|
إرادة الشعب تنتصر: هل نشهد بداية البداية؟
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 4893 - 2015 / 8 / 11 - 22:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
31 تموز 2015 مثل بعث الروح في 25 شباط 2011، وانبعاث الوعي الجماهيري من جديد، ونفخ الروح في إرادة الشعب العراقي، لإصلاح ما أفسده الفاسدون والمفسدون، وما أفسدوا به الحياة على العراقيين.
لأول مرة تخرج جماهير الشعب العراقي في تسع محافظات، بهذا الزخم، وبهذه العزيمة والإصرار، للمطالبة بحقوقها المشروعة الضائعة منذ سقوط الصنم. صحيح بدأت بمطالب حياتية تتعلق بالخدمات، وعلى رأسها الكهرباء، وساعد على ذلك تصعيد الصيف العراقي جزاه الله خير الجزاء، وهو الذي لا يرحم، إذ صعَّد هذه المرة رحمة منه سخونته القاتلة، لتؤجج الغضب العراقي عاليا. ولكن هذا لم يمثل إلا شرارة الانطلاق، لثورة تصحيحية سلمية شاملة للعملية السياسية برمتها، بكل سوءاتها وعوراتها، من طائفية سياسية، ومحاصصة طائفية وعرقية وحزبية، وفساد مالي، يمثل الوجه السياسي والاقتصادي للظاهرة الداعشية.
وواصلت الجماهير حضورها في الشارع من 31 تموز حتى 7 آب عندما انضمت المرجعية الدينية في النجف إلى صف الجماهير ومطالبها، في الوقت الذي راح خطيب جمعة النجف صدر الدين القبنجي بما عرف عنه من تخلف وتطرف يتهم التظاهرات بأنها مؤامرة علمانية ضد قوى الإسلام السياسي. بينما اتخذت المرجعية موقفا عقلانيا مسؤولا، وتاريخيا يحسب لها، أقولها منصفا، رغم اعتراضي المعروف عني على إقحام المرجعية في الشأن السياسي، فدعمت مطالب الجماهير المتظاهرة، وطالبت رئيس الوزراء أن يضرب بيد من حديد، ويشير إلى المعرقلين للإصلاح. فجاء يوم 9 آب حلقة مهمة أخرى في أيام الثورة العراقية الشعبية السلمية الإصلاحية، ليعلن رئيس الوزراء عن خطته الإصلاحية، مطيحا الرؤوس التي شمخ بعضها إلى السماء السابعة لينازع الله في عرشه، فأطاحت خطته الإصلاحية، بمن لم يكن متصورا إمكان الإطاحة بهم، وعلى رأسهم نوري المالكي، صاحب الثماني سنوات الجحيمية، وأسامة النجيفي الوجه السني لتصعيد الطائفية القاتلة والعفنة، وبهاء الأعرجي سياسي اليانصيب، وأحد أبرز السراق. وهذا بحد ذاته إنجاز عظيم، ولكن لن يكون مكتملا، ما لم يأت يوم يقفون وغيرهم أمام القضاء العادل والنزيه وغير المسيس.
وآخر حلقة حتى كتابة هذه الأسطر تمت اليوم 11 آب في مجلس النواب، محاولا أن يكفر بموقف اليوم عن كل ذنوبه وخطاياه. وحسنا فعل رئيس مجلس النواب، عندما جعل الجلسة علنية ومنقولة بوسائل الإعلام إلى الشعب، وبتصويت علني، فأقر بالإجماع أعضاء مجلس النواب حزمتي الإصلاح، حزمة الإصلاحات المقدمة من رئيس الوزراء، وحزمة الإصلاحات المكملة لمجلس النواب، سواء كان من صوت لها عن قناعة، أو صوت حياءً، أو خوفا من غضب الشارع، وتضييع المتبقي من ماء وجهه.
ونعود إلى من أطيح بعروشهم الخاوية، نوري المالكي، وبهاء الأعرجي، وأسامة النجيفي. أما الثلاثة الآخرون (أياد علاوي، صالح المطلگ، روژ نوري شاويس)، فلم يكونوا مستهدفين بذواتهم بتقديري، بل جاءت تنحيتهم حاصل تحصيل، أو ربما يمكن اعتبارهم أكباش فداء، للجولة الأولى في الخطة الإصلاحية. وإلا فوجودهم لم يكن مضرا، ولكن لم تكن له حاجة من جهة أخرى، فهو مضر من جهة تكليف الميزانية أموالا طائلة بلا طائل ولا نفع.
ودعونا نتناول بعض ردود الأفعال. الغريب إن أياد علاوي (القائد السياسي الذي يقضي جُلّ وقته خارج العراق، ويزور العراق أحيانا، عندما يكون له وقت فائض للعراق)، ذهب ليزايد بالالتزام بالدستور، فاعترض على الخطة الإصلاحية لرئيس الوزراء بأنها غير دستورية. لا أدري هل قرأ الدستور جيدا، ليعرف ما هو دستوري، وما هو غير دستوري، وهذا يذكرني بمزايدات نوري المالكي بالدستور. أولا نقول للسيد علاوي إن الدستور لم يشرع لمناصب نواب للرئاسات الثلاث، بل اعتمدت هذه الآلية كجزء من المحاصصة القاتلة والكريهة (شيعي، سني، كردي)، من أعلى المناصب حتى البوابين ومقدمي الشاي (الچايچية).
