أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - نفرتيتي.... جميلةٌ أتلفها الهوى














المزيد.....


نفرتيتي.... جميلةٌ أتلفها الهوى


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4880 - 2015 / 7 / 28 - 09:23
المحور: الادب والفن
    


للحق، لم أنزعج كثيرًا من التمثال الموضوع مؤخرًا بمدخل مركز سمالوط، مثلما انزعج جموعُ المصريين منه، حتى اضطر المحافظ إلى إزالته. حينما شاهدته للمرة الأولى فكرت أن صانعه أراد أن يصنع بعض "الإزاحة الفنية" لرأس نفرتيتي العظيم. ومازلتُ أظن، أو أتمنى، أن يكون هذا مقصد النحات، بقدر ما لا أرجو أن يكون قد قصد صناعة نسخة مطابقة للقطعة الفنية الأشهر، فخانه الإزميلُ، وخانته الرؤية، وخانه الفنُّ. فإن قصد الإزاحة الفنية، شأن ما يفعل الفنانون الكبار حين يتلاعبون بنسب البورتريه ليعطون "رؤيتهم" الخاصة للهدف المرسوم، فهذا له، ولا حق لأحد أن يسائل الفنانَ عن رؤاه. أما إن قصد "المحاكاة"، فلا شك أنه ارتكب جريمة فنية كبرى لا نقبلها.
إنه رأس نفرتيتي الذي لا يُقدّر بثمن، الجميلة التي دوّخت الدنيا، والتي سرقها الألمان من أرضنا في لحظة غفلة وعدم إدراك بقيمتها الحقيقية.
أتذكر الآن لحظة مشاهدتي رأس نفرتيتي للمرة الأولى في ألمانيا. خصّها الألمانُ بقاعة منفردة بالطابق الثاني بمتحف برلين الحديث. يقفُ حارسٌ مهيبُ الركن عند مدخل القاعة. يشير لك بأن تُنحي الكاميرا في جيبك، قبل دخول حرم الملكة. التصوير ممنوع قطعيًّا. هنا "فقط!" رغم إباحته، دون فلاش، في سائر قاعات المتحف الشاسع بأدوراه الأربعة! عبثًا أخبرُه أنني مصرية، ومن حقي أن ألتقط صورةً لجدتي! يومئ برأسِه يمنةً ويسرةً، دلالةَ الرفض القاطع! أشيرُ إلى خاتم إصبعي يحمل رأسَ الملك "إخناتون"، زوجها! فيبتسمُ قائلاً: "مادامتْ جدّتك؛ دعينا نُكرِّمها، كما يليق باسمها!" وخِلتُه كأنما يهمس: "نحن لسنا مثلكم! نسمح بأن يقول أحدُهم: الحضارة الفرعونية ‘عفنة’، ثم لا نُسقط عنه الجنسية المصرية! نحن لا نراها ‘أوثانًا’، كما يراها بعضُكم! بل هي إرثُ الإنسانية الهائل الذي شيّده المصريون، وقت كنّا، نحن الأوروبيين، وسوانا من الشعوب، نرفل في البداءة، وتتعثر خُطانا في الحبْو الأول نحو النور! نحن ندفع 390 مليون دولار، بوليصةَ تأمين على الرأس العظيم." أخجلني الحارسُ! فأطرقُ برأسي نحو الأرض، وأمضي حزينةً نحو جدتي. أعتذرُ لها. فتسألني عن مصرَ وأحوالها. ولم أشأ أن أحكي لها "ع اللي جرى"، كيلا تحزنَ في غربتها.
أختلسُ النظرَ للحارس. فيبادلُني الرَّيبةَ، بمثلها! ماذا لو أخبرتُه عن نيّتي الشريرة؛ وعزمي أن "أسرقَها"؛ لأُعيدَها إلى بلادي، حيث يجب أن تكون؟! تتصارعُني فكرتان، كلاهما حقٌّ. من حق مصرَ استعادةُ كنوزها، هذا حقٌّ. لكنها مُكرّمةٌ هنا أكثر، في بلاد يُقيّمون كنوزنا، أكثرَ مما نفعل! هذا أيضًا، للأسف، حقٌّ! منذ عام 1913، تاريخ سفر الجميلة إلى ألمانيا بعدما اكتشفتها بعثةُ التنقيب الألمانية بقيادة عالم الآثار "لودڤ-;-يج بورشاردت"، ووقوعها في نصيب ألمانيا، إثرَ خدعة في توصيف أهمية التمثال، وألمانيا تقوم بأعمال أسطورية للحفاظ على الصيد الثمين؛ خلال حربين عالميتين هائلتين من قنابل بريطانيا وقنّاصة الآثار. وقتها قال بورشاردت: "أصبح بين أيدينا أجملُ الأعمال الفنية المصرية الباقية. مستحيلٌ وصفُه بالكلمات، يجب أن تراه."
