|
جدلية الخراب ودنان الذات /قراءة في قصيدة خذلان/للشاعرة أمينة اغتامي
عواد كاظم الغزي
الحوار المتمدن-العدد: 4934 - 2015 / 9 / 23 - 02:27
المحور:
الادب والفن
(جدلية الخراب ودنان الذات/قراءة في قصيدة/خذلان /للشاعرة أمينة اغتامي). بقلم الدكتور عواد كاظم الغزي/جامعة ذي قار/العراق ...................................................................
يحشد النص انساقا بنائية عدة تمور بها دلالات متلاقية تارة ومتضادة تارة اخرى. ويكمن لقارئ النص أن يحدد الأنساق البنائية في النص وتحديد مسارات الدلالة بوساطة استكناه البنية الأسلوبية. وأول تلك البنيات الأسلوبية هي علاقة المسند بالمسند إليه: غيمة بيضاء... اختقنتت.. إن الفعل أسند الى فاعل ليس بإرادته فلا يمكن أن يكون الفاعل قائما بفعله لذاته. وكما أن التناسل الأسلوبي للفعل يوجب التراتب التركيبي في البناء: ذرفت دمعة... بلورية سقطت في عش غيمة رمادية.. ذلك أن سقوط الدمعة البلورية فعل أسند الى فاعل لايقوم بفعل السقوط بإرادته. ومن ثم يستمر التركيب الأسلوبي في استباحة البنية النصية: شهقت.. ذرفت دمعة فضية.. إذ لايمكن للدمعة أن تشهق أو تذرف بإرادتها، بل أسند الفعل إليها لإتمام النسق التركيبي الذي يطرد في البنية التركيبية أسلوبيا: اهتاجت غيوم سوداء ولم يكتف النص بالانصياع أسلوبيا لفاعل واحد أسند اليه الفعل من دون إرادة بل يستدعي فاعلين آخرين: تكومت في حجرها الحمم..
أو أن يكون التركيب اللغوي أسلوبيا ساندا الفعل إلى فاعل جمعي من دون إرادة:
تتابع الهمر..
أو :
يعلو الدجل..
أو:
تساقطت أحجاره النفيسة..
أو:
ذات قهقهة أضاءت مدائن النعاس..
ومن ثم يعود الفاعل الذي لايمتلك إرادته إلى الظهور ثانية في أسلوبية التركيب اللغوية:
تقيأ البحر دما..
ويتناوب في الظهور مع الفاعل الجمعي:
خاصمتها الظلال..
إن وجود مسند ومسند إليه من غير إرادة لم يكن اعتباطيا، وإنما جاء بوصفه بنية أسلوبية تجثم على دلالة قارة تشي بتعاضد الفواعل الإفرادية والجمعية، لتسمو إلى مرتبة الفاعل الحقيقي الذي يمتلك الإرادة للقيام بفعله. ولايستطيع التحليل الأسلوبي كشف هذا مالم يستقصي البنية الأسلوبية للأنساق الأخرى. ذلك انه ثمة نسق لوني يهمين على بنية النص الاسلوبية:
غيمة بيضاء...
ذرفت دمعة .. بلورية سقطت في عش غيمة رمادية..
ومن ثم تتسلل إلى النص الألوان الهجينة:
ذرفت دمعة فضية..
ولايغفل النص الألوان الواشية بدلالة عميقة على البؤس والحزن:
اهتاجت غيوم سوداء.. ......... دمعة سوداء دمعة خضراء دمعة حمراء
إن محاولة استكناه الدلالة اللونية يحيل إلى النقاء والعتمة من جهة، والطهر والدنس من جهة أخرى. إذ كانت الغيمة البيضاء ربابا محملا بنبوءات نقية وطاهرة، وبفعل الاحتقان تناسلت دموعا بلورية قادرة على حمل جزء من ثيمة الطهر والنقاء. ويظهر النص تحولات أسلوبية في نسق الألوان، فالدمعة البلورية سقطت في بؤرة من غير حواضنها وهي الغيمة الرمادية. وفي ذلك تناقض لوني بين اللون الرمادي واللون البلوري، وكلاهما يتناسل من لون ناصع الوضوح. ولا ينزاح النص عن بنية التناقض في إظهار خراب فعلي، وعلى الرغم من سقوط الدمعة البلورية في عش الغيمة الرمادية الا انها لازالت تحتفظ ببقايا جنسها الأبيض. اذ:
ذرفت دمعة فضية..
