أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رضوى الأسود - أفغانستان .. هل ستشرق شمسك يوماً ؟!















المزيد.....

أفغانستان .. هل ستشرق شمسك يوماً ؟!


رضوى الأسود

الحوار المتمدن-العدد: 4905 - 2015 / 8 / 23 - 11:49
المحور: الادب والفن
    


ها هو خالد حسينى يبهرنا مجدداً فى رائعته المفجعة (ألف شمس مشرقة) الصادرة عام 2007، وترجمتها العربية الصادرة عن دار دال - سوريا عام 2010 لمها سعود. تتكون الرواية من ثلاث أقسام تحوى 51 فصلاً - ذلك التقسيم للفصول أراه غير ضرورى - ، ويمكننا اعتبار القسم الأول حكاية مريم، والثانى حكاية ليلى، والثالث حكايتهما معاً.

الرواية تجسيد لمأساة المرأة الأفغانية التى إن نجت من سيطرة المجتمع الأبوى، فلن تستطع مقاومة رائحة الموت سواء فى عهد الإحتلال السوفيتى أو فى الحرب الأهلية التى من الممكن أن تكون فيها ضحية فصيل جهادى مغاير يغتصبها أحدهم، فتُعاقب بالقتل (جريمة شرف) من قبل زوجها أو والدها غاسلاً العار! أو فى أحسن الأحوال تصبح أرملة أو أم ثكلى، تضطرها الحاجة للتخلى عن أطفالها فى ملاجىء الأيتام، أو أن تهرع للمخيمات، تنتظر فى كل لحظة الموت برداً أو جوعاً، أو تتحول لغانية كى تسد رمقها، وإن إختارت شكل آخر من الموت، فينتظرها بكل شوق بقمع ما تبقى من إنسانيتها باسم الدين فى الممارسات الوحشية لطالبان.
إنها حكاية امرأتان، مريم وليلى، على الرغم من خلفيتيهما المختلفتين تماماً، إلا أنهما "متساويتين بؤساً"، فالأولى ولدت عام 1959 فى هيرات، وهى ابنة غير شرعية لأب فاحش الثراء، يتخلى عنها ويجعلها تعيش فى كوخ هى وأمها التى كانت خادمته يوماً، ولم يكتف بذلك بل زوجها عنوة لرجل يكبرها بـ 30 عاماً، ليتخلص من هذا "العار"، أما الثانية فقد ولدت عام 1978، فى كابول لأم عصرية وأب مثقف، هادىء الطباع، يعمل بالتدريس، يغمرها بكل الحب. لكن نتيجة لظروف عدة تتشاركا نفس الرجل.
تبدأ احداث الرواية فعلياً من عام 1974 (كانت مريم تبلغ حينها 15 عاماً) وحتى 2003 (بعد إعدام مريم بعام واحد). لكن هناك ذكريات يتم استدعائها دوماً من تواريخ قديمة تمتد لعام ولادة مريم.
الرواية من حيث البناء تختلف عن الأولى (عدّاء الطائرة الورقية)، وبالطبع القصة مختلفة، لكن تظل دوماً أفغانستان هى البطل الأوحد. ليلى فى الرواية تجسيد للبلد المكلوم، الذى إنتقل من الشيوعية، حيث كانت النساء تتمتعن بقدر معقول من الحرية، حرية التعلم، ممارسة مختلف المهن، حرية الملبس (فى العاصمة تحديداً)، وفجأة تقوم القيامة، فتنشق الأرض عن المجاهدين، ويصبح اسمها "الجمهورية الأفغانية الإسلامية"، ليقتلوا فى 4 اعوام 50000 من السكان، ثم من بعدهم تأتى طالبان التى تقضى على أى مظهر للحياة، فيصبح اسمها "الإمارات الإسلامية الأفغانية".
ربما هنا إعادة إعتبار جزئى للإتحاد السوفيتى متمثلاً فى سياساته الشيوعية، والتى أكملتها الفترة القصيرة للرئيس نجيب الله، والتى تمتعت بدعم سوفيتى خالص، يقول (بابى) لإبنته ليلى: "إنه وقت جيد لتكونى امرأة فى أفغانستان"، فقد تمتعت ليلى منذ مولدها (إستيلاء الحزب الشيوعى على مقاليد الحكم بعد ثور ساور الدموية) وحتى بلوغها الـ 14 عاماً بأزهى عصور أفغانستان فى التاريخ الحديث، تقول ليلى: "كان بابى يعتقد بأن شيئاً واحداً فعله الشيوعيون كان صحيحاً أو على الأقل يقصدونه، كان حقل التعليم، راعت الحكومة تعليم كل النساء القراءة والكتابة، على الأغلب ثلث الطلاب فى جامعة كابول من النساء الآن". لكن الكاتب سرعان ما يعود لقناعاته السابقة - وربما لا وعيه - والتى أوضحناها فى روايته السابقة، فما من كلمة إنتقاد واحدة للغزو الأمريكى 2001 سوى عبارة: "عندما تتوقف قنابل بوش عن السقوط" (قاصداً بوش الابن)، عدا ذلك فأمريكا يقدمها الروائى على أنها الملجأ والملاذ (يفكر بابى بالجوء إليها هرباً من الحرب الأهلية)، وهذا ما يجعلنا نقول أنه أخفى وعن قصدية أكيدة الخسائر فى الأرواح لمدنيين عزل فى قرى وشوارع أفغانستان سواء فى غارات أمريكية أو لحلف الناتو، رغم أنها موثقة ومكتوبة فى الجرائد العالمية وحتى الأمريكية منها، تلك الحرب التى ناهضها مواطنون أمريكيون!
هناك تيمات متكررة عند خالد حسينى نجدها فى هذه الرواية وسابقتها: الابن غير الشرعى، الأب الثرى الذى يلفظ الابن، فكرة التكفير عن الذنب، الفقرات التاريخية التى تشمل الكلام عن أماكن بعينها توضح تاريخ أفغانستان (هيرات - شاهير إى زوهاك - باميان). كما إحتفظ بتقديمه لشخصيات إنسانية وواقعية للغاية، متنقلاً بسلاسة شديدة بينها، وكذلك بين الأمكنة والأزمنة المختلفة.
