|
قراءة في نص قهرٌ للقاص حسن فهمي
عماد ابو حطب
الحوار المتمدن-العدد: 4902 - 2015 / 8 / 20 - 21:09
المحور:
الادب والفن
قراءة في نص قهرٌ الظلام للقاص حسن فهمي
النص
قهرٌ كان يعدُّ الأيّام والسّاعات، حينما حان الأجل، ذهب لاستقباله والبهجة تغمره، غدا مسرعاً لمنزله، ولج الحارة متلصّصاً يترقّب بعينين زائغتين، برز له ثلاثتهم، انتزعوه منه بلا رحمةٍ أو هوادةٍ، بالكاد استطاع أن ينقذه بعد أن فقد بعض أعضائه، أغلق الباب خلفه... ألقى بين راحتيها ماتبقّى من راتبه.
القراءة
ربما من حظ هذا النص الجميل والذي اختلف على تصنيفه انه فتح لنا نقاشا جوهريا على جوهر بناء القصة القصيرة جدا.وقرائتي للنص ستبدأ من القفلة التي ركز عليها العديد من الأستاذات والاساتذة واعتبروا أنها بشكلها المعتمد من قبل الكاتب/ة قد نزعت صفة ق.ق.ج عن النص وألقت به في مصاف القصة القصيرة.
القفلة: ما هو الفرق ما بين النهاية في القصة القصيرة والقفلة في القصة القصيرة جدا.انا اتفق مع أستاذي الكبير Ahmed Tantawy في أن القفلة هي العنصر المساهم في تحقيق الإندهاش المتولد عند إنهاء المفارقة أو المفاجأة داخل ق.ق.ج. ففي حين يري البعض ومنهم أستاذنا أحمد طنطاوي ان القفلة ليست باب يغلق النص وينهيه بل هي مفتاح يفتح باب التحليل والتأويل فأنا اعتقد ان هذا راي قلة من النقاد والكثير منهم لا يراه واجب دوما وشرطا للقصة القصيرة جدا رغم انه الشكل المعتمد في غالب الاحيان. و اذا كان بعض النقاد يعتبرون أن قفلة القصة القصيرة جدا ليست سكون تقف عليه وعنده نهاية القصة القصيرة جدا بل هي نقطة متحركة تدفع القاريء بعد اندهاشه إلى التفكير والتساؤل وربما إلى الانخراط والمشاركة في تخيل ماذا سيتم بعد القفلة ويسمونها القفلة المفتوحة التي تترك مجالاً للتاويلات، ومن هنا عليها أن تكون صادمة بشدة ومؤثرة.. كصفعة يتلقاها القارئ.. وتجعله يفكر: "ماذا سيحدث بعد؟".. أو "ما معنى هذا"؟....ألا إن الكثير من النقاد لا يشترطون هذا الأمر كشرط لبناء القصة القصيرة جدا. فهؤلاء ومنهم كتاب ق.ق.ج يرون أن القفلة نهاية للسرد أو الحدوتة وهنا وان هم يقتربون من تخوم بناء القصة القصيرة التي تكون نهايتها واضحة إلا أنهم يؤكدون تعدد أنماط القفلة في ق.ق.ج والتي قد تكون نهاية عمل الكاتب ولكنها ليس بالضرورة بداية عمل للقارئ العادي و المتخصص في التفكير إلى ما بعدها. ربما خير من أجاد التعبير عن هكذا مفهوم هو الدكتور مسلك ميمون الذي يرى ان" القفلة هي امتداد لجسد النص،لفكرته ،لمضمونه،لما يريد الحكي أن يقوله للآخر، لكن بما لم ينتظره القارئ...و كأن القفلة تلعب على اتجاهين في مسار الحكي...مسار تصاعدي من جهة و ظاهر للعيان و الآخر خفي لا يظهر إلا في القفلة بشكل مفاجئ...يجعل من حالة القارئ حالة فيها من الدهشة و التساؤل ما يفتح عليه باب التأويلات."