|
بخصوص دعاية الاشتراكيين الثوريين وبيانيهم الأخيرين - ملاحظات على المنهج
رامي صبري قرياقص
الحوار المتمدن-العدد: 4881 - 2015 / 7 / 29 - 16:36
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
عندما تطرح للمناقشة أساسيات وبديهيات يصاب المرء أحياناً بشلل في تفكيره، لا يصدق أنه مضطر أن يعيد حكي ما تم حكيه مئات المرات من قبل. يرتبط جزء كبير من الأزمة بوجود خلل منهجي أساسي في منطلقات أصحاب هذه المناقشات، يترتب على هذا الخلل المنهجي استنتاجات وتكتيكات لا يمكن، ولا يجوز، مناقشتها قبل تفنيد ما في منطلقاتها من خلل في المنهج. في تقديري ينطبق هذا على جزء كبير من المناقشات التي دارت مع، أو من قبل، الاشتراكيين الثوريين في الأيام الماضية، سواء حول بيانهم الأخير، أو البيان نفسه والتعقيب الذي أصدره المكتب السياسي بخصوصه. سأحاول أن أتناول هنا المشاكل المنهجية الأساسية، لا الاستخلاصات السياسية النهائية، في محاولة للاشتباك الموضوعي مع دعوتهم للنقاش. بالتأكيد مناقشة المنهج لا تنفصل عن مناقشة الموضوع، وسأجد نفسي مجبراً على التعرض للموضوع في أكثر من نقطة، لكن يظل الهدف النهائي هو المنهج الذي يشكل نقطة الخلاف الأساسية في رأيي.
1.استخدام المغالطات المنطقية المغالطات المنطقية logical fallacies هي توصيف لأسلوب يعتمد في المغالطات أساساً على المنطق الصوري، يكفي أن تقدم مقدمة خاطئة في قلب عدة مقدمات صحيحة، أو أن تستخلص من عدة مقدمات صحيحة تعميماً غير صحيح، لتخرج باستنتاج نهائي مغلوط، أو أن توجه التفكير لتناول القضية بمنطق مقلوب أو خاطئ. وفي تقديري توصيف تناول باستخدام مغالطات منطقية هو أفضل بالتأكيد من التوصيف بالتدليس، لكن تظل النتيجة النهائية واحدة، هي نتائج خاطئة مبينة على المغالطة الأساسية. أ. نقطة الانطلاق في البيان وفي دعاية الاشتراكيين على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أعيد التأكيد علي في تعقيب المكتب السياسي، تحتوي على عدة مقدمات مغلوطة، مثل أولها وأهمها هي المساواة بين عدة مواقف مختلفة وتوصيفها كلها بالحياد؛ فيصبح من كل يرى أن العسكر والإخوان جناحي الثورة المضادة محايد، تخلط هذه المقدمة بين مستويات عدة من التعامل مع الموقف (وهي مواقف غير متداخلة بل إن أحدها ينفي الآخر) لتجعلها مستوى واحد، - فمن يرى الطرفين أعداء ويسعى لمواجهة كليهما عبر الدعايا والفضح ضد كليهما (وهما السبيل الوحيد المتاح حالياً نتيجة لحالة الجماهير)، - هو مساوٍ لمن يقف في منتصف الطريق بين الجناحين، - وهو مساوٍ لمن يتحدث عن المعارك الاجتماعية مع تجاهل الصراع الدائر ويتخيل أنها ممكنة بمعزل عن الصراع، - مساوٍ لمن يخلط بين قمع المتظاهرين الإسلاميين ومواجهة الإرهاب، ويراهما واحداً، ويرى