|
الدار البيضاء : برنامج اعادة الاسكان بين المقاربة الكمية و الكيفية من خلال حالة -الرحمة و النسيم-
صديق عبد الوهاب
الحوار المتمدن-العدد: 4940 - 2015 / 9 / 29 - 04:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رغم كثرة الدراسات و الابحاث حول مدينة الدار البيضاء، الا ان الباحث الجغرافي يواجه ندرة و شح للمراجع بخصوص الاحواز البيضاوية، لاسيما مجالي الدراسة، حيث ان الدراسات التي انجزت حول النسيم و الرحمة محدودة جدا، باستثناء بعض ابحاث الدراسات العليا المعمقة،او ابحاث الاجازة. و من جهة ثانية فان الصعوبات التي واجهناها في الميدان،تتجلى اساسا في اجوبة بعض المبحوثين،عن الاسئلة المتعلقة بمداخيل الاسرة اثناء تعبئة الاستمارة ،فضلا عن بعض التخوفات، التي تجعلهم ينظرون الى الباحث كممثل للإدارة او كممثل بنكي.و من جهة ثالثة هنالك بعض المؤسسات و الادارات و تحديدا "الشركة الوطنية للتهيئة الجماعية "(SONADAC) التي رفضت التعامل مع الباحث بمجرد التعرف على موضوع الدراسة، و بالتالي لم نتمكن من الحصول على اي معلومة من هذه الادارة التي تعتبر عمليا المسؤولة عن اعادة الاسكان بحي النسيم. من اجل مقاربة الموضوع ،و الحصول على المعلومات الأساسية، ارتأينا تنويع منهجيتنا بين الكمية و الكيفية، ففي مدينة الرحمة: اعتمدنا كميا على وثيقة احصاء سكان الصفيح ،الذي انجزته وزارة الداخلية سنة ،1992 خولت لنا عملية قراءة هذه الوثيقة ،الاطلاع على معلومات جمة، تتعلق من جهة اولى بعدد أرباب الاسر المحصية، و عدد افراد الاسر المقيمين بالمساكن الصفيحية ، اضافة الى الحالة الزاوجية (عدد: المتزوجين – العازبين – المطلقين - الارامل) و كذلك عدد الاسر المركبة .و من جهة ثانية تمكننا خلال تفحصنا لهذا الاحصاء، من استخراج بيانات تتعلق بالمسكن الصفيحي، نذكر منها مثلا : ارقام البراريك المحصية، عدد ارقام البراريك المشطب عليها في لوائح الاحصاء، و اخرى تتوفر على ارقام مكررة ..الخ. و للتعرف على مجموع المستفيدين من قرض الفوكاريم (FOGARIM) ،اعتمدنا على معطيات، حصلنا عليها من المؤسسات البنكية المشاركة في المشروع ( البنك الشعبي و القرض العقاري والسياحي) ،فضلا عن عدد المتوقفين عن اداء الاقساط البنكية..و حسب معطيات حصلنا عليها من خلال شركة "ادماج سكن"، امكن لنا التعرف على عدد المرحلين،اضافة الى معطيات اخرى كمية ،من قبيل عدد الحالات العالقة ( عدد الابناء المتزوجين غير المحصيين الذين يرغبون في الاستفادة – عدد الذين هدموا البراريك و لم يستفيدوا بعد لعدم استيفائهم شروط الاستفادة ...)فضلا عن التعرف على عدد المستفيدين من البقع التجارية و البقع السكنية. و لقد ساعدتنا استمارة البحث على الحصول على معطيات كمية و كيفية من خلال اهم محاورها المتمثلة فيما يلي : على المستوى الكمي: عددالاطفال – عدد الافراد النشيطين داخل الاسرة - الدخل الشهري – المصاريف الشهرية و المساحة - عدد الغرف - المدة التي قضاها( بالنسبة للمسكنين القديم و الحالي)… على المستوى الكيفي: - معطيات سوسيوديمغرافية - سوسيومهنية و اقتصادية - المستوى الدراسي- الاصول الجغرافية لأرباب الاسر- احساس الاسر بعد الانتقال الى الحي الجديد – العلاقة مع الحي القديم – المقارنة بين الوضع السابق و الوضع الحالي– الاندماج في النسيج الجمعوي و السياسي.
