|
الحظ ... من فيض الخاطر للكاتب احمد امين
زاهر نصرت
الحوار المتمدن-العدد: 4939 - 2015 / 9 / 28 - 19:15
المحور:
الادب والفن
من كتابه الرائع فيض الخاطر .... اخترت هذه الخاطرة عن الحظ للكاتب الاستاذ احمد امين ، والحظ هو النصيب في اللغة يقول : من قديم والناس يتجادلون : هل في الدنيا شيء اسمه الحظ او هو مجرد وهم وخرافة ؟ وقد كنت قرأت قصة لطيفة في ذلك ، وهي ان ملكاً ووزيراً تجادلا مرة في هذا . اي في الحظ ! فأما الملك فقال : ليس في الدنيا حظ إنما هو سبب ومسبب وعمل ونتيجة . فالتاجر إذا نجح فبجده وبمعرفته قوانين الاقتصاد ، وإذا خاب فبكسله او إسرافه او جهله بأصول التجارة . والفلاح إذا نجح فلأنه جرى على أصول الزراعة ، حرث الارض جيداً وبذر فيها بذوراً نقية وسقاها في مواعيدها ونقاها مما يعلق بها ، وجاره اذا خابت زراعته فلأنه لم يتبع هذه القوانين . قال الوزير: ولكن قد نرى تاجرين احدهما متعلم على آخر نمط وصل اليه العلم الحديث . درس الجغرافية وعلم محاصيل البلاد ومنتجاتها ، ودرس علم الاقتصاد وعرف قانون العرض والطلب ومتى يرتفع السعر ومتى ينخفض ، ومع ذلك نراه تاجراً خائباً ، وزميله الذي لم يتعلم ويكاد يكون أمياً تاجر ناجح قد ربى ثروة كبيرة . وعندنا في مملكتنا أمثلة كثيرة لآباء جهلة كانوا ناجحين في تجارتهم وخلفوا أبناء علموهم على آخر طراز ، فلما تولوا تجارة آبائهم خابوا واضاعوا ثروتهم . اليس هذا ايها الملك الجليل هو الحظ ؟ الملك : ليس هذا حظاً ، وسبب نجاح الاب وخيبة الابن ان هناك علماً غير الذي في الكتب يكتسب بالتجارب فالاب الذي نجح قد عرف اخلاق الناس وعرف كيف يعاملهم وعرف ما يستهويهم وما ينفرهم ، فكان هذا سبب نجاحه . او تعلم من آبائه الا يتوسع الا على قدر رأس ماله ، ولا ينفق على نفسه وعلى اسرته الا ما هو اقل من ربحه ، ثم يجيء الابن المغرور بعلمه فلا يجامل الناس لان التجار في المملكة التي تعلم فيها لا يجاملون ، مع ان لكل مملكة عوائدها وتقاليدها ، او يتوسع في التجارة أكثر مما يحتمله رأس ماله اعتماداً على حساب تبين خطؤه ، او تغريه الملذات فينفق اكثر مما يربح فتكون النتيجة الفشل ثم يأتي الجهال فيسمون ذلك كله حظا . الوزير : ولكن هناك امثلة اعقد من هذه . قد نجد فلاحَين زرعا ارضهما في ميعاد واحد وبعناية واحدة وتربة الارض واحدة والبذور من نوع واحد وكل شيء واحد ثم نجحت زراعة احدهما ولم تنجح زراعة الاخر ، لا لشيء الا الحظ . رد الملك قائلاً : حتى ولا هذه - فلا بد ان يكون هنالك سبب كأن تكون بذور احدهما مبخرة والاخرى غير مبخرة ، او تكون في السماد البلدي الذي سمد به الثاني ارضه ميكروبات سببت فساد زراعته - واكثر مما يمكن ان يقال انه قد يكون هناك قوانين لم تستكشف بعد ، بسببها نجحت زراعة احدهما وفشلت زراعة الاخر ، فالمسألة ليست مسألة حظ ، ولكن مسألة قوانين طبيعية بعضها عرف وبعضها لم يعرف ، والناس يأتون فيسمون هذه القوانين التي لم تعرف حظا . الوزير : فما قول مولايَ الملك في شابين نزلا يستحمان في البحر فغرق من يعرف العوم ونجا من لا يعرف . الملك : لابد ايضاً من سبب ، فقد يكون من غرق إنما غرق لان قلبه وقف او لانه نزل البحر على امتلاء او اراد ان ينتحر او نحو ذلك من اسباب . وما زال الوزير يعترض والملك يجيب حتى تضايق الملك فقال : ان لم تأتني بدليل قاطع على وجود الحظ عزلتك . وساعد الحظ الوزير ، فلما اظلمت أمر ان يقبض على اول اثنين يسيران في الشارع فأتى بالرجلين فحبسهما الوزير في حجرة مظلمة . فأما احدهما فكان نشيطاً شجاعاً ، واما الاخر فكان كسولاً جباناً ، قعد الكسول في ركن من اركان الحجرة يبكي مما اصابه واخذ النشيط الشجاع يتحسس الحجرة لعله يجد فيها ما يأكله فوقعت يده على كيس ادخل فيه يده فوجده حباً ، ذاقه فوجده حمصاً ، فأخذ يأكل ، ومن حين لآخر