|
من أجل نهضة ثورية لنظامنا التربوي
حامد الحمداني
الحوار المتمدن-العدد: 4902 - 2015 / 8 / 20 - 15:56
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يشهد عصرنا الحاضر تطوراً كبيراً في أساليب التربية الديمقراطية قلب المفاهيم السائدة رأساً على عقب، فبعد أن كان الكتاب والمعلم، وهو لا يزال مع شديد الأسف في الكثير من البلدان النامية هما المحور الذي تدور حوله عملية التربية والتعليم، وجلّ هم المدرسة حشو أدمغة التلاميذ بالمعلومات النظرية التي تتضمنها الكتب المقررة من قبل وزارات التربية والتعليم، والتي ليس لها علاقة بواقع حياتهم، ولاصلة تربطها بالمجتمع، وإجبار التلاميذ على استيعابها بكل الوسائل ومنها بكل تأكيد القسرية بما فيها العقاب البدني لكي يتم حفظها عن ظهر قلب، وتأدية الامتحانات فيها. لكن تلك المعلومات التي اُجبر على حفظها لا تلبث أن تتبخر من أذهانهم لأن التلميذ ينسى بسرعة ما تعلمه، لكنه يذكر دائماً ما وجده بنفسه، وإن التعلم الحقيقي هو أن يقوم التلميذ نفسه بتجاربه، فهو يفهم أكثر إذا عمل بدل أن يصغي و يقرأ، وإن كل المعارف التي يتلقاها التلميذ عن طريق الترديد والتلقين لا تعتبر معارف حقيقية، فقد تكون الخطورة في الترديد من دون الفهم، وقد يكون الفهم خاطئاً، وهوما يعتبر اخطر من الجهل كما يقول أفلاطون. إن من الضروري أن يتملك التلميذ المعرفة، ويمتصها بكيانه كله، وبفكره وتجربته، لكنه يعجز عن ذلك إذا لم نتح له الوقت المناسب ليدرسها، وليستعيدها لنفسه وحسابه الخاص، ولا يشك أحد أن معرفة كهذه هي أبقى من معرفة تُلقن تلقيناً لأنها تبقى أبداً في حالة استعداد لمجابهة مواقف ومشاكل أخرى حتى ولو نسيتها الذاكرة لأنها تتيح للتلميذ فرصة توسيع إمكانياته. لقد أهملت المدرسة القديمة ميول ورغبات وغرائز الأطفال، وضرورة إشباعها وتشذيبها وصقلها، وأهملت ضرورة فسح المجال لإظهار التلميذ لقدراته وقابليته في مختلف الفنون الموسيقية والغنائية والتمثيلية، وأهملت ضرورة إعطائه المجال الواسع للعب وإظهار طاقاته البدنية المكبوتة، واعتُبرت مسائل ثانوية في نظر القائمين على التربية لا تستحق الاهتمام. لقد أجاد المربي الكبيرجون ديوي في كتابه [المدرسة والمجتمع] في وصف واقع المدرسة القديمة قائلاً: {لكي أوضح النقاط الشائعة في التربية القديمة بسلبيتها في الاتجاه، وميكانيكيتها في حشد الأطفال، وتجانسها في المناهج والطريقة، من الممكن أن يلخص كل ذلك بالقول بأن مركز الجاذبية واقع خارج نطاق الطفل، إنه في المعلم وفي الكتاب المدرسي، بل قل في أي مكان تشاء عدا أن يكون في غرائز الطفل وفعالياته بصورة مباشرة، وعلى تلك الأسس فليس هناك ما يقال عن حياة الطفل، وقد يمكن ذكر الكثير عما يدرسه الطفل، إلا أن المدرسة ليست المكان الذي يعيش فيه، وفي الوقت الحاضر نرى أن التغيير المقبل في تربيتنا هو تحول مركز الجاذبية، فهو تغير أو ثورة ليست غريبة عن تلك التي أحدثها كوبر نيكوس عندما تحول المركز الفلكي من الأرض إلى الشمس، ففي هذه الحالة يصبح الطفل الشمس التي تدور حولها تطبيقات التربية، وهو المركز الذي ننظمها حوله} . أما العالم الشهير[جان جاك رسو] فقد دعا في عصره إلى إجراء التغيير الجذري في مناهج المدرسة قائلاً : {حولوا انتباه تلاميذكم إلى ظواهر طبيعية فيصبح أشد فضولاً، ولكن لا تتعجلوا في إرضاء هذا الفضول بل ضعوا الأسئلة في متناوله، ودعوه يجيب عليها، ليعلم ما يعلم، ليس لأنكم قلتموه له، بل لأنه فهمه بنفسه ليكشف العلم بدلاً من أن يحفظه، فعندما يجبر على أن يتعلم بذاته فإنه يستعمل عقله بدلاً من أن يعتمد على عقل غيره، فمن هذا التمرين المتواصل يجب أن تنتج قوة عقلية تشابه القوة التي يعطيها العمل والتعب للجسم. إن الإنسان يتقدم بالنسبة لقواه، وكذلك الفكر فإنه مثل الجسد لا يحمل إلا ما وسع من طاقته}. وهكذا إذاً كانت الدعوات من قبل العلماء والمفكرين