وفيما يتعلق بحي النسيم ،ارتكزنا على عدد الاسر المرحلة الى هذا المجال،و لقد خولت لنا محاور الاستمارة المعتمدة، (انظر الخطاطة اعلاه) الحصول على معطيات كمية هامة. ان اعتماد هذه المقاربة ، كان له دورا فعالا في جمع المعطيات الكمية ذات الاهمية القصوى في انجاز هذا البحث. اما كيفيا: نشير في البداية، الى انه اتيحت لنا فرصة معاينة اوضاع احياء الصفيح المعنية بعملية الايواء في جميع مراحلها (قبل و اثناء و بعد عملية الاستفادة). ففي مرحلة ما قبل انطلاق عملية الترحيل ،فان المعاينة المباشرة للميدان ساعدتنا على تسليط الضوء على معاناة ساكنة هذه الاحياء، جراء عدم ربط هذه الاخيرة بشبكة الماء و الكهرباء و الاقتصار على" العوينات" (Bornes de fontaines) للتزود بالماء و الحفر(Fosses septiques) ،في عملية التطهير اضافة الى مشكل جمع النفايات، الذي يساهم في انتشار الامراض و الاوبئة و الروائح الكريهة، بل ان معاناة هذه الساكنة تزداد حدة خلال ارتفاع الحرارة صيفا وشدة البرودة شتاء.اما خلال مرحلة بدء عملية الاستفادة،فطالما ان شروط الاستفادة تفرض هدم البراكة، و كل بناء تابع لها من اجل الحصول على شهادة "الاستفادة " ،التي تخول للمستفيد التمتع بوثائق البناء (رخصة البناء –التصميم) يفرض على هؤلاء، البحث عن مأوى مؤقتا سواء عن طريق الكراء، او نقل افراد الاسرة الى مسقط الرأس (البادية) ،و ما قد يترتب عن ذلك من توقف للدراسة لدى الابناء( لاسيما و ان برمجة عملية الترحيل لم تأخذ مسألة التمدرس/الموسم الدراسي بعين الاعتبار، بل ان المؤسسات التعليمية، لم تكن كافية لاستقبال كل ابناء المرحليين) كل هذا اثقل كاهل الساكنة بمصاريف اضافية جديدة،و ادى الى ارتفاع الهدر المدرسي. بعد الحصول على وثائق البناء، يطرح مشكل التمويل، ذلك ان المؤسسات البنكية المعتمدة، ترفض منح قروض بالنسبة للأشخاص المسنين، لذا يتم تحويل او تغيير اسم المستفيد، اما الى الزوجة (غير المسنة) ،او الى احد الابناء، وهذا ينتج عنه مشاكل فيما بعد، بين افراد الاسرة. و اذا كان المشروع ينبني على قاعدة منح "بقعة لكل مستفيدين"، و رغم دعوة المعنيين مسبقا الى اختيار شريك مناسب، فان مشاكل مختلفة و متعددة نتجت عن هذه الشراكة وصلت احيانا الى نزاعات فرضت تدخل المسؤولين المحليين تارة، و البث فيها في المحاكم تارة اخرى. و في غياب تمويل ذاتي كافي، او امتناع المؤسسات البنكية منح قرض للمستفيد، او عدم رغبته في الاعتماد على هذه القروض سواء بدوافع دينية او بدوافع اخرى ... يلجأ المستفيدون الى حل اخر و هو تمويل "الشريك الثالث" الذي يتعاقد معهما كتابة عن كل تفاصيل البناءات و التجهيزات( نوعية الزليج، الصباغة ،نوعية الخشب ...