رجب الطيب
(Rajab Ata Altayeb)
الحوار المتمدن-العدد: 4921 - 2015 / 9 / 10 - 01:38
المحور:
الادب والفن
رغم أن سمير الجندي مولود في القدس الشرقية ويعيش فيها , إلا انه _ وكما اعتدنا القول بأنك في النص كما أنت في الواقع _ إلا انه لم ينغلق , لا الكاتب ولا بطل نصه _ على نفسه , كما انه وخلافا لموضوعات نصوصه السابقة , جاء هذا النص اجتماعيا يتحدث عن قصة حب خاطفة , حدثت , كما تحدث اللقاءات في قاعات الترانزيت , في مكان آخر وفي بلاد أخرى , دون ترتيب , وربما على عجل أيضا .
لا أعرف الكاتب شخصيا , لكنني أحس بان السمات العامة لأحمد _ بطل حواء في دبي _ إنما هي صفات سمير أو قريبة منها , ليس لأن الراوي الخارجي , أي ذلك المتخفي فيه الكاتب نفسه والذي يسرد ويتتبع أحداث النص من " خارجه " سرد مقاطع من خارج النص , تناقش أفكارا وقراءات لكتب , بل لأن السرد جاء حميميا ومقنعا إلى حدود بعيدة .
فرغم أن البناء الروائي كان مركزا ومحدودا , من حيث المكان والزمان والأهم الشخوص الذين لم يتجاوزوا الثلاثة , بطلا قصة الحب التي داهمت طرفيها _ احمد وسلمى _ على حين غرة , ومريم التي حالت في نهاية الأمر دون قصة الحب تلك والنهاية السعيدة , إلا أن البناء جاء متماسكا والسرد رشيقا , بحيث أني قرأت النص دفعة واحدة , دون أن اتركه نظرا لرشاقته ودفقه السردي والشعوري معا , رغم ان الكاتب قام بتقطيعه على نحو 22 أو 23 مقطعا سرديا !
مثلث السرد
جاء السرد ضمن ثلاثة أصوات سردية , توزعت على بطلي النص _ أحمد وسلمى _ والسارد الخارجي , الذي عادة ما يكون هو الكاتب المتخفي وراء الراوي , لذا فان معظم النص كان بصيغة أنا المتكلم , مما يوحي بان الأحداث والمشاعر إنما هو بوح شخصي , مونولوج ذاتي , يمنح القاريء الشعور بصدق العاطفة وصدق الموقف , وقد بدأ النص بسرد البطل احمد , وكأنه يكتب يومياته الخاصة , وفي الحقيقة فان هذا السارد تولى معظم المهمة , وبنسبة أكثر من 60 % من مساحة النص , فيما كان السارد الخارجي يقوم بمهمة نقل حبل السرد من السارد الأول أحمد إلى السارد الثاني سلمى , حين ينتقل " لوكوشن " الحدث الروائي , إلى حيث سلمى وابنتها مريم .
هكذا يمكن القول بان السارد / البطل قد تحدث عن نفسه بنفسه , دون وساطة خارجية توحي بالتقرير الإنشائي , رغم ذلك فان السارد الخارجي , كان يخرج عن النص في أكثر من مناسبة , تبدو كفاصل , أو توقف إجباري للراحة , وحدث هذا حين كان احمد ينتظر حبيبته سلمى , في الكوفي شوب , فيقرأ كتابا , أو يتعرض لموقف , فيه انتظار وقلق , فيتذكر شيئا مما قرأ , مما يضيء الحدث الروائي , لكن وفق تكنيك بريختي , أي من خلال عملية كسر " الإيهام " الروائي , إن صح التعبير !
العنوان يشي بالمعنى
أعتدنا على القول المأثور " المكتوب يقرأ من عنوانه " وقد اعتمدت السيميائية على ما تسميه عتبات النص , ومنها الإهداء والعنوان , الذي جاء هنا _ حواء في دبي _ حيث أراد الكاتب أن يكشف الكيفية التي باتت تعيش فيها المرأة العربية في هذه المدينة العصرية جدا , ذلك أن قصة الحب التي جمعت كلا من الفلسطيني احمد باللبنانية سلمى , وقعت ومنذ النظرة الأولى على عتبة الصعود للطائرة المتجهة إلى دبي , ووقعت أحداثها كلها في دبي , وتعرض الكاتب إلى الإفصاح بمسميات الأماكن في تلك المدينة العربية , بكل دقة وصراحة , فالشخوص أذا عربية ( فلسطيني , لبنانية وأردنية ) وان كانت الأردنية ليست جنسية مريم فقط , بل ربما هي أيضا جنسية احمد وسلمى , لكن الأجواء العامة في دبي , خاصة على الصعيد الاجتماعي , لما تكاد تفارق تماما مثيلاتها في المدن العربية الأخرى , التي جاء منها وعاش فيها كل من بطلي قصة الحب التي منيت بالفشل , بسبب تلك الأجواء التي عاشت فيها المراهقة مريم !