أن مواجهة جناح الإسلاميين غير ممكنة إلا بواسطة العسكر. كل هذه الموقف تصبح تعبيراً عن موقف واحد ينتظر نتيجة معركة العسكر والإسلاميين. وبالتالي يصطف مع الديكتاتورية العسكرية. بحسب ما ذكر في البيان الأصلي: "ولكن هناك (من يقف في منتصف الطريق). (يرفض الثورة المضادة بنفس درجة رفضه للإخوان. أي يعتبر أننا أمام فصيلين من الثورة المضادة. فصيل عسكري مباركي مرفوض وفصيل إخواني إسلامي مرفوض). (ويحاول هؤلاء أن يبقوا على مسافة واحدة من الفصيلين المتحاربين متصورين أن بإمكانهم تجاهل كل هذه المعارك والعمل على بناء بديل ثالث يعارض بنفس الدرجة قمع وسياسات النظام العسكري وكل ما تقوم به المعارضة الإسلامية) وهنا بالطبع (يتم المزج بين مختلف الحركات الإسلامية ومختلف أشكال معارضتها، عنيفة كانت أو سلمية. يصبح الإرهاب الدموي في سيناء ومظاهرة سلمية في ناهيا مجرد تنويعات مختلفة لثورة مضادة إسلامية ظلامية لا تقل خطورة وسوء عن الديكتاتورية العسكرية القائمة). هذا الطريق الثالث بالطبع (معارض على المستوى الشكلي ولكنه على المستوى العملي والضمني فهو داعم للنظام العسكري)." وبحسب ما ذكر في التعقيب: "11- هناك تياراً آخر في اليسار، يرفض وصف الحركة الإسلامية بالفاشية ولكنه يراها لا تقل خطورة عن الحكم العسكري الذي يمثله السيسي. والفكرة بالنسبة لذلك التيار يمكن تلخيصها كالتالي: إننا بالطبع ضد الديكتاتورية العسكرية، وبالطبع نريد النضال ضدها من أجل أهداف ديمقراطية واجتماعية، أهداف الثورة المصرية في 25 يناير 2011. وبالطبع نرى أن ما يحدث في مصر تحت حكم السيسي هو ثورة مضادة بامتياز، ليس فقط إزاحة للإخوان من المشهد السياسي بل تفكيك وتدمير الثورة المصرية من جذورها. ولكن بسبب خيانة الإخوان المسلمين للثورة وبسبب رجعيتهم وبسبب تبنيهم لنفس سياسات مبارك وبسبب تحالفاتهم مع السلفيين وبسبب طائفيتهم، بسبب كل ذلك، يجب أن تكون معركتنا ضد الديكتاتورية ليس فقط مستقلة عن معركة الإخوان ضد النظام، بل يجب علينا خوض معركتين في آن واحد. ضد ما يمكن تسميتهم جناحي الثورة المضادة: جناح الديكتاتورية العسكرية وجناح الرجعية الدينية ممثلة في تنظيم الإخوان المسلمين وحلفاؤه. 12- نحن بالطبع نعتبر هؤلاء رفاقاً لنا في المعركة ضد الديكتاتورية العسكرية حتى وإن كنا نختلف معهم بشدة حول فهم طبيعة الحركة الإسلامية وحول فهم طبيعة المشهد السياسي الحالي. بل نرى خطورة شديدة في موقفهم هذا تؤدي في نهاية المطاف للاصطفاف الضمني مع الديكتاتورية العسكرية سواء بالعجز والشلل وبالتالي الوقوف كالمتفرج على المعركة، أو القبول بالواقع وانتظار نتيجة المعركة. أي أنه، مع سحق الحركة الإسلامية سيأتي دور المعارضة المدنية ومنها اليسارية في مواجهة الديكتاتورية."