أما بهاء الأعرجي فرد بلغة تناسبه هو، حيث كانت لغة أولاد شوارع، وليست لغة سياسيين، عندما عبر عن جعل البعض، ولا أعرف من يقصد، تحت قدميه، معلنا أنه سيخدم العراق سواء كان له منصب أو لم يكن. فنشكره على طمأنته للشعب العراق، أن هذا الشعب المسكين لن يخسر خدمات بهاء الأعرجي التي لا تعوض، بعد تنحيته عن منصبه، الذي لم نجد عراقيا عاقلا إلا أبدى استغرابه واستنكاره أن يكون مثل هذا نائب رئيس وزراء العراق. ولم يكن زعيمه مقتدى الصدر موفقا، عندما طلب منه أن يقدم استقالته، إلا بمقدار أنه يريد أن يبرئ نفسه من تحمل سيئات بهاء الأعرجي، إذا ما افتضح أمرها، ويم افتضاحها بات قريبا إن شاء الله، والتي فاحت للقاصي والداني ريح عفونتها، وحسبت على الصدريين. وأتمنى على العبادي أن يهمل طلب استقالة الأعرجي، فلا يقبلها ولا يعلن عن رفضه لها، بل يتعامل معها كما لو لم تكن، ليسري عليه القرار القاضي بإلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس مجلس الوزراء، تماما كما يسري على الخمسة المتبقين. لكن من جهة أخرى حسنا فعل مقتدى عندما منع بهاء من مغادرة العراق.
وراحت كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني، تبدي اعتراضها على نقطة واحدة، وهي أنه كان على رئيس الوزراء أن ينسق مع رئيس الجمهورية قبل إعلان خطته الإصلاحية. هنا كان المحرك النزعة الحزبية لا غير، فلو كان رئيس الجمهورية من غير حزبهم، لما اعترضوا على هذا الأمر. ومع احترامي للسيد رئيس الجمهورية، أقول نحن كشعب عراقي نريد إصلاحا شاملا، ولا يهمنا من يراد أن يسجل اسمه في سجل التاريخ كواحد من أبطال الثورة الإصلاحية. فإن كان هناك ثمة بطل للإصلاح، فهو الشعب العراقي، وربما يكون العبادي هذا البطل، إذا أنجز حقا كل ما نتطلع إليه.
وكلمة أحب أن أقولها للمتشائمين، حتى لو كان تشاؤمكم نابعا من رؤية واقعية، دعوا رجاءً اللغة التشاؤمية الآن، فنحن فيما يشبه الثورة، والتشاؤمية قاتلة الثورات دائما، وهذا لا يعني أننا يجب أن نستغرق في التفاءل، حتى الغيبوبة، فنفقد الشروط الموضوعية والعقلانية في التحليل والرقابة والمحاسبة، التي هي من شروط إنجاح العملية الإصلاحية. ولكن البعض، ممن أدمن على المعارضة، وفي كل الأحوال، دون الأخذ بنظر الاعتبار، المتغيرات، وما تتطلبه المفاصل الحساسة من تحولات الأمم، من خطاب يتناسب مع كل من تلك المراحل، نرى هذا البعض، لا يرى في أي خطوة ثمة أملا، ولا يستعد أن يعبر عن إيجابية عما هو إيجابي. في البداية، عندما انطلقت التظاهرات في 31 تموز، والأيام التي تلتها، كنت أقول لمن يسألني، إني متفائل جدا، ولكني بنفس القدر خائف. ولكن التفاؤل ازداد عندي، مع تتابع المفاصل المهمة التي ذكرتها، 31 تموز (الانطلاقة)، 7 آب (موقف المرجعية)، 9 آب (خطة العبادي الإصلاحية)، 11 آب (إقرارها بالإجماع من مجلس النواب).
وها هو رئيس الوزراء، قد فُوِّض ثلاثة تفويضات، لم يحصل عليها أي رئيس وزراء منذ 2003؛ تفويض شعبي، تفويض من المرجعية، وتفويض من مجلس النواب. ومن هنا أصبح المسؤول الأول أمام الشعب وأمام التاريخ في إكمال أشواط الإصلاح شوطا بعد الآخر، غير متردد، وغير مؤجل لما لا يقبل تأجيله، وغير مكتف بالقرارات، بل بالتنفيذ.