لكنه لم يشترط قفلة مفتوحة تبطل معه صفة القصة القصيرة جدا عن من لا يلجأ إليها فهو يقول:" و مادام حديثنا عن القفلة دون باقي الخصائص أقول : القفلة هي جملة الختم شكلا ، ولكنها مناط الّسرد ، فمنها انطلاق التّأويل ، و إليها يستند الـتّعليل ، و عليها يندرج التّحليل ... فهي ذات أهمية قصوى . حتى أنّ البعض لا يرى قصة قصيرة جدا بدون قفلة . و إن كان لي رأي مخالف . فالقفلة ـ على ما هي عليه من أهمية ـ فقد يحدث ألا يأتي بها القاصّ شريطة أن تكون القصـة على درجة عالية من التّكثيف ، أو الرمز ، أو الحذف و الاضمار .. فنسقية النّص و سياقه enonciation وتصويره البلاغي ....كلّ ذلك يجعل القفلــة استشنائية لأنّ ما سبقها ـ إن وجدت ـ غطى على دلالتها و تأثيــرها . " انا اعتقد أن الكثير من منظري القصة القصيرة جدا ومنهم د.جميل حمداوي قد تناولوا القفلة وعددوا أنواعها المختلفة ولم يشترط بعضهم أن تكون مثلا مفاجئة أو صادمة. فإذا كانت القفلة هي التي تمنح النص المتعة البالغة "لذة النص" حينما تكون مفاجئة وغير متوقعة.. ومنها ليست هي التي تصنع نصا صادما. متعة النص تأتي من السرد والفكرة بالاساس.. والقفلة مسؤولة في الغالب عن "الصدمة" الاساسية في النص.. قد تكون الفكرة هي الصادمة والغريبة أو أسلوب عرضها (السرد)، وهنا قد يلجا القاص الى جعل النهاية صادمة أيضاً، وفد ينهيها دون ذلك. وان لجأ الكثير من كتاب القصة القصيرة جدا الى التركيز على القفلة باعتبارها عنصرا أساسيا من عناصر ال ق .ق .ج لما تتركه من أثر بالغ في نفسية القارئ حيث تستدعيه للقراءة مرات ومرات .و كلما كانت حادة وموجعة وصادمة كلما حققت ذاتها وفتحت باب التأويلات وتعدد القراءات.الا انها يمكن أن تكون عادية ومباشرة أو عن تساؤل...وذلك حسب تيمة القصيصة.وانا اميل إلى رأي د.مسلك ميمون الذي أوردته في الاعلى . إن رجعنا إلى نص الكاتب/ة نجد أن النهاية جاءت على الشكل التالي:" ألقى بين راحتيها ماتبقّى من راتبه." وهذا ما اعتبره أستاذنا العزيز أحمد طنطاوي"افتقاد المفارقة ( و هى الإتيان بغير المتوقع ) و كما ذكرت : انتهت المشكلة التى أقلقتنا , استطاع الانتصار و الإفلات من اللصوص{ أو الدائنين }, و الحفاظ على المرتب .. ثم سلمه لزوجته .لا توجد مفارقة و لا ما هو غير متوقع , بل الأمر منطقى :هو استطاع أن ينقذ المرتب.إذن الطبيعى أن يذهب به إلى المنزل و يسلمه للزوجة". هنا اختلف مع أستاذي العزيز وأعيد إلى أن القفلة أنواع عدة عددها د.جميل حمداوي في الكثير من دراساته ومنها التي اعتمدها الكاتب/ة وهو شكل أسماه د.جميل حمداوي "النهايـــــة السعيـــدة"، وهي مستخدمة في الكثير من القصص القصيرة جدا وأعطى د.جميل مثالا عليها بقصة:"حالة طوارئ":" جلس في المقهى، كانت ماثلة قبالته بشكل متحد كأنه القدر. تثاءب، فتثاءبت، ابتسم، فافتر ثغرها عن ابتسامة. هم بها وهمت به. جلس أمام مقود سيارته وقبل أن يتم حركة فتح الباب لها، دوّت في المكان صفارات إنذار. توارتْ، وتوارى الكل في لمحة بصر. تحسس قميصه في ذهول فلم ير أنه قُدّ من قُبل ولا من دُبر، فتنفس الصعداء." نلاحظ - إذاً- بأن هذه القفلة القصصية القصيرة جدا تنتهي بنهاية سعيدة، وذلك من خلال جملة السارد:" فتنفس الصعداء" التي وضعت حدا لوضعية الاضطراب والتأزم. أليست هذه نهاية لا تحمل أي مفارقة والأمر منطقي أن يتنفس الصعداء. لهذا فأنا أعتقد أن كاتب/ة نصنا نجح في وضع قفلة تجعل القارئ متضامن مع نهاية ما تبقى من الراتب ليسأل نفسه وهل ما تبقى منه بعد نزع أعضائه هو راتب؟ المقدمة: وإن رجعنا إلى النص أخذ عليه اقترابه من القصة القصيرة بناء على السرد المسهب في بدايته والقابل للتكثيف والتي لخصت ب:" كان يعدُّ الأيّام والسّاعات، حينما حان الأجل، ذهب لاستقباله والبهجة تغمره، غدا مسرعاً لمنزله ".واعتبرت ان كل هذه زيادات ليس مكانها القصة القصيرة جدًا , لأنها موجودة فى مجرى الأحداث بعد ذلك و تُفهم منها .. أعتقد أن المقدمة أو استهلال النص هنا ينتمي الى ما أطلق عليه حسب وصف د.جميل حمداوي بالبدايـــة السرديــــة وأعطى مثلا عليها بقصة للمبدع جمال الدين الخضيري في قصة:"حب على شاكلة البعير":" زارتني خليلتي كعادتها في غرفتي نهاية هذا الأسبوع. وما طفقنا في عزف وصلة غرامية رائقة حتى بدأ كلبي المدلل يضايقني ويهش وينبح ويلح علي إلحاحا شديدا أن أكلم فتاتي في أمره. ....." هنا أن انتبهنا إلى وجود اطالات سردية "كعادتها...نهاية هذا الاسبوع...يلاحقني ويهش وينبح ويلح...."وهي اطالات سردية يمكن تكثيفها لكن وجودها لم يلغ تصنيف النص حسب رؤية د.الحمداوي انه قصة قصيرة جدا رغم أن النص المطروح أمامنا للنقد لا يحمل مثل هذه الإطالة المتواجدة في نص الخضيري.اعتقد أن بداية نص كاتبنا/كاتبتنا لم تحمل اسهابا في الشرح بل هو سرد مكثف لوصف حالة البطل مع مطلع الشهر.هل كان بالامكان التكثيف...ربما لو كتب النص بصيغ أخرى لكنها لن تجعل المتلقي يعيش مناخ الموظف الذي ينتظر راتبه مطلع الشهر على أحر من الجمر.لعل مدخل النص المقترح من أستاذنا Ahmed Tantawy :" ولج الحارة متلصّصاً يترقّب بعينين زائغتين، برز له ثلاثتهم " .لكن هذا الاقتراح الأكثر تكثيفا يبتعد عن الاجواء النفسية والحالة التي يعيشها الموظف والتي حرص الكاتب/ة على جعل المتلقي يعيشها بكلمات مقتضبة . العقدة: إن حاولنا ولوج العقدة نجد ان البعض اخذ على النص استخدام الكاتب/ة أسلوب "السرد المتتابع المتسلسل الرتيب الذى يراعى الترتيب الفيزيائى للزمن , و لا يقفز على هذه الوحدات الزمنية باعتباره يخاطب { الوعى } فى نهاياته الكلية و يحاول أن يلمس الجوهر .. الترتيب التسلسلى الزمنى يتعارض مع النظرة الكلية باعتمادة ( الوحدات المحددة الحاسمة القاسية التنظيم } ..". إن رجعنا إلى النص نرى أن العقدة كانت بدايتها: "غدا مسرعاً لمنزله ولج الحارة متلصّصاً يترقّب بعينين زائغتين برز له ثلاثتهم، انتزعوه منه بلا رحمةٍ أو هوادةٍ بالكاد استطاع أن ينقذه بعد أن فقد بعض أعضائه أغلق الباب خلفه." في هذا النص لجأ الكاتب/ة إلى ما يسمى العقدة المفصلة والتي تعني تلك العقدة التي تستكمل مقوماتها الفنية والجمالية، وغالبا ما تكون عقدة عادية وطبيعية كما في النصوص السردية المألوفة.