هذه المغالطة المنطقية الأساسية التي تساوي بين مواقف مختلفة وتطلق عليها كلها توصيفاً واحداً، هي نقطة الانطلاق في الموقف، ولأن المواقف المختلفة أصبحت شيئاً واحداً، فيمكن بكل بساطة أن تختار احدها (وهو بالطبع الأسهل بالنسبة لك في الهجوم عليه)، ليصبح هو تمثيل هذه المجموعات كلها ويتم الهجوم على مواقفه باعتبارها مواقف كل هذه المجموعات، فيصبح كل من ضد الجناحين هو ضمنياً في صف العسكر، كلهم كتلة واحدة لا تخلق إمكانية لبناء طريق ثالث، وأيضاً سيصبح كل من سيرفض البيان وينتقده هو محسوب على العسكر، ويصبح التمثيل السياسي لكل هؤلاء هو الحزب المصري الديموقراطي الذي كان منه رئيس الحكومة بعد 3 يوليو، وكلما تكون هناك حاجة لذكر موقف تبريري للهجوم يذكر موقف الديموقراطي الاجتماعي، مع استمرار حملة الهجوم والتشهير على كل الكتلة المصمتة التي شكلتها المغالطة المنطقية الأولى. ب. كنتيجة أخرى لهذه المغالطة وما ترتب عليها، كما يذكر التعقيب، يصبح لا إمكانية لبناء طريق ثالث إلا في مواجهة الديكتاتورية العسكرية، مستقل ومنفصل عن الإخوان، لكن لا يمكن أن يكون معادٍ لهم، لأنه وقتها سيكون في صف العسكر وهم الهدف الأساسي من تكوين هذا الطريق. مشكلة هذا الاستنتاج أنه، وبرغم من تأكيد الاشتراكيين في تعقيبهم على مشاركتهم في بناء جبهة ثوار، إلا إنه يعلن بوضوح عقم جبهة ثوار وأي محاولة شبيهة، (والاشتراكيون بالمناسبة يتراجعون عن الشعار الأساسي للجبهة ويعتبرونه غير مناسب) لأن الصراع هو صراع ثنائي ولا يمكن أن يكون ثلاثي، أي يجب أن يتحد طرفان في مواجهة ثالث (ليس بالضرورة عبر تحالف بين هذين الطرفين) ولا إمكانية لغير ذلك. جـ. المغالطة المنطقية الهامة الثانية، هي المساواة والخلط بين فكرتين هما؛ الحياد السلبي وشرعنة القمع، واعتبار الإخوان تيار مضاد للثورة، فبحسب هذه المغالطة معنى أن تعتبر الإخوان تياراً مضاداً للثورة هو أن تشرعن القمع ضدهم وأن تكون محايداً في مواجهة انتهاكات الدولة، لا يمكن أن تعتبر الإخوان تياراً مضاداً للثورة وتنتقد الانتهاكات الحقوقية والقانونية التي يتعرضون لها، لا يمكن أن تعارضهم سياسياً وتتضامن معهم حقوقياً، وبالتالي النتيجة تصب من جديد في النتيجة الأولى: من يعارض الإخوان يؤيد القمع. د. أيضاً يرتبط بالنقطة السابقة الخلط بين الإخوان المسلمين كتنظيم سياسي، وشباب الإسلاميين كحقيقة اجتماعية تمثل تيار واسع وفضفاض، وتصبح معاداة أي تيار للإخوان سياسياً هي معادة لكل الشباب الإسلامي على المستوى الاجتماعي. ه. يضاف إلى ما سبق الربط الدائم ما بين من يرون الإخوان فاشية ورفعت السعيد، مثل الإشارة المبتذلة في التعقيب (يا فرحة رفعت السعيد)، وكأنه لا إمكانية لأن يتبني شخص ما هذا التحليل نتيجة لمشاهدات وملاحظات موضوعية، إلا إن كان عميلاً للدولة مثل رفعت السعيد. النتيجة النهائية التي تؤدي إليها هذه المغالطات هي أن كل انتقاد للبيان أو لموقف الاشتراكيين هو انتقاد للموقف الثوري الأصيل من قبل "كلاب" العسكر، تصبح المجموعة في مواجهة أعداء الثورة، في موجهة هجمة المتحالفين مع الثورة المضادة، لا تعامل منطقي أو يفترض الحد الأدنى من المنطق، رد الهجوم هو الأولوية. لا أدري إن كان هذا مقصوداً أم لا، لكن نتيجته النهائية هي تحول الجدال حول الأفكار السياسية إلى نوع من الهجوم والهجوم المضاد ذوي الطابع التنظيمي. ويصبح هدف المشتبكين في الجدال من أعضاء الاشتراكيين هو الحفاظ على تماسكهم التنظيمي في مواجهة هجوم عملاء العسكر.
