سهر العامري
الحوار المتمدن-العدد: 4914 - 2015 / 9 / 3 - 11:21
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يخطئ من يقول أن الأمر في العراق متروك لحكومة يترأسها حيدر العبادي ، ولبرلمان يقوده سليم الجبوري ، فالاثنان ، الحكومة والبرلمان ، هما عبارة عن هيكلين أقيما على جدث النظام السابق ، وبتصميم أمريكي ، وتعاون إيراني ، وظل الحال على ما هو عليه رغم طلاء الزينة الذي حاول الأمريكان ومعهم الايرانيون أن يختاروا اللون الذي يراد لذلك الهيكل رغم تقاطع ألوان كلا الطرفين في أحيان قليلة ، ولكن هذا التقاطع سرعان ما يزول حين يحوز كل منهما حصته من الضرع العراقي الذي يدر المال والنفط .
لو تساءل كل واحد منا عن مقدار تأثير أحد العاملين : الموضوعي والذاتي في ما يجري في عراق اليوم ، لكان الجواب حتما هو أن الريادة تظل للعامل الموضوعي " الأمريكي والإيراني " وليس للعامل الذاتي " العبادي وحكومته والجبوري ومجلسه ، ومن ورائهما مهدي الكربلائي ! " فالعامل الموضوعي هو الفاعل في مجمل ما يحدث للعراق والعراقيين ، ومنذ الساعة التي سقط بها النظام السابق .
لقد كانت إيران منذ ظهور الاستعمار الحديث دولة مشاركة في كل ما أصاب دول المنطقة وخاصة العراق من دمار ونكوص ، ففي العام 1508م ، تعهدت إيران للإنجليز أن تقوم بالمهمة التي طلبوها منها ، وهي احتلال بغداد التي كانت تحت سيطرة الدولة العثمانية عدوة الانجليز اللدود بهدف وقف زحف الجيوش العثمانية التي اجتاحت أوربا ، ووقفت على شواطئ بحر البلطيق من جمهورية مولدافيا الحالية ، وكان الثمن الذي دفعه الانجليز لإيران مقابل تعاونها ضد دول المنطقة هو استبدال اسلحة الجيش الايراني من السيوف وقتها بالبنادق ، وذلك على أيام الشاه اسماعيل الصفوي الأول ، مثلما طلب الانجليز من الشاه نفسه ابتداع قاعدة فكرية يقوم عليها نظامه مغايرة لتلك القاعدة الفكرية التي تقوم عليها الدولة العثمانية ، فظهر للوجود ما عرف في تاريخ إيران والمنطقة مذهب " التشيع الصفوي " الذي سلب من العثمانيين قاعدتهم الفكرية في إيران بعد أن أجبر الشاه اسماعيل الصفوي أغلبية الشعب الإيراني على ترك تلك القاعدة الفكرية السنية ، والتحول منها الى القاعدة الشيعية الصفوية الجديدة التي أرادها الانجليز ، والتي رفضها رجال الدين الشيعة في النجف ، مثلما رفضوا التعاون مع الشاه ذاك ، بينما غنى لها رجال الدين الشيعة في جبل عامل من لبنان بعد أن أجزل الشاه اسماعيل الكثير من الهدايا عليهم ومنحهم عديد الوظائف .
هذا التعاون الغير نزيه لا يمكن للغرب أن ينساه بسهولة رغم مرور سيل من السنوات على ذلك ، ولا يمكن للإيرانيين أن ينسوه كذلك رغم أنهم أبدلوا التيجان بالعمائم ، ولبسوا الجبة بدلا من السروال ، فلقد عاد هذا التعاون الى الوجود في السنوات القريبة مرتين ، في المرة الأولى عاد إبان حرب الخليج الثانية أو حرب الكويت ، فعن وزير الخارجية الأمريكي ، جيمس بيكر ، على أيام حكم الرئيس الامريكي بوش الأب قال : أيقظت في ساعة متأخرة من نومي قبيل نشوب الحرب تلك ، وقالوا لي أن وزير الخارجية في الاتحاد السوفيتي شيفرنادزه ينتظرك على التلفون ، ويضيف كذلك أنه قد ظن وقتها بأن صدام قد وافق على سحب جيشه من الكويت ، لكنه فوجئ بأن شيفرنادزه ينقل له تأكيدا من الرئيس الايراني ، هاشمي رفسنجاني ، فحواه هو أن ايران لن تحرك ساكنا إذا ما أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على مهاجمة العراق .
ذاك التعاون الأول أما التعاون الثاني بين أمريكا وإيران فقد حدث حين عزم الرئيس الأمريكي ، جورج بوش الابن، على غزو العراق واسقاط النظام فيه مطلع العام 2003م، وذلك قبيل الحرب حين رعت الولايات المتحدة مؤتمر المعارضة في العراق الذي انعقد في لندن ، ذاك المؤتمر الذي كان من المستحيل على السيد عبد العزيز الحكيم المقيم مع أخيه محمد باقر الحكيم وأخرين من حضوره لولا الموافقة الإيرانية عليه ، وبعد الحرب صار التفاهم الأمريكي الإيراني هو من يشكل الحكومة في العراق ، وعلى مدى السنوات التي اعقبت تلك الحرب ، والى يومنا هذا.