ويأخذ نسق الخراب بالتبلور أسلوبيا في امتلاك دلالته:
اهتاجت غيوم سوداء..
ومن ثم يعلن النص أسلوبيا هيمنة اللون الاسود على الألوان الأخرى:
دمعة سوداء دمعة خضراء دمعة حمراء
إن الاحتشاد اللوني في بينية النص يحيل دلاليا إلى احتشاد ثيمة الخراب في اللون الأسود. وصيرورة الألوان الاخرى مندغمة فيه من دون وضوح ونقاء. فالطهر والنقاء الذي تحمله الالوان النقية صار من دون إرادته جزءا من أيقونة الخراب في دلالة اللون الأسود على الدنس.
ولاشك أن ظهور النقاء والصفاء من جهة والدنس من جهة أخرى يلمح إلى همينة دلالة على أخرى. وفي الهيمنة يتحقق اتجاه النص أسلوبيا إلى اثبات أيقونة الخراب وترسيخ قدرة الفاعل غير الحائز لإرادته على القيام بالفعل. ومن ثم يتجه مسار النص أسلوبيا إلى الوشاية بما عتمه في النسقين السابقين، إذ يأتي الوطن خلاصة بؤرة تتجه إليها الأنساق البنائية أسلوبيا:
في زمننا الهلامي.. الملائكة.. تتوضأ بالملح
إن ثيمة الوطن هي دلالة الغياب الملائكي والجفاء الانتمائي والنكوص عن إرادة الفاعل الحقيقي الإنسان:
والوطن خاتم في اصبع... تساقطت احجاره النفيسة ليلة اللجوء ..
إن الفاعل الحقيقي الذي غيبت إرادته هو الإنسان الملائكي الذي توضأ بالملح، وعكف على النكوص عن دوره الحقيقي في ريادة الحياة، ليكون الخراب هو النسق الرابع الذي يشكل بنية النص أسلوبيا:
ونميمة الصباح في النشرات الرئيسة تمج خرابا استشرى كالوباء ..
مما مهد لوجود فاعل آخر بغير إرادته:
تقيأ البحر دما..
وهذا الفاعل مهد أسلوبيا لترسيخ الدلالة التي يحملها النص وتتعاضد الانساق من أجل هيمنتها:
لاشيء... غير حزن منهمر
وفي هاتيك الرسوخ الدلالي تتجلى بنية الخراب علنا، إذ كان الفاعل بغير إرادته في النسق الأول يتمثل في الظلم والقهر ومداهمة الانسان في زمنه ،ويرتفع الى مرتبة الفاعل الحقيقي في القيام بفعله. ويؤازر ذلك الفاعل نسق لوني يعتم الوضوح ويشيع الدنس وعدم الظهر والنقاء . ويكون الوطن فضاء وقوع الفعل للفاعل المدنس الذي يصارع الانسان من أجل الهيمنة على زمن الوجود، فيحاول الفاعل الحقيقي أن يستبدل فضاء الوطن بفضاء آخر، ويكون البحر هو الفاعل الآخر الذي لايمتلك إرادته مساهما في قهر زمن الوجود الإنساني وشياع الحزن والقهر، وتتهاوى البلورات والغيمة البيضاء في ضبابية الوهن والسواد وضياع المصير في منافي البحار، وتضيع البلورة النقية في لجة البحر، ويهيمن زمن الشتات وضياع المصير والدنس، ويغدو الوطن طاردا بلورات البرد ومانحا نهاية الوجود، ويعم الدنس صباحات البلاد اليائسة، فيوحش المكان وتنتهي رحلة الحياة في الحمم والجحيم الذي يؤصله رسوخ السواد ،ونمنمة عدم الصفاء وكدر الوجود في عش رمادي اللون يؤرخ للموت من أجل الحياة واستبدال الوطن بحرية الخيال. ........................................ الدكتور كاظم عواد الغزي/جامعة ذي قار/العراق
#عواد_كاظم_الغزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شبقية الصراع وعتمة الضياع في نص حفريات على جبين القمر للشاعر
...
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|