|
شعوب مقهورة ونظم فاسدة
فهمي الكتوت
الحوار المتمدن-العدد: 4897 - 2015 / 8 / 15 - 21:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
جاءت حزمة الإجراءات التي أقرها البرلمان العراقي بمبادرة من الحكومة؛ بإلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وتقليص أعداد الحمايات للمسؤولين في الدولة، وإبعاد المناصب العليا في العراق عن المحاصصة الحزبية والطائفية. خطوة لنزع فتيل الأزمة ومحاولة لاحتواء الحركة الشعبية التي انفجرت، احتجاجا على استفحال مظاهر الفساد، وسوء استخدام موارد الدولة، وتحميل المواطنين أعباء الأزمة المالية والاقتصادية، التي يعاني منها العراق الشقيق. فقد شهدت المدن العراقية مظاهرات شعبية واسعة بسبب تأخير الحكومة بصرف رواتب الموظفين، وزيادة الضرائب وتبديد أموال الشعب العراقي. من سخريات القدر أن يتوقف العراق عن صرف رواتب الموظفين ويلجأ لزيادة الضرائب والاقتراض لتغطية نفقات الدولة، وهو صاحب خامس أكبر احتياطي للنفط في العالم، ليس هذا فحسب بل فشل العراق في تحقيق أمنه القومي، ويتعرض لاختراقات خطيرة من مختلف الاتجاهات. هل يعقل أن تسقط أهم المدن العراقية بأيدي متسللين من الخارج دون قتال، وأن تحتل حركة متطرفة ثلث الأراضي العراقية وفق التقديرات المعلنة. وتواصل الطائرات التركية قصفها للأراضي العراقية دون رادع. في حين تصمد مدينة مثل كوباني في سوريا بوجه نفس العدو وتوقفه عن التقدم، وترغمه على التقهقر رغم الحصار الذي تعرضت له. ألا تحتاج هذه الكارثة التي ألمت بالعراق والوطن العربي الى مراجعة سياسية شاملة، فقد أصبح العراق والسودان والصومال من بين آخر عشر دول في مؤشر مدركات الفساد على المستوى الدولي. فالأزمة التي يعيشها العراق ليست بسبب انخفاض أسعار النفط كما تدعي الأوساط الرسمية، وإن كان انخفاض أسعار النفط كشف عوراتهم، بل إن الأزمة جزء من تركيبة النظام السياسي العراقي، ومؤسسة الفساد التي أصبحت بحجم الطبقة الحاكمة ليس في العراق فحسب بل في الوطن العربي عامة، فإن معظم الدول العربية غارقة بالفساد، حيث فشلت في تخطي درجة 50٪-;- على مؤشر مدركات الفساد، الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية. مما يؤكد أن نظام المحاصصة "الديمقراطي" ليس أقل فسادا من السلطة المطلقة التي تعتبر مفسدة مطلقة، وليس ما يجري في العراق ولبنان إلا دليلا ساطعا على ذلك. وتشتم من رائحة مؤامرة جديدة تستهدف سوريا بفرض نظام المحاصصة عليها كإحدى صيغ نقل الصراع الى أشكال جديدة. إن جوهر الأزمة التي يعيشها العراق ناجم عن الاحتلال الأمريكي في عام 2003، الذي فرض نظاما سياسيا يحمل في طياته صراعات داخلية، من خلال دستور طائفي ومذهبي، الذي حول العراق إلى جزر وكيانات، تمهيدا لتقسيمه بذريعة عدم التعايش فيما بينهم، وقد جاء تصريح رئيس الأركان الأمريكي المنتهية ولايته الجنرال ريموند اودييرنو الأسبوع الماضي في هذا السياق حيث أكد أن تحقيق المصالحة بين الشيعة والسنة في العراق يزداد صعوبة، معتبرا أن تقسيم هذا البلد "ربما يكون الحل الوحيد" لتسوية النزاع الطائفي. ومن جانبه أكد فلاح حسن، عضو السياسات الاقتصادية في وزارة التخطيط، أن "جذور الأزمة الاقتصادية والمالية في البلاد، بدأت منذ عام 2003 ليست متعلقة بالنفط، وإنما بسوء التخطيط، وانعدام الرؤية الاستراتيجية طيلة السنوات الـ 12 الماضية، لبناء اقتصاد داخلي، وتفعيل المؤسسات الإنتاجية، بدلاً من إبقاء اقتصاد البلد معتمداً على إيراد أحادي الجانب"، مشيراً أن "الحركة الصناعية في العراق شبه معطلة، بسبب انعدام الطاقة