منصور أحمد أبو كريم
الحوار المتمدن-العدد: 4923 - 2015 / 9 / 12 - 02:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تاريخ العلاقات الامريكية الروسية ملئ بالصراعات السياسية والعسكرية والامنية والاقتصادية، وحتي الفكرية والثقافية والاجتماعية , وذلك نظراً لكون البلدين يعتبروا من الامبراطوريات العظمي التي مرت علي تاريخ البشرية في العصور الحديثة.
فقد شهد العالم خلال فترة الحرب البادرة وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية نوع جديد من التنافس والصراع الثنائي بين المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي ، والمعسكر الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية , حول العديد من القضايا الازمات المطروحة علي الساحة الدولية ،مما انعكس علي العلاقات الدولية والسياسة الدولية بشكل عام والامم المتحدة بشكل خاص ,تمثل ذلك في الاستخدام المفرط لحق النقد الفيتو من قبل الطرفين في محاولة لعرقلة مساعي وخطط الطرف الاخر الامر الذي انعكس علي قدرة مجلس الامن الدولي علي القيام بمسؤوليات ومهامه في حفظ الامن الاستقرار الدولي وذلك حسب ميثاق الامم المتحدة.
الا ان تفكك الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينيات وانهيار الكتلة الاشتراكية ، وما صاحب ذلك من انتهاء مظاهر الحرب البادرة , التي كانت تقوم علي اساس اقامة التحالفات العسكرية والسياسية والاقتصادية والردع النووي والحرب بالوكالة ودعم حركات التحرر الوطني واستمالة الدول الانظمة للدخول ضمن منظومة كل محور، بالإضافة الي غرق الاتحاد الروسي الوريث السياسي والعسكري للاتحاد السوفيتي في مجموعة من الازمات السياسية الاقتصادية , فكل تلك العوامل وغيرها قد ادت الي تفرد الولايات المتحدة بالساحة الدولية والقرار الدولي وقيادة العالم، وجاء ذلك بعد اعلان الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش الأب عن قيام النظام عالمي جديد تلعب فيه الولايات المتحدة الأمريكية دور" شرطي العالم" ، باعتبارها القوي العظمي الوحيدة ، وترافق ذلك مع النشوة الامريكية التي صاحبت النصر الساحق الذي حققته القوات الامريكية على العراق في حرب الخليج الثانية, الأمر الذي انعكس بشكل كبير على القضية الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي, مما ساهم في تحول منظمة التحرير الفلسطينية نحو السير في ركب التسوية والقبول بالحل السياسي للصراع ،وفق قواعد اللعبة الجديدة خصوصاً بعد انتهاء الحرب البادرة وسقوط المنظومة الاشتراكية وانكشاف ظهر حركة المقاومة الفلسطينية .
الا أن النظام الدولي احادي القطبية الذي ساد بعد انتهاء الحرب البادرة ، بدأت تظهر عليه علامات التصدع والتحول خصوصاً في ظل التراجع الكبير للدور الأمريكي عبر العالم وظهور تحالفات وقوى سياسية واقتصادية جديدة،" دول البريكس" التي أصبحت تلعب دوراً مؤثراً علي الساحة الدولية خلال السنوات القليلة الماضية ، حتي ان بعض علماء العلاقات الدولية بدوا يتحدثون عن تحول تدريجي في النظام الدولي من نظام احادي القطبية إلي نظام متعدد الاقطاب ، في ظل بروز الدور الكبير للاتحاد الروسي تحت قيادة الرئيس فلاديمير بوتين ، وما صاحب ذلك من رغبة روسية لعودة الدب الروسي للعب دوراًُ مؤثراً في منطقة الشرق الاوسط بشكل عام والمنقطة العربية بشكل خاص ، التي كانت تعتبرها الولايات المتحدة الامريكية منطقة "نفوذ حيوي" في ظل تراجع الدور الامريكي في المنطقة ، بعد تخلي الولايات المتحدة الامريكية عن دورها في معالجة أزمات المنطقة ،وتركيزها على إحداث اختراق في الملف النووي الايراني ، كأحد الانجازات التي يمكن ان يقدم الرئيس الامريكي بارك اوباما للشعب الامريكي والمجتمع الدولي في نهاية ولايته الثانية ، والتي يمكن أن ينول عليها جائزة نوبل للسلام .
هذا التراجع الأمريكي سمح للدب الروسي وللرئيس الرئيس بوتين أخذ زمام المبادرة والدخول على خط أزمات المنطقة في محاولة منه لتفكيك الازمة السوية، من خلال إيجاد تسوية بين النظام السوري والعارضة بالتوافق مع مصر بقيادة الرئيس السيسي ودول الخليج تحت قيادة العربية السعودية ، مما تطلب عقد اجتماعات مكوكية بين الرئيس الروسي وعدد من قادة المنطقة العربية نتج عنها مجموعة من التفاهمات و الاتفاقيات السياسية العسكرية والامنية والاقتصادية بين روسيا ومصر من جانب وبين روسيا وعدد من دول الخليج من جانب آخر.
الامر الذي أزعج الولايات المتحدة الامريكية بشدة, وجعلها تعبر عن غضبها في اتصال تلفوني بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الروسي سيرجي لافروف حول التدخل الروسي في الازمة السورية والمنطقة العربية التي مازالت تعتبرها الولايات المتحدة الامريكية منطقة نفوذ خاصة بمصالحها السياسية والاستراتيجية و الاقتصادية الامنية . وبعد التقارير الاخبارية، التي تتحدث عن مشاركة قوات ومدرعات روسية في القتال الى جانب الجيش العربي السوري ضد قوات المعارضة في اللاذقية وادلب.
لذلك أعتقد ان العلاقات الأمريكية الروسية قد تشهد حالة من التوتر الإضافي بين البلدين ، بعد التوتر الذي صاحب علاقة البلدين خلال الفترة الماضية بسبب الأزمة الاوكرانية والاجراءات الروسية بضمن جزيرة القرم . وما ترافق معها من عقوبات سياسية واقتصادية بين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي من جانب والاتحاد الروسي من جانب آخر، الأمر الذي من الممكن أن ينعكس على أزمات المنطقة والقضية الفلسطينية بشكل إيجابي نتيجة قلق الولايات المتحدة على مصالحها الحيوية في المنطقة بعد الانغماس الروسي في المنطقة الأمر الذي من الممكن أن يؤدي إلي دور أمريكي اكثر فاعلية في المنطقة بعد الانتخابات الرئاسية القادمة.
بقلم / منصور ابو كريم
باحث في الشؤون السياسية
#منصور_أحمد_أبو_كريم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