|
العنف الجنسي وأجساد النساء والكولونيالية الإسرائيلية الإستيطانية (الجزء الثاني)
سهاد ضاهر ناصيف
الحوار المتمدن-العدد: 4914 - 2015 / 9 / 3 - 08:09
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
نادرة شلهوب كيفوركيان، سارة حمود، سهاد ضاهر ناصيف
كشف القناع عن منطق العنف الجنسي إن صمت الآلة الصهيونية بخصوص استخدام العنف الجنسي تجاه النساء الفلسطينيات ومجتمعاتهن قد أصبح واضحاً بشكل كبير منذ بدء شن الكيان الصهيوني عملياته العسكرية مؤخراً. فمنطق العنف المُجنسن أصبح جليّاً أكثر منذ بداية العمليات العسكرية لدولة الإحتلال. فمنطق العنف الجنسي الذي يُعتبر عاملاً مؤسِّسا في المشروع الكولونيالي الإستيطاني أصبح أكثر وضوحا في الإقتحامات العسكرية التي وقعت مؤخراً. حيث ترددت شعاراتٍ مثل “الموت للعرب” و”ليخرج العرب” بكثرة وأصبحت مستخدمة ومقبولة بشكل أكبر في المجال العام الإسرائيلي، كاشفةً عن سياسات موت تُوجه ضد الفلسطينيين في عمق وصلب ما يُسمّى بالديموقراطية اليهودية. ففي الأول من يوليو، وبعد اكتشاف جثث ثلاث مستوطنين شبان كانوا قد اختفوا قبلها في الضفة الغربية المحتلة، قال البروفيسور الإسرائيلي مورديخاي كيدار الأستاذ في مركز بيجن والسادات للأبحاث السياسية في أحد البرامج الإذاعية: “إن الرادع الوحيد لخاطفي الأطفال “الإسرائيليين” وقاتليهم، هو معرفتهم بأن الذي يُعتقل منهم سيتم إغتصاب أمه او أخته، فهذه هي ثقافة الشرق الأوسط.” ومن الواضح أن تصريحاته هذه تقترح إغتصاب النساء الفلسطينيات كسبيل وحيد لردع المقاومة الفلسطينية و”الإرهاب”. نحن الفلسطينيون ليس بغريباً علينا سماع تعليقات مثل تعليقات كيدار وهو يحرض على الإغتصاب كسلاح مضاد لحركات مقاومة الإستعمار. فعندما يتم هذا التحريض في برنامج على الإذاعة العامة، ويسمعه عامة الإسرائيليين، رجالا ونساءً، وبما في ذلك النسويات الإسرائيليات، مما يعكس العقلية الإستيطانية والتنشئة الإجتماعية تجاه الفلسطينيين. فحديث مثل هذا عن اغتصاب النساء الفلسطينيات من قِبل ما يسمى “أكاديمي” من أرقى الجامعات في إسرائيل يعطي انطباعاً عن الهيئة التي يرسمها المستعمرون عن المرأة المستعمرة. وعن تصور جنساني إستشراقي في خطاب يصف الفلسطينيين بالمتخلفين ثقافياً، ويصفهم بـ”الآخر” غير الإنساني. وخشية من أن يظهر هذا الخطاب المُجَنسن عند كيدار بشكل خارج عن سياقه، من المهم القول بأن كيدار لم يكن الممثل الوحيد في مسرح العنف الجنسي. فالجنود الإسرائيليون وهم يهمّون في طريقهم لقتل الفلسطينيين في قطاع غزة كانوا يقرؤون شعارات داعمة لهم جهّزها بعض المدنيين من الإسرائيليين اليهود تقول بعضها: “اقتلوا أمهاتهم، وعودوا لأمهاتكم”. وأيضا كان قد اجتمع اليهود الإسرائيليون على سفح تلة ليشاهدوا ويهللوا لقنابل الجيش الإسرائيلي وهي تسقط على غزة، حيث كانت قد كتبت شابة يهودية