أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد محمد رحيم - المثقف وخانق السياسة















المزيد.....

المثقف وخانق السياسة


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 1350 - 2005 / 10 / 17 - 11:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


وإذ ننعت المثقفين بالنخبة نمنح هذا المفهوم بعداً سياسياً، فالنخبة هي الشريحة التي تفترض نفسها قائدة للفعل الاجتماعي، وتطالب الآخرين أن يعترفوا لها بهذا الدور. ولكن؛ متى وكيف يصبح المثقفون نخبة؟ وهل أعترف المجتمع للمثقفين بهذا الموقع، أم أن ذلك كان وهماً من أوهامهم كما يقول علي حرب؟
وأيضاً؛ هل هي الظروف الموضوعية، في العالم الثالث، ولا سيما في بلداننا العربية ما دفع المثقفين لدخول حلبة السياسة، أم أن المثقف يعوّض بالسياسة عن فشله في أداء الوظيفة الثقافية؟
هل السياسي مثقف؟.. في أي مرحلة، بعد انغماسه بلعبة السياسة يكف المرء عن كونه مثقفاً؟ وهل هذا الفصل، بين المثقف والسياسي ضروري؟
وإذا ما حددنا مفهوم المثقف بأنه؛ ذلك الفاعل الاجتماعي الذي ينشغل بقضية المعنى، ويمتلك منهجاً نقدياً ورؤية للعالم والتاريخ، ويرفض الوثوقية الجامدة، ويسعى لفتح مجالات وآفاق جديدة في عالم الفكر، فهل يستطيع هذا المثقف، أبداً، أن يكون سياسياً ينخرط في لعبة السياسة وبمعنيين لها: / "الاعتقاد بإيديولوجيا ثبوتية". أو "إن حقائق القوة والمصالح هي التي تسيّر العالم، وليست المبادئ"؟. وفي الغالب، ولا سيما عند الأحزاب ذات الطابع الفاشي يتلازم المعنيان بمفارقة عجيبة.
وقبل ذلك؛ إذا كان مفهوم المثقف مرتبطاً بالمجتمع المدني ومؤسساته، أفلا نصادف إشكالية كبيرة حين نتحدث عن "مثقف عربي" في مجتمعنا الذي لم ينبن بعد مؤسساتياً ـ مدنياً؟.
إن خيار السياسة للمثقف العربي لم يكن بدافع الترف، أو البحث عن السلطة بقدر ما كان نتيجة للعوامل التاريخية التي أحاطت بالمجتمعات العربية منذ غزو نابليون لمصر في العام 1798 وما أعقبته من أحداث معقدة أصبح معها الفعل السياسي رهاناً دراماتيكياً للخروج من واقع التخلف الذي تعرّف عليه المثقفون وتحسسوه قبل غيرهم فوجدوا في السياسة الوسيلة الناجعة، أو ربما الوحيدة للنهوض الفكري والعلمي والحضاري لتغدو السياسة بعدئذ عقبة أمام أداء وظيفتهم الثقافية، وأعني بها الإبداع، والنقد بمعناه العميق ونطاقه الواسع ـ من النص، إلى المجتمع والتاريخ ـ فبعد أن تجسد الموقف السياسي للمثقف العربي، وفي الغالب، من خلال انتمائه إلى حزب من الأحزاب، وإيمانه بعقيدة هذا الحزب، أو على الأقل تعلقه بإيديولوجيا معينة والدفاع عنها حتى في حالة عدم انتمائه فعلياً افتقد هذا المثقف لشرطين هامين من شروط وجوده مثقفاً، وهما؛ الحرية والاستقلال في الرأي والتفكير.
لقد باتت وظيفة هذا المثقف تتلخص في شرح إيديولوجية حزبه والدفاع عنها وتسويغ سلوكيات الحزب الصحيحة والخاطئة بدل أن يكون مصدر نقد وتقويم لهما.