واليوم فلا غرابة حين يجد المتظاهرون الثائرون في العراق أن رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي ، الذي علقوا آمالهم عليه في تحقيق مطالهم هو عاجز ، وغير قادر على تحقيق الكثير من تلك المطالب التي ترفض كل من أمريكا وإيران تحقيقها ، وأقرب الأمثلة على ذلك هو عدم قدرته وقدرة برلمان سليم الجبوري على عزل مدحت المحمود رئيس مجلس القضاء الأعلى ، فمدحت المحمود عينه حاكم العراق الأمريكي بول بريمر، ثم صار ذلك التعين من ضمن التفاهم الأمريكي الإيراني الذي بنى الهيكل الحكومي في العراق ، ففي الوقت الذي نسمع فيه هتافات الملايين من العراقيين في كثير من المدن العراقية تطالب فيها باستقالة مدحت المحمود أو تنحيته نجد هادي العامري قائد منظمة بدر ، وهو واحد من جنود إيران في العراق ، يقوم هو وبعض من رجالات إيران فيه بزيارة مدحت المحمود في مقر عمله ، لكي يمنحوه تأييدهم نيابة عن إيران ، وعلى الضد من إرادة الشعب العراقي الذي يطالب بتنحيته . وكيف ينحى وهو من الرجالات الذين اختارتهم أمريكا وبالتفاهم مع إيران ، وذلك من أجل تمرير مشاريعها في العراق التي قدمت من أجلها لهم رشى طائلة تمثلت برواتب ضخمة سُلبت من أموال فقراء العراق ، وأوضح مثال على ذلك هو إقرار قانون النفط والغاز من قبل الحكومة في العراق ، ذلك القانون الذي فرط بالكثير من مكاسب حفظ الثروة النفطية الوطنية التي حققها العراقيون بنضالهم العنيد ضد الشركات النفطية الأجنبية ، ومنذ صدور قانون (80) على أيام عبد الكريم قاسم .
لا بد لي ان اذكر هنا أن سياسة الأمريكية القائمة على احتواء ايران سياسة قديمة ، لم يتبناها الحزب الديمقراطي الأمريكي ، ولا الرئيس الديمقراطي باراك أوباما ، وإنما تبناها الحزب الجمهوري ، والرئيس الجمهوري ، بوش الأب ، ووزير خارجيته جيمس بيكر الذي عبر عن هذه السياسة بصورة علنية وقتها ، وذلك بعد أن وضعت حرب الخليج الثانية أوزارها في العام 1991 م .
ومما تقدم يتوجب على ثوار العراق اليوم أن يدركوا أن النفر الذي يدير الحكم في العراق هو نفر مقبول من قبل إيران وأمريكا في وقت واحد ، ولهذا لا يمكن لحيدر العبادي ومن على شاكلته أن يقيل أحدا قد أتت به إيران أو أمريكا الى كرسي الوظيفة ، فحيدر العبادي المزكى من قبل المخابرات البريطانية ، والمقبول من طرفي التفاهم ، إيران وأمريكا ، لا يمكن أن يذهب بعيدا في قراراته الإصلاحية ، إذا كانت قرارات إصلاحية هناك ، ولا يمكنه أن يقفز خارج الدائرة المرسومة له سلفا ، والتي جلس على كرسي الحكم فيها . ولي أن أذكر هنا حادثة من تاريخنا القريب ، مثلما روها الأديب العراقي ، عبد الكريم الدجيلي ، في كتابه : الجواهري شاعر العربية ، إذ يقول : اصطحبت الجواهري على أيام الحكم الملكي في العراق الى السفارة الأمريكية في بغداد ، وحال دخولي على السفير الأمريكي قدمت الجواهري له قائلا : أقدم لك شاعر العرب الأكبر ، والنائب عن كربلاء في الدورة البرلمانية القادمة ! فما كان من السفير الأمريكي إلا أن رد عليّ بلغة الواثق من نفسه : شاعر العرب الأكبر فبها ، أما أنه نائب عن كربلاء فلا !
على هذا يتوجب على المتظاهرين أن يرفعوا أصواتهم عاليا ضد التدخل الفض في شؤون العراق ، وضد تحركهم الميمون ، من قبل إيران وأمريكا في وقت واحد ، وليعلموا أن ايران قد روضت الآن من قبل الغرب أكثر فأكثر ، وزمن شعارها " الموت لأمريكا " قد مضى وانقضى ، فقد أزيل هذا الشعار من جميع شوارع المدن الإيرانية ، ومن على جدران الأبنية المهمة فيها ، ولم يعد ذاك الشعار يتصاعد في خطب صلاة الجمعة في المساجد أو الساحات الكبيرة، وعلى المتظاهرين أن يدركوا كذلك أن مطامع إيران لم تنته ِ في العراق ، مثلما هي مطامع أمريكا التي عادت شركاتها النفطية لنهب ثروة فقراء العراق بعد أن حرمت منها على مدى سنوات طويلة ، وعليهم أيضا أن لا يعلقوا آمالا على حيدر العبادي ، فهو من ذات الركب الذي جاءت به أمريكا وإيران الى كراسي الحكم في العراق .
#سهر_العامري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