2.نظرة ميتافيزيقية لا جدلية يتميز المنهج الجدلي في التفكير عن الميتافيزيقا، أنه لا يكتفي بالنظر لحظات معزولة عن التاريخ والمستقبل، ولا بماهيات مفصولة عن أي تفاعلات وتناقضات داخلية أو خارجية، لكن يتعامل مع صيرورات وسيرورات (عمليات تحول وتحرك مستمرة) تضم في قلبها تناقضات وتفاعلات مستمرة. وهو ما غاب عن دعاية الاشتراكيين في تناولهم للنقاط التالية: أ. يستخدم الاشتراكيون منهجاً جدلياً انتقائياً، فيرفضون فكرة وجود أجنحة في قلب الثورة المضادة، ويطرحون أن الثورة المضادة هي كتلة واحدة تتشكل من البورجوازية الكبيرة وجهاز الدولة العسكرية، وهو في الحقيقة تعبير عن إدراك ميتافيزيقي للواقع وتعقيداته، يتجاهل حتى الصراعات داخل مكونات هذه الكتلة (فضلاً عن تجاهل مكونات أخرى قد تشكل كتل أخرى، أو تتداخل مع هذه الكتلة في بعض اللحظات)، فأجهزة الدولة تعبر عن كتلة واحدة منسجمة لا صراعات أو خلافات بينها، البورجوازية الكبيرة كتلة واحدة لا منافسة أو خلافات بينها. أو أن هذه الكتلة تملك طريقة واحدة لتصفية خلافاتها هي عبر اجتماعات واتفاقات مندوبيها في الغرف المغلقة. على الطرف الآخر ينظر التحليل إلى الثورة وكتلتها نظرة حيوية، تصر على وجود أطراف متعددة في معسكر الثورة، تختلف عن بعضها لدرجة أن بعضها خان الثورة والتحق بمعسكر الثورة المضادة (غادر معسكر الثورة لكنه يظل ليس عضواً كامل العضوية في معسكر الثورة المضادة). ب. يتعامل الاشتراكيون مع فكرة الثورة المضادة باعتبارها تجريد وتوصيف ثابت ولحظة ثابتة، لا ترتبط بسياقات أو بتطور الأحداث، لكنها معسكرات ثابتة وواضحة منذ ما قبل الثورة (التحالف الذي قامت الثورة ضده)، لا تتغير جوهرياً لكن يمكن أن يتحالف معها هذا الطرف أو ذاك بشكل مؤقت قبل أن تلفظه. وفي الحقيقة يحتوي هذا التعامل، بجانب المنظور الميتافيزيقي، على خلط واضح بين مفهوم الثورة المضادة ومفهوم السلطة الحاكمة في المجتمعات في غير اللحظات الثورية. فمفهوم الثورة المضادة هو النقيض الملازم لمفهوم الثورة، ولا يوجد إلا بوجود الثورة، قبل الثورة لا يطلق على النظام الحاكم الثورة المضادة. الثورة المضادة هي الوقوف في مواجهة تجذر الثورة، والسعي لاحتوائها وهزيمتها، وبالتالي يرتبط مفهوم الثورة المضادة في الأساس بالمصالح الطبقية، على سبيل المثال؛ جناح البورجوازية ذا الميل الليبرالي الذي يمثله ساويرس وآخرون، هو جناح من أجنحة الثورة المضادة بامتياز لأن مصالحه الطبقية تجعله في مواجهة أي تجذر للثورة، برغم أنه لم يكن جزءً من السلطة الحاكمة قبل الثورة. أيضاً، تتعامل الثورة المضادة بأساليب مختلفة لاحتواء الثورة (قد يبدو بعضها في صف الثورة أو انتصاراً لها) بحسب السياق وقوة وتجذر الحركة الجماهيرية، وأيضاً بحسب مصالح أطرافها المختلفة، وبالتالي لا تصبح الثورة