طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 4926 - 2015 / 9 / 15 - 00:58
المحور:
الطب , والعلوم
أعلن الزعيم الجديد لحزب العمال البريطاني، جيريمي كوربين، عن تعيين وزير للصحة النفسية في مجلس وزرائه (1).
المنصب الجديد، الذي لا نظير له في حكومة المحافظين، سيتم شغله من قبل لوسيانا بيرغر، التي ستعمل مباشرة على قضايا الصحة العقلية والنظر في الكيفية الافضل لمعالجة قضاياها ضمن الخدمات الصحية الوطنية البريطانية (NHS).
يقول كوربين:
"يسعدني أننا اوجدنا منصب وزير للصحة النفسية وهي مسألة كنت مهتما بها لفترة طويلة."
في خطاب ألقاه أمام البرلمان في فبراير، وصف كوربين موقفه تجاه الصحة العقلية واسباب اهتمامه البالغ بها.
يقول كوربين:
"كل واحد منا يمكن أن يصاب بالاكتئاب. وكل واحد منا يعرف اشخاصا يعانون من اضطرابات نفسية, وزارهم اثناء اقامتهم في المصحات النفسية, حيث تعافوا تماما وعادوا للعمل واستمروا في حياتهم الطبيعية".
ويضيف:
"أحلم باليوم الذي يصبح هذا البلد (بريطانيا) متقبلا للامراض النفسية كما هو الحال في بعض الدول الاسكندنافية, حيث تم إعطاء رئيس وزراء احدى هذه الدول اجازة مرضية لستة أشهر من أجل التعافي من الاكتئاب، وبدلا من أن يطرد من منصبه كما لو حدث ذلك في العديد من المناسبات الأخرى".
قضى كوربين أول يوم له كرئيس بحضور جمع التبرعات التي نظمها له فرع NHS المحلية للصحة العقلية. يؤكد كوربين على ان اهم مشكلة تواجهها الخدمات الصحية الحكومية البريطانية هي عدم الحصول على العلاج النفسي "الملائم في الوقت المناسب"، إلى جانب مشاكل متعلقة بالاعتراف بالإعاقة العقلية من قبل وزارة العمل والمعاشات.
يؤكد كوربين بحق "إذا كان للمريض إعاقة جسدية، فإنه عادة ما تكون هذه واضحة تماما، ويمكن قياسها كميا، ونأمل أن تؤخذ بعين الاعتبار هذه الامور في كيفية إجراءات الفحص والاختبارات النفسية. إذا كان شخص ما لديه حالة تتعلق بصحتة العقلية، فإنه ليس امرا واضحا تماما ولا يمكن قياسه كميا بسهولة." و"هناك عدد كبير جدا من الحالات التي تكون فيها مستويات التوتر لا تصدق بالنسبة للأشخاص الذين اضطروا إلى الخضوع لهذه الاختبارات."
واذا كان استحداث وزير للصحة العقلية في بريطانيا امر له اهميته ومبرراته, فان, باعتقادي, ايجاد منصب وزير للصحة العقلية في العراق يكتسب اهمية اكبر وان مبرراته اكثر الحاحا.
لا توجد احصائيات دقيقة عن حجم الدمار البشري الذي تعرض له العراق في سنوات بعد الاحتلال. ولكن احصائيات تقريبية تعطينا فكرة لا بأس بها عن حجم هذا الدمار الناتح عن الحرب والارهاب (5-2). فالاحصائيات التي اجرتها جهات مختلفة تضع حجم الخسائر البشرية منذ 2003 ما بين 60000 الى 600000, واغلب الاحصائيات تتحدث عن عدد يتراوح 170000-110000, نصفهم تقريبا من المدنيين.
اما بصدد المعتقلين من قبل قوات الاحتلال, فان ثلثي المعتقلين البالغ عددهم 26،000 شخص كانوا أبرياء - تواجدوا قي المكان او الوقت الخاطئ - وهم من والفقراء واليائسين الذين عملوا مع الجماعات المتمردة لاسباب مالية، وليس بسبب الالتزام الإيديولوجي. لهذا أراد الجيش اطلاق سراح الآلاف منهم، ولكن لم يعرفوا من كان البرئ من غيره. كانوا يعرفون فقط أن الاعتقال والاستجواب جعلت حتى الأبرياء غاضبون بشكل خطير. فتدفق الغضب وصولا الى العائلة، والأصدقاء، والجيران، والمعارف (6) .
الامور تصبح اكثر ضبابية بما لا يقاس عند التحدث عن عدد المصابين بجروح, نوعية الاصابة, حجم العائق الجسمي والنفسي, اضافة الى نوعية العلاج والتأهيل النفسي والجسمي للافراد المصابين وعوائلهم, او نوعية المعونات المالية وخلافها التي يحصلون عليها في حالة اعاقتهم جزئيا او كليا. كما لا تتوفر معلومات, حسب علمي, حتى بالحد الادنى, عن مقدار ما تخصصه الميزانية العراقية سنويا من اجل معالجة الاعاقات الناتجة او لتأهيل المصابين. بالطبع فان الاصابات الناتجة عن الحروب والارهاب يمكن ان تؤدي الى اعاقات جسدية او نفسية او كلاهما معا باشكال ودرجات مختلفة ومتباينة.
