البدراوى ثروت عبدالنبى
الحوار المتمدن-العدد: 4948 - 2015 / 10 / 7 - 21:37
المحور:
الادب والفن
مع بداية ضوء الشمس ، سمع صوت زقزقة عصافير جميلة لم يكن اسمعها منذ 4 أعوام ظننت انها ضمن حلم ، لكن الصوت استمر فترة و باقى ساعة على موعد ان أ ستفيق من نومى لأستعد الى الذهاب إلى العمل ، كان بى رغبه أن أكمل نومى و حيرة أن تعرف سر هذا الصوت الذى لا يكف عن الزقزقة داخل المنزل ، قاومت نومى و ذهبت تجاه الصوت الذى احتل منزلى ، و لم ألاحظ ان كانت زوجتى بالسرير بجوارى أم لا .
فتحت باب غرفتى ، أمامى زوجتى تقف أمام قفص به عصفورين احدهما أزرق و الاخر بين الأصفر و الاخضر تضع لهم شئ فى كوب بلاستيك و العصفوريين منكمشين على بعضهم .
_ صباح الخير
_صباح النور
_ ماذا تفعلى ؟
_أضع الطعام للعصفوريين .
_ لم أكن اعرف انك تحبى العصافير ، متى اتيتى بهم ؟
_ بالامس .
_ أتمنى تنقليهم الى مكان اخر ، ليس بجوار حجرة النوم صوتهم أقلق منامى .
_ ولك ذلك ، و لكن أين تفضل أن اضعهم به ؟
_أى مكان ، لكن بعيد عن حجرة النوم .
ذهبت لتجهز الفطور ، و وقفت أمام القفص و نظرت اليهم طويلا و شردت ، لم أعرف لماذا هذا الصوت الرقيق ضايقنى ، لماذا أزعج منامى الى هذا الحد وقفت طويلا و قاطعنى صوت زوجتى ...
_ الفطار جاهز .
نظرت الى الساعة و دخلت الى الحمام و حلقت ذقنى جيدا و خرجت أكلت سريعا ولم أتحدث مع زوجتى و خرجت بلا وجهه .
ركبت سيارتى و قررت عدم الذهاب الى العمل ، احستت برعشه تسرى بجسدى ،و شعرت بالخوف مرة أخرى ، الخوف من كل شئ ، الكلمات والورق و القيود و الناس ... نظرت للوجوه و تلك الوجوه الخشنه العبوسه الجافة ،و الساعة تشير بيدى الى السابعة و النصف و بدأت الحركة بالشوارع تزداد .
أوقفت سيارتى بشارع جانبى و قررت ان أكمل طريقى الذى لم أحدده مترجلا ، ولكنى وقفت فجأه و نظرت حولى ، تثبتت عينى على مكان أبيض جميل من الخارج هادئ دققت نظرى على سيارات كبيرة يغلب عليها اللون الأزرق و يفصل بينى و بينهم مجرد رصيف ، لم تتحمل أرجلى الموقف و جلست على الرصيف المقابل لها و وضعت يدى على راسى .
___________________
ظلام الليل وصوت شخير لشخص نائم ، جسدى مرتعش من البرد و الخوف المسيطر داخلى و طعم الدم الذى بفمى و الجروح التى تملئ جسدى ، و صوت داخلى يقول لماذا كل هذا ؟
ولكنى نامت ، من الارهاق ممكن أو الوجع او فقدت الوعى فذهبت فى نوم تختلط فيه الكوابيس مع الحلم .
أفقت قرب الفجر على زقزقة عصافير و شخصين يجرونى و لا أعلم ما يحدث لى ، هل هذا كابوس ، تمنيت ان يكون كابوس ويزول ، دخلت غرفة بها كرسيين و منضدة تفصل بينهم و اضاءة خافته و قبل دخولى الحجرة أعصب عينه .
أدخلنى شخص الى الحجرة و اجلسنى برفق على الكرسى أرادت أن أبكى من التاثر و أنا لا أعلم ما الذى اقترفه لكل هذا ! و لكنها مجرد لمسه كأنها عطف على جسدى الضخم الذى تم انتهاكه بكل وسائل الإهانه ... بعد فترة ليست بالكبيرة سمعت صوت الباب يفتح و يغلق و وقع أقدام تمشى فى خطوات ثابته و مفاتيح توضع على المنضده أمامى و رائحة دخان سجائر .