تصطدم اضراسه بحصى يخرجها فيرمي بها صاحبه اللابد في الركن استهزاء به واستخفافاً ، فلما اصبح الصباح واشرق النور تبين ان الحجارة التي في حجر الكسلان الجبان قطع من افخر الماس وتكشفت الحال عن نشيط شجاع اكل حمصاً وكسلان جبان نال ماساً . فذهب الوزير الى الملك يقص عليه اكبر برهان على وجود الحظ في الدنيا . فقال الملك : آمنت ان في الدنيا حظاً بمقدار ما يوجد الماس في حمص . انتهت الحكاية ويعلق الكاتب احمد امين على ذلك فيقول : وفي الحق ان في الدنيا حظاً ، وانه اكثر قدراً من الماس في الحمص ، فهذه ترزق الجمال وهذه ترزق القبح ، وهذا يرزق الذكاء وهذا يرزق الغباء . واجلس في (( المترو )) في المقعد الضيق فأرزق بالرجل السمين الذي يحتاج الى (( مترو )) وحده ، ويركب الناس القطارات فتوزع الارزاق اشكالاً والوانا ، هذا محظوظ في مكانه وهذا منحوس في جيرانه . ويشتري مائة الف اوراق يا نصيب فيربح اقل الناس استحقاقاً ، ويخسر اكثرهم استحقاقا . ويسلم شخصاً على اخر فيسلمه ميكروباً ينغص عليه حياته اياماً ، ويتحدث شخص الى اخر فينجلي الحديث على شيء يكون سبباً لسعادته في الحياة . والطائرة تطير حتى اذا وصلت الى مكان ما تعطل محركها فسقطت على فلاح يجر جاموسته فقتلته وقتلت جاموسته ، وفي الارض ملايين الفلاحين يسحبون ملايين الجواميس ، ولكن هذا الفلاح بالذات وهذه الجاموسة بالذات هما اللذان يدركهما سوء الحظ ، وقد تكون الطائرة في الاصل غير مصوبة الى رأس الفلاح ولكنه يجري ليتقيها فيقع تحتها . وهكذا كل يوم آلاف وآلاف من الحوادث تجري ليس لها تعليل الا الحظ . ثم يقول الكاتب احمد امين انا مع الوزير ومع الملك في وجهة نظرهما : مع الوزير في ان في الدنيا حظاً وفي الدنيا اموراً لا يفسرها قانون السببية ، ومع الملك في ان الحظ لا يصح ان يعتمد عليه في الحياة ، فلا يصح للفلاح ان يعتمد في زراعته على الحظ ، وكذلك التاجر في تجارته والطالب في دراسته والصانع في صناعته والامة في مصيرها او في تسيير شؤونها . لكل انسان دائرتان في الحياة : دائرة العمل وهذه ينبغي ان يعتمد فيها على قانون السبب والمسبب ، والارتكان فيها على الحظ او البخت او القدر او نحو ذلك من الاسماء خطأ اي خطأ ، فإذا بذل الانسان اقصى جهده في عمله فهناك الدائرة الاخرى التي ليست في يدنا وانما هي في يد القدر او الحظ ، ولتكن ما تكون بعد ان يكون الانسان قد ارضى ضميره في بذل ما في وسعه .
#زاهر_نصرت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اسم لم يمت
-
العرب والحضارة
-
المعرفة والحياة
-
اولكا بطلة ستالينكراد
-
نحو فلسفة بحث علمي معاصر
-
تراثنا في ذمة التاريخ
-
مأزقنا الحضاري وازمتنا الفكرية
-
ماضينا الحافل لن يعود
-
البؤساء واوليفر تويست ... من جديد
-
التجسس والهيمنة الحضارية
-
ديمقراطية الفتنة
-
اختراع الاعداء
-
في ذكرى عيد الجيش العراقي ... جيش المآثر والبطولات
-
هكذا كنا ... وهكذا نحن ... وهكذا سنكون
-
العلم والاخلاق الانسانية
-
والدي العزيز
-
لأننا عراقيون
-
اين نحن من هؤلاء
-
اعدام الانسان العراقي مع سبق الإصرار والترصد
-
ثورة أكتوبر 1917 العظمى
المزيد.....
-
موسكو ومسقط توقعان بيان إطلاق مهرجان -المواسم الروسية- في سل
...
-
-أجمل كلمة في القاموس-.. -تعريفة- ترامب وتجارة الكلمات بين ل
...
-
-يا فؤادي لا تسل أين الهوى-...50 عاما على رحيل كوكب الشرق أم
...
-
تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
-
دي?يد لينتش المخرج السينمائي الأميركي.. وداعاً!
-
مالية الإقليم تقول إنها تقترب من حل المشاكل الفنية مع المالي
...
-
ما حقيقة الفيديو المتداول لـ-المترجمة الغامضة- الموظفة في مك
...
-
مصر.. السلطات تتحرك بعد انتحار موظف في دار الأوبرا
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|