|
ناسك في دير الحرف 2
جميل حسين عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 4926 - 2015 / 9 / 15 - 14:32
المحور:
الادب والفن
رقم 7 طريق الفيلسوف إلى المعرفة دليل العقل، وطريق الحكيم برهان القلب. ولا نقاء للعقل بين نيران الحيرة، ولا صفاء للعقل بدون حجة القلب. ومن ابتغى المعرفة بغير خبرة عشقه، فقد تاه بين المجاهل بظنون نظره. رقم 8 شحرور على فنن شجرة يغرد، وغراب على قنن جبل ينعق. طربت لهذا الصوت الرخيم، وعشقت انسيابه بين الأفق الكليم. وقفت ذاهلا بين الصوتين وواجما، أردد في غوري صدى أنشودة تطوي طول المدى بآمال تهتف بالخلاص المبين، ثم يهاجمني النعيق بصداه بين آجام صحراء موغلة في الغلمة، والوحشة. فليتني أُطيق أن أغلق أذني على حنان ذلك الصوت المرغوب عندي، لئلا أسمع بعده كلاما يردده غيري، وإن لم يتم وصف ذلك بلغتي، فهي عندي فوق حسي. لكنني كنت حسيرا، وكسيرا، وعلتي في زللي، ووضري في خطلي. تمنيت مغرما لا يمدني بحبائه، إلا لكي يقودني إلى مغرمي. ولولت، وأعولت، وعيناي معلقتان بالفضاء، أنتظر ما ينفصل عنها من هباء. ظننت ظنا غير موقن فيها، لكنني كنت أحس بنجوم تفارق السماء، فتستوطن صدري بلا اتقاء. فهل صار إذني لها فرضا لازبا لكي تنال بذريعته حوزتي، وجوزتي.؟ تلك هي أقصوصة ذكروها في منثور أقوال الغابرين. وأنى لي أن أعيد زمنها إلى حياة فقدت عشق الواصلين. فآه، آه، فالزمن يغدو في جسامة مخازيه رديئا، ومن شدة حسرتي عليه صار ألمي فيه رحيبا. سنوات مرت مطهمة بالحزن على اختباري بسطوة اللواعج.! انصرم عني الأمن بين الحياض، وانبثق الحزن بين الرياض. صدعت بين أمداء نظراتي حروف حكايات تغور، وتفور، وهي لا تنجب في عمقي ما كان بالأمس جمالا، وكمالا. وقفت على شط الوادي متأملا تعبير الأشياء عن وصفها، ولونها، فإذا بشيخ بهي الطلعة يناديني بصوت شجي، ويقول لي: يا بني: هكذا أصوات الكون بين نبض الزمن المبلل بعيون السكارى. فهمت السر من طفرات الغزالة بين الربى، والكثبان، وعلمت أنني في سيري نحو ما وراء ذلك البارز من الآكام، والآجام، لن أعدو تشاحن الصوتين في صدري الحزين، ولن أخلو بنفسي لصوت إلا ونادني صوت آخر منقوش في طبعي الحرون. فكيف الخلاص يا سيدي من علة أزرت بطب الطبيب. انتظرته سنين طويلة عند مدرجة الدير، وأنا لا أقطع نَفَسا إلا واشتاقت نفسي إلى ما بعده. وفي لحظة من لحظات سكري، شاهدته بهيأته البهية، والزمن لم يغير من لمحه، ونظره، فقال: لا تعاند أوزان الصوتين في قافية ذاتك، بل فجر من عمقك صوتا تحبه، فإن نزف بين الأكوار، والأطوار، كنت به موجودا في مذهب العشق. فما أشقاني، وأذني مفتوحتان إلى جهات أبعادي.؟ كم مر معي من زمن أصد عنهما جلبة الديار، وأبني لي وكرا من قش على طلل بال. لكن أنى لي أن أسكت، ولا أن أصمت. جرتني أقداري إلى مدن مترعة بالعجيج، والضجيج. فقلت: كيف سأصم، أو أبكم، وأنا لا أتاجر في سبيلي إلا بصوت ناي كسدت أعواده، وأذواقه. تاه بي الألم، طمأنت نفسي عساها أن تكسوني برداء البراءة، والطفولة. فأين الشحرور بين غابة الغربان.,؟ وأين ذلك الشيخ البهي الصورة بين الأشباح.؟ ازدادت لهفتي، ولوعتي، وتخيلت أن أقدامهما محرمة على الأماكن المطلولة بدماء الأجساد المخذولة الأرواح. هكذا كان ظني، ووهمي. لكنني وبين ضجيج زقاق عتيق، والمارة يتحدثون، والباعة يصرخون، والسابلة يستنجدون، رأيت شحرورا حسيرا بين قضبان قفص نحاسي، وعلى باب الدكان شيخ ناصع البياض، ذكرني هذا المشهد بما رأيته بين مراعي قريتي، لكن لم يقع الشبه على الشبه، فهل ما أراه محض خيال.؟ أم هو عين الحقيقة.؟ تناثرت على سطح عقلي أفكار، وأوهام، وحدوس.! كلا، بل الشحرور هو الطائر عينه. فلم فارق فسيح المدى، وغدا مملوكا للآلام الغريبة.؟ صرفت نظري عن الدكان، ثم سرحت عيني بين الآفاق، استهدي صمتا مما يموج حولي من خلائق، لكن الكون يخور بالأصوات المتعالية. عجيب كيف ضج وجودي بالبكاء، والأنين، والزفير. عجيب، عجيب. غبت بين الملامح، والمعالم، وسئمت تعب الدوران حول نفسي، وطارت ريشة ذكرياتي نحو ماض سحيق. مر زمن غير يسير، فسمعت الشحرور يغرد بصوت رخيم بين أرجاء الكون. أدرت وجهي نحوه. فإذا بالشيخ المتورد الجبين يقول، وكأنه يخاطبني، لا بل يحادثني، ويناجيني، ويقول: يا بني، هل فجرت في عمقك صوتك.؟ أجل، فجرت في عمقي صوتا ينزف بحرفي، ولا أسمع سواه في صرير أقلامي. يا بني: إن الشحرور طبعه الغناء، ولو قدر له أن يعيش حبيسا، وسجينا. هكذا أدركت أن مكنون لغتي في عمقي، هو أنشودة حياتي. ومتى تاه صوتي عن ناي باطني، تجددت أصوات الصاخبين حولي. أجل، فالشحرور شجرته في غوري، والشيخ قبته في عمقي، وأنا لا وجود لي إلا في داخلي، وإذا انفصلت حقيقتي إلى حقائق عندي، ابتعت هوان الذلة بكيس كسادي. فآه، آه، كم أهاجني صوت الشحرور، وناي الراعي، وصوت الحادي. فهل من فتوى تجيز الهروب نحو همس القباب الموشجة بنقوش الدير.؟ رقم 9 أن تعيش بلا صفة، فذاك مقام أعلى. إذ لا يبحث عن بزة الصفات إلا فاقدها. ولا يدعيها إلا من حرم جمالها. وإذا ما لم يستو المدح والذم بها، فأنت موجود بذاتك لا فيها. رقم 10 سواء شئت، أو لم تشأ، وسواء أقررت، أو لم تقر، فنحن موجودون هنا قبل أن يمر الطين على الماء، ويمتزج الماء بالنار. فلم تغتالني لكي تبقى وحيد الدار بلا منازع.؟ سئمت طمس الديار بين الواحات، وقطع الورد على الطرقات، وزرع الشوك على المنابع الثرات.! فليتك ترضى، وغيرك منك في مأمن. لكن أنى لك أن ترضى، وقد اغتص منك الفؤاد بفواجع المواجد.؟ لو تركت خيط الود فيما بيننا، لرفعنا بين الدروب راية السلام.! لم ترفع للأمل بين بؤسنا همة قعساء، ولم تعرب عن مجد غدا وئيدا بين البأساء. بل نسفت الأشجار، وقلعت الأحجار، وصارت بك الأماكن خرابا يبابا. فمن أنت بين تواريخ الأشقياء.؟ لم تكن بانيا حتى نكتب سطر المنى بمداد عشقنا، ولم تكن أمينا حتى لا نخشى بائقة مكرك بين علل حياتنا. بل كنت غرا يقودنا بسياط المجانين. فبقيت هنا موجودا بلا نكير، وغدونا مع زمن اليأس عدما بلا رغب الآمنين. فواعجبا، كيف دمعت عيناك لميت، ولم يفجع قلبك أنين البائسين. رقم 11 منذ زمان ونحن نتنظر، وقد أذن مؤذن الرحيل بين القباب المضرجة بالمنى الفارغة، فإلى أين المسير.؟ ربما سنجثو على الركب نحو مصير مجهول النسب بين عالم غامض الملامح، لا قادم من غائره حتى يحكي عن هدوئه، أو عن صخبه. ربما إن عدنا، فإننا سنروي بأصح الأسانيد عما برز لنا بين حطيمه من آمال، وآلام، وإن لم نعد، فحسبنا أن يكون جثماننا شاهدا على غربتنا بين أقوام أنكروا محاسن بدايتنا، وأوقدوا مجامر بخور نهايتنا. رقم 12 أنا جوال بين الضراح المسكونة بوجع الحقيقة، وحامل قارورة عطر في كيسي. لكن عيون اللصوص تمنعني من شم ما فيها من زكي الرائحة الجلية. ففؤادي يصطلي بنار شك لا يدركه أقرب جزء إلى كليتي. فلم الفرار، وأنا غريب بين برية الغياب.؟ فحين أسير، وظلي يقتدي بي، لا أجد ما على الخوان من طري المآكل إلا بؤسا، ويأسا، ولا أحس بما يموج حولي من هرطقات إلا سفاسف يصخب بها المثرثرون بالفداء، والخلاص. وإذا تغرغرت عيناي بالدموع الثرة، لا أنفك عن نظر تحوطه ملامح سيد يلتهم حبات عنب من عنقود تدلى على حائط بستان مونِق الأطراف، والحواشي. لكن لو رسمت لذلك الملاك صورة فارس يمتطي صهوة فرس مطهم بالبهاء، وصرت بها حفيا، فكيف لا أقبل ما يجود به عصر هذا النهار من عطاء.؟ ذلك الملاك الذي عبَّد جوارحي، لم أشهد عليه ملامح الآدميين، بل كان رفيقي في زمن اللئام، والفدام، وهم يجرون الذيل نحو كسرة خبر نتنة، ويخبون نحو عفن يشربون صديده، وفحيحه. فحسبي أنني قبلت لقمة من فمه المترنح بنشوة الخمرة الأزلية. فهو ملاكي، ومالكي، ونور روحي، وغذاء حياتي، فكيف لا يأسرني بمنته، وقد جالسته على حصير الذكريات المنقضية قبل وجود البشر على أرض السواد الظالم، والغاشم.؟ لو لم أرض به بديلا عن غيره في عوالم خفائه، فلن يكون لي بين دنياي أمل في حياتي، ولو لم أخف سره بصمت لساني عن لاعج قلبي، لما ثنيت قصائدي عن ترداد محاسنه، ومفاتنه.
#جميل_حسين_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقالات في التصوف
-
حقيقة المجرم
-
مفهوم الحقيقة
-
إزالة الإبلاس عن معاني الإرجاس
-
أفكار مسوقة (الجزء السادس)
-
أفكار مسروقة (الجزء الخامس)
-
أفكار مسروقة الجزء الرابع
-
أفكار مسروقة (الجزء الثالث)
-
أفكار مسروقة (الجزء الثاني)
-
أفكار مسروقة (الجزء الأول)
-
صرخة براءة صغير
-
همم الحكماء، وذمم السفهاء
-
تعدد الزوجات بين فحوى النص، وفوضى اللص.
-
دموع الجمعة
-
رسالة حب إلى أوشو
-
تأملات في خلفية داعش
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|