|
العراق: وقفة مع الحقيقة (11)
باقر الفضلي
الحوار المتمدن-العدد: 4917 - 2015 / 9 / 6 - 16:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليست هي المرة الأولى التي تجري معها المحاولة للتعامل مع حقيقة الواقع العراقي، من زاوية نفس ذلك الواقع الذي يعيشه العراق، ومنذ العام/2003 وحتى اليوم، حيث أصبح يشكل فيه ذلك العام، منعطفاً كبيراً في تأريخه السياسي والإقتصادي والإجتماعي، وهو العام الذي، فُتحت فيه أبواب السلطة أمام مكونات سياسية جديدة، كانت قبل ذلك، قد تمثلت بما يدعى بقوى "المعارضة العراقية"، وهي تسمية أطلقت عليها، أو هي قد أطلقتها على نفسها من زاوية، تعارضها في المواقف السياسية، مع نظام الحكم القائم يومذاك، والمقصود به نظام الحكم الذي تواصل في السلطة، لما يقل عن ثلاثة عقود من الزمن، والذي إنفرد فيه " حزب البعث العربي الإشتراكي" ..!؟
أما التغيير الذي إستهدفته غالبية الكتل السياسية التي أسهمت، ومن مواقفها الخاصة، في الدعم والمساندة، وعلى أقل تقدير معنوياً في عملية التغيير، حيث تم غزو العراق من قبل أمريكا، وإحتلاله عسكرياً عام/2003، فلن يخرج كل ذلك في جوهره، عن تنصيب البعض منها على دست الحكم، وإقترن ذلك بإتخاذ بعض الإجراءات الشكلية في بناء النظام الجديد بعد الغزو؛ من قبيل تشريع للدستور الدائم/ 2005، وإجراء إنتخابات برلمانية، الى جانب القيام بحل القوات المسلحة، والبدء بتشكيلها وفق نمط جديد، يتوائم مع توجهات الكتل السياسية الجديدة المستلمة للسلطة، ومنها زج ما وسعها ذلك، من أنصارها ضمن التشكيلات الجديدة للقوات المسلحة، ناهيك عما رافق ذلك من خراب وتدمير على مستوى الثقافة، وخراب معالم الحضارة، وما حصدته تلك الحرب العدوانية، من آلآف الضحايا من العراقيين الأبرياء، ومن هناك كانت البدايات الأولى " للعملية السياسية" العراقية الجديدة..!؟
اللافت في الأمر، أن تلك التغييرات التي صاحبت الإحتلال ومنذ أيامه الأولى، قد بنيت وأسست على قواعد جديدة في نظام الحكم، لم يسبق أن عاصرها العراق على المستويين السياسي والإجتماعي من قبل، رغم تلون النسيج المكون للشعب العراقي أثنياً أو دينيا؛ ومن هذه الناحية، فقد أصبح من المتعارف عليه، أن تتشكل الحكومات الأولى بعد الغزو، عن طريق ما يدعى ب "مجلس الحكم" المؤسس حديثا، وبإشراف حاكم سلطة الإتلاف الجديد بول بريمر، رئيس الإدارة المدنية لإعادة إعمار العراق، المعين من قبل الرئيس الأمريكي السيد بوش الأبن..!(*)
وطبقاً لتلك القواعد الجديدة، وكما تمت الإشارة اليه، قد بنيت على أسس من الولاء الطائفي والإثني؛ ومن كانت له الغلبة العددية في ذلك، فهو المفضل في تسنم السلطة بسبب أغلبيته على المستوى الإجتماعي أو على أقل تقدير، المشاركة فيها؛ ولعل ما إختفى من الواجهة السياسية، من كان هو بذاته، من يعبر عن حقيقة المشاعر الوطنية لمجموع الشعب العراقي، طيلة ما يزيد على قرن من الزمن، والمقصود به عنصر ( المواطنة )، حيث لم يعد له وجود، في بناء الهيكل السياسي الجديد لنظام الحكم، الذي تم الإتفاق عليه بعد عام/2003...!!؟(1)
ومع كل ما بذلته السلطة الجديدة، من جهد كبير من أجل أن يشارك جميع ممثلي المكونات السياسية، في إدارة دفة النظام الجديد، وأن يكون لها دور ملموس، إلا انها أخفقت في الوصول الى الهدف الذي بنت عليه آمالها؛ وهو تنصيب حكومة مشتركة، تعبر عن وحدة وطنية عراقية، بسبب عمق الخلافات بين تلك المكونات، بقدر ما ساعدت طبيعة وأسس نظام الحكم الجديدة، على شرذمة النسيج الوطني وتمزيقه، كما وعجلت في عملية إستقطاب غير معهود لتلك المكونات، وفقاً لذلك الأساس الذي بني عليه نظام الحكم الجديد، والذي قلما مر به الشعب العراقي من قبل، بل ومهدت الطريق، الى كل ما يساعد على التفرقة الطائفية، ويعمل على تقسيم البلاد موضوعيا، طبقاً لنزعة الفوارق الطائفية والإثنية، خاصة وإن ممهدات ذلك، قد وجدت طريقها للتأسيس، منذ ما يدعى بمؤتمر لندن في كانون الاول/2002، حيث مهد الطريق لغزو العراق في نيسان عام/2003..!!؟ (2)