أيضاً تقديمه لطالبان والملالى (معلمي الدين) الذين شكلوهم، على أنهم النموذج الأسوأ للتطرف الدينى، ولكن هذه المرة بشكل مفصل. نشأتهم: "شباب الباشتون الذين هرّبوا عائلاتهم إلى باكستان خلال الحرب ضد السوفييت. اغلبهم نشأوا وبعضهم ولدوا فى مخيمات للاجئين على طول الحدود الباكستانية وفى مدارس باكستانية درسوا بها الشريعة على يد الملالى. كان قائدهم غامضاً، أمياً، منعزلاً وذي عين واحدة، اسمه الملا عمر"، قوانينهم: "هذه القوانين التى ستُفرض وسوف تستجيبون لها: كل المواطنين يجب أن يصلوا خمس مرات فى اليوم. إذا كان وقت الصلاة وكنتم تقومون شىء آخر، فسوف تجلدون. كل الأولاد سيلبسون العمائم، كل الأولاد سيرتدون اللباس الإسلامى، الغناء ممنوع، الرقص ممنوع، لعب الورق، لعب الشطرنج، القمار، الطائرات الورقية ممنوعة، كتابة الكتب، مشاهدة الأفلام، ورسم اللوحات ممنوع، إذا كان لديكم طيور الببغاء فسوف تجلدون، وطيوركم ستقتل، إذا سرقتم، ستقطع أيديكم من الرسغ، وإذا سرقتم مرة أخرى فسوف تقطع ساقكم، إذا كنتم غير مسلمين، فلا تتعبدوا حيث يمكن للمسلمين رؤيتكم، وإذا فعلتم، ستجلدون وتسجنون. إذا حاولتم تبديل مسلم عن دينه، فسوف تعدمون." ملا واحد فقط كان نموذجاً مختلفاً .. نموذجاً إنسانياً بعيداً تماماً عن التطرف والغلو، كان الملا فيض الله، معلم مريم.
هنا تجدر الإشارة إلى محاولات الروائى الحثيثة للتأكيد على أنه على الرغم من عادات وتقاليد هذا البلد المنغلق، المتدين، لم يكن هناك مغالاة أو تطرف، حتى فى وقت الحرب الأهلية للمجاهدين (بداية حقبة التطرف الدينى)، إلا حينما ظهرت طالبان، فوالد نانا حينما علم بحملها سفاحاً، لم يفكر مثلاُ فى قتلها، وليلى حينما ضاجعت طارق لم تخف من أى مصير ينتظرها بل رفضت عرضه للزواج منها والذهاب معه، أيضاً كانت هناك حياة نابضة وطبيعية تتمثل فى المسابقات والألعاب المختلفة ومشاهدة التلفاز.
نلاحظ أن الأطفال فى روايات حسينى ليسوا بأطفال، لا يتحدثون ولا يتعاملون كالأطفال، أنضجتهم نار الحروب وفقدان الآباء وتشوهات الجسد، فأسقطت عنهم البراءة بشكل شبه كامل. ونجد هذا واضحاً على سبيل المثال فى ردود أفعال عزيزة الإبنة حينما تذهب للملجأ.
المفردات والعبارات الدالة على قهر المرأة نجد منها الكثير، هنا نانا والدة مريم السيدة المعتلة جسدياً ونفسياً، التى أوصلها ما آلت إليه من لفظ مجتمعى إلى ملامسة حافة الجنون، تقول لابنتها حينما أعربت عن رغبتها فى التعليم، خائفة عليها من معايرة الناس بأصلها، ترفض طلبها بشكل قاطع، ثم توضح لها حقيقة وضعها كامرأة أولاً وابنة حرام ثانياً: "هذا ما يعنيه أن تكونى امرأة فى هذا العالم .. كما إبرة البوصلة تشير إلى الشمال، فإن اصبع الرجل يجد دائماً امرأة ليتهمها"، "فقط مهارة واحدة لامرأة مثلك ومثلى نحتاجها فى الحياة، التحمل، إنه قدرنا فى الحياة، يجب على نساء مثلنا التحلى بالصبر"، وثانية تقول لها: "كل ندفة ثلج هي تنهيدة ثقيلة من امرأة محزونة في مكان ما في العالم. كل تلك التنهيدات التي تنساق باتجاه السماء تتجمع في الغيوم ثم تتساقط بهدوء على شكل قطع صغيرة على الناس، إنه تذكير بالنساء اللواتي يعانين مثلنا، كيف نتحمل بصمت كل الذي يقع على كاهلنا"، "قلب الرجل مثير للأسى يا مريم إنه ليس كرحم الأم .. إنه لا ينزف الدم".
ثم مرة أخرى حينما يصف الكاتب دخول رشيد، الزوج الجديد، حياة مريم، فيقول: "حقائبها بين رجليه"، "كان خاتمها ضيقاً جداً، ولكنه لم يجد صعوبة فى إرغامه على الدخول فى إصبعها".
كلمات مثل الأعشاب و الجفاف جاءت فى تكرارية ملحوظة. فالأعشاب دلالة على الأشخاص غير المرغوب بهم، و الجفاف دلالة على جفاف منبع الحياة وموت مظاهرها الواضحة.
هناك إيغال فى الميلودرامية، وذلك حينما تختار مريم التضحية بنفسها وهى تعلم جيداً أن طالبان سوف ينفذون فيها حكم الإعدام، حتى أن الكاتب يذهب بعيداً حينما يجعلها تسقط حقها فى الإتيان بشهود. أيضاً حينما تذهب هى وليلى ليضعا الإبنة عزيزة فى ملجأ للأيتام كى يؤمّنوا لها المأكل، فى حين أنهما لم تفعلا الشىء ذاته مع زلماى الإبن. لكن تظل هذه المبالغات مقبولة فى سياق الرواية المؤلم شديد الواقعية.
شخصيات حسينى إنسانية وواقعية للغاية. يتنقل بسلاسة شديدة بينها، وكذلك بين الأمكنة والأزمنة المختلفة.
النهاية عند حسينى نجدها دوماً سعيدة، متفائلة، فهنا ليلى فى آخر صفحة تكتشف أنها تحمل بطفل من زوجها وحبيبها طارق. هذه النهاية دلالة على أن هناك ثمة أمل فى أفغانستان جديدة، أيضاً هناك دوماً تلك الرغبة العارمة فى العودة للوطن، بل هى عودة تحدث بالفعل لأبطاله مهما ابتعدوا، وتكون وسط المخاطر والأهوال وكأنهم غير عابئين بها، هم فقط يكترثون للأرض .. للجذور .. للتربة التى نشأوا منها وعليها. هناك يقين أن هذا سيحدث يوماً، أن يبرأ الوطن ويعود لسابق عهده، حتى أن "المرء لا يستطع عد الأقمار المشعة على سقوفها، أو الألف شمس المشرقة المختبئة خلف جدرانها" كما قال شاعر القرن السابع عشر، صائب التبريزى فى إحدى قصائده واصفاً أفغانستان، وهنا نأتى لاسم الرواية المُقتبسة من جزء من ذلك البيت.



