|
17ديسمبر و صيحة أخرى
رضا كارم
باحث
الحوار المتمدن-العدد: 4945 - 2015 / 10 / 4 - 12:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كأنّ المشهد التّونسيّ يحمل أسفاره راحلا إلى السّكينة. الجبهة الشّعبيّة رفضت قانون المصالحة ثمّ استعادت سباتها و انغلقت علىداخلها تؤسّسه. الاتحاد أمضى الهدنة و حلّ مشكلات القطاع الخاصّ و افتكّ(رغم كلّ شيء) بعض الفتات من مافيات الفساد المنظّم ضمن دائرة اتحاد الصناعة و التجارة. جماعات 18أكتوبر من خارج حزب العمال و حركة النّهضة يكادون يمضون على استقالاتهم بالكامل. و خلافة الباجي وحدها تنشّط المشهد المبتذل في تونس. فجأة يعلمنا الممثّل الحقيقيّ لشبكة السلّطة أي أوباما ، بأن تونس و ماليزيا و أندونيسيا ، إن لم تخنّي الذاكرة، انضمّت إلى التحالف الدّولي ضدّ داعش. ضاق صدر اللاعب السياسي في تونس، و انبرى ناقدا لعلامة "فقدان السّيادة الوطنيّة" و انزياح القرار عن أصحاب السّلطة التمثييليّة المنتخبين، إلى السلطة الأجنبيّة في أمريكا في هذه الحالة. ضاقت صدورهم و كان كثير منهم يحكم و استسلم بدوره لمقولة العنوان السياسي الأكبر الذي يفرض شروطه و يحدّد للضّعفاء و الجبناء أيضا مواقعهم الخلفيّة و نقاط تدخّلاتهم في الأمم المتّحدة ، تاركا لهم تفاصيل الحوار مع النّهضة أو العراك مع المرزوقي . عاد رئيس حكومة الارتزاق و التّبعيّة، الحبيب الصّيد، إلى تونس محمّلا بخطاب مبتذل و قراءة متعثّرة دالّة على سوء إدارة عميق، و استدعى حفنة من الصحافيين ليتلو على مسامعهم سورة الإخلاص ... عاد الصّيد مشبّعا بإيجابيّة تحالفه الدّوليّ ضدّ داعش ، مؤكّدا أنّها مصلحة "وطنيّة" من حيث أنّها تمنح تونس القدرة على التّعرّف غلأى عدوّها الإرهابيّ بشكل أفضل، و يوفّر لها معطيات استخباراتيّة مفقودة الآن. لا أحد سأل الصّيد عن موقع تونس من القضيّة اللّيبيّة و عن موقفه من الجلسة التي انعقدت على هامش جلسات الأمم المتحدة للحديث في شأن تمّ تجاهله و تركه إلى مصيره . ليبيا بؤرة ملتهبة، يدفع شعبها ضريبة الخراب الذي زرعه القذافي و دعّمه الاستعمار قبل أن ينصرف تاركا الإنسان هناك يموت ألف مرّة و لا يموت. تنفجر الأزمات من كلّ جانب محيط بنا، و حكومة التجمّع المتخونجة النيوليرالية و المتعطّشة لدماء المهمّشين المنسيّين ، تواصل جهد الاصطفاف و الاتّباع و التّسليم لرأس المال. و يواصل التّونسيّون خدمة للوطن و حرصا على سلوك وطنيّ جامع، انتظار الفرج من صندوق نقد دوليّ يستعدّ لإقراض تونس مليار و ثمانمائة مليون دولار أمريكيّ، لأجل مهمّات غير معلنة حاضرا. هدنة اجتماعيّة و ثرثرة على أجهزة الإعلام و انتظار طويل. ماذا لو نظرنا إلى الدّاخل جميعا؟ منذ زمن نكتفي برمي تراجع المشهد و سقوط الثّورة و عبث السياسة ، على الاتحاد و الجبهة و بقيّة المعارضات كلّ بنسبة. غيرنا يتألّم لخيانة الخوانجيّة للصّورة الرّمزيّة التي يحملها في ذهنه عن الثّورة. جميعنا بالنّهاية لا يرى نفسه . ألزمنا حقائقنا بأن تدّعي صباحا مساء بأنّها ضحايا الآخر الخائن و المحتال و الغادر و المرتبط و العميل و الفاسد. و كنّا على حقّ كثيرا حتّى أنّنا تجاهلنا بالكلّية أنّنا بتنا نردّد كلمات سئمتها الأنفس منذ فيفري 2011. منذ جبهة 14جانفي السّافلة، و هيئة عياض بن عاشور و انضمام بلعيد و قطيعه إليها، و منذ إصرار بعضنا على الدّفاع على جراد و عسكره ، باسم الدّفاع عن المنظّمة ، و منذ خيانات و غلطات قاتلة وجدت أوجها يوم 8 فيفري 2013، يوم خرج مليون تونسيّ رافضا للقتل، و ربّما راغبا في إسقاط الخوانجية و تسييد حمة الهمامي ... منذ تلك الشواهد القويّة، اكتفينا بالنّقد و لن نبن شيئا سليما يتواصل لأسبوع واحد. بل لعلّنا انشطرنا ألف شطر، و خرج منّا الانتهازيّ و المرتبط و الجبان و السّافل و الخائن أيضا. فلماذا نعيّر حمة الهمامي و حسين العباسي بما هو مقيم فينا ؟ و لماذا نطلب من الجبهة و الاتحاد أن ينجزا مقولاتنا و تصوّراتنا حول 17ديسمبر؟ لماذا نقيّم الآخر من زوايا نظرنا نحن دون تفهّم سياقاته و منطلقاته و أرضيّته؟ لو كنّا جسما موحّدا لهان الأمر و سهُل الفهم. لكنّنا و القسمة تفضحنا، لسنا أهلا لنصح أيّ كان و لا نقده و لا فضحه عدا رأس المال و مافياته و المنتسبين إلى شبكة قوّاديه و المتطوّعين كجنود ضمن عسكره. نحن ، و لا يبدو أنّ لنا هويّة واضحة أو محدّدة، جبهة الرّافضين الغاضبين ، كم عددنا؟ كم عدد الذين يتمسّكون ب 17 ديسمبر بوصفه عمق الثّورة التّونسيّة؟ كم عدد الذين يرابطون على خطّ المعركة الطّبقيّة و يرفضون كلّ فرصة لتوزيرهم أو توليتهم شأن سلطويّا ما؟ كم عدد الذين يرفضون خيارات الإصلاح و التّسليم و الارتباط ، حتى لو منحوا مقاعد في مجالس الللوردات؟ كم عدد الذين يتمسّكون بالحرب ضدّ رأس المال مهما كانت الخسائر و التضحيات و الإغراءات؟ كم واحدا تركنا و انصرف لخدمة النهضة و المرزوقي مقابل وعد بالنوم في فراش بتروليّ الملامح؟ و كم يصمد صامد و كم يسقط مهزوم و كم ؟ لننظر داخل الجسد الواصف نفسه بالثّوريّ، هل هو كذلك حقّا؟ يقول بعض النوفمبريين المختبئين داخل أردية الثّوريّة كما يعرّفها جنود بن علي في تلفزات تونس، أن الثورية تمسّك بدستور 2014. و يردّ عليه نوفمبريّ أشدّ حرصا على الإخبار و الوشاية، بأنّ الثّوريّة عمل على التنمية الجهوية و السؤال الاجتماعي و تحقّق الدستور الذي أنجزته الحرائر و تجنّد له المجتمع المدنيّ الشّهير... إنها مواصلة حفلة تبادل الشتائم بين النهضة و التجمع في أروقة مختلفة و بلاعبين أقلّ مهارة و أكثر مناورة و أبدع سفالة و ضعة. مازال التجمع و النهضة يتحالفان في سفارات امريكا و بريطانيا و فرنسا و يتعاركان في مجالس نسمة و تونس7. مازال المشهد جاثما على شعب الصّمت و القبول و الطأطأة. لا شيء يتحرّك ، و لا أحد. هدنة اجتماعيّة و مصالحة ستفرض في السنوات القادمة عودة صخر و بلحسن ، و سليم شيبوب قريبا. سماء دبي أو أرضها أو جهنّمها ، تستعدّ للعودة . و النّاس غير عابئين بغير سعر الغذاء. نحن أيضا