كان يمكن للعنوان أن يكون الحب في دبي مثلا , وربما كان هذا عنوانا أكثر دلالة , لكن وحيث أن الكاتب اختار حواء في دبي , فان أول سؤال يتبادر إلى الذهن , هو أي حواء يقصد ؟ سلمى التي أحبها منذ أول نظرة لتوافقها الروحي والعاطفي معه , رغم انه لم يكن مراهقا , بل كان رجل أعمال , وكان منفصلا بعد تجربة زواج سابقة فاشلة من ابنة عمه , عاش بعدها وحيدا لمدة عشر سنوات , وهي أيضا كانت كذلك , امرأة على مشارف الأربعين , لها ابنة مراهقة في العشرين جاءت بها للأمارات من اجل العمل والمال , كما هو حال الغالبية الساحقة من البشر الذين يجيئون إليها , أي أن كلا البطلين كان في حالة نضج , ورغم ذلك نشأ بينهما حب نقي ونظيف , حاولا تكليله الزواج والاستقرار , لكن لم يتمكنا , بسبب مراهقة الابنة المستهترة !
أي حواء يقصد , الأم أم البنت , أم حواء على إطلاقها ؟ لو كان يقصد سلمى , فيكون القصد هو أن تلك المرأة تختصر جنس النساء جميعا , وهذا أغلب الظن , بدرجة أقل ربما قصد مريم , بما يعني أن حواء دبي إنما هي امرأة عابرة , ليست أكثر من سلعة , كما هو حال معظم الأشياء الخاضعة لمنطق البزنس هناك ! وربما كان يقصد القول بجودة التنوع والحرية في اختيار الأشياء والمواقف !
مقولة النص وهدفه
رغم أن القصة بحد ذاتها مثيرة وجديرة بتسجيلها لتحقيق متعة القراءة للقاريء , ففيها ما هو جديد ليس فقط في شكل السرد المتدفق , الذي جاء إيقاعه كما لو انه كتب على إيقاع نبض قلب عاشق , فالقاريء وهو يقرأ كان يسمع لهاث البطل , دقات قلبه , وكان يرى سلمى كما لو كانت فراشة تطير في الهواء , نقول رغم ذلك , إلا أن النص حمل مقولة سامية , وهي محاولة التحذير مما يمكن أن يحدث للأبناء المراهقين في دبي أو غيرها , نتيجة منح الحرية المطلقة لهم , فرغم أن مريم هي كل ما خرجت به سلمى من الدنيا , ورغم أنها هربت بها من عمان , باحثة عن مأوى تهرب إليه من " تهتك الزوج / الأب " ومن انعدام المسؤولية لديه , إلا أن سلمى لم تخسر إبنتها وشرفها وحسب , بل خسرت حب حياتها الوحيد , الذي كان سيؤمن لها حياة مستقرة , من كافة النواحي , بحيث مر شريط قصة الحب , كما لو كان ومضا أو برقا , جاء على عجل , عشان معه لحظات ساحرة من السعادة , لكنه انتهى في لحظة , والمفارقة هنا , كانت في قلب الصورة النمطية , حيث كثيرا ما رأينا في أفلام السينما العربية , ما يحول دون أن يكلل الحب الكبير بالزواج , بسبب ماض للحبيبة أو بسبب كونها لقيطة , أو لأن أمها كانت غير محترمة , أما أن يحول سلوك الابنة دون أن يكلل حب أمها بالزواج , فهذا هو الجديد في هذه القصة .
أخطاء في منطق النص
حدثت في سياق هذا النص , الذي يبدو أن صاحبه شعر بفرح غامر حين انتهى من كتابته , فآثر نشره على الفور _ وهو الناشر , الذي لا يعجز مطلقا عن النشر بسرعة وسهولة فائقتين _ بحيث حدثت أو وقعت أخطاء كان يمكن تجنبها بالتدقيق والمراجعة , من هذه الأخطاء , ما جاء في آخر النص من النطق باسم مريم والمقصود سلمى , وأكثر من مرة , كذلك تكرار الرقم 13 كإشارة لمقطع سردي , إضافة إلى عديد من الأخطاء النحوية , حيث كان ينصب الفاعل أو يرفع المضاف إليه , كذلك كان الخطأ في التوقيت الزمني , حين أشار السارد إلى أن أول لقاء بين احمد وسلمى كان في يوم الخميس نهاية الأسبوع من شهر أيار 2013 ,فيما جاء الزفاف في آخر النص وفي نهاية القصة يوم الجمعة 24 / 8 _ 2012 , على الأغلب أن هذا التاريخ جاء كخطأ مطبعي وكان المقصود أن السنة في الرقم الثاني هي 2013 أو انه في السنة الأولى 2012 , مع أننا نرجح , نظرا لتاريخ طباعة النص ولما ورد فيه من أحداث " الربيع العربي " أن تكون السنة المقصودة هي 2013 .
بقي أن نشير إلى أن خروج السارد الخارجي , خاصة عن النص , بسرد مقاطع إنشائية وعظية , لا علاقة لها بالبناء الروائي ولا ضرورة درامية لها , شوشت قليلا على الصورة الجميلة , كذلك أظن أن تضمين النص _ تقريبا _ كل أغنية أم كلثوم , أقبل الليل , كان أمرا مبالغا فيه لإظهار مدى رومانسية اللحظة التي عاشتها سلمى بعد ثاني لقاء بحبيبها , في القارب البحري , فيما جاء تضمين أشارات ثقافية تدل على اتساع وعي وثقافة , بل وقراءة الكاتب , أمرا جميلا , وحافزا للقاريء , لأن يقرأ ما هو أكثر من الروايات وحسب .
( رجب الطيب )
رجب أبو سرية
[email protected]
#رجب_الطيب (هاشتاغ)
Rajab_Ata_Altayeb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