|
الفن الفقير
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 4888 - 2015 / 8 / 6 - 12:34
المحور:
الادب والفن
قبل الخوض في موضوع "الفن الفقير Poor Art لابد لنا من توضيح الفرق الدقيق بين مصطلحي الفن الحديث Modern Art و "الفن المعاصر" Contemporary Art وهو فرق زمني يتقدم في أهميته على الفروقات الجوهرية الأخرى التي تتعلق بالأشكال والمضامين وما تنطوي عليه من مقاربات جمالية ورؤىً فنية. فالفن الحديث يبدأ زمنياً من ستينات القرن التاسع عشر ويمتد حتى سبعينات القرن العشرين ومن أبرز رموزه فان كوخ، بول سيزان، غوغان، جورج سورا، هنري تولوز لوتريك، ثم إطلالة العملاقين الكبيرين بابلو بيكاسو وجورج براك، ومن المفيد هنا أن نشير إلى الرسوم التكعيبية الأولى لبيكاسو التي تقول بأن "كل ما في الطبيعة يمكن أن نرسمة بثلاثة أشكال هندسية هي المكعّب والدائرة والمخروط"، كما أن "نساء آفينون" 1907، اللوحة التي حظيت بكثير من الشهرة والإعجاب هي لوحة تكعيبية بامتياز والتي صوّر فيها خمس مومسات تحمل معالمهن آثار من الأقنعة القبلية الأفريقية، هذا إضافة إلى نفَسه التكعيبي الجديد الذي بدأ يترسّخ في أعماله الفنية التي هيمنت على الذاكرة الجمعية لمحبي الفن التشكيلي طوال قرن من الزمان. لم يتوقف الفن الحديث عند هذه الأسماء البرّاقة أصلاً ولكنه امتدّ إلى عشرات ومئات الأسماء الإبداعية المُبتكِرة التي جاءت بأشياء جديدة غير مطروقة من قبل لعل أبرزهم إيغون شيله، إدوارد مونك، مارك شاغال، كازامير ماليفتش، فاسيلي كاندنسكي وقائمة طويله من الفنانين المبدعين الذي أغنوا الثقافة البصرية في العالم برمته. أما الفن المعاصر فيمتد من سبعينات القرن العشرين وحتى الوقت الراهن، ومثلما اكتظ الفن الحديث بحركات فنية عديدة يعرفها المتابعون جيداً، فضلاً عن الفنانين الكبار الذين ذكرنا بعضهم قبل قليل فإن الفن المعاصر له حركاته الفنية، وصرعاته، ورموزه الكبار ويكفي أن نشير هنا إلى الفن المفاهيمي، والمنيمالزم، والفن الفقير، وفن الأداء، وفن البيئة، والأعمال التركيبية "الانستليشن" وفن الجسد والبوب آرت وما إلى ذلك. لابد من الإشارة إلى فرق جوهري مفاده أن الفن الحديث كان ميّالاً إلى سرد الثيمة مع درجة محددة من التعويل على رسالتها الفنية وخطابها الجمالي، أما الفن المعاصر فهو أميل إلى التجريد من كل ما يثقل العمل الفني بعناصر إضافية لهذا ظهرت المنيمالزم التي اختصرت الموضوع واستقطرته ولم تأخذ منه إلاّ زبدته وخلاصته ولا غروَ في أن يُطلقون عليه بفن ما بعد الحداثة والفن الفقير هو نمط من هذه الفنون المابعد حداثية وإن كانت تربطه مع الفن الحديث بعض الخيوط الخفية التي لا نستطيع أن ننكرها أو نغض الطرف عنها. نسف القيم القديمة نشأت حركة الفن الفقير بين عامي 1967 و 1972 في عدة مدن إيطالية وهي تورينو، ميلانو، روما، جنوا، فينيسيا، نابولي وبولونيا. وقد صاغ هذا المصطلح الناقد الفني الإيطالي جيرمانو سيلانت خلال سنوات الفورة والجيشان في أواخر ستينات القرن الماضي حين اتخذ الفنانون الإيطاليون مواقف راديكالية متطرفة مهاجمين فيها القيم التي رسختها الدولة ووجدت طريقها إلى المشهد الثقافي الإيطالي. يعتبر معرض "فضاء الأفكار" الذي تبناه الناقد جيرمانو سيلانت في سبتمبر 1967 هو البداية الرسمية للفن الفقير لأن ما تضمنه هذا المعرض والمعرض اللاحق عام 1968 من أعمال فنية غطى مساحة واسعة من عناصر الفن الفقير. ثم تلاه بعد مدة صدور كتاب إليكتا، ذائع الصيت، "تواريخ وزعماء" كي