على صفحة الفيسبوك الخاصة بها عن نشوتها الجنسية التي تشعر بها أثناء تسمّرها أمام مشاهد إعدام الفلسطينيين قائلةً: “يا لها من نشوة أن تشاهد قوات الدفاع الإسرائيلية تقصف المباني في غزة والنساء والأطفال ذات الوقت.” أيضا حتى رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو تلقى تدوينة شاعت بين العامة الإسرائيليين في شبكات التواصل الإجتماعية، تُظهر امرأة محجبة كُتب عليها “غزة” وتبدو عارية من أسفل خصرها، حاملةً رسالة تقول: ” احسم الموضوع داخلي هذه المرة ! .. توقيع، مواطنون مؤيدون للتدخل البري.” هذا بالإضافة لعضو الكنيست إيليت شاكد وتصريحه للعامة بأن الأمهات الفلسطينيات يجب أن يقتلن. إن اغتصاب أجساد النساء مثل اغتصاب الأرض، أصبح في مقدمة الهجمات الإقصائية تجاه الشعب الفلسطيني. ومع استمرار المجازر بحق الفلسطينيين في غزة، تُصعّد الهجمات ذات الطبيعة الجنسية والعرقية تجاه فلسطينيي الـ48 أيضا. فقد خرجن النساء للشوارع ليتظاهرن بجوار سائر أفراد مجتمعهن ضد المجازر المستمرة في قطاع غزة. من ثم اخذت المظاهرات منعطفاً جنسانياً، عندما صرخت الحشود المارة بـ”الموت للعرب” وسرعان ما تحول هذا الشعار إلى “حنين الزعبي عاهرة” حيث حنين هي عضوة مناضلة في البرلمان الإسرائيلي من أجل حقوق شعبها في الحياة. ولم تلبث الشرطة الإسرائيلية حتى هاجمت أجساد النساء الفلسطينيات، مع شركائهن من الرجل، وأخرجوا المظاهرات من حيفا والناصرة حيث تم اعتقالهم وضربهم من قِبل حشود عنصرية أخرى. أيضاً قامت مجموعة من الرموز الدينية والعسكرية بإصدار بيانات تُجيز قصف المدنيين الفلسطينيين أثناء الحرب من أجل الإجهاز على العدو. على صعيد آخر قام مجلس مستوطنة أور يهودا الواقعة على الشاطئ بتعليق يافطة تدعم الجنود الإسرائيليين حرّضت على اغتصاب النساء الفلسطينيات حيث تقول: ” أيها الجنود الإسرائيليون، سكان أور يهود معكم! اسحقوا نسائهم وعودا سالمين لأمهاتكم. ” إننا ناقش منطق العنف الجنسي المشاهَد بوضوح في الهجمات الموجهة ضد الفلسطينيين خلال تاريخ الإحتلال الإسرائيلي، طبعا تاريخياً وخلال ما يحدث من هجمات مؤخراً تنتشر بين المستوطنين الإسرائيليين والمجتمع الإستيطاني بشكل عام. إن الدولة الصهيونية والمجتمع الاستيطاني هي عناصر غير منفصلة، فهما أمران مرتبطان من خلال ارتباط عضوي نفسي ومخيال سياسي يتخطى ويختلف عن الشكل المعتاد لتقسيم الدولة والمجتمع المدني. فكما يصف لورينزو فيراسيني هذه العلاقة بأن بالمستوطنين ” يحملون سيادتهم معهم.” فكلا أجهزة الدولة (ومن بينهم المسؤولون الرسميون المنتخبون، والأكاديميون، والمؤسسات العسكرية) والمجتمع الاستيطاني (وهذا يتضمن الجمهور الإسرائيلي المرتبط بالأيدولوجية الصهيونية) يجسدان آلة العنف الإستيطاني. ولا عجب في أن كلا أجهزة الدولة ومجالات الإستيطان غير الرسمية مارست بشكل واضح هجمات على