ولم يعد بعد ذلك أي إستغراب لطرح مقترحات أومشاريع لتقسم العراق مثل؛ "مشروع بايدن"، أو مقترحات " جيمس بيكر" وزير الخارجية الأمريكي السابق، الى الكونكرس الأمريكي، تبنى على أساس التقسيم وفق أسس التنوع الطائفي أو الإثني للعراق..!؟(**)
ومع مضي الوقت، وبعد التغيير الفوقي في قوام السلطة قبل عام، فقد أدرك أقطابها، أن لا مناص من الإعلان عن تداعيات الحقبة الماضية، وهي في أغلبها تداعيات، ذات طابع سلبي، أجبرت جموع المواطنين، على التظاهر والإحتشاد في مجاميع محتجة ومعترضة على إستمرارية عيشها في ظل تفاقم نقص الخدمات المدنية والتهميش، فكان الحراك الشعبي بمثابة ردة الفعل الطبيعية لواقع الحال، الأمر الذي دفع بالتشكيل الجديد للحكومة، بإطلاق حزمة من الأصلاحات، التي جرى التعارف عليها ب" إصلاحات العبادي"، نسبة الى رئيس الوزراء الجديد السيد الدكتور حيدر العبادي، إتسمت بأبعادها السياسية والإقتصادية؛ يتصدرها إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وتقليص أعداد المستشارين والمدراء العامين، وذلك وإرتباطاً بحالة العجز النقدي الذي إنتاب الموازنة العامة، والذي إقترن بإنخفاض أسعار النفط عالميا، حيث "يمثل تصدير النفط والإيراد الناتج عن هذا التصدير المصدر الاساس بل الحاسم للدخل الوطني العراقي . وبالتالي المكون الاساس لدخل الفرد العراقي، وهذه سمة الدول الريعية .مما كان له تأثير مباشر على الوضع الإقتصادي العراقي بشكل دفع بإتجاه اللجوء الى التغييرات الجديدة."(3)
وبالتالي؛ فقد [[ أقر مجلس النواب العراقي الثلاثاء حزمة الاصلاحات التي قدمها رئيس الوزراء حيدر العبادي، والهادفة إلى تقليص نفقات الدولة ومكافحة الفساد والحد من المحاصصة الطائفية في تعيين كبار المسؤولين في الدولة. هذا وتتضمن الحزمة الأولى من الاصلاحات التي أقرها البرلمان إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وتقليص عدد أفراد حماية المسؤولين في الدولة، وإلغاء مخصصات أصحاب الدرجات العليا من الموظفين والمتقاعدين، فضلا عن تقليص تأثير المحاصصة في اختيار المناصب العليا في مؤسسات الدولة، وتخفيض المخصصات المالية الممنوحة لكبار المسؤولين، والعمل على اصلاح المشاكل التي يعانيها قطاع الخدمات العامة..]] (4)
فالأزمة العراقية بقدر ما كانت في مظهرها الخارجي تبدو سياسية، فإنها ومن حيث أسبابها، كانت أزمة مالية خانقة، إرتبطت في جذورها بتقلبات أسعار النفط على الصعيد الدولي، وهبوطها المؤثر على الموازنات السنوية للدولة، ونتيجة لإعتماد العراق على النفط كمصدر أساس للدخل الوطني، فلم يكن أمام سلطة الدولة، ما ليس منه بد، وهو اللجوء الى التغيير على صعيد البناء الفوقي للسلطة، والبدء بخطة الإصلاح لتجنب الكارثة؛ هذا ناهيك عن كارثة "الفساد" الذي إستشرى في مؤسسات الدولة، وباتت رائحته تزكم النفوس، ليشكل أحد مظاهر الأزمة العراقية والمرافق لها منذ بداية التحول وعلى مدار الساعة، حيث باتت جميع كتل العملية السياسية، في مورد الإتهام، لتفشي فايروس الفساد على نطاق واسع في البلاد، إذ أن " النظام السياسي كله هو الآن في قفص الاتهام، وبالتالي فإنه لا ينبغي النظر إلى مدة عمل هذه الحكومة فقط، بل إلى كل الحكومات السابقة منذ 12 عاما لأنها جميعا تتحمل المسؤولية، بل إن الحكومات السابقة تتحمل الجزء الأكبر من الفشل."..!!؟(5)
