك..إني أحبك..
#عبد_المغني_أبو_زينة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|