الكهربائية، رغم أن قطاع الكهرباء أُنفق عليه مليارات الدولارات، لكنه لا يزال متعثراً، بسبب الفساد وسوء التخطيط." إن التعرف على جوهر الأزمات المستعصية التي تواجه المجتمع العربي، والأسباب الحقيقية وراء إشعالها يمهد الطرق أمام تجاوزها. فإن مصادرة الحريات العامة، وتغييب دور الشعوب العربية عن القضايا الأساسية، وإخضاعها لحالة الاستلاب والارتهان لمصالح الاحتكارات الرأسمالية وفرض التبعية السياسية والاقتصادية، هي جزء من المشروع الإمبريالي الصهيوني، الذي يستهدف إنهاء الصراع مع العدو، وتصفية القضية الفلسطينية، وإلغاء حق العودة، وليس من قبيل الصدف أن تتزامن محاولات إنهاء خدمات وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين، مع تدهور الأوضاع السياسية في المنطقة، والتي تعتبر شاهدًا على الجريمة التي اقترفت بحق الفلسطينيين في عام 1948، واعترافاً دولياً بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وإدخال المنطقة العربية في صراعات مذهبية وطائفية تستنزف طاقاتها، كجزء من محاولات فرض شرق أوسط جديد يشكل الكيان الصهيوني عموده الفقري. أما الحديث عن دولة ديمقراطية، في ظل استمرار التبعية السياسية والاقتصادية، والتخلف والمحاصصة فغير وارد سواء كان ذلك في ظل أنظمة ديكتاتورية، أو في ظل أنظمة المحاصصة "الديمقراطية" بتقسيم الدولة عموديا على أسس طائفية ومذهبية، فإن المخرج الحقيقي، بإقامة نظام سياسي جديد قائم على أساس المواطنة المتساوية بين الجميع، بغض النظر عن الدين أو الجنس أو العرق، وبإرساء مبادئ الدولة المدنية الديمقراطية التي تعيد للشعب حريته الحقيقية، دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية، التي توفر الشفافية، وتصدر القوانين الصارمة لمعاقبة الفاسدين. وتوفر قضاء نزيه ومستقل قادر على اجتثاث الفساد، وتحريم تشكيل الأحزاب الطائفية والمذهبية.
#فهمي_الكتوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الذكرى الأولى لرحيل المناضل سمير حداد
-
معادلات جديدة للأزمة السوريَّة
-
حكومة أوروبية لمنطقة اليورو
-
ماذا بعد الاتفاق النووي؟
-
ازمة اليونان ام ازمة الرأسمالية؟
-
أوروبا تسعى لإفشال النموذج اليوناني
-
الأزمة اليونانيَّة ثمرة السياسات الليبراليَّة
-
لهذه الأسباب تراجع حزب العدالة والتنمية
-
الانكماش الاقتصادي يرجئ رفع سعر الفائدة
-
نكبات جديدة في ذكرى النكبة
-
الخيارات المتاحة أمام البلدان النامية
-
تحية للعمال في عيدهم
-
السياسة الأمريكية.. والبلدان النامية
-
تراجع اليورو وارتفاع الدولار
-
شخصية استثنائيَّة.. شعب وقضيَّة
-
ليس دفاعا عن أحد.. بل رفقا بالأمة
-
بين دعم المركزي وتحديات الحلفاء
-
اتفاقية أوسلو ولدت ميتة
-
ثورات شعبية.. أم مؤامرة؟
-
اليوم العالمي للعدالة الاجتماعيَّة
المزيد.....
-
مسؤول إسرائيلي لـCNN: معبر رفح لن يُفتح إذا تكررت -الفوضى- م
...
-
أمريكي ينتشل أجزاء من طائرة منكوبة تحطمت في نهر بواشنطن
-
كيم جونغ أون غاضب ويحاسِب.. إقالة عشرات المسؤولين تورّطوا في
...
-
واتساب يتصدّى لعملية تجسس واسعة استهدفت صحافيين وناشطين
-
الجيش الاسرائيلي يعلن تعرض قواته لإطلاق نار داخل سوريا
-
ترامب يتعهد بالحديث مع بوتين لإنهاء الصراع في أوكرانيا
-
ترامب: الأردن ومصر سيستقبلان سكانا من غزة
-
-الشبكة- يرصد أثر مشاهد تسليم أسرى الاحتلال على البريميرليغ
...
-
نادى الأسير يكشف عدد الفلسطينيين الذين سيطلق سراحهم السبت
-
ترامب يكرر تصريحه عن -تهجير- سكان من غزة إلى مصر والأردن
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|