والتي أعطى مثالا عليها د.جميل الحمداوي في دراسة عن قصة:" ثورة" للكاتب الخضيري: "هاج حمار القرية وركض نحو القرية المجاورة وسفد أتانا هناك. القريتان على طرفي نقيض ولا يوحد بينهما إلا اشتباكات العصي وطقطقات المقالع. ثار النقع بينهما من جديد. هبت كل قرية لنصرة حيوانها. سقط حشد كبير. وجدها حمير القريتين فرصة لا تعوض فنزحوا إلى مكان بعيد عن أرض الوغى ليمارسوا لأول مرة الحب على هواهم ودون مراقبة." ماذا نرى هنا اسهابا في السرد.تسلسلا زمنيا وحركيا محددا بدقة وهذا الأمر اعتبره د.الحمداوي أحد أشكال التنويع في بناء العقدة في القصة القصيرة جدا. وإذا قارنا نص الكاتب/ة المطروح للنقد نرى تكثيفا أكبر تسلسلا زمنيا مقتضب ورغم هذا فإن نص ا. الخضيري اعتبر من الأشكال المعتمدة في بناء ق.ق.ج بينما نصنا اعتبر قصة قصيرة رغم تفاوت المستوى بين التكثيف والإمساك بتسلسل النص وسرد بين النصين والذي يميل لصالح النص المطروح في زاوية النقد. انا ارى ان الكاتب/ة مطل جيدا على اشكال بناء العقد في ق.ق.ج وهو هنا اعتمد شكل بناء ما سمي بالعقدة المفصلة وهي تشبه العقدة التي نجدها في الأقصوصة والقصة القصيرة، وقد استكملت مكوناتها السردية تحبيكا وتسريدا وتخطيبا. لهذا كله فأنا أعتقد أن النص قصة قصيرة جدا مكتملة الاركان.بداية من عنوان مفرد نكرة متصل بمضمون النص واتصالا بنص ذكي صيغ بحرفية وبسلاسة وهو من القصص القصيرة جدا المنتمية إلى المذهب الواقعي حيث نلمس دقة التصوير والتعبير بديلاُ من الأحلام والتهويل، وعناية بالمشكلات الاجتماعية أكثر من عنايتها بالفرد، هنا نص يهتم بالمضمون بسلاسة، ويهتم بتصوير الجانب المظلم في العالم والمنهار من العام على ضوء واقع الطبقات المسحوقة في المجتمع. أحيي كاتب/ة النص على نصه الممتع والذي فتح أمامنا هذا النقاش الواسع.
#عماد_ابو_حطب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في نص نكبة للقاص عماد نوير
-
كوة / قصة قصيرة جدا
-
قراءة نقدية في نص « ذكرى» للكاتب: راسم الخطاط
-
قراءة في نص نور الظلام للقاص مصطفى ابو حطب
-
دجالة
-
الومضة المتدحرجة
-
قراءة في نص - خداع مرآة - للقاص حسن علي البطران
-
قراءة في نص العرافة والأفعى ...للقاصة هداية مرزق (Houda Aize
...
-
قراءة أولية في نص أزرق للقاص عبدالباقي الصباغ
-
قراءة في نص (البؤساء) للقاص تموز الحلبي
-
محاولة لقراءة اولية في نص حورس للقاص عثمان عمر الشال
-
لسان/قصة قصيرة جدا
-
تقاعد/هايكو
-
عين زجاجية/قصة قصيرة جدا
-
الجد /قصة قصيرة جدا
-
نسيان/قصة قصيرة جدا
-
انتحال/قصة قصيرة جدا
-
كيشيموجان /قصة قصيرة جدا
-
حانوتي/قصة قصيرة جدا
-
إعدام
المزيد.....
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
-
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع
...
-
نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|