#رضوى_الأسود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عدّاء الطائرة الورقية .. مرثية وطن كان يوماً
- تراجيم العشق
- شوق الدرويش .. الهوس الدينى مقابل الهوس بالمحبوب
- منافى الرب .. حينما يحتفى الموت بالحياة
- إن كانت ثورات -الربيع العربى- صنيعة صهيوأمريكية .. فماذا نحن ...
- عن الإخوان والإعلام وحماس ومصير الثورة
- دستور غير دستوري


المزيد.....




- حكاية الشتاء.. خريف عمر الروائي بول أوستر
- فنان عراقي هاجر وطنه المسرح وجد وطنه في مسرح ستوكهولم
- بالسينمات.. فيلم ولاد رزق 3 القاضية بطولة أحمد رزق وآسر ياسي ...
- فعالية أيام الثقافة الإماراتية تقام في العاصمة الروسية موسكو
- الدورة الـ19 من مهرجان موازين.. نجوم الغناء يتألقون بالمغرب ...
- ألف مبروك: خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في ...
- توقيع ديوان - رفيق الروح - للشاعرة أفنان جولاني في القدس
- من -سقط الزند- إلى -اللزوميات-.. أبو العلاء المعري فيلسوف ال ...
- “احــداث قوية” مسلسل صلاح الدين الجزء الثاني الحلقات كاملة م ...
- فيلم -ثلاثة عمالقة- يتصدر إيرادات شباك التذاكر الروسي


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رضوى الأسود - أفغانستان .. هل ستشرق شمسك يوماً ؟!