من هنا كونت السياسة وإفرازات اللعبة السياسية بعداً ملتبساً من أبعاد شخصية المثقف العربي. وإذ استندت هذه السياسة على قاعدة فكرية دوغمائية قتلت عند المثقف العربي حسه النقدي، وشوهت رؤيته للأحداث والظواهر والأفكار. وبقيت الحقائق قريبة تحت أرنبة أنفه، ولكن غالباً لم يكن يراها بالوضوح الكافي. ولذلك فإن تصوراته عنها كانت مموهة وزائفة. والأدهى أنه كان يؤمن بتصوراته تلك إيماناً يقينياً لا يتزعزع، ويكون مستعداً، أحياناً، لممارسة العنف من أجلها. وهذا يفسر إلى حد بعيد، التاريخ الإشكالي للسياسة العربية والثقافة العربية المعاصرتين.
عانت الثقافة العربية طويلاً من عسر التنفس في خانق السياسة. فقد ظلت تابعة لهذه السياسة بدلاً من أن تكون موجِّهة لها، أو حتى مستقلة عنها. فلعبة السياسة ألحقت ضرراً بليغاً بالثقافة العربية، ولا سيما بعد أن انتقلت أشكال التعصب القبلي والعرقي والطائفي إلى صميم المشهد السياسي، ومن ثم الثقافي العربي، وأصبحت تلك الأشكال بمثابة الخلفية اللاواعية المحركة والمحددة لسلوك وقناعات كثر من المثقفين والساسة العرب.
في هذه النقطة التراجيكوميدية الحرجة صُنعت متاهة السياسي العربي وشقاء المثقف العربي.
* * *
من أجل أفكارهم‘ غالباً ما أعطى المثقفون من أرصدة أجسادهم وأرواحهم ضرائب باهظة، مبعدين إلى المنافي، أو مسجونين في المعتقلات، أو مهددين يتآكلهم القلق والخوف، ناهيك عن أولئك الذين قضوا شهداء في سبيل حرية البشر وكرامتهم، وحقهم في الحياة. وكانوا في ذلك كله والجين دروب السياسة وإشكالاتها، وكان من المثقفين من عدَّ تياراً سياسياً أو حزباً أو جبهة معارضة لوحده ليكون داخل أتون السياسة وخارجه في الوقت نفسه، وأسماء من قبيل ( ماركس، سارتر، مالرو، فرانز فانون، ماركيوز، دوبريه، غرامشي، طه حسين ) هي أمثلة على ذلك.
والمثقف هو هذا، أو هكذا ينبغي أن يكون؛ يرى أبعد وأعمق من العقائدي المتعصب، والسياسي التقليدي، ورجل السلطة.. قادر دوماً على اكتشاف الخلل، وعلى إنضاج تصوراته بشأن الحاضر والمستقبل. ويمتلك الجرأة في أن يعترف بخطئه إن أخطأ، وأن يقول "لا" كلما وجب ذلك.
ومذ يبدأ المثقف بالانزياح عن المألوف يغدو في قلب السياسة. وإذا كان المثقف هو اللاعب في حقل المعنى، والمتربص العنيد لأخطاء العالم بالعين الناقدة، فإن الشأن السياسي هو شأن هذا المثقف أولاً.
ويكون السياسي مثقفاً بالمعنى الذي حدده غرامشي من أن البشر جميعهم مثقفون، ولكنه ليس كذلك دائماً لمّا نؤطر مفهوم المثقف من خلال أداء الوظيفة الفكرية والإبداعية. فالمرء يغادر منطقة السياسة ويدخل منطقة الثقافة بقدر ما يتملص من المأزق الإيديولوجي الدوغمائي، أو يتسامى فوق المصالح الضيقة ليراجع بحرية القناعات الراسخة ويبتكر المفاهيم، ويقول رأيه من غير مواربة للسلطات القائمة ـ السياسية والاجتماعية والأخلاقية ـ ويجعل في النهاية من المعرفة سلطة، ومن الحوار آلية عمل فعالة، ومن الحرية وسيلة وغاية.
يعتقد السياسي أنه يمتلك الأجوبة الشافية عن أسئلة الواقع والتاريخ بينما يبقى المثقف في شك من ذلك فيعوض عن هذه الفجوة بطرح مزيد من الأسئلة، وبفرشة واسعة من الإجابات.
* * *
تقوم النظريات الوثوقية ـ الإيديولوجيات ـ على بنية رافضة لأي سؤال شكّاك، مناوئ، ومضاد ينبثق من داخلها، أو يتعرض لها من الخارج. وما المثقف سوى ذلك الكائن الذي يبث الحياة في مثل هذا السؤال.