المضادة بالتوصيف مقصورة على القمع المادي المباشر، على سبيل أول خطوة للثورة المضادة في رومانيا لتصفية الثورة كانت هي إعدام شاوشيسكو بعد محاكمة صورية، وهو الإجراء الذي كان يمس مصالح جزء من القيادات الكبيرة في الدولة آنذاك، ولم تبدأ المؤسسة العسكرية المصرية في اتخاذ موقف ضد اعتصام التحرير في يناير 2011، إلا بعد أن تخلي مبارك رسمياً عن مشروع التوريث، وحتى في الضغط على مبارك لتنحيته، لم يكن إلا للحفاظ على المؤسسة وامتيازاتها من تجذر الغضب الشعبي. في كلا الحالتين لم تتغير طبيعة الأطراف المعادية للثورة بسبب تلاقيها مع الثورة في نقطة أو مناورة، ولم يكن شاوشيكو أو مبارك متحالفين بشكل مؤقت مع الثورة المضادة، لكنهم ممثلي أجنحة في النظام السياسي (الذي قامت الثورة ضده) تم التخلص منها لمواجهة الأزمة. جـ. مرة أخرى يظهر المنهج الجدلي الانتقائي في التعامل مع ما يخص قواعد شباب الإخوان الذين يجب أن يتم التضامن معهم في مواجهة بطش الثورة المضادة الذي يواجههم، بينما يكون المطروح دوماً أن الجنود والضباط الصغار هم ضحية لقياداتهم التي تصنع الإرهاب. الموقف قاصر في كلا الحالتين، فلا نقد للقيادات الإخوانية التي أعلنت أكثر من مرة عن تبنيها خيارات عنيفة وعمليات نوعية تحت اسم التصعيد الثوري، ولا عن مسئوليتهم عن وضع قواعدهم في هذا الموقف الذي ينكل بهم فيه بمباركة شعبية، ولا تضامن مع الجنود وصغار الضباط في مواجهة ما يتعرضون له من هجمات إرهابية واغتيالات لا تطول إلا الأفقر فيما بينهم.
3.النتيجة النهائية.. مد الخط على استقامته استنكر بعض الاشتراكيون هجوم البعض عليهم واتهامهم بأنهم يمهدون لعقد تحالف مع الإخوان، وقالوا إن هذا اتهام باطل وأن بيانهم لم يدعُ لمثل هذا التحالف، وبالتأكيد لم يتحدث البيان عن تحالف مثل هذا، والصياغة التي تحدث بها التعقيب عن شكل التحالف لم تذكر التحالف مع الإخوان، لكن تحدثت عن جبهة مفتوحة لا تضم الإخوان (تطرح الدفاع عن كوادرهم ومؤيديهم ضد البطش) لكنها منفتحة للعمل مع شباب الإسلاميين (لا يوجد برنامج مطروح أو معايير لهذا التحالف سوى مواجهة الديكتاتورية العسكرية)، إلا أن الهجوم على الاشتراكيين لم يأتِ من فراغ، لكنه تعامل مع المقدمات التي أعلنها الاشتراكيون، ومد خطها على استقامته. أ. قبل البيان بأسابيع كتب أحد كوادر الاشتراكيين (د. طاهر مختار) سلسة من المقالات عن 30 يونيو، كان في متن أحدها صياغة واضحة أن التضامن الحقوقي (في مواجهة البطش والقمع) مع الإخوان لم يعد كافياً ويجب أن يكون هناك تضامن سياسي، ولم يوضح لا المقال ولا الاشتراكيون ماذا يعنون بكلمة التضامن السياسي. ب. تحدث البيان والتعقيب عن أن من يرفض العسكر والإخوان بنفس القدر هو في صف العسكر، وأن الموقف الصحيح لبناء البديل الثالث هو ألا ترفض الطرفين بنفس القدر