أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - ج3/هل كانت أحداث الموصل 59 حصان طروادة العراقي؟















المزيد.....

ج3/هل كانت أحداث الموصل 59 حصان طروادة العراقي؟


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 4953 - 2015 / 10 / 12 - 15:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن هذا الواقع الصراعي والتنافسي الحاد داخل المجموعات العسكرية الثورية السرية كان له تأثير كبير بل وهائل على مجريات الأمور بعد نجاح الانقلاب الجمهوري، وفي العديد من الأزمات والهزات التي حدثت ومنها تمرد الموصل. فحتى لو اقتنعنا بحقيقة أن هذا القائد أو ذاك ليس له مطامع شخصية في السلطة وانه زاهد فيها، وهذا يصدق كثيرا على بعضهم كالشواف والحاج سري وليس كلهم ولكن الأكيد هو أن جزء كبيرا من المشكلة التي حدثت يكمن هنا بالضبط، أي في طبيعة الحالة الصراعية والتنافسية التي طبعت سلوك وتفكير المجموعات العسكرية السرية الأربع. لقد سادت الروح والعقلية الفردانية والاستحواذية والتماهي الزائف بين الذات والمشروع الوطني التي هيمنت على سلوك القادة الكبار الذين قادوا العملية العسكرية عمليا وتحديدا قاسم، كما كان لتعطش عارف للسلطة وهو تعطش امتزج بسذاجة سياسية وفكرية مشهودة له و شعور بالنقص كشف عنه في مناسبات كثيرة لعل أشهرها تلك التي روتها مصادر عديدة لمشهد اللحظات الأخيرة لقاسم ورفاقه الذين قتلوا من قبل الانقلابيين، حيث انشغل عارف بِهمٍّ عجيب وهو محاولة انتزاع اعتراف من قاسم وهو يواجه فوهات رشاشات الانقلابيين في 8 شباط بأنه هو – عارف- وليس قاسم مَن كتب بيان الثورة الأول في 14 تموز فرد عليه قاسم بعبارة بليغة ( نحن كتبناه)! فلتتخيلوا المشهد لطفا: رجل أمام فوهات الرشاشات وسيقتل بعد ثوان بالرصاص و جلاده يجادله حول اسم من كتب البيان الأول ليسجل عليه نقطة! فأية شناعة، بل أية حالة عقلية هذه التي كانت تسيطر على عبد السلام عارف؟! والواقع فقد لعب عارف دورا مشؤوما ومضرا جدا بالمشروع الوطني الاستقلالي طوال حياته المتقلبة و ما يحير المراقب كثيرا تمسك قاسم بعارف وقربه منه و ابتعاده عن الشواف والحاج سري ونفوره منهما مع أن هذين الرجلين أقرب إليه فكريا وسلوكيا! وفي مقابل ذلك، سادت روح الغلبة والثأر، الممتزجة بمشاعر الحرص "الأعمى" على المشروع الوطني الاستقلالي، و التي دفعت عددا من الضباط المهمشين أو المشتتين في قواعد عسكرية متناثرة في طول العراق وعرضه بعد الثورة التموزية إلى التحرك ضد حكومة قاسم بشكل أوقعهم في سلة اليمين الإقطاعي والقومي اليميني المتربص بالمشروع الوطني هو وحلفاؤه الغربيون، ولعل التفسير الممكن والبدئي لهذه الانحيازات لدى قاسم والشواف والحاج سري خصوصا، نجده في سيادة روح التحزب للتنظيم الخاص إضافة – طبعاً- إلى فوارق و ضغوطات أخرى.