الشعب يريد أن يرى سارقيه أمام القضاء. الشعب يريد أن يرى اعترافا بأن الأحزاب الدينية والأحزاب الشيعية والأحزاب السنية تتعارض مع مبدأ المواطنة في الدستور، فيمضي في تهيئة الأرضية الدستورية والقانونية لحل الأحزاب القائمة على هذه الأسس اللادستورية، وتشكيل أحزاب مدنية قائمة على أساس المواطنة، وعابرة للدين والمذهب والقومية. الشعب يريد خطة واضحة وسريعة وشجاعة في توفير الخدمات، ابتداءً بمعالجة أزمة الكهرباء، الشعب يريد رؤية كل من أساء إلى العراق منذ 2003 أمام القضاء العادل. الشعب يريد أن يشرع قانون يجرم الخطاب الطائفي، ويحظر إقحام الانتماء للدين والمذهب في الخطاب والموقف السياسيين. الشعب يريد أن يرى الشخص الكفوء والنزيه المناسب في موقع المسؤولية المناسب، دون النظر إلى قوميته أو دينه، أو مذهبه. الشعب يريد تعديل الدستور لتؤكد فيه مدنية الدولة، وانتزاع كل ما هو ديني أو مذهبي من الدستور، ليكون دستورا للإنسان، للمواطن، وليس للشيعي أو السني، أو للعربي أو الكردي. الشعب يريد أن يرى إصلاح المؤسستين العسكرية والأمنية وإعادة بنائها بعيدا عن الطائفية. الشعب يريد ترشيق الحكومة، وإلغاء المخصصات التي تنهك ميزانية الدولة لأصحاب المناصب العليا والمتوسطة، إلا ما كان يمثل حاجة حقيقية، وبالحد الأدنى. الشعب يريد كهرباءً، وماءً نقيا يصل إلى كل قرية. الشعب يريد شبكة قطارات عصرية بين كل مدن وقصبات العراق، ومواصلات عامة حديثة في المدن، خاصة في بغداد. الشعب يريد مستشفيات ومدارس ودور حضانة عصرية. الشعب يريد تحديث إنجاز المعاملات في الدوائر، لتكون بمستوى الدول المتقدمة التي عشتم عقودا من عمركم فيها. الشعب يريد أن يرى حركة إعمار واسعة، وإحياء الزراعة والصناعة والسياحة والتجارة، في خطة تنمية اقتصادية واضحة وعلمية. الشعب يريد قوانين لصالح الفقير وتحقق القدر الممكن من العدالة الاجتماعية. وإنك وعدت اليوم إنك ستمضي في الإصلاح حتى لو كلفك ذلك حياتك. نعم، نعم، كل هذا، وأكثر، وأكثر، يريده الشعب العراقي، وقد فُوِّضتَ يا أبا يسر من الشعب ومن السلطة التشريعية ومن المرجعية الدينية، بما لم يفوض به رئيس وزراء عراقي في أي وقت من الأوقات.
وعلى ذكر تفويض المرجعية، أقول ذلك، ولو إني لا أرى سلطة للمرجعية، لكن هذا لا يدعوني أن أكابر في احترام مواقفها المسؤولة، ومن هنا نقول الشعب يريد من المرجعية أن تقول، أنا لست الناطق الرسمي باسم الله، لكني أنصح من موقع ما أراه صالحا لهذا البلد، ولا أسمح لأحد أن يزايد بي، ويعتبر مخالفتي في شيء مخالفة للدين، ومخالفة لله، فلا أحد يملك الوصاية على الناس. والشعب يريد من المرجعية أن تقر بأخطاء حصلت، عندما منحت ثقتها لمن تبين لها لاحقا أنهم ليسوا أهلا للثقة، فزكت للشعب من لا يستحق التزكية. نعم عندما ستعترف المرجعية بذلك، سيزداد احترام الناس لها، شيعة وسنة، متدينين وغير متدينين، إسلاميين وعلمانيين، دينيين ولادينيين، مؤمنين وملحدين.
نتطلع إلى استكمال كل أشواط الثورة الإصلاحية. فهل سنمضي حتى النهاية؟ هناك ما يجعلنا نستبشر بذلك، لكن تفاؤلنا يجب أن يكون حذرا ويقظا، كي لا تسرق الثورة.
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مناقشة متأخرة لمقالة للسيد مالوم أبو رغيف عني 2/2
-
مناقشة متأخرة لمقالة للسيد مالوم أبو رغيف عني 1/2
-
كتابي „الله من أسر الدين إلى فضاءات العقل“ في الأسواق
-
مطلبا تحويل الإقليم إلى برلماني والعراق إلى رئاسي
-
نصان من 2009: الغوص وذاك الغريب
-
دعوة لثورة النساء
-
أريد أن أطير
-
أشعر بالغربة
-
سيكون ثمة ضوء
-
في ذكرى 10 حزيران: الأولوية لمحاربة ودحر داعش ولكن
-
الدعوة إلى تغيير أسماء المدن والشوارع ما لها وما عليها
-
اعتماد دولة المكونات جريمة القرن بحق العراق
-
من «عصفورة حريتي» - حضور اسمه
-
نصان أخيران سقطا من «عصفورة حريتي»
-
نصان أخيران من «عصفورة حريتي»
-
ما بعد «عصفورة حريتي» - مناجاة الماقتين للظلم الحائرين في فه
...
-
من «عصفورة حريتي» - معنى الحب عند فيلسوف الحب
-
من «عصفورة حريتي» - هذيانات نوڤ-;-مبرية
-
النزعات الطائفية وانعكاساتها في عراق اليوم
-
ما سقط من «عصفورة حريتي» في نهاية السفر كان سراب
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|