|
كيف تؤلف لك دين جديد - جزء أول
سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 4899 - 2015 / 8 / 17 - 17:46
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
- الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت (58) .
* دين إنسانى . بعد دراسات عميقة فى الأديان لم تكتفى بدراسة أطروحاتها وقصصها وتراثها وتناقضاتها لتخوض فى الجذور النفسية للإنسان القديم وتضاريس ذهنه وتصوراته وما إعتراه من قلق وجودى وعجز فى مواجهة الطبيعة وجدت أنه يمكنى إبداع دين جديد ورسم ملامحه ليحظى على التأثير والقبول وذلك بتطويع وإستلهام تجارب القدماء . بدأت أسطر شروط قيام دين جديد متكئا على دراستى وفهمى للحالة الإيمانية ومتطلباتها النفسية وكيفية التأثير على الجموع من خلال التعاطى مع رؤية الإنسان القديم الذى أنتج الأديان فى إبداع فكرى لا يفتقد للذكاء من حيث التعاطى النفسى مع الجماهير بغض النظر عن هشاشة القصص والخرافات الدينية التى رسمها , ومن هنا سأدون الشروط الواجب إتباعها عند تأليف دين جديد والتى لن تخرج عن فن التعامل مع النفس البشرية أو قل التحايل على الحالة النفسية للبشر حتى يجد الدين حضوراً فى نفوسهم مهما تم شحن الدين الجديد بكم من الخرافات واللامنطق , ولكننا لن ننحو إلى هذا المنحى العبثى المشابه للأديان فسأعرض فى نهاية هذه السلسلة " من كيف تؤلف دين جديد" طرح دين إنسانى يتجاوز بداوة وبشاعة الأديان القديمة . إذن هناك شروط عديدة لتأطير وصياغة دين جديد ونظرا لتعددها ودسامة محتواها فسأعتنى فى هذا المقال بواحدة منها وسيكون طرحى فى إطار نقد الفكر الإيمانى الدينى فلا تكون الأمور مجرد رصد وطرح رؤية جديدة بل نقد لمنظومات دينية قائمة وأثرها التخريبى على فكر وسلوك البشر .
* تجييش الجماهير أمام عدو مُفترض . من الاهمية بمكان لوجود أى دين أن يخلق حالة من المواجهة فلا وجود لدين بدون عدو يتم الإيهام به وتصعيده والتحذير من خطره ومؤامراته فبدون هذه الفوبيا لن يوجد دين بل وجهة نظر فكرية إجتماعية للحياة لذا فلتعتنى وأنت تؤسس لدين جديد أن تخلق العدو خلقاً وتحذر الجموع من مؤامراته الخفية والرديئة الظاهرة والباطنه لتحظى على حالة توجس وإستنفار وتعبئة يصيغها رجال الدين والكهنه فى منظومة تجييش وتعبئة للمشاعر لتحظى على حضور جماهيرى قوى يتشبث بالدين الجديد ويحاول نصرته والزود عنه وإعلاءه من خلال مشاعر الجماهير التى تتوحد تجاه الخطر ليكون ملاذها التحصن فى هذا الدين الجديد الذى يعبئها ويوحدها ويمنحها الهوية والقدرة على الصمود .
- عودة لفتح ملف فوبيا المؤامرة . تناولت فى مقال سابق نقد لفكرة المؤامرة التى تسيطر على الذهنية العربية الإسلامية فلم أنفى وجود مخططات غربية لأعتبر هذا شئ طبيعى ضمن آليات صراع المصالح ولكنى اعتنيت حينها بنقطة أراها من الأهمية بمكان وهى أن ثقافتنا الدينية تخدم المخططات الغربية الرامية للتقسيم والتفتيت كونها ثقافة نابذة إقصائية فى الأساس لا تعرف معنى قبول الآخر والوحدة والمواطنة وضربت مثالا بالصراع السنى الشيعى فهو أمل غربى فى تقسيم العراق ولكن مفرداته ومكوناته وتاريخه وأدواته وآلياته وحراكه منتج محلى خالص بفعل ميراث ثقافة نابذة إقصائية عدائية , فلو كانت لنا ثقافة تحتوى وتضم وتوحد وتستوعب الآخرين فلا مكان لآمال مؤامرات غربية أن تتحقق .