جنسانية وأجساد وحياة النساء الفلسطينيات في سياق حربهم الأخيرة على قطاع غزة، وفي هجماتهم المتكررة في القدس، وفي تاريخ فلسطين كله. إن المسؤولين الإسرئيليون وسياساتهم القمعية وتحريضهم ضد الشعب الفلسطيني كل ذلك يعمل على تقوية وتشجيع المجتمع الإستيطاني الإسرائيلي على تقمص قوة الدولة الصهيونية وعلى مهاجمة الفلسطينيين بوحشية. ويبدوا هذ جليّاً في اعتداءات المستوطنين وقوات الحماية العسكرية الحكومية والقوات الأمنية على أجساد النساء الفلسطينيات داخل المسجد الأقصى خلال الأسابيع الماضية في القدس. ومثال على هذا المشهد اليومي للعنف الجنسي هو إعتقال وضرب عايدة، وهي امرأة فلسطينية من القدس القديمة. والتي عندما حاولت الدخول للمسجد الأقصى، قامت الشرطة بالتهجم عليها بوحشية. وقامت الشرطة بتمزيق حجابها وسحلها من شعرها، بينما استمروا في ضربها خلال طرقات المدينة القديمة، وجرّها حتى دورية الشرطة. بعد ذلك تم أخذها إلى مركز الشرطة ، حيث تم استجوابها بعنف، وضربها واتهامها بالإعتداء على رجل شرطة. إن تعنيف جسد عايدة ووصمها بكونها مجرمة بشكل جوهراني، إنه لشكل من أشكال العنف الجنسي الجندريّ. وتقنين هذه الأشكال من العنف يجعل من النظام القانوني الإسرائيلي ذاته مُضمّناً في المشروع الكولونيالي الإستيطاني وآلته الإقصائية. تتطور االوحشية والتجاوازات من قِبل الدولة الإستيطانية الكولونيالية إلى صيغ وضيعة. فحين تم اعتقال سميرة لمشاركتها في مظاهرات في القدس الشرقية المحتلة، حيث تم إطلاق سراحها بشرط قيامها وإكمالها لما يسمّى “خدمة المجتمع”. حيث أجبرتها خدمة المجتمع هذه على مسح أرضية دورات المياه في مرافق للشرطة الحدود الإسرائيلية والجنود الإسرائيليين. وكما أوضحت لنا قائلة:
“لم أستطع تسديد الغرامة الكبيرة، وكنت بحاجة شديدة للخروج من السجن للعودة لأطفالي. ولم يكن بيدي خيار آخر سوى مسح أرضية دورات مياههم… وبمجرد كوني هناك، في حمامات الرجال، في حمامات رجالٍ إسرائيليين بالتحديد، شعرت بأنني أتعرض للإغتصاب. لكنني فعلتها لتجنب دفع الغرامة، ولكنني لم أستطع تخطي الشعور بأنني سمحت لم بإبقائي هناك، في دورات المياه، في دولة الرعب الدائم، حيث أرتعد خوفاً من أن أتعرض لإساءة جنسية، ومن ثم يتم رميي كمناديل الحمامات الورقية.”
إن كلمات سميرة وتحليلها يوضّح الجوانب الجندرية والجنسانية المعقدة للآلة الإستيطانية الكولونيالية العنفية. ولكن كما استنتجت سميرة أخيرا: ” أحياناً أشعر بأنني كنت عبدة لهم فحسب، وأحياناً أخرى أقول لنفسي لا، إن هذه مقاومة وصمود، إن هذه قوة… لقد فعلت ما كان علي فعله حتى أعود لأطفالي دون أن أُلمس ودون أتعرض لإعتداء جنسي… نعم إنه صعب ومعقد.. إن وضعنا صعب ومعقد.” فحتى في وجه هذا العنف الكولونيالي الإستيطاني، فإن أشكال مقاومة النساء الفلسطينيات يوميا وبقائهن يوضح قوتهنّ وصمودهن بوضوح بالغ.