وان المشكلة الكبري هي ضعف الخدمات النفسية في العراق. ففي بلد يبلغ تعداد سكانه ما يقارب ال 33 مليون نسمة فان عدد الاطباء النفسيين, حسب تقديرات الكاتبة ليلى فاضل في الواشنطن بوست (7), لا يتجاوز 100 طبيب نفسي رغم انتشار الامراض النفسية في العراق كالوباء, حيث يتزايد عدد المرضى النفسيين بنسبة 10% سنويا, مما يحمل العديد من المرضى على معالجة انفسهم بانفسهم والبعض منهم يلجأ الى استخدام عقاقير غير مرخصة لهذا الغرض ومسببة للادمان مثل عقار Artan. هذا في حين ان تعليمات منظمة الصحة العالمية تقضي بوجود 2 طبيب نفسي لكل 100000 نسمة. هذا يعني ان العراق في حاجة الى ما يقرب 500 طبيب نفسي اضافي, اضافة الى اعداد مماثلة او اكثر من المعالجين والحرفيين الآخرين في مجال الصحة النفسية.
وقد ذكر الزميل الدكتور حسين رستم اختصاصي الامراض العقلية ان الناس في العراق لا يقرون بوجود اضطراب نفسي "ما لم يمزق الفرد ملابسه ويخرج عاريا على الملأ." الواقع ان الغالبية منهم تخفى علتهُم عن الغالبية من الناس ولكن ليس على العارفين بأمور النفس, إلا ان هذا الاضطراب, على تخفيه, فهو قادر على الانتقاص من ذهنية وقدرة صاحبه في الحكم على الاشياء واعطاء القرار الصائب. وهناك كثير من امراض الجسد قد تكشف عن نفسها, اول الامر, بتأثيرها على القدرات الفكرية لصاحبها وربما تفعل هذا لسنوات قبل ظهور العلة الجسدية. ومنها ما تفعل هذا اثناء المرض الجسدي, ونجدها فقط اذا فتشنا عنها. وحتى الخرف قد لا يظهر للعيان لسنوات طويلة كتَدَنٍ في قدرات صاحبه الذهنية.
والاستاذ د. عبد الحميد العباسي يوجه الآن نداءا الى اطباء الصحة العقلية في العراق بفحص الصحة العقلية لمن يتولى مقدراتِنا او بعضها والسياسيُّ اولهُم وكذا القياديون الكبار (8).
"والان اقول لاطباء العقل العراقيين انتم كغيركم من صنفكم, كثيرا ما تشخصون الاضطراب النفسي, إعتمادا على محادثة الشخص (المعتل) وملاحظة سلوكياته او التي تكشفها اقوالُه وتصرفاته, من الاكثار من الكلام وقول القليل المفيد (هذرٌ وهذيان) واتهام هذا وذاك رجما بالغيب ومن عدم ترابط الحديث (اي ماكو رباط الحجي) وتشتت الافكار وضياع ترابطِها وغير ذلك مما انتم خبراء فيه. أهيب بكم وانتم تشاهدون القادة والساسة, عن قرب وعن بعد, اناشدكم ان تؤشروا صوب هولاء الذين لا يركن الى تقويمهم الامور والقرارات الخطيرة كي يتخلوا او يُنصَحون بالتخلي عن مواقهم, لتحجيم ما الحقوه بالبلد من اضرار, بغير قصد بل لعلة صارت ناصعة. أدرك تماما ان الجهلاء من قيادينا وساستنا, في افكارهم وتعاملهم مع الاحداث, قد يقاربون حالات الخرف...ولن يكون الفرزُ عسيرا عليكم وانتم الخبراء. ستبقى هذه مسئوليتكم حتى يُشرع ما يقينا من هذه المطبات. ولكن من سيشىرع وقد قلت سابقا *وهل تُصلحُ الآلةُ المعطوبة نفسَها؟*"
"قد تقولون ان مهمتنا المعالجة من يأتينا من المرضى. واقول كلا ان عملكم ليس حرفة او صنعة * job* بل هو مهنة*profession* وكما تعلمون, ايضا, ان بعض الامراض مثل ضغط الدم العالي وسرطانات الثدي والرئة وغيرها الكثير, لا ينتظر الاطباء مصابيه مجيئه اليهم, بل... "يشخصونها" في اماكن العمل مثلا."
ويتمنى د. العباسي
" على اطباء النفس وهم كثر وذوو مقدرة, في الداخل والخارج, ان يؤشروا صوب هولاء خدمة لهم (ذوي العِلة النفسية) وللوطن وللانسانية."
اشاطر د. العباسي امانيه بحرارة وارجو ان لا تبقى الامور في حدود الامنيات, بل ان تتحول الى واقع فعلي, وان كان يجب الاعتراف في الوقت نفسه ان هذا ليس بالامر السهل بالمرة. ويشكل ايجاد منصب وزير للصحة العقلية خطوة مهمة لا غنى عنها في تحويل الاماني الى واقع.
المصادر
1- http://www.independent.co.uk/news/uk/politics/jeremy-corbyn-creates-new-dedicated-minister-for-mental-health-in-his-shadow-cabinet-10500075.html
2. https://www.iraqbodycount.org/analysis/numbers/warlogs/
3. https://www.iraqbodycount.org/analysis/numbers/2011/
4. http://www.theguardian.com/world/2010/oct/22/iraq-war-logs-military-leaks
5 . http://www.aljazeera.com/secretiraqfiles/2010/10/2010102217631317837.html
6. - http://www.salon.com/2012/09/10/why_i_left_the_gop/?utm_source=facebook&utm_medium=socialflow
7. http://www.washingtonpost.com/wp-dyn/content/article/2010/06/17/AR2010061706034.html?sub=ARhttp://www.psychiatrictimes.com/articles/45000-more-psychiatrists-anyone-0
8. http://www.sotaliraq.com/mobile-item.php?id=193361#axzz3ku1EwvNs
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