إن هذا الاستنتاج المتعلق بالجوانب الذاتية لعدد من قادة تلك المرحلة التاريخية الصاخبة والمهمة من تاريخ العراق لا يعني قطعاً إهمال الأسباب والسيرورات الاجتماعية العميقة والمحتدمة التي تفاقمت واستعرت بعد الثورة ونتيجة لإصلاحاتها وقراراتها الجذرية، بل أن الأساس التعليلي في تفسير ما حدث نجده في الأرضية الاجتماعية والصراع الطبقي الحاد - رغم التكوين الطبقي الجنيني والمشوه للطبقات الاجتماعية في المجتمع العراقي في خمسينات القرن الماضي- وقد وجد هذا الواقع الاجتماعي المحتدم تعبيراته السياسية المباشرة والمختلة في صراع مجموعات الضباط الثوار المتصارعين فمالت الملايين إلى جانب قاسم وإصلاحاته الجذرية العميقة التي ساندتها القوة السياسية الأكثر جذرية ممثلة بالحزب الشيوعي واسع النفوذ. و حاولت الطبقات المدحورة من ملاك الأراضي والإقطاعيين والتجار والبيروقراطية الهشة احتواء واستثمار التمرد ضد حكومة قاسم في الموصل وغير الموصل و استيعاب الضباط الذين قاموا به في كل مناسبة ليكونوا بمثابة حصان طروادة العراقي الذي سيدمر المشروع الوطني الذي بدأ مع 14 تموز 1958، بغض النظر عن نوايا وطموحات أولئك الضباط أنفسهم. وإذا كان لجوء بعض قيادات التنظيمات الأخرى كتنظيم الحاج سري لخيار تصحيح الأوضاع حفاظا على الثورة وحرصا على مستقبل المشروع الوطني الفتي صحيحاً من حيث المبدأ، فإن الخلاف الأهم كان حول طبيعة الخيار الذي يجب اعتماده للتصحيح، وهل يجوز اللجوء إلى العنف المسلح ضد رفاق الطريق والسقوط المحتمل في سلة أعداء المشروع الوطني العراقي ككل، وبعد بضعة أشهر لا غير على انتصار النظام الجمهوري؟ غير أن سؤالا معاكساً و مؤرقاً آخر يطرح نفسه ويقول: هل كانت طبيعة النظام الجمهوري الجديد، وطبيعة قادته العسكرية الفردانية، والحالة التي نشأت خلال وبعد الانقلاب الجمهوري، وانعدام المؤسسات في الدولة العراقية الهشة أصلا تسمح بأية إمكانية لاعتماد الحوار والتصحيح السلمي وعدم الوقوع في براثن أصحاب المشاريع المضادة للمشروع الوطني والذي كانوا قد أفاقوا من الصدمة و شرعوا ينضمون صفوفهم ويستثمرون إمكاناتهم المالية الهائلة لكونهم من طبقة الملاك العقاريين والزراعيين والتجار في العهد الملكي وعلاقاتهم العربية والدولية بنشاط وجدية؟

لقد كانت الأشهر المعدودة التي تلت ثورة تموز في غاية الغنى والامتلاء بالدلالات والأحداث والمعاني وقد مسَّت عمق النسيج المجتمع العراقي وحركت ملايين الناس وزجتهم في حراك طبقي واجتماعي حاد ومحتدم، وكان من تداعيات هذه التطورات أن "جبهة الاتحاد الوطني" التي تشكلت قبل الثورة بعام وبضعة أشهر من أهم الأحزاب السياسية العراقية الوطنية والمعادية للنظام الملكي التابع لبريطانيا كالحزب الوطني الديموقراطي والحزب الشيوعي وحزب البعث و عناصر مستقلة تمثل قوى وطنية وتنظيمات شعبية عديدة، وكان الداعي والمطلق لفكرتها هو الحزب الشيوعي، وهو الذي بذل جهودا كبيرة لإقناع قيادة البعث بالانضواء في هذه الجبهة - يجري غالبا تصوير الحزب الشيوعي العراقي وكأنه الداعم والمستفيد الوحيد من حكومة قاسم "الجمهورية الأولى"، وهذه خرافة أخرى إذ أنَّ حصة البعث لم تكن بالقليلة فيها حيث كان مؤسسه وأمينه العام فؤاد الركابي الذي سيغتاله بعثيو صدام ذبحا في سجنه بعد أقل من ثلاثة أعوام على انقلابهم الثاني في 17 تموز 1968، وزيرا للإعمار فيها، إلى جانب وزيرة البلديات الشيوعية الراحلة نزيهة جودت الدليمي- وقد اعتبرت هذه الجبهة "الاتحاد الوطني" وبشكل مقنع الأب السياسي والاجتماعي والفكري للتغير الثوري الجمهوري، غير أن هذه الجبهة تفتت شذر مذر وراح كل حزب منها يكافح بمفرده و ( نزل الجميع من الجبل لجمع الغنائم ) فكان ما كان!