وأن تقف في مواجهة الديكتاتورية العسكرية، وتفسير هذا الكلام أن الثوريين مدعوون لأن يقفوا في نفس الخندق مع الإخوان في مواجهة الديكتاتورية العسكرية، وهو ما لا أعتبره مشكلة لأنه موقف موضوعي لا يعني التحالف، لكن دون أن يرفضون الإخوان، وهنا تأتي المشكلة لأن وقوفي مع طرف في نفس الخندق لمواجهة طرف آخر دون إعلان رفضي لهذا الطرف واختلافي الجذري معه يعني ضمنياً التحالف. لكن التعقيب الأخير حاول أن يحل هذه المعضلة، فطرح أنه "من غير المطروح ولو للحظة التخلي عن نقدنا المبدئي لمواقف الحركة الإسلامية الرجعية أو المهادنة ولاستقلالية شعاراتنا ومواقفنا وراياتنا وتنظيماتنا"، ليصبح الأمر ملتبساً وغامضاً ومرتبطاً بتحديد الاشتراكيين لماهية الحركة الإسلامية الرجعية، وأي مبادئ ينتقدون من خلالها، وأي مواقف تنتقد. جـ. بحسب تراث الماركسية الثورية فإن الطريق الوحيد لمواجهة الفاشية الصاعدة أو قطع الطريق على فاشية محتملة، هو الجبهة العمالية المتحدة بين المكونات الثورية والإصلاحية للحركة العمالية. وبالتالي يصبح إصرار الاشتراكيين على تعريف جماعة الإخوان أنها جماعة إصلاحية، مع توصيف النظام الحالي بأنه يقترب من الفاشية، كلاهما عاملان يدفعان نقاد الاشتراكيين إلى مد موقفهم السياسي على استقامته ليصل إلى نقطة التحالف.
4. النظرة إلى الإخوان.. هل هم إصلاحيون؟ نقطة أخرى يظهر بها خلل المنهج - في تقديري - هي الطريقة التي يدافع بها الاشتراكيون عن تصنيف الإخوان على أنهم جماعة إصلاحية، ولست هنا بصدد تناول هذا التحليل، لكن منهج الدفاع عنه: - فيُطرح أنهم إصلاحيون وليسوا من الثورة المضادة لأنهم تيار جماهيري، وكأنه لا يمكن لأحزاب الثورة المضادة أو تمثيلاتها السياسية أن تكتسب شعبية وجماهيرية في سياقات سياسية بعينها. - أو يُطرح أنهم إصلاحيون لأن كتلتهم الرئيسية من البورجوازية الصغيرة، وكأن التجارب الفاشية تاريخياً لم تتشكل من كتل من البورجوازية الصغيرة واستغلت أوهامهم الطوباوية لتتبنى مشروعات معادية للثورة بتنويعات مختلفة. - أو يُطرح أنهم إصلاحيون لأنهم يسعون للسلطة عبر الانتخابات، وكأن أشد أحزاب اليمين محافظة ورجعية لا يمكن أن تسعى للسلطة عبر الانتخابات، خاصة إن كانت الطرق الإنقلابية غير متاحة أمامها بسبب ضعفها أو السياق الاجتماعي أو قوة النظام. في تقديري أن تحليل الاشتراكيين الثوريين للإخوان المسلمين، وتحديداً في كراس سامح نجيب (الإخوان المسلمون .. نظرة اشتراكية)، هو تحليل غير كافٍ لأنه اعتمد على مناقشة توجهات وبرامج الإخوان (التي قد يشكل جزء كبير منها دعاية مخادعة أكثر منه تعبيراً عن تذبذب طبقي) دون أن يتم تحديثه لتناول الإخوان وانحيازاتهم في السلطة. واعتقد إن أي تناول لمسألة كون الإخوان إصلاحيين أم لا دون التعرض لبرنامجهم في السلطة هو تناول قاصر ولا