المشكلة فى الفكر العربى الإسلامى أنه تماهى فى نظرية المؤامرة لحد الإدمان بل يمكن القول أنه بدون تواجد فكرة المؤامرة ما تواجد دين أو معتقد , فنظرية وجود العدو المُتربص فى صلب الفكر الإيمانى عموماً والإسلامى خاصة فمنه يقتات ليضمن له الوجود والبقاء وذلك بتجييش المؤمنين والتابعين فى وهم معركة صراع تريد النيل من إيمانهم وهويتهم فيتوحد المؤمنين من إحساسهم بالخطر تحت تلك الراية , لذا يعتبر الدين فن خلق العدو حتى ولو لم يكن موجوداً والتصعيد من خطورته بغية أن يعيش المؤمن حالة من الحذر والترقب الدائم ليتقبل منظومته الإيمانية ويتشبث بها وينصرف عن أى شك يعتريه فهو فى معركة وجود .
* من هنا يلزم أن نتعاطى مع نظرية التجييش . - التجييش لا يتم إلا بخلق حالة من الخوف والقلق فلكى تجيش جماعة بشرية لابد أن تصدر لها الخوف والقلق القادم من الآخر لتتوحد الجهود حينها للتصدى له .. التجييش فن خلق العدو وتجسيده أمام الجماهير ثم العزف والتلاعب بعواطف البشر بخلق قضية خوف وقلق فيندفع البشر فى سبيل الدفاع عن كينونتهم ووجودهم , فلا تجييش بدون إثارة الهلع والخوف والقلق فى نفوس الجماعة البشرية من خلق العدو وتصعيد حضوره وخطورته فبدون العدو فلا معنى للتجييش بغض النظر عن كون العدو حقيقياً أم مزيفاً . إذن التجييش تكتكيات تتبعها الأيدلوجيات فى سبيل الحفاظ على بنيتها ودعمها وتحقيق مصالحها من خلال تجييش مشاعر البشر فى الطريق الذى تريده .
- التجييش يعتنى بنهج محدد فى تعاطيه مع الجماعة البشرية حيث يتكأ على أهمية الإنسحاق فى المنظومة بدون سؤال مثلما تتبع المنظومات العسكرية , فألف باء هو ترويض الدماغ والأفكار والمشاعر نحو الإنصياع والخضوع لنظام صارم بدون التوقف أمامه ومراجعته لتبغى شل قدرة الإنسان على التأمل والتوقف والإختيار لذا تجد كل جيوش العالم تعتنى إعتناء شديد فى تجيش أفرادها من خلال بعض الإلتزامات الصارمة كطريقة المشى والوقوف و بعض الأداء الحركي الذى بلا اى معنى سوى الترويض مثل الوقوف فى وضعية صفا وإنتباه والمشي بطريقة محددة صارمة وتحية العلم بسلاح وبدون , فلا تستهين بهذا الأداء الغبى فغايته الإنسحاق التام بدون تفكير للمنظومة يقابلها الإمتثال للطقوس فى الأديان وعندما يصل الجندى والمؤمن لهذا الحال من البرمجة والتوقف عن التفكير فلتطلب منه حينئذ أن يقتل .
- التجييش يعتنى بميديا لا صوت يعلو فوق صوت المعركة سواء تم هذا بقناعة الجماهير المقهورة أو رغماً عنها فهناك حريق فى الجوار علينا التصدى له فلا تفكير فى أمور أخرى بغض النظر عن كونه حريق حقيقى أم متوهم أم مبالغ فيه .. التجييش فن إنتاج الحريق والقدرة على خلق حريق من اللاحريق .
- التجييش يهدف لنصرة تصورات أصحاب الأيدلوجيات والمشاريع ليسخرونه بإدعاء أن هناك خطر داهم يواجه المجتمع ولا سبيل لمواجهته سوى التوحد ونبذ الخلافات التى قد تكون جوهرية ولكن يجب طمسها ومحوها بغية مواجهة الخوف والقلق الكامن فى القضية المبتغاة .
- لا يكون للتجييش أى حضور بدون فكر ونهج ميتافزيقى سواء أكان دينياً أو فكراً وضعياً يقوم على تثبيت المشاهد رافضاً أى حراك فيها , فحركة المشهد والتاريخ تعنى تغير الظروف التى يرفضها النهج التجييشى فهى تقوض منظومته وبناءه .