نكتفي بالنقسام و زرع مسبّات خفيّة أو نقد مبطّن أو جراحة سطحيّة لألم مقيم. نحن أيضا أهل لنصوص تعرّينا و تكشفنا و تؤسس بنا للقادم. نحن نخشى بعضنا البعض. نعتقد جازمين بأنّ تروتسكي يختبئ بين أسنانا و أن مفرداتنا الصّارخة تتوعّد بأمميّة ما نسعى لفرضها خارج السّياق التاريخيّ و خارج رغباتنا أصلا. نخشى عبد الناصر في صيحات متألمة و نخشى ماركس في نقد صارم و نخشى لينين و ماو و نخشى الحركة. لا أحد يثق بالآخر هنا. جميعنا مكبّل ببيان القائد المفدّى، أو هكذا نعتقد و نجزم دون حجج. هي ثقافة التّنصّل و ثقافة التقوقع و عقد الثاقفة السائدة. يجب أن نفشل، حتّى نواصل النّقد و المسبّات. النّجاح احتمال غير منصف لذوات مكتنزة بالفشل . لدينا فلسفة فشل مقيمة و مؤبّدة فينا. خير أفكارنا كما أ،تجها بن نبي، تعتبرنا قابلين للاستنعمار، و ردّدنا معه هذه الفكرة السّخيفة العنصريّة الفاشلةن دون انتباه إلى إسقاطها اللاعلميّ. تسكننا مطذرقة نيتشه و لا نهتمّ منها لغير أنّها هدّامة بإطلاق، حتى و إن كانت منهجا للبناء أصلا. نحن عسكر الفشل و جبهته. و لا ينبت من أيادينا شيء . لندس هذه الذوات المتطلّعة الى القيادة و الهيمنة. و لنكن صرحاء لنبني جسمنا الثّوريّ. إنّنا مسؤولون عن تاريخ نعيشه و لا نفعل فيه. إننا مسؤولون عن موت نعبّئه في أكياس القمح و ننثره سمادا للقتل و إهلاك الحصاد لننتبه إلى قدرتنا على التّخريب، و لننتظم لنؤسس و لنقاوم و لنبني بالاستطاعة و القدرة التي سنتمكن منها. لننتظم وفق أسس و برنامج 17ديسمبر. و لنسقط كلّ البؤس النظري الذي أبّد فينا الفراغ و الثرثرة. لننتظم حتّى نقاوم ، و لننتظم جتى نتحرّك كقوّة تحمل مشروعا ، قوة تعبئة جماهيريّة ، و قوّة تغيير جذريّ.
#رضا_كارم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول الإصلاح التّربويّ
-
فوضى الأسئلة و مشروع السّؤال
-
امرأة مهمّشة ،إنسان مستعبد
-
بورقيبة التاريخي لا بورقيبة المفبرك في معامل الإديولوجيا
-
الجبهة الشّعبيّة بحاجة إلى -فضيلة القتل- أو عليها انتظار-رذي
...
-
المثلّث الخبري المعرفيّ : من يملك الحقيقة يسيطر على التّاريخ
...
-
23أكتوبر في مقاهي الهزيمة القرار، و الهزيمة المختارة
-
العشرون من مارس 56: بنود -استقلال دولة- أو شرعنة احتلالها؟من
...
-
لماذا هي كتابات أخرى؟ و لماذا يعلو الصّوت؟
-
التوافقات الطّبقيّة تشكيل من خارج دائرة الحرمان لموجبات عناص
...
-
لكن الكاميرا سقطت
-
المعركة عميقا ، الصّراع متواريا ، المقاومة هناك أيضا
-
17 ديسمبر يا 20 فبراير:معركتنا واحدة يا جماهير التغيير اللاط
...
-
فري كربول، فري عبد المجيد الشرفي
-
أيّ مشروع لأيّة صيرورة؟
-
ما معنى العمل بين الجماهير لتحريضها و تحريرها؟
-
الأول من ماي: ذاكرة الحرّية.
-
إرهابي بقناع قاض، إرهابي بمهنة بوليس
-
ثم صاح بأعلى صوته: حرّية، حرّية ،حرّية
-
الخبز و الماء أو نشيد الجوعى في محفل المقاومة.
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|