يمكن الاعتماد عليه. أخيراً هناك نقطتين طرحهم التعقيب وبعض الاشتراكيين في تناول هذا الموضوع: أولاً أن توصيف الإخوان كإصلاحيين هو ليس بحسب معايير التجارب الإصلاحية الغربية (تجارب الاشتراكية الديموقراطية)، لاختلاف السياقات. في الحقيقة هذا الطرح يحتاج أيضاً لتوضيح إن كان يترتب عليه، بسبب اختلاف السياقات أيضاً، تغيير في التكتيكات الماركسية بصدد الإصلاحيين عند التعامل مع الإخوان، أم تظل نفس التكتيكات صالحة. خاصة ما أشرت إليه في نقطة سابقة فيما يخص التحالف مع الإصلاحيين لقطع الطريق على الفاشية. في الحقيقة، ومن تجارب التنظيرات السابقة، يتبنى الاشتراكيون تعريفاً معدلاً للإصلاحية دون التفكير في أي تعديل في التكتيكات. ثانياً يحاول البعض تحسين التوصيف الإصلاحي للإخوان، وجعله أكثر اتزاناً، بإضافة توصيف رجعي، فيصبح الإخوان جماعة إصلاحية رجعية، في الحقيقة هذه الإضافة تجعل التوصيف متناقض يحتاج إلى المزيد من التوضيح، فماذا نعني بجماعة إصلاحية رجعية؟ وبأي معيار تكون إصلاحية؟ وفي أي نقاط تكون إصلاحية، وفي أي نقاط تكون رجعية؟ وهل يستقيم أصلا الجمع بين التوصيفين؟
5.ملاحظات أخيرة أخيراً هناك ملاحظتان، مرتبطتان بالمنهج، لكن مستقلتين بدرجة ما عن القضية الأساسية، أولهما هو طرح بعض الاشتراكيين بدائل لـ 30 يونيو، هي بكل بساطة إقناع الإخوان ومرسي بإجراء انتخابات مبكرة وذلك لتفادي تدخل العسكر، وكأن هذا لم يكن هو الهدف الأساسي من 30 يونيو والذي رفضه الإخوان بشدة، ليقرروا الدفاع عن الشرعية بالحشد المضاد واستخدام العنف في مواجهة المعارضين. ثانيهما طرح التعقيب لضرورة بناء بديل بعيد عن الاستقطاب العلماني الإسلامي، ومع اتفاقي مع هذه الضرورة، لكني اعتقد أن طريقة تناول المسألة من قبل الاشتراكيين تدفع في هذا الطريق لا بعيداً عنه، فالإصرار على أن كل نقد ورفض سياسي موجهة للإسلاميين هو من أرضية الإسلاموفوبيا، وكأنه لا يمكن نقد الأطروحات الأساسية للإسلاميين انطلاقاً من رؤية سياسية أو تحليل ماركسي خارج الاستقطاب العلماني الإسلامي، يكرس هذا الاستقطاب أكثر ولا يساهم في حله. نقد الإسلاميين من أرضية مختلفة هو ضرورة لتجاوز الاستقطاب العلماني الإسلامي، واعتقد أني حاولت تقديم هذا النقد عند التعامل مع مسألة حزب مصر القوية، وبالتالي رفض الإسلاميين أو نقدهم ليس هو المعيار في تعميق الاستقطاب أو تجاوزه، لكن المعيار هو الأرضية والمنهج الذين ينطلق منهما ويستخدمهما هذا النقد. رابط النقد المتعلق بمصر القوية https://www.facebook.com/ramy.keriakes/posts/10152836486288342
#رامي_صبري_قرياقص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بخصوص دعاية الاشتراكيين الثوريين وبيانيهم الأخيرين - ملاحظات
...
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|