يروِّج لمفهوم الفن الثوري الذي ينسف القيم القديمة التي لم تعد تتناسب مع روح العصر ما بعد الحداثي. يقترن الفن الفقير بعدد كبير من الفنانين الإيطاليين نذكر منهم جيوفاني أنسيلمو، أليغيرو بووَتي، لوشيانو فابرو، جانيس كونيليس "يوناني الأصل"، ماريزا ميرتز، جوزيتي بينوني ولوشيو فونتانا. لقد استعمل غالبية الفنانين المُشار إليهم سلفاً أشياء مصنّعة كالأثاث المنزلي، والملابس الجديدة والمستعملة، والأشجار، والحيوانات، والطيور، والجسد البشري في مختلف تجلياته الأدائية في أثناء الرقص والغناء. كما استثمر مبدعو الفن الفقير الموضوعات اليومية العابرة التي وجدوها مفيدة ومعبرة. ووظفوا المكان والضوء والصوت والحركة والوقت واللغة وما إلى ذلك في مجمل أعمالهم الفنية. ولكي نحيط القارئ الكريم علماً بموضوعات الفن الفقير لابد لنا أن نتوقف قليلاً عن العمل الفني لمايكل أنجلو بستوليتو المعنون "فينوس الأسمال" وهو مقاربة دقيقة لتمثال فينوس، إلهة الحب والجمال والخصوبة، وقد وضعها بستوليتو أمام كدس كبير من الملابس المستعملة الملونة وأدار ظهرها للجمهور. لقد عرض جانس كونيليس إشارات مرورية حقيقيةضمن أعماله الفنية. كما عرض ذات مرة طيوراً حية في قفص. وحين استشعر بردود الأفعال الطيبة عرض اثني عشر حصاناً حقيقياً في الغاليري وسط دهشة المتلقين الذين استحسنوا جرأته ثم وطّنوا أنفسهم على كل المواد غير المألوفة التي وجدت طريقها إلى معارضة الفنية المتتابعة. أما الفنانة ماريزا ميرتز فقد عرضت عام 1966 عملها الفني "بلا عنوان" وهو يتألف من مجموعة أشرطة ألمنيوم لولبية رفيعة تتدلى من السقف وقد اقتنى هذا العمل متحف التيت في بريطانيا عام 2009. كما استعمل جوزيبي بينوني في لوحته ذائعة الصيت "الحياة المخبأة بالداخل" شجرة حفر منها أجزاء محددة كي يكشف عن مراحلها العمرية. أما أميليو بريني فقد أنجز أعمالاً فنية تتكئ على العلاقة بين اللغة والتجربة ومحاولة الإفادة من تفاعل المُشاهد مع العمل الفني الذي يتداخل فيه الصوت والضوء والصورة والنص المكتوب والحوار.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ديمومة الملاحم في الذاكرة الجمعية
-
أفلام الطبيعة
-
هل الفنان الغرافيتي مُشوّه للجمال؟
-
موت السلطة اللاهوتية في العقل الجمعي العراقي
-
معاناة المسلمين الأيغور
-
فيلم امرأة من ذهب لسايمون كيرتس
-
الخامسة علاوي ومقترح الأدب الجغرافي
-
-الولد الشقيّ- الذي يحمل مفاجآته معه أينما حلّ أو ارتحل
-
الولد الشقيّ الذي يحمل مفاجآته معه أينما حلّ أو ارتحل
-
انهيار الجلاد وانتصار الضحية في ثاني أفلام المخرجة أنجلينا ج
...
-
تجنّب عادة الاستظهار واللجوء إلى تحليل القصائد
-
فنّ الشارع بين الدعاية والتحريض
-
الرحيل تحت جنح الظلام 1
-
حُب وعنف في المتاهة الملحيّة
-
بناء القصة السينمائية
-
امرأة صينية تدجِّن شراسة الصحراء
-
أطفال كورد يحلمون بالوصول إلى الفردوس المفقود في المحار المك
...
-
اصطياد اللقطات اللونية المدهشة في صحراء نيفادا
-
التطرف الفكري في رواية -الأشباح والأمكنة- لذياب الطائي
-
تكريس الدعاية الرأسمالية في فيلم-صُنع في الصين- لكيم دونغ-هو
المزيد.....
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
-
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع
...
-
نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
-
الموسم السادس: قيامة عثمان الحلقة 178 باللغة العربية على ترد
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|