تتحلّق النساءُ حول الجميلة في صندوقها البلّوريّ الضخم الذي يحافظ على درجة حرارة ثابتة ومثالية، لحماية ألوان التمثال حتى يصمدَ ويعبر الأزمانَ والتاريخَ، مثلما عبرَ البلادَ والجغرافيا. إنه إرثُ البشرية حتى نهاية الأبد. صنعه نحّاتُ البلاط الملكيّ "تحتمس" عام 1340 ق م. كانت الملكة، التي يعني اسمُها: "الجميلةُ أتت"، تذهب إلى الأستوديو الخاص بالفنان في "تلّ العمارنة"، لتقفَ أمامه كموديل. تشخصُ زائراتُ المتحف من الألمانيات وغيرهن في وجه الملكة. ليتعلّمن كيف كانت تضعُ الكحلَ حول عينيها الساحرتين. ساحرتان عيناها وإنْ طُمسَت اليسرى. أنفُها الدقيق العالي، جبهتُها المشرقة، شفتاها الحادّتان، لونُها الخمريّ المشرَّب بطمي النيل، عنقُها الطويل النحيل، حاجباها المصريان الكثيفان، ابتسامتُها الراقيةُ الغامضة، قُلادتُها الذهبية الأنيقة وتاجُها الملكيّ، جميعُها تُنبئ بما كتبه التاريخُ عن عظمة بلادنا وتحضّرها، قبل آلاف السنين.
أما عينا الملكة، كما تقول الكلمةُ المكتوبة جوار تمثالها، فتشخصان في زهو وكبرياء، من تحت القبّة الجنوبية، عبر قاعات المتحف الألمانيّ، حتى تلتقي نظرتُها بعيني ابن رب الشمس "هليو"، من الأسكندرية، في قاعته البعيدة، التي يفصلها عن قاعة نفرتيتي 300 متر.
محاولاتٌ مصريةٌ دءوبٌ جرت على مدى عقود لاستعادة التمثال. باءت جميعُها بالرفض الألمانيّ الحاسم. وحين طلب الرئيسُ السادات استعارة رأس نفرتيتي ليراه المصريون، على وعد بإعادتها. رفض الألمانُ قائلين: "نثقُ في كلمتك، لكننا نخشى أن يرفض المصريون إعادتَها لنا!" تُرى، هل أحسنوا الظنَّ بنا؟!
حينما سُئل المحافظُ عن تمثال سمالوط، كان بوسعه أن يقول إنها رؤية النحات، وليست محاكاة طبق الأصل لرأس نفرتيتي. لكنه أجاب الإجابة الأسوأ من التمثال، فقال: “التمثال كان جيدًا، لكن الإخوان أتلفوه.” هنا لا أجد أبلغ من عبارة نجيب محفوظ في الثلاثية حين قال: “بضاعةٌ أتلفها الهوى"!
عيشي يا مصرُ ولتحيا آثارُك العظمى أبد الدهر، تعلّم الفنانين والعلماء أننا أرقى حضارات الأرض.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على شرف علي الحجار
- يقول الدواعش... يقول المصريون
- هديتي للرئيس
- التكبير في ساحة الكنيسة
- لا تقتلوا الخيرَ... والتمرُ خيرٌ
- 30 يونيو رغم أنفكم يا هالوك الأرض
- الله يسامحك!
- فارسٌ وجميلة وبعض خيال
- ليه كده يا أم أيمن؟!
- لماذا أكتب في -نصف الدنيا-؟
- القرضاوي يفخّخ المصريين بالريموت كونترول
- أصعبُ وظيفة في العالم
- شركات الاتصالات: اخبطْ راسك في الحيط
- السراب
- وسيم السيسي... سُرَّ من رآك
- في مهزلة التعليم.... المسيحيون يمتنعون
- فانوس رمضان
- درجة الإملاء: صفر
- -الحرف-... في المصري اليوم
- هدايا لم تُفتح منذ مولدك


المزيد.....




- اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار ...
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - نفرتيتي.... جميلةٌ أتلفها الهوى