- التجييش يعتمد إعتماد كلى على الخداع وطمس الحقيقة ونسج أوهام الخطر المُحدق وتصعيده فى نفوس الجماعة لتتوهم هذا الخطر ليملأ مسامها وتتعايشه ويصبح واقع فى حياتها , ولو دققت فى عمق هذا الخطر ستجد أنه لا يعنى إلا فئة قليلة من البشر هم أصحاب أدلجة التجييش وفرضه والباقين هم وقود ومحروقات لهذا التجييش .
- التجييش أسلوب معنوى لدعم صراع وتأجيجه من خلال فكرة تتسرب لوعى الجماهير فتعطى غطاء فكرى وروحى ووجدانى للصراع فيندفع البائسون والمهمشون للدفاع والإحتراق بالرغم أن القضية ليست قضيتهم ولا مصالحهم الحقيقية . نظرية التجييش تقوم على صرف الإنتباه عن القضايا الجوهرية وتهمييشها وتصعيد قضايا ثانوية فى المقدمة وتجييش الأفكار والمشاعر تجاهها فمثلا يتعمد تهمييش قضية الصراع الطبقى فى المجتمع وتصاعد وهيمنة طبقات وإنسحاق طبقات ليتوارى هذا الصراع وتطفو قضية صراع ثانوية أو مفتعلة .
- نظرية التجييش يمكن أن تعطينا تفسير لتلك الصراعات الخائبة التى ليس لها معنى حقيقى كالصراعات الدينية والمذهبية والطائفية والعرقية والقومية والصراع السنى الشيعى المسيحى الإسلامى العربى الكردى الكاثوليكى البروتستانتى الخ فيكون التجييش هنا صارف الإنتباه عن الصراعات الجوهرية متلاعباً على أوتار الغضب والعنف والإحباط الإنسانى والإجتماعى ليندفع المهمشون نحو قضية تنفس عنفهم وإحباطهم منصرفين عن قضاياهم الرئيسية ليتم تشويش البوصلة فى السياق فلا يعد لها وجود ولا وعى بها .
- يمكن ان نفهم الأطراف الخفية للصراع ومخزن المصالح من خلال وضع التجييش تحت المجهر فلا يوجد صراعات دينية أو طائفية أو عرقية أو قومية بل هى واجهات لصراعات أخرى أو لصرف الانتباه عن صراعات رئيسية لا يراد لها ان تتأجج وتتصاعد . فلا يوجد على أرض الواقع والمصالح عداء لكونك يهودى أو مسلم أو مسيحى أو سنى أو شيعى ..لا عداء لكونك عربى أو كردى أو أمازيغى فكل ما يصير على الساحة ماهى إلا حالات تجييش تتم بحرفنة وخبث ليتسلل للجماهير هذه العداوات وتصرفها عن قضاياها الحقيقية .
- الذى يمد التجييش بالحيوية لتطفو القضايا الهامشية التى بلا معنى لتصبح بذات حيوية لتتصدر المشهد الفكرى للبشر هو وجود أحداث ثم التماهى فيها لحد الغرق والإدمان لتصبح ذات وجود , فالهولوكست مثلا يزيد من الشرنقة اليهودية ويرسخ فى نفسية اليهود منهج التجييش القديم ضد من يريد سحق اليهود مما يزيد من الشرنقة اليهودية , كذلك التفسيرات الإسلامية للسياسات الغربية من خلال منظور قديم يتصور أن الغرب صليبى متآمر عدو للإسلام لتظل هذه الرؤية بقصورها وإرثها القديم .
-التجييش يعتمد على إستحضار وإجترار وإختزال التاريخ وعلى منهجية تثبيت المشاهد التى تعتبر حجر الزاوية التى يعتمد عليها مروجى التجييش فهناك عداوات قديمة تطلب أن تكون حاضرة كالعداء بين اليهود والأغيار , والمسلمين والعالم , والسنه والشيعة ليبنى على أساسها قواعد التجييش وليتم التعامل مع التاريخ ليس كحدث وفقاً لظرفه الموضوعى بل كشاهد حى مازال فاعلاً .
- الصراعات التى يتم التجييش لها خارج إطار الوعى بالمصالح الحيوية لترتدى أثواب غير أثوابها الحقيقية تفشل وتفضح التجييش الذى يعتمد على تثبيت المشاهد , فالصراع العربى الإسرائيلى فشل كونه إستدعى حالة عداء دينى تاريخى .ويجدر الملاحظة أن هذه الرؤية فى التجييش عمقت فى كل الأطراف نزعة العداء لكونه إختلاف فى الدين والتاريخ مما ساهم فى خلق عداوة هشة تخلت عنها الشعوب بعد ذلك .
