|
ما بين مالثوس وماركس
فؤاد النمري
الحوار المتمدن-العدد: 4940 - 2015 / 9 / 29 - 18:40
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
رفيق الإستنارة الدكتور كامل النجار كتب إلي يتساءل .. كيف يمكن أن يتحقق في الشيوعية مبدأ " من كل قدر طاقته ولكل حسب حاجته " ، بينما يؤكد مالثوس (Thomas Robert Malthus) (1766ـ 1834) أن التنمية تتحقق حسب متوالية عددية أي بنسبة 1، 2، 3، 4، بينما النمو السكاني يتحقق وفق متوالية هندسية أي بنسبة 1، 2، 4، 8، وهو ما يعود بالمجتمعات إلى الخلف ويعمق فيها الفقر طالما أن حياة الناس تعتمد كلياً على إنتاج أسباب الحياة وخاصة الغذاء (Livelihood) . لست أدري كيف أن رجلاً ذا علم في الإقتصاد السياسي ينتهي إلى مثل هذه الأطروحة الرجعية الهدامة وهو يرى بأم العين أن حال بريطانيا في الربع الأول من القرن التاسع عشر أفضل من حالها في الربع الأخير من القرن الثامن عشر في حين تضاعف عدد السكان خلال تلك الفترة من حياة مالثوس من 10 ملايين إلى أكثر من 20 مليوناً . اليوم نحن نرى التاريخ يسير عكس نظرية مالثوس حيث خلال القرن العشرين تضاعف سكان العالم أربعة أضعاف تقريباً إذ كان عدد سكان العالم في العام 1900 حوالي 1.6 مليار نسمة وقد تجاوز 6 مليارات في العام 2000 . نسبة الزيادة السنوية في عدد السكان لا تزيد في أحسن الحالات عن 2.5% بينما نسبة التنمية الاقتصادية تتجاوز 3% في أسوأ الحالات، فكيف يمكن أن يستوي هذا مع أطروحة مالثوس ؟ الصديق الدكتور النجار نفسه يعطي الإجابة الشافية على انتفاء نظرية مالثوس وقد قال .. " الصين التي كان يعاني أغلب سكانها من الفقر حتى في أيام ثورة ماوتسي تونج. والآن بعد أن تبنت الصين سياسة السوق الحر والاقتصاد الرأسمالي أصبح أغلب الصينيين يمتلكون السيارات ويسافرون بغرض السياحة " . نحن نتفق تماما مع ما قاله الصديق النجار من أن تغيير نمط الإنتاج في الصين عاد بالرفاه على الصينيين ؛ وفي هذا إعدام أية مصداقية لأطروحة مالثوس مع تحفظنا الشديد على رأسمالية الصين . كما يُستنتج مما جاء علية الدكتور النجار أن توماس مالثوس لم يكن قد تعرف على النظام الرأسمالي وقد اكتمل بنيانه في عهد ماركس وبيانه الشيوعي . لا مالثوس ولا مناظره ريكاردو كان قد تعرف على النظام الرأسمالي وتفاصيله الدقيقة كما تعرف عليه ماركس . لقد أكد ماركس نفسه أن أفضاله في علم الإقتصاد السياسي تركزت في نقطة واحدة فقط وهي إكنشافه لفائض القيمة (Surplus Value) في نظام الإنتاج الرأسمالي . إكتشف ماركس في هذا النظام أن قيمة إنتاج العامل البروليتاري تفيض عن قيمة أجره بمقدار ملحوظ الذي منه يتربح الرأسمالي وبغير هذا الربح لا يقوم النظام الرأسمالي أصلاً . من المفترض في الأجر أن يمكّن العامل البروليتاري من استعادة كامل قوى العمل في جسمه لكن قيمة إنتاج هذا العامل خلال 6 ساعات فقط تساوي قيمة الأجر أما قيمة إنتاجه في أي وقت إضافي فهي فائض القيمة الذي يؤول شرعاً إلى الرأسمالي . فائض القيمة الذي كشف عنه ماركس في النظام الرأسمالي يؤكد أن العامل ينتج أكثر مما يحتاج هو وعائلته ليؤمن إحتياجات عائلة أخرى، الأمر الذي ينقض أطروحة مالثوس حتى القاع . الحقيقة الكبرى التي أقام عليها كارل ماركس كل أبنيته هي بالإضامة إلى علم الديالكتيك الذي لا يمت بصلة لديالكتيك هيجل، خلافاً لما يعتقد العامة، بالإضافة إلى علم الديالكتيك، ولا أقول فلسفة الديالكتيك، هي قدرات النظام الرأسمالي في الانتاج بالجملة بأدوات إنتاج محملة بالتقنية . هذا النظام عالي الإنتاجية لم يسبقه نظام مثيل وهو أول نظام عالمي يحتضن العالم بأسره ولا بد أن ينقل العالم إلى مسار مختلف وحضارة مختلفة . من أهم الحقائق التي أبرزها نظام الإنتاج الرأسمالي هي العلاقة الديالكتيكية بين الإنسان من جهة وأدوات الإنتاج من جهة أخرى . ما كانت الحيوانات الشبيهة بالإنسان لتأخذ طريقها في الأنسنة إلا من خلال علاقة الانسان بأدوات الإنتاج حتى يمكن القول أن أدوات