وتأسيساً على ما تقدم، فإن حالة التمزق السياسي، وغياب التوافق الوطني، وإستفحال الإرهاب، ستظل واقعاً قائماً، ما دام البناء السياسي، الذي جرى تأسيسه بعد الإحتلال، ظل قائماً هو الآخر على أساس من التقسيم الطائفي الإثني، والذي كان من نتائجه المؤكدة، نظام " المحاصصة"، المقيت في تداعياته السلبية، والذي يتعارض في أساسه مع البناء الديمقراطي، والذي من جانب آخر، يدفع بدوره مع مضي الوقت، الى تركز التعصب الطائفي، والإنفراد بالحكم، والتحكم برقاب الناس، ضمن "ديمقراطية شكلية"؛ في مضمونها وجوهرها، لا تبتعد كثيراً عن طائفية دينية تحزبية سياسية، تحاول أن تصهر المجتمع في بودقتها المنغلقة، مستغلة بذلك كل أوراق اللعبة السياسية، مهما كان لون وشكل ومصدر تلك الأوراق؛ أما التغيير والإصلاح المنشود، فلا سبيل أمامه للظهور على السطح، طالما لم تقتلع أسس ذلك التقسيم من الجذور، وتعتمد " المواطنة " كأساس ثابت لبناء نظام الحكم المدني الديمقراطي "المنشود"، والعمل الدؤوب من أجل الوصول الى توافق وطني يقرب الى فهم مشترك بين الكتل السياسية، بخصوص ماهية وسقف ومحتوى الإصلاح والتغيير المطلوب، وبالتأكيد أنه ينسحب على أصعدة مختلفة، منها الإقتصادي، والسياسي، والأمني، وملف الخدمات، وكل ما يتعلق بالخروج من الأزمة..!؟؟(6) باقر الفضلي/2/9/2015 ____________________________________________________________________ (*) https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D9%88%D9%84_%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D9%85%D8%B1 (**) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=78735 (1) http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news/newsid_2583000/2583409.stm (2) http://www.albayan.ae/one-world/2002-12-18-1.1366999 (3) http://www.iraqicp.com/index.php/sections/objekt/32986-2015-09-03-14-56-52 (4) http://www.alhurra.com/content/Iraq-parliament-approves-government-reform/277965.html (5) http://www.iraqicp.com/index.php/party/from-p/31761-2015-08-09-13-14-36 (6) http://www.iraqicp.com/index.php/sections/news/33032-2015-09-04-18-07-41
#باقر_الفضلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا :ذريعة -الإرهاب- والعدوان المبطن..!؟
-
فلسطين : صراع الإرادة....!!
-
العراق: الخروج من المأزق..!؟
-
فلسطين: محنة الأسرى والتعنت الإسرائيلي..!؟
-
العراق: وقفة مع الحقيقة (10)...!
-
تركيا: إيغال في التدخل في شؤون الآخرين..!!
-
فلسطين:الإستيطان وأبعاد الجريمة..!؟
-
تركيا : في مستنقع التدخل..!؟
-
سوريا : الصمود السوري درس بليغ في المقاومة..!
-
فلسطين: القضية الفلسطينية في التوازن الإقليمي..!
-
إيران: الملف النووي والتسوية السلمية..!
-
العراق: الرابع عشر من تموز/1958 _ أمل خالد..!
-
سوريا: في المواجهة..!
-
مصر: وجهاً لوجه مع الإرهاب..!؟
-
الشرق الأوسط : الضياع في المتاهة..!!؟
-
العراق: ترهيب الثقافة..!؟
-
العراق : سقوط الموصل في الميزان..!!
-
الشرق الأوسط : الحرب بالنيابة..!؟
-
العراق : حقوق المرأة بين العادات والتقاليد، والتشريع الحضاري
...
-
الشرق الأوسط : خطر الإرهاب ووحدة المواجهة..!
المزيد.....
-
في ظل حكم طالبان..مراهقات أفغانيات تحتفلن بأعياد ميلادهن سرً
...
-
مرشحة ترامب لوزارة التعليم تواجه دعوى قضائية تزعم أنها -مكّن
...
-
مقتل 87 شخصا على الأقل بـ24 ساعة شمال ووسط غزة لتتجاوز حصيلة
...
-
ترامب يرشح بام بوندي لتولي وزارة العدل بعد انسحاب غايتس من ا
...
-
كان محليا وأضحى أجنبيا.. الأرز في سيراليون أصبح عملة نادرة..
...
-
لو كنت تعانين من تقصف الشعر ـ فهذا كل ما تحتاجين لمعرفته!
-
صحيفة أمريكية: الجيش الأمريكي يختبر صاروخا باليستيا سيحل محل
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان مدينة صور في جنوب لبنا
...
-
العمل السري: سجلنا قصفا صاروخيا على ميدان تدريب عسكري في منط
...
-
الكويت تسحب الجنسية من ملياردير عربي شهير
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|