بالمجمل، إن العنف الجندري والجنسي ليسوا مجرد أداة للتحكم البطريركي، حيث التحكم البطريركي هنا المنتج الثانوي للحرب أو الصراع المحتدم. لا فالعلاقات الكولونيالية هي بحد ذاتها مقسمة جندرياً ومُجنسنة. فنحن نكافح هذا العنف الجنسي، هذا المنطق المُضمّن في المشروع الإستعماري الكولونيالي، الذي يتبع مبدأين متناقضين يعملان تزامنياً: الإنتهاك/العنف/الإحتلال ومبدأ السيادة/التطهير/الفصل. وهذا هو عينه هو المشروع الصهيوني الإستيطاني الكولونيالي المحتل والعُنفيّ تجاه أجساد الفلسطينيين وحياتهم، وأراضيهم والذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفصلها الحاد العنصري الجغرافي وبين الحدود المادية بين المواطنة اليهودية والفلسطينيين، أيضا محاولة تطهير الجسد الوطني اليهودي من الجسد الفلسطيني، والذي يُصوّر على أنه ملوَّث بيوسياسياً. وهكذا هو منطق العنف الجنسي، موجود في صلب النظام الصهيوني، يُفعّل ويُنشّط الهجمات التاريخية والحالية تجاه أجساد الفلسطينيين وحياتهم. وهكذا فإن نضالنا من أجل سيادتنا كفلسطينيين داخل النشاط المقاوم للإستعمار كنسويات لهُو ضروري من أجل حماية أجساد النساء الفلسطينيات وجنسانيتهنّ، وعائلاتهنّ، وحقهم العام في الحياة. إنه نضال ضد الذكورية الفائقة لأجهزة الصهيونية العسكرية والإستيطانية والتي تؤطّر النساء الفلسطينيات بشكل جوهراني في شكل “الآخر” الخطِر – بشكل عنصري – والمهدِّد، واللاتي يجب أن تُدمّر أجسادهن وتُنتهَك كونهنّ العدو الأبدي المنتج “للمزيد من الفلسطينيين”. لا يمكن فصل هذا المنطق عن منطق الإقصاء الإستيطاني الكولونيالي. فنحن كنسويات فلسطينيات نُعنى بسلامة حياة وأجساد النساء، واستمرارية شعبنا ومستقبلنا وأجيالنا، إننا ندعو النسويات في العالم لينضموا إلى نضالنا، ويتحدّينَ ثقافة الحصانة الممنوحة للمستوطِن المستعمِر وأن يرفعن أصواتهم ضد جرائم الدولة الإسرائيلة الجارية الآن.
#سهاد_ضاهر_ناصيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العنف الجنسي وأجساد النساء والكولونيالية الإسرائيلية الإستيط
...
المزيد.....
-
مين اللي سرق الجزمة.. استمتع بأجمل اغاني الاطفال على قناة ون
...
-
“بسهولة وعبر موقع الوكالة الوطنية للتشغيل”… خطوات وشروط التس
...
-
الشرع يرفض الجدل بشأن طلبه من امرأة تغطية شعرها قبل التقاط ص
...
-
-عزل النساء- في دمشق.. مشهد يشعل الغضب ويثير الجدل
-
سجلي الـــآن .. رابط رسمي للتقديم في منحة المرأة الماكثة في
...
-
طريقة التسجيل في منحة المرأة العاملة في السعودية .. عبر المو
...
-
سوريا.. إدارة الشؤون السياسية تخصص مكتبا لشؤون المرأة يعنى ب
...
-
تعيين أول امرأة في الإدارة السورية الجديدة
-
لا اعتراف بأمومتكن.. أهلًا بكنّ في “برمانا هاي سكول”
-
سوريا.. تعليق أحمد الشرع على قلق العلمانيات من فرض ارتداء ال
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|