الخ) من جهة، و تفاصيل استفادة كل من الشريكين الرئيسيين و الشريك الثالث ،و عادة ما يخصص لهذا الاخير المحل التجاري و الطابق الاول، فيما يستفيد كل شريك بشقة مجهزة، لكن الامر غالبا ما يفضي الى نتيجة غير ايجابية لاسيما اثناء عدم احترام بنود الاتفاق. نستنتج من خلال اعتماد هذه المقاربة ما يلي: اذا كانت الدولة تهدف من خلال عملية اعادة الاسكان، تحقيق الخلط، او الاندماج الاجتماعي (Mixité sociale) ، بناء على التفاعل و الانسجام، بين أفراد المدينة او الحي الجديد، و بالتالي العيش في اطار قيم مشتركة داخل هذا الوسط، فان الواقع مخالف لذلك، اذ يلاحظ مثلا، تسمية الاحياء و الجمعيات و المقاهي بنفس أسماء الدواوير السابقة (حي باشكو مقهى السكوم …) كما ان غياب الامن، يؤدي بين الفينة و الأخرى، الى نشوب صراعات بين شباب هذه الاحياء، وهذا يرجع مثلا الى احساس البعض انه اكثر تحضرا من ساكنة الدواوير ذات الاصل الهامشي. وتفاديا للعديد من المشاكل(كالعجز عن أداء الاقساط البنكية- ارتفاع مصاريف الماء و الكهرباء… ) لجأ البعض الى البيع و العودة الى مسقط الرأس، او شراء سكن عشوائي ،لان العيش بالسكن الاول – في نظره- غير مكلف و يتميز بقيم التضامن الاجتماعي، علاقات الجوار... وعلى مستوى سياسة الدولة، و في اطار ايواء قاطني دور الصفيح، تم خلق خلية للمواكبة الاجتماعية (التابعة لوكالة التنمية الاجتماعية (ADS)) بهدف مصاحبة السكان خلال مختلف مراحل الاستفادة . و من زاوية اخرى، فان ساكنة المدينة القديمة( التي تم اعادة اسكانها بحي النسيم) و من خلال العمل الميداني، استنتجنا انها تعاني من مشكل البعد عن مركز المدينة "الحي الاصلي" و اضيفت لها مصاريف جديدة (كالتنقل و تناول وجبة الغذاء خارج المنزل..) ، مما ادى بالبعض الى فقدان العمل، بسبب التأخر، او التخلي عنه، و بالتالي ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب. تنتشر في اوساط هذا الحي، مظاهر الفساد الاخلاقي، و الدعارة و التعاطي للمخدرات...الخ، هذا بالإضافة، الى النقص في بعض المرافق او انعدامها كالسوق و مجالات الترفيه.. و من ناحية اخرى فان هذه الساكنة، تتباهى بانتمائها الى المدينة القديمة، امام منكوبي "درب السلطان" و ساكنة الصفيح المحلية. في الختام نستنتج ان المزاوجة بين المقاربة الكمية و المقاربة الكيفية عملية منهجية مهمة و فعالة في البحث في مواضيع الجغرافيا الاجتماعية. المراجع : المناهج الكيفية في العلوم الاجتماعية (تنسيق المختار الهراس)،2002، منشورات كلية الاداب و العلوم الانسانية بالرباط – سلسلة ندوات و مناظرات رقم 100 . مناهج البحث في الوسط الريفي المغربي (تنسيق موسى كرزازي و محمد ايت حمزة) ،2004، منشورات كلية الاداب و العلوم الانسانية بالرباط – سلسلة ندوات و مناظرات رقم 113.
#صديق_عبد_الوهاب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النظريات المفسرة للمدينة و ضواحيها
-
مدينةالرحمة :بين ضعف التجهيزات و صعوبة تحقيق الاندماج الاجتم
...
-
المدينة المغربية: أي تخطيط حضري؟
-
السكن الصفيحي بالدار البيضاء(المغرب):من تعدد المفاهيم الى ال
...
-
الكيتوهات و المساكن المنخفضة الايجار والسكن الصفيحي :أية علا
...
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|