- التجييش الحقيقى لا يكون إلا فى حالة واحدة وهى الصراع الطبقى أى الصراع على الحياة ليكون هذا التجييش موضوعى لذا يتم التحايل على هذا الصراع بصرف الجماهير عنه إلى صراعات خائبة مُستهلكة مُستنزفة مُضللة للبشر كالصراعات الدينية والمذهبية والعرقية والقومية , فهذه الصراعات كلها يتم إختلاقها وتصعيدها لتصرف الإنتباه عن الصراع الحقيقى وتستهلك الجماهير فيها .
-الأديان منظومة فكرية تقوم وتتأسس على فكرة التجيييش وبدون هذا النهج فلن يكون هناك دين بل فلسفة ووجهة نظر لذا راعت كل الأديان أن تعتنى بتجييش الجموع وخلق فكرة العدو المُتربص بها الذى يريد النيل من إيمانها لتتفاوت الرؤى المتحفزة والأعداء المحتملون ولكن تبقى فى النهاية فكرة العدو المتربص المتآمر والنزعة نحو التجييش هى الجوهر .
- لو تناولنا منحى الأديان الثلاثة فى خلق فوبيا المؤامرة سنجد اليهودية إعتنت اعتناء شديد بالعداء تجاه الأغيار فى سبيل وحدة اليهود وتحقيقا لمشروعها الإستيطانى فكل قصص التوراة عبارة عن فصول من الفصل العنصرى والعداء للشعوب الأخرى بلا مبرر ليكون العداء والتوجس سبيلها فى وحدة العنصر اليهودى وتجييشه ففى ملوك 5 ( ليس إله في كلّ الأرض إلا في إسرائيل) . وفى تثنية 7: 6( إيّاك يا إسرائيل قد اختارك الرب إلهُك لتكون لشعبًا خاصًّا من جميع الشّعوب الذين على وجه الأرض ) . وفى اشعيا 49: 22 ( هكذا قال السّيّد الرّبّ: ها إنّي أرفع إلى الأمم يدي وإلى الشّعوب أقيم رايت. فيأتون بأولادك في الأحضان. وبناتك على الأكتاف يُحمَلن. ويكون الملوك حاضنيك. وسيداتهم مرضعاتك. بالوجوه إلى الأرض يسجدون لك. ويلحسون غبار رجليك ) . وفى اشعيا 60: 4 ( ارفعي عينيك حوليك وانظري يا صهيون . قد اجتمعوا كلّهم لأنّه تتحوّل إليك ثروة البحر. ويأتي إليكِ غِنى الأمم. وبنو الغريب يبنون أسوارك. وملوكهم يخدمونك. ليؤتى إليك بغنى الأمم، وتُقادُ ملوكهم. لأنّ الأمم والمملكة التي لا تخدمك تبيد وخرابًا تخرب الأمم ) . وفى اشعيا 61: 5(ويقف الأجانب ويرعون غنمكم. ويكون بنو الغريب حرّاثيكم و كرّاميكم. أمّا أنتم فتُدعَون: كهنة الرّبّ. تُسمّوْن: خدّام إلهنا. تأكلون ثروة الأمم وعلى مجدهم تتأمّرون) . وفى تثنية 20: 11( ولكّ الشّعب الموجود فيها يكون لك للتّسخير ويُستعبد لك يا إسرائيل ) .وفى حزقيا 9: 5 (اعبروا في المدينة وراءه "أي يهوذا" واضربوا. لا تشفق أعينكم ولا تعفوا: الشّيخ والشّابّ والعذراء والطّفل والنّساء: اقتلوا للهلاك. نجّسوا البيت واملأوا الدّور قتلى) . وفى عدد 31: 1( وكلّم الرّبّ موسى قائلاً: " انتقم نقمة لبني إسرائيل من المديانيين. فتجند بنو إسرائيل على مديان كما قال الرّبّ: وقتلوا كلّ ذَكَر وسبَوْا نساء مديَن وأطفالهم. ونهبوا جميع مواشيهم وكلّ أملاكهم. وأحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم وجميع حصونهم بالنّار) . وفى ارميا 51: 2( أنت لي فأس وأدوات حرب. فأسحق بك الأمم وأهلك بك المماليك وأسحق بك الرّجل والمرأة. وأسحق بك الشّيخ والفتى، وأسحق بك الغلام والعذراء، وأسحق بك الرّاعى وقطيعه ).وفى لاويين( أبناء المستوطنين النازلين عندكم تستعبدونهم إلى الدهر وتتخذون منهم عبيداً وإماءً ,أخوتكم من بنى إسرائيل فلا يتسلط إنسان على أخيه بعنف) . هناك زخم اكثر من هذا فى النص العبرانى وهو ما يؤكد رؤيتنا إننا أمام مشروع نهب وإستيطان ليتم إستخدام فكرة الإله الراعى المعتنى باليهود فى تجييش اليهود ضد الشعوب الأخرى وخلق حالة من الفوقية والتمايز تعطى قيمة مفترضة لهؤلاء البدو تدفعهم للذبح .