تتوإلى لإعادة النظر في المناهج الدراسية والتربوية من أجل تحويل المدرسة إلى صورة مصغرة من المجتمع الديمقراطي المشذب والمهذب لكي يمارس التلاميذ حياتهم الفعلية فيها، ولكي يستنبطوا الحقائق بأنفسهم، ولكي يصبح الكتاب والمعلم عاملين مساعدين في تحقيق ما نصبو إليه في تربية أجيالنا الصاعدة، ولتصبح المدرسة هي الحياة بالنسبة لأجيالنا، وليست إعداداً للحياة، حيث يمارس التلاميذ داخل مدرستهم مختلف أنواع المهن الموجودة في المجتمع الكبير، ويمارسون كل هواياتهم الفنية والرياضية والموسيقية وغيرها من الهوايات الأخرى، وبكل ثقة نستطيع أن نقول أنهم بهذا الأسلوب سوف يطلقون قدراتهم الذاتية في الاستطلاع والفهم والاستيعاب واستنباط الحقائق بأنفسهم خيراً ألف مرة من تلقينهم الدروس المحددة والجامدة، والتي لا تغنيهم شيئاً ولا تلبث أن تطير من أذهانهم . أننا إذا كنا ننشد إقامة نظام ديمقراطي حقيقي فعلينا أن نبدأ بتربية أبنائنا على أسس ديمقراطية، وهذا يتطلب منا أحداث ثورة في المناهج التربوية تزيح جانباً الأساليب التربوية البالية، وتعتمد الأسلوب العلمي والديمقراطي الحديث، وعلينا أن نعيد أعداد الجهاز التربوي بما يتلاءم مع التطوير المنشود لمناهجنا التي عفا عليها الزمن، وهذا يقتضي أن نبذل جهودا مضنية لأعداد الدورات الدراسية للجهاز التربوي تؤهلهم للنهوض بهذه المهمة الصعبة والكبيرة. وإذا لم نٌعد الجهاز التربوي إعداداً ديمقراطياً سليماً، ولم نستأصل الفكر الفاشي القائم على العنف بشقيه العنصري والديني والذي نما وترعرع على عهد النظام البعثي الفاشي وتدهور بشكل خطير على أيدي احزاب الاسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني والذين استلموا السلطة في البلاد من المحتلين فليس من الممكن إطلاقاً أعداد جيل يدرك معنى الديمقراطية، ويحيا في ظلها ويتمسك بها، فالمناهج الحديثة المتطورة والجهاز التربوي المتشبع بالفكر الديمقراطي عاملان متلازمان لا يمكن فصلهما عن بعضهما لتحقيق الأهداف التي نصبوا إليها في تربية أجيالنا الصاعدة التربية المنشودة. أن مهمة احداث نهضة ثورية في مدارسنا تتطلب جهازاً تربوياً كفوءاً يقوده جهاز وزاري متخصص مختار من اساتذة التربية وعلم النفس، وعلى رأسهم وزير على درجة عالية من القدارت التربوية النيرة، لا كما جرى في عهد ما بعد الاحتلال حيث تبوأ وزارة التربية الملالي مع مزيد الأسف اوصلوا مدارسنا إلى الحضيض .
#حامد_الحمداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأزمة العراقية الراهنة وآفاق الخروج من النفق المظلم
-
متطلبات الاصلاح الجذري في العراق للخروج من ازمته الراهنة
-
رسالة مستعجلة للسيد رئيس الوزراء حيدر العبادي
-
المجد لثورة الرابع عشر من تموز وقائدها الشجاع عبد الكريم قاس
...
-
هذا هو السبيل لانقاذ العراق وشعبه من وضعه الكارثي
-
أزمة العلاقات الأمريكية الروسية من حرب جورجيا إلى حرب اوكران
...
-
من ذاكرة التاريخ: ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني للعراق
-
من ذاكرة التاريخ : العلاقات العراقية الامريكية ودور اسرائيل
...
-
وداع
-
مهمات اليسار العربي في عصر العولمة
-
تراجع حقوق المرأة في ظل ثورات الربيع العربي!
-
من ذاكرة التاريخ : نكبة فلسطين ومسؤولية الحكام العرب
-
شهادة للتاريخ : الهجوم الرجعي في الموصل، وموقف عبد الكريم قا
...
-
من ذاكرة التاريخ : صدام يزج العراق في الحرب ضد إيران - الحلق
...
-
من ذاكرة التاريخ : صدام يزج العراق بالحرب ضد إيران/ 2/3
-
صدام يزج العراق بحرب ضد إيران 1/3
-
من ذاكرة التاريخ : صدام يزيح البكر ويستولي على السلطة
-
من ذاكرة التاريخ : البعثيون والشيوعيون والجبهة الوطنية
-
من ذاكرة التاريخ : البعثيون والحركة الكردية
-
من ذاكرة التاريخ: عودة البعثيين للحكم من جديد!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|