ولكي نفهم عمق الصراع الاجتماعي والطبقي الضاري الذي تفاقم بعد 14 تموز، وبلغ إحدى ذراه عشية تمرد الموصل، لنقرأ اللوحة المعبرة والأخاذة التالية التي يرسمها حنا بطاطو للأرضية الاجتماعية والإثنية للقوى التي شاركت في ذلك التمرد الموصلي و تلك التي قاومته، كتب بطاطو ( أنارت أحداث الموصل بتوهج لهيبها تعقيدات النزاعات التي كانت تهز العراق، وكشفت عن وجوه القوى الاجتماعية المختلفة بطبيعتها الأساسية والتراصف الحقيقي لمصالحها الحياتية. فوقف الأكراد واليزيديون لأربعة أيام بلياليها – خلال التمرد - ضد العرب، و وقف المسيحيون الآشوريون ضد العرب المسلمين، و وقفت قبيلة البومتيوت العربية ضد قبيلة شمر العربية، وقبيلة الكركرية الكردية ضد البومتيوت العربية، و وقف فلاحو ريف الموصل الفقراء ضد أصحاب الأراضي، وجنود للواء الخامس ضد ضباطهم، وضواحي الموصل ضد مركزها، وعامة حي المكاوي و وادي حجر الشعبيين ضد أرستقراطيي حي الدواسة العربي، وضمن حي باب البيد وقفت عائلة الرجبو ضد الأغوات منافسيها التقليديين. وبدا وكأن النسيج الاجتماعي قد تفكك وأن السلطة السياسية تلاشت كليا. وتحولت الفردانية ، بتفجرها إلى فوضى. وأطلق الصراع بين القوميين والشيوعيين عداوات عمرها من عمر الزمن، وشحنها بقوة متفجرة واصلا بها إلى نقطة الحرب الأهلية "...." وحيث لم تتطابق الانقسامات الاقتصادية والعرقية أو الدينية كثيرا ما كان العامل الطبقي وليس العرقي أو الديني هو الأبرز. فلم يقف الجنود العرب إلى جانب الضباط العرب بل إلى جانب الجنود الأكراد، و وقف كبار ملاكي الأراضي الأكراد من الكركرية إلى جانب أمثالهم من شمر العربية. ولم تقف عائلات التجار الأثرياء المسيحية، مثل عائلات بيتون وسرسم و رسام، إلى جانب الفلاحين المسيحيين الفقراء . وعندما تحرك الفلاحون بمبادرة منهم فإنهم ، ولا اعتبار حتى لانتمائهم السياسي ، والواقع أنهم قتلوا، بين آخرين، علي العمري وهو عربي مسلم معارض لقاسم، وقاسم حديد وهو عربي مسلم وعم محمد حديد الوزير موضع الثقة الأكبر عند قاسم... ومن ناحيتهم وقف فقراء وعمال أحياء المكاوي والمشاهدة والطيانة العربية المسلمة جنبا إلى جنب مع الفلاحين الأكراد والآراميين – الآشوريين ؟ - ضد أصحاب الأراضي العرب المسلمين. 3/179 وما بعدها). تلك هي الأرضية الاجتماعية للأحداث فلننتقل الآن إلى وقائعها التفصيلية.

يتبع قريبا في الجزء الرابع من هذه الدراسة.



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين قنبر ونبراس ضاعت البردعة!
- ج2/ تنظيم الضباط الأحرار العراقي.. حقيقة أم خرافة؟
- الجزء 1/ تمرد الشواف 1959.. قراءة جديدة
- حين ينتقد رمز الفساد نظام المحاصصة الفاسد
- بين خطورة داعش وسلبيات الحرس الوطني
- الجزء الثاني/ نقد خطب المحاصصة الطائفية- اليساري-
- الجزء الأول/ نقد خطاب المحاصصة الطائفية- اليساري-
- حول خرافة الدولة المدنية
- بين معصوم والعبادي : دستور مهلهل وتفويض مليوني
- المهزلة الكبرى: أحزاب دينية تضع قانونا للأحزاب!
- أفندية بغداد سيقتلون الحركة الاحتجاجية
- محاولة خطيرة لإجهاض الحراك الشعبي في بغداد
- الجزء الثالث/ وقائع شبه مجهولة حول ثورة 14 تموز
- الجزء الثاني :/ وقائع شبه مجهولة حول ثورة 14 تموز 1958
- وقائع شبه مجهولة حول ثورة 14 تموز 1958
- لماذا حرَّم الصدر حفلات شباب - بغداد بارتي- ؟
- تجريم التكفير الديني دستوريا ضرورة ماسة
- فؤاد معصوم و أحكام الإعدام
- العرب السنة بين الإبادة أو التهجير
- مطلب إعادة كتابة الدستور في مبادرة الكبيسي


المزيد.....




- سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي: ...
- أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ ...
- حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال ...
- -أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
- متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
- الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
- الصعود النووي للصين
- الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف ...
- -وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب ...
- تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - ج3/هل كانت أحداث الموصل 59 حصان طروادة العراقي؟