- الفكر المسيحى إعتنى إعتناء شديد لدرجة الهوس بخلق فوبيا الشيطان ومؤامراته الظاهرة والخفية لتضع المسيحى فى حالة تحفز مستمر ضد هذا العدو الخفى لتضمن إنسحاقه وتجييشه فى العملية الإيمانية فنجد في الرسالة إلى أهل أفسس 6 هذه الكلمات الواضحة: ( فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات ) . ففي الفكر المسيحي الشيطان هو العدو، عدو الله والمؤمنين والإنسان أيضاً , والشيطان مصدر فكر العداوة والكراهية والحروب والقتل عندما يتسلط علي الإنسان. لنجد هذه الرؤية واضحة في بشارة يوحنا44:8 ( أنتم من أب هو إبليس , وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. ذاك كان قتالاً للناس من البدء) . هذا المنحى من الفكر فيه من الذكاء بعض الشئ كما يعيبه أنه لا يحمل ديمومة وبقاء حيوية العدو , فذكاءه إنه يجعل العدو دائم و خفى غير محسوس غير متقيد بحالة زمانية تاريخية محددة وبذا يستمر العداء والفوبيا والتحذير من مؤامرات الشيطان قائماً عبر العصور ولكن فى ذات الوقت فهذه النقطة التى تعلن عن عدم تورطها فى عدو زمانى مكانى إنسانى قد تصرف المسيحى عنها كون العدو إفتراضى غير حاضر ولا ملموس .
- الفكر الإسلامى ثرى بخلق الأعداء الظاهرين والغير ظاهرين ليضع المسلم فى حالة تحفز ونفور دائم ليتم تجييشه على الدوام ففكرة الشيطان كعدو متربص بالإنسان ليغويه ويوسوس له ويضله متصاعدة بهوس فى العقلية الإسلامية كما فى العقلية المسيحية ولكن يتمايز الفكر الإسلامى إنه يضيف قائمة طويلة محددة وملموسة للأعداء الظاهرين متمثلة فى الكفار والمشركين واليهود والنصارى والمنافقين ليعيش المسلم أجواء صراع وهمى على الأرض فى مناهضة هؤلاء البشر والحذر والنفور منهم ليخلق معهم معارك دنكشوتية لا تفارقه ليظل فى حالة التجييش المُبتغاة . دعونا نعتنى بحالة الفكر الإسلامى بإعتباره الأكثر قوة فى مفهوم المؤامرة ونهج التجييش لنرى فى البقرة 120 ( وَلَنْ تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَك مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) كذلك البقرة 109 ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ) . وفى ال عمران 120( أن تمسسكم حسنة تسؤهم و إن تصبكم سيئة يفرحوا بها ) كذلك فى المائدة 82 ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ-;- ) . لتفتقد هذه الآيات المنطق بل يشوبها المغالطة فهى تخلق وهم يجتاح المسلم أن اليهود والنصارى معنيين بصرف المسلم عن إسلامه ليتبع ملتهم وإنهم يحملون حسداً له على إسلامه وان قلوبهم تمتلأ حقداً وغيرة لتتمنى السوء للمسلمين , وأن اليهود أشد عداوة للمسلمين على الدوام , لنجد انفسنا امام معزوفة قوية تنشد خلق فوبيا المؤامرة ساعية نحو التجييش . بالطبع هذا الفكر غير منطقى ولا عملى فى الحياة فببساطة شديدة إذا كان اليهودى والمسيحى يحسدون المسلم على إسلامه فلما لا يسلمون طالما يدركون نعمة الإسلام علاوة أن الحياة والصراع البشرى لا يعتنى على الإطلاق بقصة إيمان هذا أو ذاك بل بالمصالح والمنافع , أضف لذلك أن اليهود لا يرحبون بأى احد يتبع ملتهم , فاليهودية دين عرقى مغلق يقتصر على المنحدرين من أصل عبرانى فلا يقبل الغرباء ويكتمل الإختزال بتثبيت التاريخ فاليهود أشد عداوة على الدوام ليرمى بالمنطق الحياتى عرض الحائط . تبقى خطورة هذه الآيات كونها تثبت مشهد العداء والتحفز والنفور من اليهود والنصارى عبر الزمان والمكان فلا مراعاة لفرضية أن هذا يعتنى بظرف تاريخى محدد لتخلق التحفز وتدور عجلة التجييش على الدوام .
