أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - تحليق على سطر الهامش / قصة قصيرة














المزيد.....

تحليق على سطر الهامش / قصة قصيرة


عبدالكريم الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 4934 - 2015 / 9 / 23 - 22:31
المحور: الادب والفن
    


تحليق على سطر الهامش

هناك حيث مقاهي الظلّ، ضجيج أسى وأحلام يقظة تحلّق في مستنقعات يابسة، منفعلة بأوهام التخيلات، ثمة مقهى تقع في طرف زقاق منسي، تعجّ بالحالمين، ينتظرون إطلالة مندوب أستوديو الإنتاج كلّ يوم، علّه يشير بسبابته على أحدهم؛ ليؤدي دوراً صغيراً في فلم، أو دوراً هامشياً على خشبة المسرح، أي دور كان، خليفة، تاجراً، سكّيراً، مليونيراً، جندياً، أي دور حتى لو كان قوّاداً، كانوا مهووسين بالسينما، يتقاضون أقلّ الأجور ليسدّوا رمق الإفلاس، لا أحدّ منهم يستطيع الفكاك من أسر العيش في الظلّ، يتنفسون أحلامهم خلف الكواليس، إلّا هو، كان يحلم أن يكون نجماً، لكنّه لم يفلح، كان منسيّاً، منفياً، يفكّر في تزيين صومعته، قابعاً في صمته، محدّقاً في سقف الزمن، يرمي حجراً في الفراغ، يتوسل أحلامه لمّا بدا يجوس قتامة الخريف. يطلّ على عالمه المنتظر من ثقب إبرة، يرتدي ثوب الكُمبارس منذ عشرين عاماً، يمتطي الحلم حصاناً في ميدان المتاهة والضياع. كثيرون فتحت لهم أبواب السماء، اعتلوا صهوة المجد صدفة، وآخرون لفّهم نسيج العنكبوت ليخوضوا في وحل النسيان. يفتضّ صوتُ أحدهم صمته:
- الريجسير* قادم.
تشرئب الأعناق، الأبصار تمتدّ نحو باب المقهى، تنطلق الأحلام مرفرفة بأمل دور صغير، بيد أنّه تجاوز الجميع، أسمع وقع خطواته، أتوكّأ على التفاتة أمل، تتهودج نظراته فوق ملامحي، رعشة تسري في جسدي، أتأرجح على خيط نور، فأنا ما زلت وسيماً، حاذقاً، أتقنت كلّ الأدوار المذلّة، تلقيت صفعات وسباب حتى لامسني الجنون، يأسرني الصوت:
- أنت .
أرتكن إلى نرجسة الروح؛ كي لا أنطفئ، مختلطاً بتلة من الهواجس، لأبقى صامتاً رغم دهشة الحضور، حدّق الرجل في وجهي مبتسماً على غير عادته، يتفرّس ملامحي، وكأنّه يمعن النظر في مرآة لم يرها من قبل، جلس لصقي، ناولني حزمة من الورق، أكبحُ استغرابي، لهفتي، لمعرفة الدور، أفكر بقلق شديد، عشرات الأدوار أسندت إليّ، لم تتجاوز جملة، جملتين، مشهداً صغيراً، مشهدين، فما بال هذه الأوراق؟. يقدّ صمتي بصوت أقرب للهمس:
- أنت محظوظ، أنا واثق أنّك لا تخيّب ظنّي.
- وهل خيّبت ظنّك من قبل؟
- الأمر مختلف، ستلعب دور البطولة هذه المرة أمام " كاميليا"، لا تبرح مكانك.
" الكُمبارس" عنوان جميل، يسرق ابتسامة شفيفة من شفتيه الملتهبتين بالصمت، يبدو أنّي ما زلت على قيد الحياة ، تنفتح له كوة، يطلّ على مقهى النجوم، ينظر عبر الممر المؤدي إلى معبد الجمال، معبد منثور بالزهور، ينثّ سحراً، تظهر له كاميليا بكامل زينتها، كانت تنتظره، يحدّق فيها، يشمّ عطرها عن بعد، ابتسامتها، شفتاها المنقوعتان بماء الورد، بياضها، يجرح شغاف قلبه، يبهج حواسه، سأقيم عزاءً لكلّ ذكرياتي النابضة بالجفاف على شرفة رقّتها، شرفة مغطّاة بالنرجس وزنابق الدفء، وأمارس بعض جنوني في جلال يليق بروحي التائقة للتوهج، أكاد أقترب منها، أختلس همسة عطرها، أتعرى شوقاً لأنفاس رعشتي، سرور وحشي ينتابني، تستعر فتنتها، تحتلّني ابتسامتها، أرتعد من ذات الصوت:
- الريجسير قادم.
أهرع إلى باب المقهى، الحالمون يحلّقون حول فجر أمنية، يَتْلون رغبات بسيطة، مندوب استوديو الانتاج يحرث ملامح الحضور بنظراته، يشير إلى أحدهم بطرف سبابته، تنطلق السيارة وسط ذهولي، العرق يتصبّب من جبهتي، أرتطم بوجه الحيرة، ألتفت إلى يمين الوجع، أحدّق في اللافتة المنتصبة وسط الجدار، أقرأ حروفها بالمقلوب "مقهى النكرات"، أغرق في صمت يبوح بالدموع، يسكرني كأس الخيبة،
" هل الحلم خرافة؟، أيمكن أن يكون حقيقة ذات يوم؟ ". قهقه بصوت عالٍ،
" أنّى للثمل أن يحلم ولمّا يتبين الخيط الأبيض من خيط النسيان؟".
يمضي وحيداً في أساه، يحصي تخوم الذكريات، تتزاحم خلفه أزمنة شائهة، كان الطريق أضيق من خطواته.



#عبدالكريم_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قرابين البحر
- سروال داخلي
- ((اللغة الشعرية و حوارية القصة القصيرة ))/ دراسة نقدية معمّق ...
- امرأة القمر / قصة قصيرة
- المعبر
- لإيروس قصيدة مغنَّاة: قراءة مفاهيمية ورؤية في التجسيد الراسم ...
- الإيروس قصيدة مغنَّاة: قراءة مفاهيمية ورؤية في التجسيد الراس ...
- (( الواقع والشاعرية في ... هبوط عابر )) دراسة نقدية لقصة ( ه ...
- استفزاز الذاكرة في (ما بعد الخريف) دراسة نقدية للمجموعة القص ...
- غرائبية اللغة والحدث في نص ( ارتعاشة آخر ليلة ) للقاص عبدالك ...
- ( أنخاب ) / قصة قصيرة
- ( مرايا الشيب ) نص يؤسس لنمط مميز في السرد
- بلاغة الغموض في رسائل الموتى / دراسة نقدية - بقلم الناقد الم ...
- ( مدارج العتمة )
- ( الرفيق ديونيسوس )
- في قباء الكوابيس
- رفيف التجلي
- عند منعطف النسيان
- لمّا أوغلَ فيَّ الفراغ
- في مُقام التجلي


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - تحليق على سطر الهامش / قصة قصيرة