وعلى الرغم من أن سند المثقف التقليدي، ولا سيما في العالم الثالث كان ــ الإيديولوجيا ــ فقد صار المثقف الآن، يبحث عن سند آخر بعدما أضحت الإيديولوجيا بمعناها الدوغمائي كلمة مذمومة.. هنا انتقل المثقف إلى الضفة الأخرى فلم يعد ذلك الذي يؤمن بإيديولوجيا شمولية، أو يبشر بيوتوبيا سعيدة، بل الذي يتبنى منهجاً فعالاً يستخدمه في مقاربة ونقد الإيديولوجيات والواقع الاجتماعي/ التاريخي، ويشتغل في الحقل المعرفي الذي يستوعب السياسي ولا يرتهن به. ذلك أن الإيديولوجيا تتصلب حين نجعل من مقتضيات السياسة حدوداً للمعرفة التي تموت داخل أية حدود.
ها هنا يكمن خطر أن نرهن الثقافي بالسياسي، لا لأن العاملين هذين يشتغلان بآليتين مختلفتين وحسب، ولا لأنهما يتحركان في مستويات قد تتداخل أحياناً، لكنها لا تتطابق في الغالب، بل لأن إستراتيجيات الثقافة شيء ومناورات السياسة شيء آخر. فالمثقف الذي يدخل منطقة السياسي عليه ألاّ ينسى كونه حامل همٍّ ومشروع ثقافيين، وليس طالب مصلحة وسلطة. والسياسي يعمل وينتج خطابه من دون اعتبار كبيير للأخلاق بينما المثقف يضع الأخلاق في صلب خطابه، أو هكذا يفترض به.
* * *
حين تصبح الحقيقة على يد السياسي الضحية الأولى، على المثقف أن ينبري لإنقاذها. وعلى المثقف أن يعيد ترتيب وضع العالم من خلال أفكاره وإبداعه كلما عاث فيه السياسي فساداً. وعلى المثقف أن يقض مضجع السياسي، وأن يقلق راحته، ويسلبه طمأنينة النوم كي لا يتمادى ـ السياسي ـ ويعبث بحق ليس له. لهذا فإن المثقف سيقترف ـ كما يقول سلمان رشدي ـ واحداً من أكثر أعمال الاستسلام خسة في التاريخ إذا ما ترك مهمة رسم العالم لرجل السياسة.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نصف حياة - نيبول - نموذج للرواية ما بعد الكولونيالية
- أدب ما بعد الكولونيالية: إتساع المفهوم وتحديدات السياق
- إخفاق المثقفين
- خطاب السلطة.. خطاب الثقافة
- الفاشية واللغة المغتصبة
- الفكر النهضوي العربي: الذات، العقل، الحرية
- اغتراب المثقفين
- في الثرثرة السياسية
- ماذا نفعل بإرث إدوارد سعيد؟
- أدب ما بعد الكولونيالية؛ الرؤية المختلفة والسرد المضاد
- الأغلبية والأقلية، والفهم القاصر
- قيامة الخوف: قراءة في رواية( الخائف والمخيف ) لزهير الجزائري
- الرواية والمدينة: إشكالية علاقة قلقة
- المجتمع الاستهلاكي.. انهيار مقولات الحداثة
- العولمة والإعلام.. ثقافة الاستهلاك.. استثمار الجسد وسلطة الص ...


المزيد.....




- بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من ...
- عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش ...
- فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ ...
- واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
- بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا ...
- إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
- هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
- هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
- -مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال ...
- كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد محمد رحيم - المثقف وخانق السياسة