_ أسمك ؟
لم أكن أعلم أن هذا السؤال موجه لى فصمت
_ مش عارف اسمك و لا ايه ؟
_ أحمد
_اسمك بالكامل
_ أحمد كامل عبدالعاطى
-سنك و عملك وسكنك ؟
_34 عام ، مدرس بجامعة المنصورة كلية الحقوق ، وعنوان سكنى ....
وصمت فترة وقال
_ حضرتك تعلم أين أسكن و أين اعمل و تاريخ ميلادى و ورقمى القومى جميعهم كانوا بمحفظتى الشخصية .
_ و أنا اريد ان اعرفهم منك ، على سبيل النقاش ، ولكن و ليكن ذلك .
_ ما سبب وجودك فى تلك المظاهرة التى خرجت من أمام مبنى إدارة الجامعة ؟
_ مطالب المظاهرة كانت واضحة و أنا بنفسى فعلت كل الأمور القانونية اخذت تصريح أمنى و موعد المظاهرة و موعد انتهائها .
_ لكن حدث شغب و أنت فى الصفوف الأولى !
_من بدأ بتفريق المظاهرة التى استوفت كل الشروط القانونية ؟ ومن ضرب الطلاب و من حاوط المتظاهرة و جعلها لا تتحرك ؟ أنتم من فعلتم ذلك كل الأمر انكم ترون اننا مجرد أطفال مشاغبيين و انتم المدرسيين العاقلون الوحيدين ، افعلوا هذا و لا تفعل هذا و العقاب دائما كمثلى و أنا هنا ، و ملخص التفكير الذى تفكرون به لا يتجاوز شكل الدولة من العبس و عدم احترام اى من حقوق الانسان ، نضرب كأننا حيوانات داخل مزرعة و نعيش فى ظلام ، تدعون الفضيلة و أنتم المسئولون عنها ، هل الفضيلة هى أفكار البدو ، البدو لا يعترفون بالقانون ، لا يوجد عندهم أدنى معنى للقانون و لا المسئولية و لا الفكر كل حياتهم عبارة عن المسخ الذى تحاولون عمله بنا ، هذا المسخ الغير متعلم ، الفقير ، المطالب بان لا يكون له صوت .
_ معنى ذلك أنك معترف بجريمتك ؟
_ أنت تسميها جريمة و أنا اسميها حق .
_ من الظاهر أن الأيام التى مضت لم تعلمك شئ ، ولكنى سأعلمك درس أن تعرف المسخ الحقيقى على يدى .
لم تمر دقيقة الا و صوت الباب يفتح و أنا أمضى على محضر و انا معصب الأعين ، مجرور من شعر راسى على الأرض ، و بعدها أحسست ببداية لفقدان الوعى مرة ، ثم ألم شديد يتبعه فقدان للوعى ...
سمعت زقزقة عصافير تقف على حافة الشباك لصغير الذى بالحجرة التى أنا ملقى فيها عارى تماما ، حجرة ضيقة أشبه بالقفص ، لم أسعر بالجوع و لا العطش و لا أكن صار بى خوف و رعشة لجسدى لم أعهدها من قبل لم أستطيع الحركة نهائيا وجهى عابس ، وجع شديد بأعضائى كلها أحسست فى هذه اللحظة أننى مجرد مسخ و كل ما أستطيع فعله هو النظر لشعاع الشمس من الشباك و العصفور الذى يشاهدنى فى ضعفى التام ...
___________________
وهناك صوت يأتى من بعيد يقول يا أستاذ ..... أستاذ بطاقتك رفعت رأسى و نظرت له و الدموع بعينى التى نزلت لأول مرة أمام أحد و قال بطاقتك أنت قاع هنا ليه ...
لم أكن أعرف أين أنا الا لما دققت فى الشخص الذى امامى و انا اخرج محفظتى و اخرج بطاقتى و يقول
_ ما بك ؟ أنت جالس هنا منذ فترة
_ لا شئ مجرد وجع وسيزول .
ذهبت الى سيارتى بعد وقت ، و ذهبت إلى المنزل باحثا عن قفص العصافير و فتحت لها القفص لكى تخرج و تطير .
#البدراوى_ثروت_عبدالنبى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