- ثقافة المؤامرة والتجييش تنتج حالة من إنعدام الثقة بين البشر وتبدد أى إمكانية للتعايش السلمى فنظرية العدو قائمة وحاضرة لا تفارق المخيلة الإيمانية لذا يلزم العداء والمجابهة .. بالطبع لا ننفى وجود العدو وهذا شئ بديهى ولكن العدو يكون متناقضاً متصارعاً على مصالح ماثلا للعيان أما أعداء الفكر الإيمانى فهم أعداء وهميين كفكرة الشيطان المُتربص أو إستحضار أعداء تاريخين من زمن قديم طالباً حضورهم فى الواقع مختزلا التاريخ وحراك مياه كثيرة .
- يتأسس غباء العداء وفكرة المؤامرة بالتخلى عن الموضوعية ليضع الصراع على أرضية عقائدية فكرية فى المقدمة ليشوش بوصلة الصراع ويفقدها وعيها ليتم إستثمار هذه الدوغما العدائية فى أرض غير الأرض ولتجد السهام توجه للصدور ثانية لتعيش الجماهير فى مستنقع عداءات لا معنى لها تأتى على أخضرها ويابسها .
- فى ديننا الجديد لن نتخلى عن التجييش وسننصرف عن فوبيا المؤامرة وسنضع العداء لشئ موضوعى حى فاعل وحاضر فعدائنا فى ديننا الجديد وتجييشنا للتابعين ضد قوى الجهل والرجعية والتخلف لتستنفر المؤمنين لمواجهة قوى الظلام والجهل كما سنضع الصراع الطبقى فى المقدمة لتحفيز عجلة التاريخ على الفعل والتطور للوصول حالة إنسانية متحررة من الأنانية والجشع والظلم نحو عالم إنسانى حر .
-دمتم بخير وإلى جزء ثانى من نحو دين جديد . " من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته" - حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سؤال فى تأمل-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم
-
تغييب السبب الرئيسى إما جهلاً أو خجلاً
-
تهافت البلاغة – مشاغبات فى التراث(6)
-
تصعيد ثقافات وليس صراع حضارات-فى نقد نظرية صموئيل هنتنجتون
-
وهم الوجود(1)- نظرية البحث عن علاقة .
-
عالم معندهاش دم ولتحذر غدرهم وخيانتهم
-
نظرية ورؤية فى فهم الوجود والحياة والإنسان
-
لا هى أخلاق ولا يحزنون-الدين عندما ينتهك انسانيتنا
-
تأملات فى فكر ونفسية الإعتقاد – لماذا يؤمنون
-
أسئلة مُحرجة – مشاغبات فى التراث 5
-
زهايمر- تناقضات فى الكتابات المقدسة –جزء12
-
الجمعة الحزينة فى تونس والكويت وفرنسا
-
كتابات ساخرة ولكن ليست كتاباتى-مشاغبات فى التراث4
-
مشاغبات فى التراث3-الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت
-
تشويه الحب والجنس على مذبح الأديان
-
عن الحب-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان
-
وهم الزمن والإله-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان
-
مصر إلى أين ؟!
-
المصارحة والمكاشفة كسبيل لخروج الإسلام من مأزقه
-
فى العشوائية والحتمية والسببية-نحو فهم الوجود والحياة والإنس
...
المزيد.....
-
مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-.
...
-
إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
-
صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق
...
-
الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف
...
-
سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
-
ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي
...
-
مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا
...
-
أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
-
كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|