الإنتاج هي الإبنة الشرعية للإنسان والإنسان هو الإبن الشرعي لأدوات الإنتاج . ما برز أيضاً واضحاً في النظام الرأسمالي هو أن تطور طرفي هذه العلاقة الديالكتيكية أخذ فعلاً يتسارع لينعكس ذلك في تعالي الإنتاجية حتى تجاوز النمو السكاني بأضعاف مضاعفة . فالإنسان يتطور معرفياً وفنياً والآلة تتطور تقنياً والحصيلة فيض في الانتاج . ما تجدر الإشارة إليه ويدحض أطروحة مالثوس نهائياً هو أن النظام الرأسمالي الذي دخل مرحلة الإمبريالية في الربع الرابع من القرن التاسع عشر كان ذلك بسبب فيض الإنتاج في مراكز النظام الرأسمالي إذ كان لا بدّ من أجل ألا يختنق النظام غارقاً في فيض إنتاجه أن يتخلص من هذا الفيض بتصديره إلى أسواق خارجية . الحسنة الكبرى في النظام الرأسمالي هي الإنتاج الغزير (Mass Production) وهذه الحسنة هي ذاتها العلة القاتلة للنظام التي علاجها الوحيد هو الإمبريالية التي لا تنتهي إلا بانهيار النظام الرأسالي كما حدث مع إطلالة سبعينيات القرن الماضي . من هنا ينحو النظام الرأسمالي أثناء شيخوخته إلى الحد من كثافة الانتاج كيلا تصل به الحال إلة دورة كساد . ماركس رأى أن قوة الحياة في البشرية لا بدّ من أن تتخلص من مثل هذا الدور السلبي للنظام الرأسمالي بل وستزيد من طاقة الإنتاج في المجتمع عن طريق تحسين شروط العمل واستخدام كامل قوى العمل المتاحة في المجتمع وتطوير إنتاجية هذه القوى كما تحسين فعالية أدوات الإنتاج لتصب كل هذه السياسات في غمر المجتمع بالإنتاج فيمّحي نهائياً قانون القيمة وتصل البشرية بجموعها إلى المبدأ القائل .. من كل قدر طاقته ولكل حسب حاجته . كثيرون هم من يظنون أن هذا المبدأ هو من اليوتوبيا غير أن الوقائع في النظام الرأسمالي نفسه وتحرير هذا النظام من السياسات المعادية للجنس البشري تؤكد صحة هذا المبدأ . كانت الخطة الخممسية الخامسة التي أقرها المؤتمر العام للحزب الشيوعي في نهاية العام 1952 وألغاها العسكر في سبتمبر 1953 ستجعل من الاتحاد السوفياتي جنة الله على الأرض وتبرهن على صحة النظرية الماركسية المطلقة وسلامة المبدأ الشيوعي
#فؤاد_النمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسانيد (المانيفيستو الشيوعي اليوم) 5
-
أسانيد (المانيفيستو الشيوعي اليوم) 4
-
أسانيد (المانيفيستو الشيوعي اليوم) 3
-
وليد يوسف عطو يسب الشيوعيين بحماية الحوار المتمدن
-
أسانيد (المانيفيستو الشيوعي اليوم) -2-
-
أسانيد (المانيفيستو الشيوعي اليوم)
-
- الماركسيون - المنهزمون
-
المانيفيستو الشيوعي اليوم
-
إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني (مرة أخرى)
-
هروب العالم من الاستحقاق الإشتراكي (2)
-
هروب العالم من الاستحقاق الإشتراكي (1)
-
لا سياسة بلا اقتصاد (3)
-
لا سياسة بلا اقتصاد (2)
-
لا سياسة بلا اقتصاد (1)
-
خصوصية الماركسي الشيوعي
-
ما هو حقا -ما بعد الماركسية- (2)
-
ما هو حقاً -ما بعد الماركسية- !؟ (1)
-
ليس للماركسية ما قبلها أو ما بعدها (10)
-
ليس للماركسية ما قبلها أو ما بعدها (9)
-
ليس للماركسية ما قبلها أو ما بعدها (8)
المزيد.....
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
-
فيديو مروع يظهر هجوم كلب شرس على آخر أمام مالكه في الشارع
-
لبنان.. عشرات القتلى بالغارات الإسرائيلية بينهم 20 قتيلا وسط
...
-
عاصفة ثلجية تعطل الحياة في بنسلفانيا.. مدارس مغلقة وحركة الم
...
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة من الشرطة في هجوم قرب السفارة الإسرائ
...
-
اتفقت مع قاتل مأجور.. نائبة الرئيس الفلبيني تهدد علنا باغتيا
...
-
العثور على جثة الحاخام المفقود في الإمارات وتل أبيب تعتبر ال
...
-
سكوت ريتر: بايدن قادر على إشعال حرب نووية قبل تولي ترامب منص
...
-
شقيقة الملك تشارلز تحرج زوجته كاميلا وتمنعها من كسر البروتوك
...
-
خبير عسكري روسي: واشنطن أبلغت فرنسا وبريطانيا مباشرة بإطلاق
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|